أيّ دور يؤديه الفضاء الافتراضي في اختيار الناخبين الإيرانيين لمرشحي الرئاسة؟
يساعد الفضاء الافتراضي في إيران في نقل المرشحين للانتخابات الرئاسية برامجهم إلى الجمهور، بالإضافة إلى أنه وسيلة أساسية يستقي من خلالها الناخبون معلوماتهم بشأن الانتخابات.
تلعب وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في إيران دوراً محورياً في عرض المشهد السياسي اليوم خلال فترة الانتخابات الرئاسية، حيث تُعد أدوات أساسية يستقي من خلالها الناخبون معلوماتهم.
تنشر هذه الوسائط أخبار المرشحين وتفاعلات أنصارهم وانتقادات مُعسكر ضد آخر، فتتشكل الأفكار وتتبلور المواقف، مما يمكّن المواطنين من تشكيل صورة متكاملة حول المرشحين وبرامجهم الانتخابية. تقول ريحانة ريوندي في هذا السياق، وهي طالبة دكتوراه في علوم الاتصال للميادين نت: "أنا أحصل على غالبية المعلومات والأخبار من خلال الصفحات الإعلامية المتنوعة في الفضاء الافتراضي. واليوم، بينما تمرّ البلاد بزخم الانتخابات الرئاسية، يتجلى لي أن هذا الغوص في العوالم الرقمية قد أصبح أداة استثنائية لتأثيرها الملموس".
ويقدم حامد منكرسي، مسؤول السياسات والتقييم في منظمة تكنولوجيا المعلومات في إيران، أرقاماً مُلفتة حول تأثير الفضاء الافتراضي على الساحة الانتخابية الإيرانية، ويذكر أنه من بين 62 مليون ناخب مؤهل، يوجد فعلياً 50 مليوناً في العالم الافتراضي. هؤلاء الناخبون ينشطون على ثلاث منصات أجنبية رئيسية هي إنستغرام، واتساب، وتليغرام، بالإضافة إلى أربع منصات محلية هامة وهي إيتا، روبيكا، تلفبيون، وبله، مما يعكس مدى انتشار وتأثير هذه المنصات في تشكيل الرأي العام خلال الفترات الانتخابية.
على ضوء هذه الإحصائية، تُحذر ريوندي، موجهة كلامها للناخبين، من ضرورة التحلي باليقظة عند استقاء الكم الهائل من المعلومات المتاحة، وذلك لضمان اختيار المرشح الأكثر أهلية في الانتخابات. ويذهب في هذا الاتجاه محمد كربلائي، طالب العلوم السياسية، الذي يدافع عن وجهة نظر تجاه استخدام الفضاء الافتراضي في المشهد الانتخابي، موضحاً أن هذه الوسائط يمكن أن تكون سلاحاً ذو حدين. وفي حديثه لـلميادين نت، يبيّن كربلائي أن متابعته لبرامج المرشحين عبر هذه المنصات قد كشفت له عن وجود حسابات قد تكون مُزيفة وتحمل رسائل مُضللة تؤثر على نزاهة الانتخابات. لذلك، يفضل الاستعانة بمنصات تواصل محلية مثل "إيتا" و"بله"، التي يراها أكثر أماناً في تقديم المعلومات الموثوقة.
هذا القلق لا يقتصر على المرشحين وحدهم؛ بل يمتد ليشمل العامة والمسؤولين عن تنظيم الانتخابات في البلاد أيضاً. فبعد أن دخلت بعض وسائل الإعلام الأجنبية الناطقة بالفارسية، بالإضافة إلى تطبيقات التواصل الشهيرة على خط الانتخابات، بدأت تظهر نية مشتركة لإحباط الناخبين عن المشاركة الفعالة بهدف سلب المشروعية الشعبية عن النظام. ويقول المتحدث الرسمي باسم المركز الوطني للفضاء الافتراضي حسين دليريان، في منشور على منصة إيكس، إن هناك عدد كبير من المستخدمين على هذه المنصة ينشرون محتوى مُهيناً ضد المرشحين. وقد تبيّن لاحقاً أن هذا النشاط مرتبط بمجموعة من الروبوتات التي تستهدف إثارة الصراع ودفع المرشحين وأنصارهم إلى الرد بعنف ضد بعضهم البعض.
