عملية العلقم والمطبعون
اتخذ التأييد الشعبي لعملية خيري علقم طابعاً أكثر احتفاليةً وصخباً هذه المرة في الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي.
نزلت عملية الشهيد خيري علقم البطولية في مقابل كنيس يهودي في مستعمرة "النبي يعقوب" شرقي القدس، بعد سلسلة عمليات القتل العشوائي والاغتيالات المنهجية التي نفذها العدو الصهيوني في الضفة الغربية، ولا سيما في مخيم جنين، برداً وسلاماً على أفئدة عامة العرب والفلسطينيين.
وأظهر تفاعل الشارع العربي والفلسطيني مع بسالة الإنجاز المظفر الذي اجترحه خيري علقم بمسدسٍ واحدٍ فحسب، زخم التأييد الشعبي للعمل المسلح في فلسطين أولاً، وأن شعبنا يعدّ كلّ محتل يدبّ على أرض فلسطين التاريخية هدفاً مشروعاً، لا بل هو محبذ، ثانياً.
هذا الموقف الشعبي العربي ثابتٌ منذ أن راحت تتضح معالم المشروع الصهيوني مع بدء الاستيطان اليهودي المكثف في فلسطين مع نهاية القرن الـ19 الميلادي، فالمشروع الصهيوني أساسه الاستيطان اليهودي في فلسطين الذي ما برح يعمل على توسيعه اليوم، ومن يزعم أنّه يناهض الصهيونية من دون أن يناهض ذلك الاستيطان، كقاعدة ديموغرافية للصهيونية في فلسطين، يتلهى بالفروع ولا يناهض المشروع الصهيوني جذرياً.
اتخذ التأييد الشعبي لعملية خيري علقم طابعاً أكثر احتفاليةً وصخباً هذه المرة في الشارع ووسائل التواصل الاجتماعي، لأن عملية كنيس "أتيرت أفراهام" (وترجمتها "تاج إبراهيم" حرفياً)، بعد المغالاة في استباحة دماء الفلسطينيين صهيونياً، وبعد أقل من 24 ساعة من مجزرة مخيم جنين، شفت صدور قومٍ مؤمنين، فكانت شهداً لنا وعلقماً لهم.
جاءت إدانات بعض الأنظمة العربية لعملية العلقم الفذة، على خلفية إصرار الشعب العربي على إشهار موقفه منها بوضوح، مخزية لمن أصدرها. وبرز هنا موقف الأنظمة في الإمارات ومصر والأردن ليدينها أيما إدانة، وليخسّرها سياسياً، لأنها حشرت نفسها علناً في صف العدو الصهيوني في مواجهة موقف شعبي عربي مشتعل.
يمثل ذلك الموقف الرسمي أحد استحقاقات التطبيع والمعاهدات مع العدو الصهيوني؛ فإذا كان المطبّعون يزعمون أنهم ينأون بأنفسهم عن القضية الفلسطينية؛ القضية الأولى للأمة العربية، من أجل تحقيق "مصالح قطرية"، فإن بعض ردود الفعل الرسمية العربية على عملية العلقم أثبت مجدداً أن التطبيع يتطلَّب الاصطفاف علناً مع العدو الصهيوني، لا النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية فحسب.
نقول هذا مع الإدراك أنَّ خطاب "النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية من أجل تحقيق مصالح قطرية" ثبت خواؤه أمناً واستقراراً واقتصاداً مع كل جهة عربية طبّعت مع العدو الصهيوني، والسلطة الفلسطينية نموذجاً، ومع الإدراك الكامل أن المرحلة الحالية للمشروع الصهيوني هي تفكيك المحيط بالفتن وتثليم هويته بالاختراقات، إذ إنَّ ذلك المشروع كان موجهاً منذ القرن الـ19 ضد الوطن العربي بأكمله، لا ضد فلسطين فحسب.
الموقف الرسمي المصري والأردني
أعربت الخارجية المصرية السبت الفائت عن "رفضها التام واستنكارها الشديد للهجوم الذي شهدته القدس الشرقية" (الرجاء الانتباه إلى أن مصطلح "القدس الشرقية" تطبيعي، فالقدس واحدة، وكلها محتلة، والأصح القول: شرقي القدس)، مؤكدةً "إدانتها كافة العمليات التي تستهدف المدنيين".
