سكان المدن السورية القريبة من قواعد الاحتلال الأميركي: نأمن النار وتضييق قسد نصرة لغزّة
استهداف القواعد الأميركية لم يكن مصدر قلق للسوريين الذين يقطنون في المناطق القريبة منها في الشرق السوري، بل على العكس تماماً، إذ لاقت تلك الضربات تأييداً واسعاً ودعوات لتوسيعها وتكثيفها كونها تساهم في زيادة الضغط على الإدارة الأميركية لوقف العدوان على غزة.
لم تعد أصوات الانفجارات القوية التي تدوي بشكلٍ شبه يومي داخل القاعدة الأميركية القريبة تؤرّق أحمد الغابر، فالرجل الذي يقطن في منطقة "الشدادي" في ريف الحسكة شمال شرق سوريا، اعتاد تلك الأصوات منذ الـ17 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
منزل الغابر يقع بالقرب من القاعدة الأميركية في "الشدادي"، والتي تتعرّض لضربات صاروخية وهجمات بالطائرات المسيّرة من قبل المقاومة الإسلامية في العراق والمقاومة الشعبية في سوريا، رداً على الدعم الأميركي للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
يقول الغابر (43 عاماً) للميادين نت: "منذ أسابيع تتعرّض قاعدة مساكن حقول الجبسة في الشدادي للضربات الصاروخية، من دون أن تتمكّن القوات الأميركية من إيقاف تلك الهجمات أو التصدّي لها، وغالباً ما يتبع عمليات الاستهداف استنفار في محيط القاعدة عبر المدرّعات والطيران المروحي، مع سماع أصوات سيارات الإسعاف في المنطقة، لكن القوات الأميركية تمنع الناس من التجوّل ومشاهدة خروج ودخول سيارات الإسعاف، حتى لا يعرف أحد عدد الإصابات في صفوف الجنود الأميركيين".
ويتابع الغابر: "بات أمراً طبيعياً أن تتعرّض القاعدة للضربات الصاروخية من دون أيّ رد فعل أميركي، وهذا الأمر يشكّل مصدر فخرٍ كبير لنا لسببين؛ الأول: أن تلك القواعد تعتبر غير شرعية ومحتلة لأراضٍ سورية؛ السبب الثاني: تلك الضربات تأتي دعماً لإخواننا المظلومين في قطاع غزة، والذين يتعرّضون للإبادة الجماعية من الآلة العسكرية الإسرائيلية بدعم سياسي وعسكري منقطع النظير من الولايات المتحدة الأميركية".
غزة في قلب الجزيرة السورية
لقد أصبحت القضية الفلسطينية والحرب على غزة الشغل الشاغل لأهالي الجزيرة السورية، الذين باتوا شركاء فيها وجزءاً لا يتجزأ منها، بعد أن قررت المقاومة ترسيخ معادلات عسكرية جديدة مفادها أن استمرار العدوان على غزة يعني بقاء القواعد الأميركية تحت النار.
المعادلة الجديدة لم تكن مصدر قلق للسوريين الذين يقطنون في المناطق القريبة من القواعد الأميركية في الشرق السوري، بل على العكس تماماً، إذ لاقت تلك الضربات تأييداً واسعاً ودعوات لتوسيعها وتكثيفها كونها تساهم في زيادة الضغط على الإدارة الأميركية لوقف العدوان المستمر على القطاع.
فيصل الشمّر من منطقة اليعربية في ريف الحسكة يؤكد للميادين نت أن عملية طوفان الأقصى كانت ضربة مزدوجة للاحتلال الإسرائيلي والإدارة الأميركية لأنها لم تكن في تصوّرهما على الإطلاق، ولذلك جاء العدوان الإسرائيلي على غزة انتقاماً للخسارة التي مُنيَ بها الاحتلال في 7 تشرين الأول/أكتوبر، فعمد إلى قتل أكبر عدد ممكن من الأطفال والنساء للتأثير على المقاومة.
الشمّر كشف أن قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركياً والتي تسيطر على مناطق واسعة في شرق الفرات تضيّق الخناق على الأهالي لمنعهم من إظهار الدعم لغزة، حيث لم تصدر القوات أيّ بيان يدين العدوان الإسرائيلي على القطاع أو يدعو لوقف الحرب على المدنيين. ويضيف الشمّر أن "قسد" تسرّب أخباراً عن نيتها اعتقال كل من يحاول التعبير عن رفضه للعدوان الإسرائيلي أو دعم المدنيين في غزة، إضافة إلى الأمر المعلن من "قسد" باعتقال كل من يعارض الوجود الأميركي في الجزيرة السورية، لذلك فإن قوات سوريا الديمقراطية أكبر الخاسرين من تصاعد عمليات المقاومة ضد القواعد الأميركية.
كامل القواعد الأميركية في سوريا تحت النار
قاعدة الشدادي ليست الوحيدة داخل سوريا التي تعرّضت لهجمات صاروخية دعماً لمقاومة الشعب الفلسطيني ورفضاً للعدوان الإسرائيلي، فمختلف القواعد الأميركية في دير الزور والحسكة والقامشلي والتنف باتت تحت مرمى الضربات الصاروخية، وهذه العمليات أصبحت مصدر فخرٍ كبير لمختلف السوريين، وخصوصاً أولئك الموجودين في مناطق قريبة من مواقع القواعد الأميركية.
