سحق جثامين الشهداء وإعدام جرحى وأطباء.. شهادات مروعة عن كارثة "الشفاء" في غزة
على مدار أسبوعين متواصلين، أمعن الاحتلال الإسرائيلي في إجرامه في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه، مستهدفاً الطواقم الطبية والمرضى والجرحى والمدنيين في المجمع، بينما كشف انسحابه من المجمع هول الكارثة التي نفذتها آلته العسكرية.
كأنه زلزال مدمر، وكأن تتار العصر الحديث مروا من هنا، فلم يُبقوا ملامح للحياة. الجثامين سُحقت والقبور نُبشت. هذا هو لسان حال الناجين من مجزرة الاحتلال الإسرائيلي في المجمع الطبي، الواقع غربي مدينة غزة، والذي تعرّض لحصار مطبق أدى إلى تدميره بالكامل، واستشهاد واعتقال المئات من الفلسطينيين.
على مدار أسبوعين متواصلين، أمعن الاحتلال الإسرائيلي في إجرامه، مستهدفاً الطواقم الطبية والمرضى والجرحى والمدنيين في مجمع الشفاء ومحيطه، بينما كشف انسحابه من المجمع هول الكارثة التي نفذتها آلياته العسكرية، من الدمار الكبير لمبانيه، إلى تدمير عشرات المنازل السكنية في محيطه فوق رؤوس ساكنيها، ونبش قبور الشهداء وإعدام الجرحى والنازحين والطواقم الطبية، وسحق جثامينهم تحت جنازير الدبابات.
أيام لا تُمحى من الذاكرة
الأيام الصعبة، التي عاشها الجريح حسن أبو دية، لا يمكن أن تُمحى من ذاكرته، وهو الذي واجه الموت عدة مرات، وكاد يفقد حياته أكثر من مرة، تارة بسبب القصف المدفعي المتواصل وإطلاق النار على مباني الشفاء، وتارة بسبب الجوع وانعدام الدواء، الأمر الذي أدى إلى تفاقم حالته الصحية.
ما تعرض له المصابون والطواقم الطبية، خلال حصار المجمع، وفق حديث أبو دية إلى الميادين نت، يمكن عدّه أبشع طرائق القتل والتعذيب، لافتاً إلى أنهم عاشوا أياماً صعبة للغاية، لم يحصلوا خلالها على العلاج أو الطعام.
ويفيد أبو دية بأن "جيش الاحتلال، عقب حصاره مجمع الشفاء، سحب جميع الأطباء ونقلهم إلى جهة مجهولة، ثم نقل المرضى والمصابين إلى أكثر من مكان، وكان يستخدمهم دروعاً بشرية"، لافتاً إلى أن ذلك تسبب لهم بمضاعفات صحية خطيرة.
ويضيف أن "أجزاء من المباني، التي كان ينقلنا إليها جيش الاحتلال، كانت تنهار فوق رؤوسنا، وكنا نُحرم من أدنى الحاجات الإنسانية"، مؤكداً أنه كان شاهداً على إعدام جيش الاحتلال عدداً من النازحين ومرافقي الجرحى، والسير عليهم بالجرافات والدبابات.
وتابع: "رأيت بأمّ عيني إعدام جيش الاحتلال أطباء وممرضين ونازحين كانوا داخل مجمع الشفاء، كما أن قواته نبشت القبور، وداست آلياته العسكرية جثث الشهداء، وتعمدت إرهاب المصابين، وأجبرت بعضهم على النزوح زحفاً إلى خارج المجمع".
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وصف ما حدث في مجمع الشفاء بـ"المذبحة الإسرائيلية"، مؤكداً أن نحو 1500 فلسطيني بين شهيد وجريح ومفقود بسبب جرائم الاحتلال في المنطقة، وأن نصفهم من النساء والأطفال.
رواية مفزعة
وفي روايتها المفزعة، تقول شيماء أبو السعيد، وهي ممرضة فلسطينية عاشت ويلات حصار الاحتلال الإسرائيلي مجمع الشفاء الطبي، إن "الاحتلال قتل بصورة عشوائية العشرات من النازحين والمرضى والطواقم الطبية".
وتفيد أبو السعيد، الميادين نت، بأن "الاحتلال ترك جثامين الشهداء في العراء، الأمر الذي أدى إلى تحللها، كما أن بعضاً منها تُرك للكلاب لتنهشه"، مبينة أن جيش الاحتلال تعمد، على مدار الأسبوعين، تدمير المجمع وإحراق أقسامه.
وتضيف أن "جيش الاحتلال نبش قبور الشهداء داخل المجمع، وترك كثيرين من الجرحى والنازحين ينزفون حتى استشهدوا. وأطراف الجرحى كانت تصاب بالتعفن بسبب عدم توافر العلاجات اللازمة، ورفض الاحتلال تقديم أي خدمة طبية إليهم".
