إقبال واسع على "أوبر وكريم".. مصريون يواجهون البطالة عبر "النقل الذكي"

لجأ عدد كبير من المصريين إلى العمل في شركات النقل الذكي لقلة الفرص بالوظائف الرسمية أو القطاع الخاص، وأحياناً لتحسين الدخل بجانب الراتب الوظيفي، بعد أن وصلت معدلات البطالة في مصر خلال الربع الأول من عام 2023 إلى 7.1%.

  • سائق مصري يعمل لدى شركة أوبر للنقل في مصر يتحقق من خريطة الطريق على هاتفه (أ.ف.ب)
    سائق مصري يعمل لدى شركة أوبر للنقل في مصر يتحقق من خريطة الطريق على هاتفه (أ.ف.ب)

في شوارع القاهرة الكبرى، خصوصاً القاهرة والجيزة، المزدحمتين بملايين المارة ومئات الآلاف من السيارات ووسائل النقل العام والخاص، ستجد على يمنيك أو يسارك سائق سيارة ملاكي، أو أحد الشباب يقود دارجة نارية، وجميعهم وضع هاتفه النقال أمامه أو بيده، انتظاراً لإقلال أحد الركاب أو إجراء رحلة مع أحد العملاء، ضمن منظومة "النقل التشاركي" أو "الذكي" التي انتشرت في السنوات الأخيرة في البلاد، وتعتمد في الأساس على التطبيقات التكنولوجية بين الراكب والسائق والشركة. 

ومن قلب القاهرة إلى الجيزة، الملاصقة لها، وتحديداً في منطقة أرض اللواء، قابلت الميادين نت مصطفى حبيب، الشاب العشريني، على أحد المقاهي الشعبية، وسط أدخنة النرجيلة (الشيشة)، حيث قص علينا، بلغة هادئة، تجربته في العمل لدى إحدى تلك الشركات التي دخلت السوق المصري وهي "أوبر وكريم" ، فضلاً عن "ديدي" الصينية، و"إن درايف" الروسية، و"سويفل" المصرية، من أجل سدّ رمق العيش إلى جانب دخله الوظيفي.

حبيب، وهو متزوج حديثاً وينتظر طفلته الأولى، تحدث لـلميادين نت عن تلك التجربة لدى  شركة " أوبر وكريم" على الدراجة النارية أو "سكوتر"، قائلاً: "لا يحتاج العمل سوى تقديم الطلب للشركة وإدارة المرور وبعد الفحص الفني وتسديد الرسوم اللازمة، مع نسخة بطاقة الرقم القومي وتحليل المخدرات، وصحيفة الحالة الجنائية، تصبح سائقاً ضمن الآلاف في الشركة، ويتم منحك تطبيق الشركة الخاص بالسائقين"، مضيفاً: "لا يكفي عائدها المادي احتياجات أسرتي، فهي دخل إضافي فقط وليس أساسياً، وإن كانت حالياً تمثل مهرباً لأغلب الشباب الباحثين عن العمل أو العاطلين، وممن لديهم التزامات حياتية تفوق رواتب وظائفهم".

وحدّد قرار مجلس الوزراء المصري، رقم 2180 لسنة 2019، الإجراءات والقواعد اللازمة لتطبيق أحكام قانون النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات المعروف بقانون "أوبر وكريم" لحصول السائقين على كارت التشغيل المؤهل للعمل بهاتين الشركتين ومثيلاتها.

لا يعمل مصطفى، خريج المعهد العالي للحاسبات ونظم المعلومات في القاهرة في وظيفة رسمية بل لدى إحدى الجمعيات الخيرية في محافظة الجيزة، ويسرد بلغة يختلط فيها مشاعر التفاؤل بالتشاؤم:"نحاول التغلب على مصاعب الحياة، فلا يوجد وظائف حالية والموجودة تحتاج إلى الوساطة، أو رشاوى، وأنا لا أملك هذا أو ذاك، عملي في شركة "أوبر وكريم" كان اضطرارياً، فالمقابل المادي محاولة لتحقيق الاكتفاء الذاتي لأسرتي".

ومنظومة النقل التشاركي، عرفتها مصر لأول مرة عن طريق شركة "أوبر" الشهيرة منذ عام 2014، بعد 5 سنوات تقريباً من تأسيس الشركة في الولايات المتحدة الأميركية، ثم لحقت بها شركة "كريم" التي تأسست في مدينة دبي الإماراتية عام 2012، وخاضتا سوياً صراعاً من أجل تقنين أوضاعهما القانونية حتى عام 2018.

 معدلات البطالة تصل إلى 7.1% مطلع 2023

لجأ عدد كبير من المصريين إلى تلك المهنة لقلة الفرص بالوظائف الرسمية أو القطاع الخاص، وأحياناً لتحسين الدخل بجانب الراتب الوظيفي، بعد أن وصلت معدلات البطالة في مصر خلال الربع الأول من عام 2023 إلى 7.1% بعد أن سجلت 7.2% عام 2022، وفقاً لأحدث بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، في أيار/مايو الماضي.

