تحدّيات التعليم في سوريا: عام دراسي آخر على طريق الترميم
التسرب المدرسي الأخطر يسجله شرق الفرات الواقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية " – قسد، ولأسباب أكثر تعقيداً مما هي الحال في مناطق سيطرة الحكومة، يرفض كثير من الأهالي إرسال أطفالهم إلى تعليم "عديم الجدوى".
يتوجه أكثر من 3.7 ملايين تلميذ سوري إلى نحو 14 ألف مدرسة في 14 محافظة في بداية العام الدراسي 2024 - 2025، وهؤلاء يضافون إلى أكثر من 860 ألف تلميذ فرضت عليهم الإدارة الذاتية الكردية منهاجها، الذين يتجهون بدورهم إلى نحو 4100 مدرسة صادرتها القوى الكردية.
في المشهد تبدو العملية التعليمية قد استعادت عافيتها تدريجياً، لكن الأمر ليس بهذه الصورة الوردية مع أرقام صادمة عن تسرب أكثر من 2.4 مليون تلميذ من العملية التعليمية، بحسب أرقام مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة " أوتشا" مطلع العام الجاري. يتوزعون خصوصاً على محافظات إدلب والرقة ودمشق وريف دمشق وحلب، لأسباب جوهرها اقتصادي.
التسرب الأخطر يسجله شرق الفرات الواقع تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية " – قسد، ولأسباب أكثر تعقيداً مما هي الحال في مناطق سيطرة الحكومة، يرفض كثير من الأهالي إرسال أطفالهم إلى تعليم "عديم الجدوى"، وفق وصفهم. فعدا عن ضعف المحتوى وعدم تأهيل المعلّمين، لا يوجد اعتراف لا محلي ولا خارجي بذلك التعليم، ما يجعل كثيرين يرسلون أبناءهم إلى مدارس لا تزال تحت سيطرة الدولة السورية في المربعين الأمنيين في الحسكة والقامشلي، أو حتى إرسالهم الى محافظات أخرى لمن يمتلك القدرة المالية، بحثاً عن تعليم مُجدٍ ويعطي التلاميذ إمكانية إكمال دراستهم الجامعية.
جوهر الأمر سياسي بحت، إذ أرادت من خلاله "الإدارة الذاتية" الكردية فرض منهاج تبعدها عن دمشق، وتكريس حالة انفصال على الأرض وفي المناهج ولو كلّف المشروع خطراً جدياً على مستقبل مئات آلاف التلاميذ ممن خضعوا لهذا المنهاج "المؤدلج"، أو ممن تسرّبوا من المدارس بحثاً عن عمل أو حرفة أكثر جدوى، خصوصاً في ظل ظرف اقتصادي صعب على السوريين في مختلف مناطقهم.
مصاعب التعليم في مناطق الحكومة السورية مختلفة جذرياً، ولو أنها أدّت أيضاً إلى تسرّب مئات آلاف التلاميذ من المدارس، ثمة ضائقة اقتصادية يعانيها السوريون وقد جاء الفقر على أكثر من تسعين بالمئة منهم. وهناك معاناة حقيقية تتعلق بالاكتظاظ في المدارس ونظام الدوامين قبل الظهر وبعد الظهر، وصعوبة التنقل، خصوصاً للمُدرّسين والكوادر الإداريّة، وأخيراً الضغط الحاد جداً بالإنفاق على العملية التعليمية في ظل المصاعب الاقتصادية العامّة.
رقمياً، بلغ عدد المدارس قبل 2011 نحو 22600 مدرسة استقبلت ملايين التلاميذ في مختلف المحافظات وحتى أقصى الأرياف والبوادي، ما جعل سوريا في حينه تقارب المعدلات العالمية في المواءمة بين عدد التلاميذ وعدد المدارس. لكن الحرب أخرجت نحو 9400 مدرسة عن العمل، منها 5 آلاف مدرسة دمرت بشكل كامل، وسيطرت القوى الكردية والمسلحون في إدلب وشمال حلب على آلاف المدارس، وفرض كل طرف مناهج بعيدة عن المنهاج الرسمي، فكانت مناهج ضعيفة في ظل غياب الكادر القادر والمؤهل للتعليم.
أهلّت دمشق ضمن المتوفر من الإمكانات المحلية، وبدعم من منظمات أممية أو حتى من المجتمع الأهلي، مئات المدارس وخصوصاً في الغوطة الشرقية وحلب ودرعا وحمص ودير الزور، ما فتح الباب أمام استيعاب أكثر من 3.7 مليون تلميذ في العام الدراسي الماضي، فيما لا يزال هدف استعادة التعليم إلى ما كان عليه قبل الحرب بعيداً جداً.
وتكفي المقاربات الرقميّة للدلالة على حجم الفجوة الكبيرة عن عام 2010. إذ بلغ الانفاق التقديري على التربية والتعليم العالي في ميزانية عام 2010 ما يعادل 1.7 مليار دولار، ليهبط بحدة إلى نحو 669 مليون دولار عام 2015، وصولاً إلى 228 مليون دولار عام 2022، وهو ما انعكس سلباً على كامل تفاصيل العملية التعليمية من ندرة التدفئة في الشتاء ونقص الكتب وتقنين الكهرباء. ما اضطرار كثير من المقتدرين إلى الذهاب بأبنائهم إلى التعليم الخاص.
تراجع مرده أساساً تبعات الحرب والحصار وتأثيرهما على الاقتصاد وسعر الصرف، وبالتالي تراجع ميزانية الدولة، مما يعادل 16.5 مليار دولار عام 2010 إلى نحو 3 مليارات دولار عام 2024.