كيف تؤثر تعقيدات الاقتصاد العالمي على السياسات الاجتماعية في الصين؟
مع تزايد تعقيدات الاقتصاد العالمي، تواجه الصين تحديات كبيرة في تحقيق استدامة سياساتها الاجتماعية. ووفقاً لتقرير صادر عن الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، من المتوقع أن يبلغ عدد العاطلين من العمل في المناطق الحضرية حوالي 10 ملايين شخص بحلول نهاية 2024.
تواصل الصين رسم معالم سياساتها الاجتماعية بهدف تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي السريع والعدالة الاجتماعية. ومع تزايد التحديات الداخلية والخارجية، باتت السياسات الاجتماعية محركاً رئيساً لضمان الاستقرار الاجتماعي وتعزيز مكانة الصين كقوةٍ عالمية. قراءة هذه المعطيات تستوجب تعمّقاً في متابعة التحولات الرئيسية في السياسات الاجتماعية الصينية، بالأرقام والمؤشرات بالإضافة إلى تبيّن التحديات المستقبلية التي تواجه البلاد.
التحولات في السياسات الاجتماعية الصينية
شهدت الصين تحولاً كبيراً في سياساتها الاجتماعية منذ بداية الألفية الثالثة. أحد أبرز التطورات كان إدخال "خطة التنمية الـ13" (2016-2020) التي وضعت أهدافاً طموحة لتحسين مستوى المعيشة وتقليص الفجوة بين المدن والريف. وفقاً لبيانات البنك الدولي، ارتفعت نسبة الطبقة المتوسطة في الصين من 4% في عام 2000 إلى حوالى 50% في عام 2020، مما يعكس نجاح السياسات الحكومية في رفع مستويات الدخل وتعزيز الطبقة المتوسطة.
ومنذ إطلاق الإصلاحات الصحية في عام 2009، حققت الصين تقدماً كبيراً في توفير الرعاية الصحية للمواطنين. وفقاً للإحصاءات الحكومية، بلغت نسبة التغطية الصحية الشاملة حوالى 95% من السكان بحلول عام 2020، مقارنة بنسبة 30% فقط في عام 2003. ومع ذلك، لا تزال التحديات قائمة، حيث تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى وجود تفاوت كبير في جودة الخدمات الصحية بين المناطق الحضرية والريفية، حيث يتجاوز الإنفاق الصحي في المناطق الحضرية نظيره في المناطق الريفية بنسبة تصل إلى 4,1.
وبما يختص بسياسات التقاعد والضمان الاجتماعي، فإن الصين تواجه تحدياً ديموغرافياً كبيراً مع تزايد نسبة الشيخوخة في المجتمع. ووفقاً لتقديرات وزارة الشؤون المدنية الصينية، من المتوقع أن تصل نسبة السكان الذين تجاوزوا سن 60 عاماً إلى 30% بحلول عام 2050. استجابةً لهذا التحدي، رفعت الحكومة سن التقاعد التدريجي، ووسعت نطاق أنظمة التقاعد لتشمل فئات أوسع من المجتمع. ومع ذلك، تواجه الحكومة تحديات في تمويل هذه الأنظمة، حيث تشير التقديرات إلى أن عجز صندوق التقاعد قد يصل إلى 8 تريليون يوان (حوالى 1.23 تريليون دولار) بحلول عام 2035 إذا لم يتم إجراء إصلاحات جذرية.
في مجال التعليم، ركزت الصين على تحسين جودة التعليم وتوفير فرص متكافئة لجميع المواطنين. وقد زادت الحكومة من الإنفاق على التعليم ليصل إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2022، وفقاً لبيانات وزارة التعليم الصينية. ومع ذلك، لا تزال الفجوة بين المناطق الريفية والحضرية تمثل تحدياً كبيراً في هذا المجال أيضاً، حيث تظهر الإحصاءات أن معدل الالتحاق بالجامعات في المدن الكبرى يتجاوز نظيره في المناطق الريفية بنسبة تصل إلى 3,1.
وقد أظهرت الصين قدرة عالية على الاستجابة للأزمات من خلال سياساتها الاجتماعية أثناء جائحة كوفيد-19. أطلقت الحكومة حزمة تحفيزية بقيمة 3.6 تريليون يوان (حوالى 500 مليار دولار) لدعم الفئات الأكثر تضرراً، بالإضافة إلى توسيع شبكة الأمان الاجتماعي لتشمل حوالي 120 مليون شخص إضافي، بحسب وزارة المالية الصينية. وأظهرت الإحصاءات انخفاض معدل الفقر من 0.6% في عام 2019 إلى 0.2% في نهاية 2021.
التحديات المستقبلية
مع تزايد تعقيدات الاقتصاد العالمي، تواجه الصين تحديات كبيرة في تحقيق استدامة سياساتها الاجتماعية. وفقاً لتقرير صادر عن الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، من المتوقع أن يبلغ عدد العاطلين من العمل في المناطق الحضرية حوالي 10 ملايين شخص بحلول نهاية 2024 بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي والتحولات التكنولوجية. كما تواجه الحكومة تحديًا في كيفية تمويل نظام الرعاية الصحية المتنامي، خاصة مع تزايد تكاليف الرعاية الصحية التي يتوقع أن تصل إلى 12% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030.
في ظل التحديات الاقتصادية والديموغرافية، من المتوقع أن تركز الصين في السنوات المقبلة على تعزيز الابتكار الاجتماعي وتوسيع نطاق خدمات الرعاية الاجتماعية. قد تتجه الحكومة إلى إدخال تقنيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي لتحسين كفاءة تقديم الخدمات الاجتماعية وتوسيع نطاقها. كما قد تشهد الصين إعادة هيكلة لنظام التقاعد لتعزيز استدامته، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات العالمية المشتركة مثل التغير المناخي والصحة العامة.
في المحصلة، تعتبر السياسات الاجتماعية في الصين عنصراً حيوياً في تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية. وبرغم التقدم الكبير الذي تم إحرازه، لا تزال هناك تحديات ضخمة تتطلب إجراءات مستدامة ومبتكرة. ومع استمرار الصين في مواجهة هذه التحديات، ستظل السياسات الاجتماعية محوراً رئيسياً في جهود التنمية الوطنية، حيث ستحاول الحكومة تعزيز استقرارها الداخلي وضمان استمرار نموها الاقتصادي في المستقبل.
المراجع:
1. China's Aging Population: Implications and Policy Responses
2. Educational Reforms in China: Bridging the Gap
3. World Bank China Data
4. WHO China Healthcare Report
5. Chinese Ministry of Civil Affairs Report on Aging Population