إنها محاولة لاصطناع شيء من التوازن في الموقف الذي يزعم الحرص على حياة "المدنيين" من الطرفين، من دون تمييز بين صاحب الأرض الأصيل والمستوطن الدخيل، ومن دون تمييز بين المحتل من جهة والمقاوِم من جهةٍ أخرى، والذي لا يعود "مدنياً"، في حين يُعد جنود الاحتياط الصهاينة خارج الخدمة مثلاً "مدنيين"، بحسب هذا المقياس الأعوج، وهو أعوج لأننا نتعامل مع احتلال استيطاني هنا، لا مع احتلالٍ عسكريٍ فحسب.
قال ناطقٌ رسميٌ باسم الخارجية الأردنية، في بيان أيضاً، إن "الأردن يدين الهجوم الذي استهدف مدنيين في كنيس في القدس الشرقية" (لاحظوا تكرار مصطلحي "القدس الشرقية" والمحتلين "المدنيين" المخترقين)، "كما يدين كل أعمال العنف التي تستهدف المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة".
هذا يعني أن استهداف المقاومين صهيونياً مشروعٌ، بحسب هذا المقياس الأعوج أيضاً. والشعوب تحت الاحتلال ليس لديها جيوشٌ رسميةٌ. ومن دون حركات مقاومة، فإنها تبقى عزلاء في مواجهة المحتل.
كما أنَّ مصطلح "الأراضي الفلسطينية المحتلة" ذاته أكثر تلوثاً، لأنه يفكّك فلسطين المحتلة، وهو يعني اليوم شيئاً هلامياً خاضعاً للتفاوض، وهو يستثني على وجه التأكيد الأرض المحتلة عام 48، ما يعني عملياً أن قتل الفلسطينيين في الجليل أو النقب ليس مداناً.
الموقف الرسمي الإماراتي الأكثر تطرفاً
كان بيان الخارجية الإماراتية في المقابل أكثر وضوحاً في اصطفافه، ولم يراعِ اعتبارات التوازن حتى شكلياً، فهو يدين "الهجوم الإرهابي" على الكنيس باسم الإمارات، ويعرب عن "استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية، ورفضها الدائم لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية".
نشير هنا إلى أنَّ رفض "جميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار" يدفع إلى التساؤل: أمن واستقرار من؟ وبما أن السياق في البيان هو إدانة عمل مقاوِم، يصبح من الواضح أنَّ الحديث يتعلق بأمن الاحتلال واستقراره. كما أن الصيغة توحي أن العنف والإرهاب اللذين يكرسان الأمن والاستقرار، أي الاحتلال، أو لا يزعزعانه على الأقل، ليسا مدانين.
هل يحمّل هذا التأويل بيان الخارجية الإماراتية أكثر مما يحتمله نصه؟ دعونا نتابع ما جاء فيه، إذ تعرب الوزارة عن "خالص تعازيها للحكومة الإسرائيلية وشعبها الصديق ومواساتها لأهالي وذوي الضحايا جراء هذه الجريمة النكراء، وتمنياتها بالشفاء العاجل لجميع المصابين"!
هذا كلامٌ واضحٌ لا يحتاج إلى تأويل أو تحليل نصّ يؤكّد استنتاجنا أعلاه، إذ إنه يعد حكومة الاحتلال وشعبها صديقين (والاحتلال ليس حكومةً فحسب) ويواسيهم... فكيف يكون الاحتلال صديقاً لدولة عربية؟!
نقارن ذلك باللهجة "الحيادية" لبيان الخارجية الإماراتية الذي يدين اقتحام مخيم جنين، كما ورد في موقعها: "أدانت دولة الإمارات اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم جنين الفلسطيني، ما أسفر عن سقوط قتلى وجرحى"، من دون اعتبار ذلك جريمة وشكلاً من أشكال العنف والإرهاب، ولا اعتبار الجهة التي تقوم به احتلالاً، ولا اعتبار "القتلى" شهداء.
