تسجيل "مجهولي الآباء" في الإمارات.. تشريع للزنا؟
هناك مشهد يضع القانون في إطار الحاجة المجتمعية ومصلحة الطفل الذي لا ذنب له، وهناك ردود فعل شاجبة، تجزم أن لا مصلحة من هكذا توجّه في البلاد.
رغم مرور أكثر من شهرين على مباشرة الإمارات عملية إصدار شهادات الميلاد للأطفال مجهولي الآباء، في سياق تطبيق قانون الأحوال الشخصية الجديد الصادر عن الرئيس الإماراتي محمد بن زايد، لا يزال التباين في الموقف المجتمعي واضحاً، ففي وقت يقرأ مواطنون إيجابية هذه الخطوة على الأطفال ومستقبلهم، يرى آخرون أن ذلك يعدّ قوننة رسمية لعملية الزنا المرفوضة دينياً واجتماعياً.
محامٍ إماراتي: القانون لا يشرّع الزنا
"يعيش في الإمارات أكثر من 206 جنسيات من مختلف دول العالم، ولكل منها خلفياتها الثقافية والدينية والاجتماعية، وكان هدف المشرّع من القانون واضحاً، وهو تحقيق حياة سليمة للأطفال الذين لم يثبت نسبتهم إلى آبائهم"، موقف يسجّله المحامي الإماراتي مختار غريب في معرض شرحه للميادين نت فحوى القانون الجديد رقم 24 لسنة 2022 بشأن مجهولي النسب، الذي تنص الفقرة 3 من المادة 5 منه أنه "على الجهات المعنية إصدار شهادة ميلاد لمجهول النسب، بعد صدور شهادة بتسمية الطفل".
ويرى غريب أن القانون ينطوي على "أهداف إنسانية"، تتلخص بـ"توفير الدعم لمجهول النسب، من كافة الجوانب الصحية والاجتماعية والنفسية والتعليمية، وتأمين الظروف المعيشية اللازمة له، وحمايته من التعرض للإساءة والإهمال لينشأ بطريقة اجتماعية سليمة"، مشيراً إلى أنه "جاء ليوفر للطفل المحروم من عائلة طبيعية حق التمتع بحياة سليمة وتوفير عناية بديلة، وليس كما فهم البعض من العامة، أن القانون تشريع للزنى، علماً أنه ليس في القانون ما يوحي بذلك".
ويؤكد غريب في هذا الصدد أنه "ينظم كيفية العناية بهذه الشريحة من الأطفال وفق الشروط والأحكام الشرعية، ويكون للجهات المعنية في الدولة حق الإشراف على رعايتهم ومتابعة شؤونهم وتربيتهم لدى الأسر الراعية، سواءً كانوا من المواطنين أو من المقيمين في الدولة الذين وافقوا أو طلبوا القيام بذلك".
ويتابع المحامي مختار غريب بالقول إن "إصدار شهادات الميلاد لأطفال لا يعرف آباؤهم، التي أتى بها القانون الإماراتي، هو ضرورة إنسانية مجتمعية، وليس فيها مخالفة شرعية أو علمية، وفيها فوائد عديدة لمجهول النسب والمجتمع، كما أن فيها تحقيق للعدالة التي يحتاجها مجهولو النسب الذين لا ذنب لهم في ذلك"، وفق تعبيره.
لجوء إلى السوق السوداء للولادة خوفاً من الاعتقال
تقول إحدى العاملات الفلبينيات في الإمارات أنها "اضطرّت إلى ولادة ابنها بمساعدة قابلة في السوق السوداء"، لأنها كانت تعلم أنها ستتعرض للاعتقال إذا ذهبت إلى المستشفى كونها غير متزوجة".
وتوضح: "القابلة كانت خائفة أيضاً.. لا يمكنك الصراخ، ويجب أن تدفعي الطفل بصمت، وهو أمر مستحيل للغاية".
