المغتربون يزورون بلداتهم جنوبيّ لبنان وسط الحرب.. ويساهمون في نهضة القرى
لم تمنع الحرب المشتعلة عند الحدود الجنوبية اللبنانية المغتربين من زيارة وطنهم، لا سيما أبناء قرى الحافة الأمامية التي تتعرض لاعتداءات إسرائيلية متواصلة، برغم المخاطر والتوترات الأمنية.
ثمّة قواعد ثابتة لدى الجنوبي المغترب لا يتراجع عنها، تبدأ بارتباطه الروحي بأرضه، مهما طال سفره أو ابتعد جغرافياً، فالهدف الأساسي الذي يعمل من أجله هو أرضه وبيته وعائلته، ولا تنتهي برجوعه الدائم إلى بلده.
ولم تمنع الحرب المشتعلة عند الحدود الجنوبية اللبنانية المغتربين من زيارة وطنهم، لا سيما أبناء قرى الحافة الأمامية التي تتعرض لاعتداءات إسرائيلية متواصلة، وبرغم المخاطر والتوترات الأمنية، إلا أنهم يزورون اليوم قراهم للوقوف إلى جانب أهلها الصامدين والنازحين، ولدعمهم بكل الإمكانات المعنوية والمادية المتاحة.
"الحرب خلتني إجي على لبنان"
بعد انتظار لأشهر، حزمت ضحى ملحم أمتعتها استعداداً للسفر إلى لبنان وقضاء عطلة الصيف في بلدتها الجنوبية الناقورة - قضاء صور، المغتربة القادمة من دولة ساحل العاج لم تمنعها ظروف الحرب من زيارة أهلها الذين لم ترَهم منذ سنتين. تقول ضحى للميادين نت إنّ أهلها نصحوها بتأجيل موعد السفر قليلاً بسبب الحرب، لكنها لم تتقبل الأمر، وأصرّت أن تكون معهم وتشاركهم الظروف نفسها، لأن "أرواحهم مش أغلى من أرواحنا، هنّي صامدين ونحن لازم نكون حدهم".
في قرية تبنين الجنوبية - قضاء بنت جبيل، يقيم مهدي صالح المغترب القادم منذ شهر من كنداً، يزور أهلها ويتابع نشاطات أبناء البلدة، ويصلّي في مساجدها ويتفقّد حقولها، برغم القصف المحيط بالقرية، لكنه يصرّ على ممارسة طقوس حياته اليومية التي يحبها بشكل اعتيادي.
"الحرب خلّتني إجي ع لبنان"، بهذه الكلمات أجاب صالح الميادين نت بعد سؤاله عن دوافع مجيئه في الظروف الراهنة، مؤكداً أنّ حضوره بين أبناء القرية الصامدين هو تحدّ للاحتلال، "فحتى لو كنتُ مغترباً، هذه أرضي لا أتخلّى عنها، دفعنا ثمنها دم خيرة شبابنا".
وفي إطار الدعم المقدّم من المغتربين للجنوبيين الصامدين، تحدث صالح عن وجود العديد من المبادرات التي أقامها المغتربون بالتنسيق مع المعنيين في القرية، منها تأمين أدوية من الخارج، وتوزيع مبالغ مالية شهرية وصلت إلى حدود الـ30,000$، وتركيب ألواح طاقة شمسية للعديد من المنازل، وشراء أدوات كهربائية لتجهيز بيوت النازحين.
أما حسن عبد الله، ابن قرية البياضة - قضاء صور ومقيم في ألمانيا، لم يتمكّن من انتظار عطلته المُحدّدة في شهر تموز/يوليو المقبل للسفر إلى لبنان، لأن الشيء الأكثر أهمية بالنسبة له الآن هو "الاطمئنان على أحوال عائلتي، وتفقّد أرزاقنا وأرضنا"، لافتاً إلى أنّ المغتربين الجنوبيين يُشجّعون بعضهم البعض على زيارة لبنان، غير آبهين بكل التهديدات الإسرائيلية، ووفقاً لعبد الله، فإنه منذ بداية الحرب تم جمع تبرعات كثيرة لدعم أهالي القرى الحدودية الجنوبية وأهالي غزة.
