شباب تونس أمام مستقبل هشّ: أزمة سياسية وهجرة وجريمة منظمة
حالة التجاذب السياسي والإقصاء الاقتصادي والسياسي والحرمان الاجتماعي في تونس أفرزت ارتفاعاً في أعداد المهاجرين بطريقة غير نظامية، بالإضافة إلى ارتفاع الجريمة المنظمة والفقر والبطالة.
تعيش تونس، منذ زهاء سنة، مجموعة من التجاذبات والهزات السياسية عمّقها، مؤخراً، إقالة عدد من القضاة من مهماتهم، في خطوة عدّها كثيرون إهانة لهم، إلى جانب رفض "اتحاد الشغل" المشاركة في الحوار الوطني، وإقرار الإضراب العام الذي عطل النسق الاقتصادي والاجتماعي يوم 16 من الشهر الجاري، وشلّ مختلف المطارات والموانئ التونسية، إذ توقفت الملاحة الجوية والبحرية، وألغيت كل الرحلات الجوية من تونس وإليها، وتوقفت حركة القطارات في المحطة المركزية بالعاصمة وحركة المترو والحافلات.
في خضم كل هذه الأحداث، وكما جرت العادة، يكون الانعكاس الأكبر لهذه الأحداث على الفئات الهشة من النساء والشباب والطبقتين الفقيرة والمتوسطة، على حد سواء.
نسق متصاعد وصفه "اتحاد الشغل" بـ"المنبئ بالانفجار"، فيما تباينت تصريحات الشباب حول الموضوع، إذ رأى بعض منهم أن ثمة آفاقاً مفتوحة لهم، وأن ملامح مرحلة جديدة برزت منذ الحملة الانتخابية للرئيس قيس سعيد، الذي فاز في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية التونسية بنسبة تجاوزت 76%، شكلت الفئة العمرية ما بين 18 و25 سنة 90% منها، و84% ممن تتراوح أعمارهم من 26 إلى 44 سنة، وفق استطلاع رأي أجرته مؤسسة "سيغما كونساي".
ومنذ 25 تموز/ يوليو الفائت، التفّ الشباب مرة واحتشدوا مطالبين بإيقاف عمل البرلمان، وهم بانتظار التغيير الموعود بمحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية والمشاريع التنموية للمناطق الداخلية المهمَّشة في البلاد، وإيجاد بدائل للانهيار الاقتصادي، وارتفاع نسبة البطالة بين الشباب، وتراجع مستويات المعيشة.
ويؤكد فاضل المكي، ناشط بالمجتمع المدني، الأوضاع الاستثنائية التي تتطلب الصبر من الشباب الذي عانى قبل 2011 وبعده ويلات التهميش والإفقار، وقال إن الطريق إلى التغيير ليس بالسهل، وأن المستقبل سيكون أفضل مما كان عليه قبل 25 تموز/ يوليو، رغم أن الخوف مشروع جداً. لقد سئم الشباب من سوء تعامُل الحكومات السابقة، والتهميش والفساد ومافيات الاحتكار، وأضاف أن الإصلاح يتطلب سنوات عديدة، وليس بضعة أشهر، وهذه الأحداث ما هي إلا استجابة لإرادة الشعب لمعالجة الشلل السياسي المستمر وحالة الضياع التي سادت، خلال فترة جائحة كورونا، في تونس.
تشاطر خديجة السويسي، صحافية وناشطة بالمجتمع المدني، فاضل المكي الرأي، إذ ترى أن فرص الشباب يمكن أن تتضاعف، إذا تم تنفيذ الوعود بالقضاء على الفساد والزبونية والمحسوبية وإفساح المجال للكفاءات، لأن ذلك سيقلص من نسب البطالة، ويعيد الأمل للبقاء في تونس، وعدم التفكير في الهجرة النظامية أو غير النظامية.
تعدّ مبادرة "مناظرة" من أهم مشاريع المجتمع المدني، إذ ساهمت بتكوين جيل من رواد الرأي والمستقبل، وتقول مديرتها التنفيذية فدوى الزيدي إن الشباب هو العنصر الأهم وصانع التغيير ويجب استثمار طاقاته، لأن المستقبل مرتبط بهذه الشريحة من المجتمع. في مقابل هذه الآراء، يعتقد آخرون بأن هذه الاضطرابات أنتجت حالة عامة من اليأس في صفوف الشباب، وأن الاستراتيجية السياسية العامة التي يتبناها رئيس الدولة خلقت حالة من الضبابية والخوف من المستقبل أكثر من ذي قبل.