حسن خلف الأحمد من منطقة رميلان في ريف القامشلي في أقصى شمال شرق سوريا يقول للميادين نت: "بالرغم من وجودنا في منطقة غنية بالنفط والغاز إلا أننا محرومون من البنزين والمازوت، فالقوات الأميركية تسيطر على الحقول الرئيسية في المنطقة، وفي غالب الأحيان تعمل شاحنات أميركية على سرقة كميات ضخمة من المشتقات النفطية ونقلها إلى كردستان العراق عبر المعابر غير الشرعية".
وجود القوات الأميركية يشكّل مصدر اضطراب دائم؛ فهي تفرض قوانينها على المدنيين في المنطقة، مثل منع اقتراب الأهالي من القواعد، ومنع التجوال عند مرور القوافل الأميركية الكبيرة، إضافة إلى سرقة خيرات المنطقة بشكل دائم، وبعد عملية طوفان الأقصى باتت تلك القواعد في حالة استنفار دائم بحثاً عن المدنيين الذين يتعاونون مع المقاومة، لكن الأهالي يعتبرون أن الاتهامات الأميركية هي مصدر فخر لهم كونها تساهم في مدّ يد العون لأشقائهم في فلسطين المحتلة الذين يواجهون الاحتلال الإسرائيلي بصمودهم ومقاومتهم.
عمليات المقاومة الشعبية ليست وليدة اليوم، فقدت شهدت السنوات الماضية أكثر من حراك في مناطق مختلفة من الجزيرة السورية ضد القوات الأميركية، لكنّ العمليات تصاعدت بشكل كبير بعد طوفان الأقصى.
رتيبة الشرابية (55 عاماً) مُدرّسة لغة عربية من منطقة تل بيدر شمال غرب الحسكة، تسترجع ذكريات العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2008 قائلة: "في تلك الفترة تحوّلت الحسكة وريفها إلى ساحة كبيرة لدعم الأشقاء في غزة، وامتلأت المحلات بالشاشات التي تعرض أخبار العدوان، وانتشرت الأعلام الفلسطينية في الطرقات وعلى شرفات المنازل، كما خرجت تظاهرات عديدة غاضبة تطالب بوقف العدوان؛ أما اليوم وبالرغم من الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق النساء والأطفال، فقد أصبح كل الدعم مُحرّماً على أهالي الجزيرة السورية، لأنه سيُعرّضهم للاعتقال من قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من القوات الأميركية".
القاعدة الأميركية في تل بيدر تم إنشاؤها عام 2015، إلا أنها بقيت بعيدة نسبياً عن الهجمات الصاروخية، إلى أن جاء طوفان الأقصى الذي حمل معه تغيير المعادلات العسكرية، حيث تعرّضت القاعدة لهجمات صاروخية عديدة، لذلك كان الخوف الأميركي للمرة الأولى، والذي بدا جليّاً من خلال التعزيزات العسكرية التي وصلت إلى القاعدة، وزيادة عدد الدوريات في المنطقة، ومحاولة التضييق على الأهالي لمنع أيّ شخص من تقديم معلومات للمقاومة حول القاعدة.
ثورة مزدوجة
أبو حازم (اسم مستعار- رفض الكشف عن اسمه خوفاً من ملاحقة قوات سوريا الديمقراطية)، أحد وجهاء ريف دير الزور الشرقي يؤكد للميادين نت أن مختلف القواعد الأميركية في الجزيرة السورية تعرّضت لهجمات صاروخية بعد عملية طوفان الأقصى، حيث عبّر المقاومون عن تضامنهم ووقوفهم المطلق مع فصائل المقاومة الفلسطينية بوجه العدوان الإسرائيلي الذي يستهدف النساء والأطفال بدعم أميركي - غربي.
ويضيف أبو حازم أن أهالي دير الزور الذين ينتفضون اليوم بوجه قوات سوريا الديمقراطية من خلال المعارك اليومية التي يخوضونها ضد هذه القوات، يقفون أيضاً إلى جانب المقاومة التي تستهدف القواعد الأميركية في الجزيرة السورية، ما يعني أن المنطقة الشرقية تشهد في هذه الأثناء ثورة مزدوجة؛ ضد القوات الأميركية من جهة، وأدواتها المتمثّلة بقوات سوريا الديمقراطية من جهة ثانية.
ويعود الوجود الفعلي للقوات الأميركية في سوريا لشهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2015، حيث انتشرت أول دفعة من الوحدات الخاصة الأميركية، تحت عنوان التحالف الدولي لمحاربة "داعش".
ومع تطوّر المعركة، تمّ تعزيز تلك القوات لدعم قوات "قسد" ومجموعات أخرى من الجماعات المسلحة، وتتوزّع القواعد الأميركية شمال شرق سوريا، في المنطقة الممتدة شرق نهر الفرات من جنوب شرق سوريا بالقرب من معبر التنف الحدودي، إلى الشمال الشرقي بالقرب من حقول رميلان النفطية، وتتوزّع في الحسكة ودير الزور.
توزّع القواعد الأميركية جعلها أشبه بالطوق الذي يحيط بمنابع النفط والغاز السوري الموجود شرق نهر الفرات، وهو ما يُمثّل غالبية الثّروة الباطنية لسوريا.