رحلة الحج.. من القوافل والجِمال إلى سكك الحديد والطائرات
من السير على الأقدام والركوب على ظهر الجمال إلى عصر المواصلات السريعة والطائرات، تطورت سبل الوصول إلى الحج، ولكن بتكاليف باهظة.
كان أداء الركن الخامس من أركان الإسلام في الماضي بالغ الصعوبة والمشقة، وكانت الرحلة تستغرق أسابيع وشهوراً وربما سنوات، إذ لم تكن أمراً هيناً، بل كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، تتطلب جهداً يبلغ أضعاف ما يبذله الحجاج في زمننا الحاضر، بسبب المواصلات وسبل الراحة التي باتت متوفرة.
وثّق المؤرخون والرحالة الأوائل ما عايشوه خلال موسم الحج، وقاموا بتدوين كل ما شاهدوه في المشاعر المقدسة، وما مرّ بهم من أحداث خلال رحلة الحج وأداء المناسك، وتبعهم بعد ذلك الكثيرون إلى يومنا هذا، حيث أصبح التصوير سهلاً باستخدام الهواتف الذكية والكاميرات، وبات لكل حاج ذكرياته وتوثيقه الخاص لرحلة الحج.
وتضمنت كتب التاريخ صوراً من رحلة الحج على مدى عقودٍ مضت، ورصدت تفاصيل الرحلة وما يتخللها من استعدادات قوافل الحجيج وجهوزيتها، ولعل أبرز ما يخطر في البال وسائل النقل المستخدمة في الزمن الماضي، والتي كانت عبارة عن جِمال وخيول وبغال، تقطع مسافات طويلة في ظل بيئة جغرافية وعرة ومناخ قاسٍ، ولم تكن هناك بيوت وجدران، وحتى خيام في بعض الأحيان، ولا وسائل راحة، كما هي اليوم.
كان الحجيج يقصدون مكة المكرمة بالاستعانة بالدواب، وكانوا يخترقون الجبال والسهول والصحارى مشياً على الأقدام، يحملون متاعهم ومأكلهم ومشربهم، وسط حراسات مشددة في مقدمة قافلة الحج ومؤخرتها، وكان يتعين عليها سلوك طرق محددة، والالتزام بجدول زمني محدد.
كما لم تكن الطرق معبدة، كما هي اليوم، بل كانت وعرة. وكان السفر عبر الصحراء أمراً صعباً، لذا كانت تكثر محطات الوقوف في المدن أو القرى التي تقع على طريق الحج، والتي كانت تنتفع بمرور الحجاج عبرها وتزدهر الحركة التجارية فيها، ويحرص أهلها على الاستعداد لاستقبال هذه القوافل، في موسم الحج.
رحلة شاقة يجري التحضير لها قبل شهور
وكان السفر إلى الحج ورحلة أداء فريضته مدار الحديث طوال العام، ويجري الاستعداد لها طيلة السنة، ويُعد له الحجيج العدة، ويدّخرون أجرته ومصاريفه، ويبقون لأهليهم من النقود والمؤونة ما يكفيهم طيلة غيابهم عنهم. ففي الرحلة عزلة طويلة، ومخاطر جمة، وانقطاع عن الأهل والجماعة.
كما أن في الطريق معاناة أشد، من برد أو حر أو جوع وعطش، أو فقد الراحلة أو مرض قد يتعرض له الحاج، كما أن في السفر الطويل وضعاً لم يكن معتاداً عليه كما في قريته، وفي السفر بذل جهد ومشقة من المشي والحل والترحال.
ويختار الحجيج طرقاً معروفة تمر بقرى وموارد مياه معروفة، تفصل بينها مسافات مناسبة تتيح للمسافرين التزود بالمياه، إضافة إلى شراء بعض الحاجات التي تلزمهم، وخاصة الزاد.
كان الحجاج في سفرهم يكابدون معاناة كبيرة تتمثل بالمدة التي يقضونها، والتي قد تصل إلى 3 أشهر، ذهاباً وإياباً، وانقطاع أخبارهم ومشقة السفر وصعوبته، وما يتعرض له البعض من أمراض، وربما قضى بعضهم في الطريق، ولا يعلم أهله بوفاته إلا بعد عودة الحجاج إلى ديارهم، لهذا كانت لحظات الفراق والوداع صعبة مبكية.
الحج في العصر الحديث
ومع بداية التطور في العصر الحديث، بدأ الحجاج يستخدمون إلى جانب الإبل، باصات النقل الكبيرة والسفن والبواخر. وقد أقيمت في السابق على طرق الحج منشآت بدائية بسيطة مثل الاستراحات والمنازل والمرافق الأساسية من برك وآبار وعيون وسدود وخانات (فنادق) ومساجد وأسواق.
وخلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر (بعد 1850)، بدأ استخدام البواخر في رحلة الحج إلى مكة المكرمة، وزيادة عدد الحجاج المسافرين على الطريق البحري، ومع افتتاح قناة السويس في عام 1869، تم تقصير وقت السفر للحج. وفي أوائل القرن العشرين، قام السلطان العثماني عبد الحميد الثاني ببناء سكة حديد الحجاز بين دمشق والمدينة المنورة، ما سهل رحلة الحج، وبات الحجاج يسافرون بسهولة نسبية، إذ وصلوا إلى الحجاز في 4 أيام فقط.
قدمت شركة الخطوط الجوية المصرية أول خدمة طيران للحجاج في عام 1937، إلا أنّ الحرب العالمية الثانية من عام 1939 إلى عام 1945 تسببت في انخفاض عدد الحجاج، ومن وقتها، دخلت الرحلات الجوية في خدمة الحجاج.
فيديو نادر جداً وعالي الجودة لـ موسم الحج من عام ١٣٥٦هـ ـ ١٩٣٨م .. قبل ٨٧ سنة ..
— نوادر من التاريخ (@Ksa9ss) July 2, 2022
يظهر الحجاج الراجلين ، ومن أتى من بلده على الإبل ومن أتى على السيارات ..
٤ دقائق ونصف يتوقف فيها التعبير لأجعل أن تتمتع العين بالمشاهد التاريخية ..pic.twitter.com/13g6OTnN6X
في عصرنا الحديث، أصبحت وسائل السفر أكثر سهولة وأماناً، مع توفير مختلف الخدمات التي يحتاجها الحاج في رحلته سواء كانت بالطائرة أو بالسيارة، فصار الحج فريضة سهلة وممتعة، ولكن مكلفة في الوقت ذاته، تقتصر على شريحة معينة من ميسوري الحال في المجتمع.
لم يقتصر التطور على على الطرقات ووسائل النقل، إنما طال الأماكن التي ينام فيها الحجاج طيلة فترة وجودهم في الأراضي المقدسة، إذ ظهرت الفنادق وسبل الراحة ذات التكاليف العالية.