تغليظ العقوبات في السعودية.. كيف يتأثر ذوو المعتقلين؟

الأحكام المغلّظة والقاسية التي يعانيها السجناء في السعودية تعدّ حكماً بالسجن المؤبد على العائلات، على الرغم من وجودهم خارج زنازين الاعتقال.

  • تغليظ العقوبات في السعودية.. كيف يتأثر ذوو المعتقلين؟
    تغليظ العقوبات في السعودية.. كيف يتأثر ذوو المعتقلين؟

في ظل التعتيم الرسمي الكبير على ما يجري على الأرض في السعودية، وفي الوقت الذي يحرص فيه ولي العهد رئيس الوزراء محمد بن سلمان على ترويج شعارات الإصلاح، تبرز قصص أسوأ مما يتخيّل لعائلات سعودية تعاني الاضطهاد الكامل، لوجود أحد أبنائها في السجون السياسية بتهم تتعلق بحرية التعبير، سواء بموقف كلاميّ أو بتغريدة على المساحات الافتراضية في مواقع التواصل الاجتماعي.

إحجام عن طمأنة عائلات المختطفين

"في فترة التسعينيات، توفّي الوالد كمداً على 4 من أبنائه المعتقلين، الذين لم يُسمح لهم أيضاً بحضور مراسم تشييعه ولم تفسح الفرصة أمامهم لوداعه الأخير". من هنا، اختار القيادي في المعارضة السعودية عباس الصادق، شقيق المعتقل السياسي حسين بن عبد الله الصادق أن يبدأ حديثه إلى الميادين نت، فما يجري انتهاجه اليوم بحق عائلات المعتقلين في السعودية غير جديد، ويعود إلى استراتيجية إيذاء ممنهجة - وفق تعبيره – عمرها عقود طويلة.

يحكي الصادق بعضاً مما تعانيه عائلات المعتقلين السياسيين في السعودية، مؤكداً أنه عندما يتم اعتقال أحد أفراد العائلة لا يتم إبلاغها، بل يجري ذلك بطريقة "الاختطاف"، حتى "بات أشبه بالعرف أنه عند افتقاد أي شخص فذلك يعني أنه معتقل"، ومن هنا، تبدأ رحلة المعاناة، ويقول: "تلجأ العائلات بعدها للشرطة ومراكز المباحث من دون أن يتم تحصيل أي جواب، وبعد أسبوعين، يأتي اتصال من المعتقل: أنا بخير، ثم بعد مضيّ نحو 4 أشهر يُسمَح للعائلة بزيارة يتيمة".

وعن وضع عائلة شقيقه المعتقل حسين، الناشط الاجتماعي البارز المنخرط في عدد من الجمعيات الدينية واللجان الخيرية التطوّعية في القطيف، يشير إلى أن "بناته وزوجته ممنوعون من السفر، وأنه بعد أشهر من اعتقاله، ولِدَت ابنته التي تم في بادئ الأمر رفض إدراجها في السجلات المدنية إلا بعد دفع غرامة ماليّة".

سكينة الدخيل لم تستطع وداع والدها

ما تعانيه عائلة المعتقل حسين الصادق ينسجم مع معاناة عائلات المعتقلين السياسيين في السجون السعودية، الذين رغم تعرضهم للمعاملة السيئة أثناء الزيارة، يتم إقصاء أبنائهم المعتقلين بصورة مبرمجة عن المشهد الاجتماعي العام في البلاد، وفي هذا الإطار، تقول "أسماء" (اسم مستعار) : "تخيلي مدى تأثّر البنات والنساء من غياب أحد أفراد عائلتهم عندما يكون هناك مناسبة اجتماعية، سواء أكانت زواجاً أو وفاة، ومدى تأثّر المعتقلين بذلك"، وتشير إلى أن المعتقلة سكينة الدخيل على سبيل المثال توفي والدها، وهي في السجن من دون أن تتمكن من وداعه".

استراتيجية "تغليظ الأحكام" في السعودية

ما من إحصائية دقيقة صادرة عن المنظمات الدولية تحدد عدد معتقلي الرأي في السجون السعودية، وبهذا الصدد، يقول ناشطون للميادين نت إن أحد أسباب هذه الضبابية يعود إلى سياسة الترهيب المُعتَمدة رسمياً بحق عائلات السجناء، وتهديدهم في حال التصريح لوسائل الإعلام، إما بسياسات انتقامية منهم، وإما بتغليظ الأحكام وتفعيل يد الأذى من أبنائهم في السجون. يأتي ذلك في وقت تواصل فيه السعودية منع المقررين الأممين المعنيين من دخول البلاد للخروج بإحصاءات حول هذا الموضوع.

