سوريّون يفتحون بيوتهم ومراكزهم للبنانيين: لن تنضاموا بيننا
لم تمنع الحرب الدامية التي شهدتها سوريا على مدى 12 عاماً، وسوء الأوضاع المعيشية من تقديم السوريين يد العون لأشقائهم في لبنان، ليكتب بذلك شعبا لبنان وسوريا فصلاً جديداً من التلاحم والتكاتف، مؤكدين أن العدو واحد والمقاومة واحدة.
"هناك في بيتنا بضع زيت وخبز سنتقاسمه بيننا وبينكم؛ هنا بلدكم وبيوتنا بيوتكم"، بهذه الكلمات عبّر حسين حوراني عبر صفحته الشخصية في فيسبوك عن جاهزيته لاستقبال النازحين اللبنانيين من جراء العدوان الإسرائيلي على مناطق لبنانية عديدة.
ويتابع حوراني في منشوره: "من دمشق، هنا جنوب لبنان، هذه المرة حالنا ليست كما كنا عليه عام 2006، لم تكن سوريا آنذاك في حرب، كان كل شيء متوفراً؛ اليوم وبعد أن حاصر العالم سوريا لم يبق لنا من ذاك الزمن إلا رماد ننفضه عن أكتافنا بعد الحرب، لكن وبرغم ذلك، فإنكم لن تنضاموا بيننا، فبيوتنا مفتوحة لكم".
حوراني لم يكن الوحيد الذي نشر دعوات لاستقبال النازحين اللبنانيين في سوريا، إذ أطلق مدوّنون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إعلامية مكثفة تحت عنوان "بيوتنا مفتوحة إلكم"، للمطالبة باحتضان اللبنانيين القادمين إلى سوريا هرباً من نيران الحرب.
ونشرت يارا حميرة تدوينة في فيسبوك قالت فيها: "سوريا فاتحة أبوابها لكل الشعب اللبناني بكل أطيافه، أمس نحن عشنا وجع الحـرب، وانشالله أنتو ما بتجربوا اللي عشناه؛ سوريا ولبنان ما إلهن غير بعض".
في حين نشر جواد الأسدي: "أهلاً بكم في بلدكم الثاني يا إخوة الدم".
بينما نشر الإعلامي باسل أبو شاش تدوينة قال فيها: "نورتو بيتكم وبلدكم، أهلنا وناسنا وإخوتنا، إن لم تسعكم الأرض تسعكم العيون والقلوب، لبنان وسوريا وطن واحد، قضية واحدة، دم واحد".
إلى ذلك، نشر الصحافي السوري المقيم في لبنان جوان ملا عبر صفحته الشخصية في فيسبوك: "صادفت أنو تصير هي الحرب البشعة على لبنان وأنا بزيارة للشام، وبكل الأحوال، أنا راجع قريباً على بيروت حتى كمّل اللي بلشت فيه هنيك، لأنو حياتي كلها وعملي ودراستي وعالمي صاروا بهالبلد، ماني خايف من اللي بدو يصير، ومتل ما كمّلت دراسة وشغل تحت الضرب والقصف والتفجيرات بالشام فيني كمّل حياتي ببيروت، دائماً كنت بخطر ببلدي ويمكن كون بخطر هنيك، ما منعرف شو الله كاتب".
وأضاف ملا: "اللي بعرفو أنو ألي 4 سنين ونص عايش بهالبلد اللي بحبو كتير، شخصياً ما شفت منو ومن أهلو إلا كل خير، وما حدا زعجني بكلمة، ولا دايقني، وصار عندي رفقات بياخدوا العقل، وبحبهن وبيحبوني، وما حسيت حالي غريب ولا مرة، دائماً كنت حس أني بين أهلي".
حركة نزوح واسعة
الحدود السورية - اللبنانية شهدت خلال الأيام الماضية حركة كثيفة للسيارات القادمة من بلدات لبنانية، جنوبية وبقاعية، إلى الداخل السوري، حيث عبر مئات النازحين الحدود، وسط توجيهات حكومية بتقديم كامل الرعاية والدعم لهم وتأمينهم في مراكز إقامة مؤقتة إلى حين انتهاء العدوان الإسرائيلي، إضافة إلى تسهيل عملية دخول النازحين عبر المنافذ الحدودية.