مبادرات ومساهمات فاعلة
في السياق، تحدث رئيس بلدية العباسية قضاء صور، علي عز الدين، للميادين نت، عن المبادرات التي قدمها المغتربون من أبناء القرية لمساعدة الأهالي والنازحين، وقال إنّ مبادرات المغتربين توزعت ما بين مشاريع إنمائية للبلدة، وأبرزها تركيب نظام طاقة شمسية لمحطة المياه الرئيسية فيها، ومبادرات خيرية على مستوى العائلات، شملت توزيع مبالغ مالية وحصص غذائية وأدوات تنظيف للنازحين شهرياً، فضلاً عن تأمين الأدوية ومستلزمات الطبابة، ولفت إلى أن معظم المغتربين فتحوا أبواب منازلهم لإيواء العائلات النازحة بالتنسيق مع البلدية.
وعن حجم المساهمات، أوضح عز الدين أنها تشمل الأهالي والنازحين، فعلى سبيل المثال بلغت قيمة المساهمات المالية الشهرية الخاصة بالنازحين 4500$ تقريباً، وعدد الحصص الغذائية ما لا يقل عن 450 حصة في الشهر الواحد.
بدوره، أكد رئيس اتحاد بلديات القلعة في منطقة بنت جبيل ومساعد رئيس بلدية تبنين علي فواز للميادين نت أن المغتربين من بلدة تبنين، "فضلاً عن الدعم المالي الذي يقدموه لأقربائهم، فهم يقومون أيضًا بالعديد من المبادرات بالتنسيق مع جمعية في البلدة مهتمة بشؤون الفقراء والمحتاجين والحالات الإجتماعية الصعبة والتي شملت مؤخرًا النازحين."
هذه المبادرات تشمل تأمين حصص غذائية للأهالي والنازحين، وإرسال أدوية من الخارج لا سيما من كندا وأميركا، فضًلا عن تأمين ما ينقص العائلات النازحة من أدوات كهربائية ومفروشات ومقومات الحياة الأساسية التي توفر السكن المريح لهم.
وعن المساهمات المقدّمة، أشار فواز أن "قيمة المساعدات المالية التي يرسلها المغتربون من أبناء البلدة، تصل لـ 200 ألف دولار سنوياً"، وعن حركة المغتربين في ظل الوضع الراهن، أوضح أن "حركة توافد المغتربين تبدأ مع بداية فصل الصيف تحديداً، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه الحركة عند إنتهاء الحرب".
ولم تقتصر مساهمات المغتربين اللبنانيين على ذلك، بل تعدّتها إلى تقديم 3 مشاريع لإنشاء الآبار الارتوازية، يقول رئيس بلدية برج رحال في قضاء صور للميادين نت، والتي فاقت تكلفتها الـ210.000$، فضلاً عن الدعم المقدم للبلدية من تأمين آليات جديدة، وإصلاح بعضها والتكفل بدفع أجور العاملين وغيرها من المساهمات على مستوى النشاط البلدي، بالإضافة إلى تأمين المحروقات اللازمة لتشغيل مولدات الكهرباء في البلدة لا سيما في فصل الشتاء.
وقدم المغتربون مساعدات عينية ومالية شملت 80% من أهالي البلدة، وكل العائلات النازحة من البلدات الحدودية، حيث تم تخصيص مبلغ مليون ليرة لبنانية شهرياً لكل فرد في العائلة، وفي شهر رمضان المبارك على سبيل المثال تم توزيع ما يقارب 800 حصة غذائية على العائلات المحتاجة وكذلك النازحة، وقد بلغت قيمة الحصة الغذائية الواحدة 100$.
وعلى صعيد المساهمات الطبية، ووفقاً لحمود: "يرسل المغتربون مبالغ للصيدليات لتغطية تكاليف الأدوية وعلاجات الأمراض المزمنة للعائلات المحتاجة من الأهالي والنازحين من دون استثناء، وقد وصلت قيمة هذه المبالغ شهرياً لـ1500$ تقريباً، بالإضافة إلى مساهماتهم في تغطية تكاليف العديد من العمليات الجراحية في المستشفيات".
المغتربون نفسهم الذين "بنوا بيوتهم في المناطق الحدودية مباشرةً من دون أي خوف، متمسكين بأرضهم مهما كان الثمن"، يختم حمود.