"البرع" الشعبية.. رقصة تشارك اليمنيين في الحبّ والحرب
كلمة "برع" في اللهجة الصنعانية تطلق على العدو الواثب، أي الشخص الذي يستعد للنزال. وتمارس هذه الرقصة الشعبية المحبوبة لدى اليمنيين في الأعراس كثيراً، وفي المناسبات المختلفة.
تتربع رقصة "البرع" الشعبية صدارة الرقصات في اليمن، والتي تصل إلى ما يقارب 100 رقصة، وتُعدّ أحد ألوان فلكور البلاد المتجدد، والتي اعتاد اليمنيون على ممارستها منذ عصور متعاقبة.
تؤدى هذه الرقصة من قبل الرجال بشكل جماعي، حيث يتحركون بشكل دائري بأعداد لا تقل عن الثلاثة وقد تزيد عن العشرة، بحركات متشابهة، وفقاً لإيقاع يقوم به ما يطلق عليه "بالمبرعي"، الذي يطرق على "الطاسة"، وهي عبارة عن إناء نحاسي مغطى بالجلد يصدر نغمات رنانة وقوية بالضرب عليها ليصدر إيقاعات معينة، تجذب الراقصين. وتمرّ الرقصة بأربعة أطوار هي الدسعة، الوسطى، السارع، وتنتهي بالهوشلية.
وتمارس هذه الرقصة الشعبية المحبوبة لدى اليمنيين في الأعراس كثيراً، وفي المناسبات المختلفة كالأعياد، وجمعة رجب، ويوم الجمعة، وفعاليات اجتماعية عديدة، وأصبح لها حضور طاغ في جبهات القتال، حيث يمارسها المقاتلون عند الاستراحة، عن طريق الاستماع إليها عبر الراديو أو عبر المقاطع المسجلة في شاشات التلفونات.
وإذا كان مفهوم "البرع" في اللغة العربية يدل على البراعة والاتقان - أي اجادة الشيء - كما يشير إلى ذلك العلامة ابن منظور في كتابه "لسان العرب"، فإن كلمة "برع" في اللهجة الصنعانية تطلق على العدو الواثب، أي الشخص الذي يستعد للنزال، ومن هنا فإن هذه الرقصة هي في الأساس "حربية" وتجسد مهارات وفنون استخدام السلاح، ففيها يعتز اليمني بجنبيته (الخنجر) ويستخدمها أثناء الرقص، ثم في المرحلة المعاصرة، يحمل الراقصون الأسلحة على أكتافهم، سواء كان السلاح الآلي أو الكلاشنكوف، أثناء هذه الرقصة.
ويقول وكيل وزارة الثقافة في حكومة صنعاء حمدي الرازحي للميادين نت إنّ الرقصات الشعبية المعروفة في العرف اليمني "بالبرع" من أهم مفردات التراث الشعبي التقليدي المتوارث منذ عهود الأسلاف، وقد ارتبطت في وعي القبيلة اليمنية بقانون الحروب، وهو عرف متوارث من أيام العرب الأوائل لعصور ما قبل الإسلام، لافتاً إلى أن الطبول تقرع لتتراقص الأرجل على إيقاعاتها وفق قانون خاص تزداد وتيرته كلما ارتفعت إيقاعات قرع الطبول.
ويضيف الرازحي أنه لم تقتصر فنون "البرعة" على مجال واحد، بل تعددت مجالات توظيفها لتستوعب مناسبات الأفراح والأعياد ومناسبات عقد التحالفات القبلية وعند المصالحات وحل المشاكل.
وتتنوع هذه الرقصات بحسب تنوع المناطق اليمنية وتعدد ثقافاتها وتقاليديها، فهناك "البرع" أو الرقصة الهمدانية نسبة إلى منطقة همدان شمالي العاصمة صنعاء، والرقصة التهامية شمال غربي اليمن، واليافعية جنوبي اليمن، والماربية شمال شرقي اليمن، ولكل منها مميزات تختلف عن الأخرى، غير أن ما يجمعها هو ذلك الشخص الذي يقرع "الطاسة"، والذي يمتلك مهارات لمعرفة رقصة كل منطقة.
وحول ذلك يقول الرازحي إن لكل مناسبة إيقاع خاص بها، فرقصات الأفراح أشبه ما تكون بطقوس يمارسها أبناء القبيلة لطرد الأرواح الشريرة، وجلب السرور إلى قلب العروسين، أو الترحيب بالمولود الجديد.
ويتابع: "عند الحروب تكون البرعة ذات إيقاع سريع يحمل دلائل الحماسة والاستبسال وإبراز القوة والعزيمة والبأس الشديد"، مبيناً أن القبائل اليمنية تفننت في رقصات "البرع" وإيقاعات الطبول المصاحبة لها، فلكل قبيلة إيقاعها المميز ورقصاتها الخاصة، غير أن الرقصة الشعبية المعروفة "بالبرع" من أهم مظاهر الثقافة الشعبية المعبرة عن هوية اليمن التاريخية والحضارية، ولها ارتباطاتها بهوية اليمن الإيماني كونها استوعبت مظاهر الاحتفالات الدينية بشكل كبير.
وينتقل "الطبالون" أو ما يعرف "بالمبرعيين" من مكان إلى آخر ، ويعملون في الأعراس وجميع مناسبات الأفراح كالأعياد وحفلات التخرج، وغيرها. واللافت أن مهنة "قرع الطبل" لا يمارسها سوى أبناء الطبقات الفقيرة والذين يطلق عليهم تسمية "المزاينة"، وهؤلاء لا يستطيعون الزواج من أبناء القبائل أو الذين ينتسبون للأسر الهاشمية، في حين أن مختلف شرائح المجتمع تجد متعة كبيرة في الرقص على إيقاعات هؤلاء "المطبلين".
ويقول حميد علي، أحد روّاد هذه المهنة، إنه يعاني كثيراً من السخرية والاستهزاء، وهو يؤدي هذا العمل المحبوب لديه، معتبراً أن هذا تراث يمني أصيل، وأن على الناس أن يعلو من قيمتهم لا أن ينتقصوهم.
ويضيف بأسى: "جميع اليمنيين يعشقون رقصة البرع، ويتجمعون لتأدية الرقصات بمجرد قرع الطاسة، لكنهم ومع ذلك يحتقروننا ولا يطيقون الحديث معنا، مع أننا لو توقفنا عن ممارسة هذه المهنة لاندثر هذا التراث إلى الأبد".
وعلى الرغم من هيمنة الثقافات الشعبية لدى العديد من دول المنطقة، إلا أن اليمني ظل محتفظاً بهويته التراثية ومحافظاً عليها، فلم تتأثر رقصة "البرع" بالوافد الجديد من معطيات الحداثة، وهذا ما ينبغي الالتفات إليه بشكل كبير من قبل الجهات الرسمية ممثلة بوزارة الثقافة في صنعاء، حيث يساعد فتح المراكز الخاصة بتدريس وتعليم فنون رقصات البرع بمختلف تشكيلاتها وانتماءاتها القبلية على أن يبقى الفن اليمني الأصيل حاضراً بقوة في مختلف المناسبات الاجتماعية في البلاد.