في المقابل، اتخذت السلطات تدابير مكثفة لضمان تجربة انتخابية مطمئنة للناخبين؛ فأنشأت هيئة الإذاعة والتلفزيون صفحات خاصة بالمرشحين على منصة "تلفبيون"، التي تعد أكبر شبكة توزيع محتوى فيديو في البلاد، حيث تضم خطابات، لقاءات، مناظرات، كليبات، وبرامج وثائقية، بالإضافة إلى توفير نوافذ للتواصل المباشر مع الأنصار والإجابة على استفساراتهم. هذه الخدمات مجانية ولا تستهلك من باقة الإنترنت الشخصية للمستخدمين. وبالتوازي، خصصت وزارة الاتصالات حزمة 20 جيغابايت من الإنترنت المجاني لكل مواطن إيراني على هاتفه المحمول لمتابعة الانتخابات عبر المنصات المحلية.
أمر الله مُلاآقايي، العامل في مطعم ، يعبر عن تجربته لـلميادين نت بعد توفير الإنترنت المجاني قائلاً: "خلال فترات استراحتي، أستغل منصة "تلفبيون" لمتابعة العروض الانتخابية للمرشحين. ليس ذلك فحسب، بل أستطيع أيضاً طرح أسئلتي مباشرة عليهم. هذه الوسيلة جعلت من السهل عليّ مواكبة تفاصيل الانتخابات بسرعة، خصوصاً أن طبيعة عملي لا تسمح بقضاء أوقات طويلة أمام التلفاز".
بدوره، يلقي إبراهيم شير علي، رئيس مركز استطلاع الآراء التابع لحركة الجهاد الجامعي، الضوء على توجهات الناخبين في متابعة أخبار الانتخابات، موضحًا لـلميادين نت أن نسبة 62.4% من الناس تتابع الأخبار الانتخابية عبر وسائل الإعلام المرئية والرقمية المحلية، فيما يتجه 9.4% نحو الإعلام الأجنبي الناطق بالفارسية. وتظهر الإحصائيات أن 3.6% يعتمدون على الأقارب والمعارف، و2.9% يتابعون القنوات الفضائية، بينما 21.7% من الناخبين لا يزالون بمعزل عن أجواء الانتخابات. وتشير هذه الأرقام إلى أن الإعلام المحلي قد نجح في جذب شريحة واسعة من المواطنين لمتابعة العملية الانتخابية، ويتوقع الخبراء أن تزداد هذه النسبة مع اقتراب موعد الانتخابات.
من جهته، يؤكد رئيس كلية علوم الاتصال في جامعة العلامة الطباطبائي في حديثة لـلميادين نت، أهمية الثقافة الإعلامية كوسيلة فعالة للتمييز بين الأخبار الحقيقية والكاذبة. وينصح بأن يتعلم الجمهور عدم الاستجابة بشكل سلبي أو منفعل تُجاه وسائل الإعلام، وأن يقوم بانتقاء الوسائل التي تناسبه بعناية ووعي.
تظهر الأهمية البالغة لوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي في تشكيل توجهات الناخبين خلال الانتخابات الرئاسية الإيرانية. إذ إن القدرة على الفصل بين المعلومات الحقيقية والمضللة تُعد مهارة حيوية يعمل كل ناخب إيراني على اكتسابها بشكل فردي أو مستعيناً بآخرين لضمان اتخاذ قرارات تساعد على انتخاب المرشح الأنسب. وفي الوقت الذي تقلل فيه وسائل الإعلام المعارضة للنظام من أهمية رأي الناخب الإيراني، تعمل السلطات في الداخل على تأكيدها قوة الصوت الانتخابي وكيف يمكن لهذا الصوت أن يساهم في استمرار الجمهورية وتشكيل مستقبلها.