تجربة هذه السيدة التي لم تتمكن من الحصول على شهادة ميلاد لإبنها، جاءت خلال تحقيق صحفي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في شهر شباط/فبراير 2022، تطرقت فيه إلى حرمان آلاف الأطفال الذين ولدوا في الإمارات من الرعاية الصحية والطبية "بسبب حرمانهم من شهادات الميلاد".
وأشارت الصحيفة إلى أن "الكثيرين منهم ولدوا لعمال مهاجرين من إفريقيا وآسيا، ولم يتم تسجيل غالبيتهم بسبب ولادتهم خارج إطار الزواج لأمهات عازبات".
ناشط إماراتي: هذه التعديلات تؤدي لكوارث مجتمعية
في مقابل هذا المشهد الذي يضع القانون في إطار الحاجة المجتمعية ومصلحة الطفل الذي لا ذنب له، برزت على مواقع التواصل الإجتماعي الكثير من ردود الفعل الشاجبة، التي تجزم أن لا مصلحة من هكذا توجّه في البلاد، واعتبرته "قوننة للرذيلة".
واعتبر البعض أن هذا القانون يعني عملياً "سهولة التعامل مع مواليد الزنا وممتهنات الدعارة"، بينما رأى آخرون أنه جاء "نتيجة ازدياد السياحة الجنسية والرذيلة في فنادق دبي وابو ظبي".
وفي هذا الإطار، يشير الناشط الحقوقي الإماراتي عبدالله الطويل للميادين نت إلى أن "ما يجري اليوم يصبّ في سياق المحاولات المستمرة للحكومة من أجل تغريب المجتمع الإماراتي وضياع الهوية الوطنية، وفي إطار سعيها لعلمنة القوانين واستدراج المجتمع المحافظ للمجاهرة بها واغراقه في مستنقع الانحلال والسفور"، على حد تعبيره.
موقف أعقبه بتعداد للتعديلات القانونية التي شهدتها البلاد مؤخراً، والتي يرى أنها "تجتمع تحت إطار معارضة الأحكام الإسلامية والفطرة الإنسانية، ومن بينها تعديل قانون المساكنة، واعتبار أن المواقعة بالرضا تلغي عقوبة هتك العرض، وقانون إلغاء عقوبة النساء في حال الحمل خارج إطار الزواج التي كان في محورها موضوع اصدار شهادات الميلاد لأطفال لا يعرف آباؤهم".
وانطلاقاً من ذلك، يقول الناشط الإماراتي إنه "ليس هناك أي ضرورة مجتمعية لهكذا تعديلات والسبب الوحيد هو تشريع التغريب في المجتمع المحافظ ومخالفة الفطرة الاسلامية السليمة والشريعة الإسلامية والتي تؤدي في النهاية لكوراث مجتمعية وانتشار للزنا والسفاح وطريق للفجور وادمان الخمور".
ورأى أن الحكومة الإماراتية تهدف من وراء ذلك إلى" الإطاحة بتعاليم الدين الإسلامي لإظهار نفسها كنموذج مزعوم للتسامح باستيعاب الجنسيات والأعراق المختلفة، بفتح البلاد أمامهم، وذلك للتغطية على ممارساتها القمعية تجاه مواطنيها، وإبعاد المواطنين عن المشاركة في القرار السياسي أو الاقتصادي عبر إغراق البلد بالعنصر الأجنبي".
كما السعي حسب قوله إلى "تغيير التركيبة السكانية بما يتواءم مع أهداف حكومة الإمارات واستراتيجيتها الخارجية، إضافة إلى سعي الدولة لجذب الاستثمار والمستثمرين الأجانب كمحاولة لتنويع الاقتصاد الإماراتي دون الالتزام بقواعد ورؤى محددة للحفاظ على الدولة وهويتها".
من جهته، يعلّق فهد (اسم مستعار)، على تبرير السلطات مسألة إصدار شهادات ميلاد للأطفال مجهولي الآباء على أنه انفتاح على العمالة الوافدة، قائلاً إن "هؤلاء مجبرين على الإلتزام بقوانين الدول التي يعملون فيها، حتى وإن كانت تتعارض مع تقاليدهم وديانتهم، ولذلك فإن التبرير الرسمي غير مقنع".