يكمل البيان: "ودعت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في بيانٍ لها السلطات الإسرائيلية إلى خفض التصعيد وعدم اتخاذ خطوات تفاقم التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة". ونعود إلى التساؤل هنا: ماذا يعني "خفض التصعيد" في هذا السياق؟ وماذا تعني المطالبة بـ"عدم اتخاذ خطوات تفاقم التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة" سوى الخوف على الاحتلال من ردود الفعل، والتي جاءت سريعاً، فدانتها الخارجية الإماراتية "بشدة"، كما لم تدِن اقتحام المخيم أو غيره من جرائم الاحتلال؟!
موقف الخارجية السعودية والبحرينية
أصدرت الخارجية السعودية بياناً بعد عملية العلقم يدين "كل استهداف للمدنيين"، ويؤكد "ضرورة وقف التصعيد وإحياء عملية السلام وإنهاء الاحتلال". والمفارقة هنا أنَّ الحديث عن احتلال، ولو في حدود الأرض المحتلة عام 67 فحسب، ينفي الصفة "المدنية" عمن استهدفتهم عملية العلقم، لأنها وقعت شرق القدس المحتلة عام 67، فهم محتلون إذاً، وينطبق عليهم موقف "إنهاء الاحتلال" حتى لو افترضنا جدلاً تقزيم فلسطين إلى "أرض محتلة عام 67"، وهو ما لا يمكن أن يقبله منطق قومي أو وطني أو إسلامي أو تحرري. ويذكر، للأمانة، أنَّ بيان الخارجية السعودية عن اقتحام مخيم جنين تضمن إدانة شديدة وواضحة.
دانت مملكة البحرين، كما جاء في بيان في موقع الخارجية البحرينية الإلكتروني، "الهجوم الإرهابي الذي وقع قرب كنيس يهودي في مدينة القدس، وأسفر عن مقتل وإصابة عدد من الأشخاص". ويُذكر أنَّ الخارجية البحرينية دانت هجوماً فلسطينياً على كنيس في حي "هارتوف" غربي القدس عام 2014، قضى فيه 6 أشخاص والمهاجمان، قبل 6 سنوات من توقيع الاتفاقيات "الإبراهيمية". ودانت السلطة الفلسطينية أيضاً تلك العملية التي نفذها البطلان غسان وعدي أبو الجمل وقتها.
وفي سياق عملية العلقم في "النبي يعقوب" التي عدتها "إرهابية"، أكَّدت الخارجية البحرينية في بيانها "ضرورة اتخاذ الخطوات العاجلة والفاعلة لوقف حالة التصعيد الخطرة والمدانة التي ذهب ضحيتها مدنيون فلسطينيون وإسرائيليون"، مجددةً "موقفها الثابت والرافض لأعمال العنف والإرهاب بجميع صورها وأشكالها"، وداعية إلى "عدم التصعيد وتوفير الحماية للمدنيين، وتهيئة الأجواء المناسبة لإحياء عملية السلام...".
لم يتضمَّن بيان الخارجية البحرينية أيِّ إشارة إلى إنهاء الاحتلال، حتى في ما يسمى "حدود الـ67"، ولم أجد في موقعها حتى إدانة خجولة لاقتحام مخيم جنين، ولا أي بيانات إدانة لعمليات القتل العشوائي للفلسطينيين حتى من منظور "إنسانوي"، ناهيك بالعروبة والإسلام والوقوف مع شعب شقيق مظلوم.
هذه البيانات ما كانت لتحدِث فرقاً في جميع الأحوال، ما دام التطبيع جارياً على قدمٍ وساق ليغطي الجرائم الصهيونية سياسياً، إنما هي لرفع العتب عمن يصدرها على الأقل، ولتقليل احتكاك الأنظمة مع الشعب العربي، من البحرين إلى المغرب، في الموقف من العدو الصهيوني (وهو موقف مبدئي ثابت بالمناسبة، لا "فورة عاطفية"، كما يزعم البعض).
الموقف المغربي الملتبس
في السياق "الإبراهيمي"، كان لافتاً جداً عدم إصدار الخارجية المغربية بياناً أو تصريحاً يدين عملية العلقم البطولية. قد يبدو مثل ذلك الموقف، لوهلة، مخالفاً للسياق "الإبراهيمي"، ولا سيما مع تصاعد الخطوات التطبيعية للنظام المغربي مع العدو الصهيوني، كما أنه مخالف لسجل الخارجية المغربية في إدانة العمليات الفدائية في فلسطين، ومنها مثلاً عملية الخضيرة البطولية في 27/3/2022 خلال قمة النقب، بحضور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والتي قتل فيها ضابطان من "جيش" الاحتلال، أي أنها لم تستهدف "مدنيين"، حتى بالتعريف الرثّ الذي يصور الاحتلال الاستيطاني الإحلالي "مجتمعاً مدنياً"!
يُذكر أيضاً أن الاتفاقيات "الإبراهيمية"، من البحرين إلى المغرب، وُقِّعت على خلفية اعتراف إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمةً للكيان الصهيوني. يدعو التوجه العام للنظام المغربي كله إذاً إلى إدانة عملية العلقم الرائعة، لكنه تمنعٌ يتعلق بمماطلة الخارجية الإسرائيلية في الاعتراف رسمياً بمغربية الصحراء فحسب، على الرغم من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بهذا الاتجاه خلال زياراتهم التطبيعية إلى المغرب.
أكَّد موقع "أكسيوس" في 4/1/2023 هذه النقطة في تقريره من "تل أبيب"، الذي أشار إلى أنَّ المغرب يتمنع في تحويل مكتب اتصاله في "تل أبيب" إلى سفارة كاملة، في حين افتتحت سفارة إسرائيلية رسمياً في الرباط الصيف الفائت، بانتظار إعلان رسمي من "تل أبيب" بخصوص مغربية الصحراء.
ولم يدن النظام المغربي اقتحام مخيم جنين أو عمليات القتل العشوائي للفلسطينيين، لكنّه دان اقتحام وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، المسجد الأقصى المبارك في 3/1/2023.
الموقف التركي المتكلس
لا بدَّ من تسليط الضوء في هذا السياق على إدانة النظام التركي لعملية العلقم البطولية، ولا سيما في ظل متاجرته بالمشاعر الإسلامية للشعب العربي، وهو أكبر مطبع مع العدو الصهيوني في المنطقة، إذ لا توجد دولة عربية أو مسلمة، مهما بلغ تطبيعها، يصل مستوى علاقاتها بالكيان الصهيوني إلى مستوى العلاقات التركية الإسرائيلية التي نمت وتطورت إلى مستويات غير مسبوقة في ظل حكم حزب العدالة والتنمية الإخواني التوجه، فقد وصل التبادل التجاري بينهما مثلاً إلى نحو 10 مليارات من الدولارات عام 2022، ويتوقع أن يصل إلى 12 مليار دولار في الفترة المقبلة.
يُذكر أنَّ هجوم الخارجية التركية على عملية العلقم البطولية كان الأكثر وقاحةً وتكلساً من بين البيانات التي دانتها: "ندين الهجوم الإرهابي على كنيس في القدس، الذي وقع مساء 27 كانون الثاني/يناير الجاري، والذي أسفر عن مقتل العديد من الأشخاص"، مقدمةً "تعازيها إلى أسر الأشخاص الذين فقدوا حياتهم في الهجوم وإلى حكومة إسرائيل وشعبها، ومتمنية الشفاء العاجل للمصابين"، بحسب وكالة "الأناضول".
هذه ليست المرة الأولى بالمناسبة، لمن يرغب في البحث في سجل إدانة النظام التركي للعمليات الفدائية في فلسطين. وخيراً فعلت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في إدانتها موقف النظامين الإماراتي والتركي من عملية العلقم بشكلٍ خاص، واصفةً إياه بأنه "ردّة عن الموقف العربي والإسلامي والأخلاقي وخيانة للشعب الفلسطيني"، وهذا مهم، لأنه موقفٌ متوازن ذو مصداقية لا يدين التذلّل التطبيعي انتقائياً.
موقف الخارجيتين الروسية والصينية
يُشار إلى أنَّ بيان الخارجية الروسية عن عملية العلقم المظفرة كان الأكثر حساسية وذكاءً إزاء مشاعر الشعب العربي، فقد حاول الحفاظ على شيء من التوازن، في سياق الالتزام بخط التسوية مع العدو الصهيوني عموماً، وبالمصطلح التطبيعي الملوث، على الرغم من بُعد روسيا عن القضية الفلسطينية مقارنةً بالأنظمة العربية والمسلمة: "إن الهجوم على كنيس يهودي في القدس الشرقية والغارات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي خلفت ما لا يقل عن 9 قتلى فلسطينيين و16 جريحاً أظهرت الحاجة إلى استئناف عاجل لحوار فلسطيني-إسرائيلي بنّاء".
لم يخرج ناطق باسم الخارجية الصينية، في موقعها الإلكتروني في 29/1/2023، عن هذا الخط، مع تهميش الموضوع عموماً باللغة العربية، في مقابل إدانة هندية واضحة لعملية العلقم.
لكنّ الذكاء في تصدير الموقف إعلامياً، بالنسبة إلى روسيا والصين، لا يعادل اتخاذ موقف صحيح حتى بالمقاييس الروسية والصينية، ونحن مع نشوء عالم متعدد الأقطاب، ومع صعود روسيا والصين والبريكس في مواجهة الهيمنة الأميركية، لأن هذا في مصلحة الأمة العربية وكلّ شعوب الأرض، من دون أن يعني ذلك تجاوز المصالح القومية لمصلحة التحالف، إذ لا يجوز أن نقبل استهانة الحلفاء بتلك المصالح، لأنهم لن يحترمونا بعدها، والحلفاء بدورهم لا يتجاوزون مصالحهم القومية من أجل التحالف في جميع الأحوال.
وفي حين حرصت الخارجية الروسية والخارجية الصينية على عدم استفزاز الشعب العربي، صوّت مجلس الأمن الدولي بالإجماع السبت الفائت على إدانة هجوم خيري علقم على كنيس مستعمرة "النبي يعقوب" في القدس، من دون الإتيان على ذكر المجازر الصهيونية أو اقتحام مخيم جنين، وكان الحاضرون ممثلي الدول التالية: الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة الأميركية، ألبانيا، البرازيل، الإكوادور، الغابون، غانا، اليابان، مالطا، الموزمبيق، سويسرا، والإمارات العربية المتحدة.
يجب أن يعرف الحلفاء الكرام في منظومة "البريكس" أننا نقرأ ونتابع، وأننا لا نطالبهم بأن يكونوا أكثر ملكيةً من الملك، وأننا نعرف كيف نميز بين الداعمين الحقيقيين للكيان الصهيوني، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، وبينهم، ولكنّ موقفهم كان سيبدو أكثر مصداقيةً لو أنهم التزموا في تصويتهم في مجلس الأمن بما صرحوا به إعلامياً عقب عملية خيري علقم.
إننا لا نطلب منهم أكثر من ذلك، إذ إن ازداوجية المواقف تسيء إليهم، ولا عذر لهم في أن موقف بعض الأنظمة العربية وتركيا كان أكثر رداءةً، فالنظام التركي منافق، فيما الأنظمة العربية فاقدة للصلة مع الوجدان الشعبي العربي، وليس لديها مشروعٌ أصلاً.
مرجعية الموقف الشعبي المقاوِم لا "الشرعية الدولية"
ستبقى عملية خيري علقم البطولية معلماً في السجل النضالي للشعب العربي الفلسطيني، إذ جاءت ليلة اليوم العالمي لما يسمى "الهولوكوست"، عشية السبت، في مقابل كنيس في القدس، وعلى خلفية زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، ثم زيارة مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي أي إيه) وليام بيرنز، والآن زيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لفلسطين المحتلة.
في فلسطين حالات أسطورية لشبان في عمر الورود أثبتوا أنهم محصنون من تلوث الخطاب الليبرالي والتطبيعي. من باسل الأعرج، إلى أحمد نصر جرار، إلى عدي التميمي، إلى جواد وظافر الريماوي، إلى أمجد الفايد (الملقب بفرعون)، إلى أسامة صبح، إلى رعد وعبد الرحمن خازم، إلى محمد الجعبري، إلى إبراهيم النابلسي، إلى وديع الحوح، إلى تامر الكيلاني، إلى حمدي القيم، وغيرهم كثر، وكل الاعتذار إلى من لم يتسع المقام لإيراد أسمائهم الكبيرة، تظهر عبقرية الإبداع الشعبي الفلسطيني بأن الكيان زائل لا محالة، وأنَّ في فلسطين نبضاً مقاوماً غير قابل للتدجين. ولا يهمّ إذا انسجم الموقف الشعبي العربي والفلسطيني مع "الشرعية الدولية"، ألا فلتذهب تلك "الشرعية" إلى الجحيم...