وبخلاف مصطفى حبيب، يقول محمد علي (23 عاماً) أن المميزات التي تقدمها "أوبر" للسائقين أفضل من "كريم" رغم أنهما شركة واحدة، إلا أنه يردف أن "العمل في شركات النقل الذكي يعرض السائقين في كثير من الأحيان إلى مخاطر السرقة، خصوصاً في المناطق الشعبية التي يقومون بتوصيل عملاء إليها، ولا يعلمون خريطة شوارعها أو مدى خطورتها، ما يجعل السائق عرضة دائما للمخاطر والخسائر".

ويسرد علي، وهو يسكن منطقة الدقي القريبة من القاهرة، بعد أن ترك العمل في "أوبر وكريم" بسبب المتاعب التي تعرض لها وبينها الحوادث على سبيل المثال، أن "أحد السائقين وبعد توصيل أحد العملاء تعرض للقتل، فهي مهنة محفوفة بالمخاطر".

واستحوذت شركة "أوبر" على شركة "كريم نتوركس"، في كانون الثاني/يناير 2020، في صفقة قدرت قيمتها بـ3.1 مليار دولار، مع الحفاظ على الاسم التجاري للشركة الثانية، وفي 6 أيار/مايو 2020 وأثناء جائحة كورونا، سرّحت "أوبر مصر" المئات من العاملين به بالتزامن مع قرار مماثل بالفرع الرئيسي في الولايات المتحدة، لخفض عدد العاملين جراء الوباء الذي اجتاح العالم.                   

وتقول الشركة إنها نجحت في تحقيق أكثر من 500 مليون رحلة وإتاحة خدمة النقل التشاركي لـ14 مليون راكب في 11 محافظة مصرية، كما بلغ عدد السائقين الذين يستخدمون منصتها أو برنامجها منذ إطلاق الخدمة حوالي 700 ألف سائق، وانضم إليهم سائقون جدد بنسبة 20% بين عامي 2021 و2022، كما أنها لا تتجاهل شكاوى العملاء أو السائقين من غلاء أسعار خدماتها، وطرحت منتجات بأسعار مخفضة في الفترة الأخيرة لمعاونة الراكب أو السائق.

مخاطر من بعض سائقي شركات النقل الذكي

وعلى عكس ذلك، تحكي مروة البهتيني، كيف تملّكها الخوف، حين تحرك أحد سائقي شركة "كريم" في شوارع القاهرة، بالمخالفة لاتجاهات السير التي تعرفها، ما دفعها إلى الاتصال بزوجها ومشاركة المشوار معه.

كان زوج البهتيني، الأم لطفلين صغيرين، ويعمل طبيباً في مستشفى خاص، كما تقول لـلميادين نت لم ينه دوامه بعد، حين دقت الساعة الثانية عشر صباحاً، في أثناء زيارتها لعائلتها بمنطقة الهرم بالجيزة، وحين همّت للذهاب إلى بيتها في وسط القاهرة، طلبت سيارة تابعة لشركة كريم."

وتسرد رحلتها:" تلك المرة أصابني الرعب والذهول، من هول ما فعله هذا السائق، الذي بدا عليه علامات الخمور"، وفق تعبيرها.

تحفظت البهتيني، على ذكر معلومات الرحلة وهي تحكي عن كيفية تعرضها للتحرش اللفظي والسرقة خلال تلك الرحلة التي وصفتها بالأسوأ على الإطلاق، ما جعلها تعود إلى استخدام التاكسي العادي مجددا.

وتكمل حديثها:" لقد سار بي في اتجاهات على عكس خط السير، واستمر في الدوران عبر شوارع لم أعرفها، ولإشعاره بأنني لست بمفردي اتصلت بزوجي سريعاً الذي ظل على الهاتف معي طوال تلك الرحلة".

وتضيف: "هذا الموقف لن أنساه، بعد رجوعي إلى المنزل حذفت تلك التطبيقات من هاتفي، ولم أعد أتعامل مع تلك الشركات".

خبيرة النقل العالمي سمر الجمّال، تقول إنه "لا توجد قوانين تنظيم عمل تلك شركات النقل الذكي أو التشاركي بل هي مجرد قوانين تعاقدية بينها وبين الدول لضمان دفع الضرائب، لكنها غير ملزمة للحفاظ على حقوق العمال أو بالتأمين عليهم حال الحوادث أو الإصابات".

وتضيف لـلميادين نت، أن "شركة أوبر تتغافل عن حقوق العاملين، وأصبحت تتحصل على نسب مبالغ فيها من السائق نظير توصيله بالعملاء، فضلاً عن رفع الأجرة على الركاب مع أي زيادة بالأسواق المصرية، وتستغل أي ارتفاعات في أسعار المحروقات في مصر لرفع أسعارها إلى حد بعيد من دون رقيب أو حسيب".

الجمّال أضافت أيضاً: "رغم أهمية تلك الشركات في سوق النقل الجماعي في مصر، إلا أنه يتطلب من الدولة وضع الضوابط اللازمة لتنظيم عملها، وعدم ترك العميل والسائق فريسة لها والتي يهمها في المقام الأول تحقيق الأرباح وتتناسى مسؤوليتها الاجتماعية".