هذه الضبابية المتعلقة بعدد المعتقلين، تتزامن في الآونة الأخيرة مع اعتماد استراتيجية تغليظ الأحكام، التي طاولت شريحة كبيرة من المعتقلين السياسيين، في توجّه بدأت تتكشف تفاصيله مع الحكم الذي صدر على الأكاديمية والطبيبة سلمى الشهاب، القاضي بسجنها 34 سنة ومنعها من السفر سنوات مثلها، علماً أنها كانت تواجه قبل الاستئناف حكماً بالسجن مدته 6 سنوات فقط.

وفي السياق، يلفت الناشط محمد القطيفي (اسم مستعار) لـلميادين نت إلى أنه "بعد الحكم عليها فوجئنا بأرقام فلكية من تغليظ الأحكام، كالحكم بالسجن 70 عاماً والمنع من السفر سنوات مثلها ضد الناشط مهند نصر أبو فور بتهمة التظاهر، وكذلك الحكم بـ35 عاماً والمنع من السفر سنوات مثلها في حق المعتقل أحمد عبد الله الحي، وخضر آل هاني الذي اعتقل عام 2019 ويواجه اليوم حكماً بالسجن 45 سنة ومنعاً من السفر.. وصولاً إلى الحكم على نورة القحطاني 45 سنة بتهمة استخدام مواقع التواصل، وعلى سكينة الدخيل التي تم رفع سنوات سجنها من 7 سنوات إلى 13 سنة".

وقبل أيام، أورد حساب لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الجزيرة العربية على تويتر، خبراً عن إصدار المحكمة الجزائية حكماً تغليظياً بتمديد مدة سجن عالم الدين الشيخ عبد اللطيف الناصر إلى 35 عاماً، بعد أن صدر في حقه حكم سابق بسجنه 8 سنوات.

مصير مجهول لابنة المعتقلة نورة القحطاني

يشير رصد المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، إلى أن السعودية تستخدم العقوبات الجماعية، لترويع وترهيب الناشطين، وسبق واعتمدتها بصورة متكررة في السنوات الأخيرة، بهدف إظهار أن ما يحدث هو نهج لا حالة فردية فقط، وأن هذه العقوبات قد تطاول كل من سيواجه تهماً مشابهة، بما في ذلك التغريد والتعبير عن الرأي وغيرها.

ومن هنا، تؤكد الباحثة في المنظمة، دعاء دهيني، لـلميادين نت أن الأحكام التي رصدت أخيراً هي في الحقيقة أحكام بالمؤبد، تضع العائلات في حال من التعذيب النفسي الشديد، "فعلى سبيل المثال، فإن لدى الناشطة نورة القحطاني التي حكم عليها بالسجن 45 عاماً، طفلة من ذوي الاحتياجات خاصة، هذا يعني أنها عندما تخرج من السجن تكون قد تجاوزت التسعين عاماً، وبقيت ابنتها في مواجهة الحياة وحدها". كل ذلك يعود - وفق الدهيني - إلى القضاء غير المستقل في السعودية، إذ تتبع النيابة العامة للملك وولي العهد، في ظل غياب آليات المحاسبة والمساءلة، وتقول إن المعلومات أشارت أخيراً "إلى أنه يجري تغيير بعض القضاة، وبخاصة في مرحلة الاستنئاف لاستبدالهم بقضاة يمكن لمحمد بن سلمان التأثير فيهم مباشرة".

إجبار زوجة المعتقل على خلع زوجها 

وفي تصريح لـلميادين نت، يقول الناشط السعودي علي هاشم إن حال عائلات المعتقلين في المملكة أسوأ مما يُتصوّر، فالأحكام المغلّظة والقاسية التي يعانيها السجناء تعدّ حكماً بالسجن المؤبد على العائلات، على الرغم من وجودهم خارج زنازين الاعتقال، فهؤلاء يحرمون أبسط حقوقهم المدنية، والاستفادة من المراكز الصحية والضمان الاجتماعي، في ظل حرمان بعضهم التعليم. ويؤكد: "لا يمتلك أي طفل ولد بعد اعتقال ربّ أسرته أي أوراق ثبوتية باستثناء شهادة الميلاد، وتجبر زوجة المعتقل على خلع زوجها في مقابل حصولها على أوراق ثبوتية أو دخول أحد أبنائها المدرسة أو في مقابل حصولها على الضمان الاجتماعي".

إذاً، تغليظ الحكم على المعتقلين في السعودية هو أيضاً بمثابة عصا غليظة تلاحق العائلات، وسط التجاهل السعودي الرسمي لجميع مطالب الكف عن استهداف هذه العائلات، وتمكينها من حقوقها المشروعة كافة.