وقد أشار حسيب العبيدي، عضو في "اتحاد المعطلين عن العمل"، أن حالة التجاذب السياسي والإقصاء الاقتصادي والسياسي والحرمان الاجتماعي أفرزت ارتفاعاً في أعداد المهاجرين بطريقة غير نظامية، وفقدان الأمل وارتفاع الجريمة المنظمة، وأضاف أن تنامي هذه الظواهر في صفوف الشباب يعود إلى ثقل العبء الاجتماعي والأسري الملقى على عاتقهم، إذ باتت هذه الفئة تواجه صعوبات كبيرة، فضلاً عن ارتفاع نسبة الإحباط الجماعي الذي ولد العنف في الشوارع، وفي المدارس والكليات والملاعب، بصفة ملحوظة.
وفي هذا السياق، أورد "المنتدى الاجتماعي والاقتصادي" في بيانه الصادر في 21 أيار/مايو الفائت أنه تم تسجيل نحو 297 حالة وفاة، واختفاء مهاجرين تونسيين ومن جنسيات أخرى على السواحل التونسية، منذ بداية العام الجاري وحتى 19 أيار/ مايو المنقضي. وينسحب هذا الوضع على الشابات والشباب الذين اختاروا العمل في منظمات المجتمع المدني.
وتقول أسرار بن جويرة، الناشطة النسوية والسياسية، إن لا مساحات للشباب الطموح، وأن المستقبل أصبح غير واضح، وأن الوضع بات معقداً أكثر فأكثر، إلى جانب شح الفرص محلياً، وتوقف كل المشاريع المرتبطة بالحريات والديمقراطية. لقد ضاق الشباب ذرعاً، وفقد الأمل في الطبقة السياسية وفي مستقبله بتونس، وفيما لاذ البعض بالبحر هرباً من واقعه عبر الهجرة السرية، يصارع من بقي في تونس البطالة والفقر والتهميش.
وأضافت ابن جويرة أن الانفراد بالسلطة أفرز حالة خوف من العودة إلى ما مضى من قمع للشباب الناشط اجتماعياً وسياسياً.
في مقابل هذه الآراء، يعتقد سفيان جاب الله، مختص في علم الاجتماع، أن حالة التسويق للتوتر والاحتقان تقتصر على السياسيين في المنابر الإعلامية، فيما يعيش المواطنون تفاصيل حياتهم اليومية بشكل عادي، وهم -على حد تعبيره- ككل صيف يجهزون أنفسهم، بعد نهاية السنة الدراسية، للاستمتاع بعطلة نهاية السنة. وأضاف أن عملية تحديد وقياس الانعكاسات الاجتماعية أو حالة الغليان من عدمها تتطلب دراسة ميدانية علمية.
وقد نشرت الحكومة التونسية وثيقة الإصلاحات، التي تسعى إلى اعتماد برنامج إصلاح اقتصادي، اشترطه صندوق النقد الدولي من أجل تمكين تونس الحصول على قرض بقيمة 4 مليارات دولار، على مدار 4 سنوات، بهدف تمويل خزينة الدولة، ويشمل هذا البرنامج إلغاء تدريجياً لدعم المحروقات والمواد الغذائية بين 2023 و 2026، وهو من الملفات الشائكة التي قد تهدد السلم الاجتماعي.
معدلات الفقر في تونس في تزايد مستمر، إذ أشارت تقديرات البنك العالمي لشهر حزيران/ يونيو 2021، إلى أنّ نسبة الفقر ارتفعت إلى 21% من مجموع سكان تونس مقابل نسبة 15.5% ما قبل جائحة كورونا.
لعلّ الإصلاحات الاقتصادية التي تستهدف القطاع المالي والتغييرات السياسية تساعد الاقتصاد على الانتعاش، لكنها قد تولد أيضاً احتقاناً اجتماعياً، إلى جانب حالة التوتر السياسي وغلاء الأسعار، فضلاً عن التجاذب بين الحكومة و"الاتحاد العام التونسي للشغل" والمستقبل الضبابي للبلاد.