ودعت محافظة درعا جنوب سوريا إلى استضافة أيّ عائلة لبنانية أو سورية قادمة من لبنان إلى المحافظة، وقالت المحافظة في منشور عبر صفحتها الرسمية في فيسبوك: "نظراً للأوضاع الميدانية الراهنة التي تمر بها دولة لبنان وبسبب حركة نزوح العائلات الى داخل الأراضي السورية، يطلب من جميع الوحدات الإدارية في المحافظة في حال وصول أي عائلة (لبنانية أو سورية) من دولة لبنان إلى مناطق درعا التواصل بشكل مباشر مع فرع الهلال الأحمر"، وخصصت المحافظة أرقاماً للتواصل معها بشكلٍ مباشر.
من جانبها، وجّهت محافظة حمص لاتخاذ إجراءات الاستجابة السريعة كافة والجاهزية الدائمة لجميع الجهات المعنية، من أجل القيام بكل ما يلزم من إجراءات استباقية للتعامل المباشر مع أي احتياجات محتملة في المحافظة في حال وصول عدد من النازحين اللبنانيين، وتوفير المستلزمات والتحضيرات اللوجستية لهم، وتعزيز النقاط الطبية على المعابر الحدودية بالمستلزمات الطبية والصحية اللازمة، تمهيداً لأيّ حركة نزوح من لبنان إلى المحافظة.
وبالمثل، أصدرت مختلف المحافظات السورية بيانات وتوجيهات تدعو إلى استقبال النازحين اللبنانيين أو السوريين المقيمين في لبنان، وتقديم وسائل الرعاية والدعم لهم.
مشهد 2006 يتكرر
عام 2006 وفي خضم العدوان الإسرائيلي الواسع على لبنان، وجدت كثير من العائلات اللبنانية وطناً ثانياً يحتضنها من ويلات الحرب، إذ فتحت الدولة السورية حدودها لاستقبال النازحين الهاربين من الصواريخ الإسرائيلية، واستنفرت أجهزة الدولة الرسمية والمؤسسات الإنسانية والهيئات الشعبية لاستقبال العائلات اللبنانية وتأمينها وتقديم الرعاية اللازمة لها بشكلٍ يومي.
"ضيوف لا نازحون"، يستذكر سامر الأبيض (56 عاماً) كيف استقبل في منزله عام 2006 عائلة لبنانية نزحت إلى سوريا بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، وكيف كانوا ضيوفاً لديه، وأصبحوا لاحقاً مثل أهله، لكن الرجل الخمسيني يعيش اليوم مع عائلته في منزل صغير على أطراف العاصمة السورية، وليس لديه القدرة على تكرار ما فعله عام 2006، ويقول للميادين نت إنه يشعر بالخجل لعدم قدرته على استضافة أشقاء الدم، لكنه يؤكد جاهزيته لتقديم أيّ مساعدة ممكنة لخدمة النازحين.
وأكد الأبيض أن آلة القتل الإسرائيلية لم تكتفِ بغزة، وانتقلت إلى لبنان "لأن هذا الكيان هدفه إسكات صوت المقاومة في المنطقة برمّتها، وعندما هبّت المقاومة في لبنان لنصرة غزة تحرك جيش الاحتلال الإسرائيلي مدعوماً من قبل الولايات المتحدة والغرب لاستهداف مقاومة لبنان، وكذلك سيفعل في سوريا والعراق واليمن إن سنحت له الفرصة".
وأضاف الأبيض أن السوريين يقفون إلى جانب أشقائهم في لبنان حتى تحقيق النصر كما جرى عام 2006 في حرب تموز، وأن الانتصار حتمي في هذه الحرب أيضاً.
لم تمنع الحرب الدامية التي شهدتها سوريا على مدى 12 عاماً، وسوء الأوضاع المعيشية من تقديم السوريين يد العون لأشقائهم في لبنان، ليكتب بذلك شعبا لبنان وسوريا فصلاً جديداً من التلاحم والتكاتف، مؤكدين أن العدو واحد والمقاومة واحدة.