وخلال الأسبوعين، وفق أبو السعيد، لم يحصل المحاصرون داخل المجمع الطبي إلا على قليل من الماء والطعام، مما كان موجوداً قبل اقتحام جيش الاحتلال للشفاء ومحيطه، مبينة أن الاحتلال حوّل الشفاء ومحيطه إلى مكان غير صالح للحياة.
وحوّل جيش الاحتلال الإسرائيلي محيط مجمع الشفاء إلى منطقة أشباح، بعد أن هدم عشرات المنازل السكنية فوق رؤوس ساكنيها، وفق ما أكد خليل داود، لافتاً إلى أنهم حوصروا من دون طعام أو ماء على مدار الأسبوعين.
ويقول داود لـلميادين نت: "كنا نصوم ونفطر على الماء فقط، وقذائف الدبابات وإطلاق النار لم تتوقف"، مبيناً أن عدة منازل اقتحمها جيش الاحتلال وأعدم سكانها، وأجبر بعضهم على النزوح إلى مناطق وسط القطاع وجنوبيه.
ووفق داود، الذي نجا وأسرته من الموت بأعجوبة، فإن "جيش الاحتلال دمر معظم المباني السكنية غربي مجمع الشفاء، وإن عدداً كبيراً من الشهداء لا يزالون تحت أنقاض تلك المنازل"، متابعاً: "كنا نسمع صراخ العالقين ولا نستطيع أن نقدم إليهم شيئاً".
سحق جثامين الشهداء
واتهم المكتب الإعلامي الحكومي في غزة جيش الاحتلال بقتل مدنيين وإخفاء جثامينهم في أرضية مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في مدينة غزة، واعتقال 300 آخرين، مشدداً على أن أكثر من مئة في عداد المفقودين، على مدار أسبوعين من توغله في المجمع.
وفي السياق، يفيد الناطق باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، بأن "آليات الاحتلال الإسرائيلي سحقت جثث الشهداء في المجمع الطبي، وأنه لا يمكن إحصاء أعداد الشهداء في محيط المجمع، وخصوصاً أن كثيرين منهم لا يزالون تحت الأنقاض.
ويفيد بصل لـلميادين نت بأن "آليات الاحتلال سارت على جثث الشهداء وسحقتها بالكامل، وأن جرافات الاحتلال حفرت حفرة كبيرة، وألقت الجثث فيها"، مبيناً أن ذلك من أجل إخفاء الجريمة البشعة التي ارتكبها الاحتلال في المجمع.
ويشير إلى أن "عمليات التجريف الواسعة في مجمع الشفاء ومحيطه تجعل من الصعوبة معرفة العدد النهائي للشهداء".
ويؤكد بصل أن "جيش الاحتلال دمر عشرات المنازل فوق رؤوس ساكنيها، وأن كثيراً من الشهادات الموثقة يؤكد أن الاحتلال نكّل بكل الموجودين في المجمّع واعتدى عليهم، وأعدم فلسطينيين مكبلي الأيدي والأرجل.
حصار المجمّع
وخلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، تعرض مجمع الشفاء الطبي للحصار مرتين. الأولى كانت في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عقب العملية البرية لجيش الاحتلال، والتي تسببت بخروج المجمع موقتاً عن الخدمة.
في ذلك الحين، حاصر جيش الاحتلال المجمع الطبي بعد أن قصف بعض مرافقه، وأجبر جميع النازحين على الخروج منه، واعتقل مدير المجمع وعدداً من الكوادر الطبية، بناءً على زعم وجود أسرى إسرائيليين في المجمع، وأن أقسامه تمثل مركزاً للمقاومة الفلسطينية.
وعقب انسحاب الجيش الإسرائيلي، عاد الآلاف من النازحين إلى المجمع، وبدأت الكوادر الطبية محاولة إعادته إلى العمل مجدداً، من أجل تقديم الخدمات الطبية إلى المصابين وإنقاذ الضحايا، الأمر الذي لم يرَقُ للاحتلال، ودفعه إلى الهجوم على محيطه أكثر من مرة.
وفي الثلث الأخير من الشهر الماضي، أقدم جيش الاحتلال على تنفيذ عملية عسكرية مباغتة، حاصر خلالها المجمع الطبي ومحيطه، وعرّض حياة 30 ألف نازح للخطر، علاوة على الأعداد الكبيرة من الجرحى والمرضى والطواقم الطبية.
واستمرّ الحصار الأخير للمجمع أسبوعين متواصلين، نفذ خلالهما جيش الاحتلال أبشع الجرائم بحق المدنيين والنازحين، الأمر الذي أدى إلى دمار كبير في المجمع، بينما يروّج رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو وقادة جيشه لتلك الجرائم على أنها إنجازات عسكرية غير مسبوقة، من أجل التغطية على فشلهم في كسر إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته.