خطاب نصر الله الذي أسيء فهمه.. نموذج حرب تموز لا حرب 1973
في حرب تشرين، انتصر العرب عسكرياً من دون أن يترجم الانتصار إلى نتائج سياسية، في حين أفضى انتصار حرب تموز إلى تطابق النتائج السياسية مع الإنجازات العسكرية.
ربما يكون خطاب السيد حسن نصر الله خلال ذكرى شهداء المقاومة "على طريق القدس" في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي واحداً من أصعب خطاباته بمقياس انتظارات الجمهور. كان يتعيّن مسبقاً أن تخرج شريحة من المتابعين غير راضية أو مستاءة. بحكم تضارب الميول والاتجاهات وتفاوت الانفعالات، انقسم المتابعون قبل حتى أن يبدأ الخطاب. رغم ذلك، تبيّن من الانطباعات التي أعقبت الخطاب، الذي بلغ أرقاماً قياسية في المتابعة على صعيد عالمي، أن هناك قصوراً والتباساً في استيعابه لدى شرائح معينة.
ربما يعود ذلك إلى أن انتظارات هؤلاء كانت تتمحور حول ثنائية الحرب أو اللاحرب أو بسبب تبسيط يعتري مقاربة طبيعة هذه الحرب المفصلية وأبعادها. بخلاف هذه الثنائية، جاء الخطاب مفتوحاً على كل الاحتمالات، مبقياً كل الخيارات على الطاولة. هذا يعني أن ما كان يخشاه البعض لم ينتهِ بعد، وما كان ينتظره البعض الآخر ربما هو آتٍ.
انتظارات الجمهور معياراً
إذا كان مفهوماً أن يميل جزء من اللبنانيين بدرجات متفاوتة إلى استبعاد خيار الحرب الواسعة التي لا بدّ من أنها سوف تخلّف خسائر ودماراً في لبنان، وإذا كان متفهّماً استياء جزء من الفلسطينيين الذين انتظروا موقفاً حربياً أكثر قوة من الطرف الوحيد الذين يعوّلون عليه، فإن من الغريب واللافت أن تصدر إشارات سلبية ومشكّكة في مواقف المقاومة اللبنانية من قبل جهات وقفت طوال السنوات الماضية على الطرف النقيض من المقاومة ومحورها.
إذا أخذنا انتظار الجمهور معياراً، يمكن القول إن خطاب السيد نصر الله الأخير لم يكن فريداً أو حتى غير مسبوق. خلال سنوات "الربيع العربي"، سبق أن عبّر أمين عام حزب الله عن مواقف لم ترضِ هؤلاء الذين انتقدوا خطابه الأخير. ولنا أن نتخيّل: ماذا لو قُدّر أن نجحت الحرب الكونية في هزيمة محور المقاومة حينها ولم يقاتل حزب الله في سوريا؟ ما الواقع الذي كان سيتشكّل اليوم على صعيد القضية الفلسطينية؟ هل كان هؤلاء المنتقدون وبعض المغرضين سيجرؤون على توجيه النقد إلى حكامهم عن التخاذل الذي يرمون به المقاومة في لبنان؟
بمعزل عن ذلك، سوف يتّضح بعد حين، وبصورة أكثر جلاء، مدى أهمية وجدوى المواقف التي أدلى بها الأمين العام لحزب الله، وسوف يتبيّن لمن كان يتصوّر أن صمت الأخير طوال الفترة الماضية سيعقبه حتماً إعلان الحرب الشاملة والمفتوحة أن هذه الطريقة ليس بالضرورة الطريقة الأكثر نجاعة في تخفيف الضغط عن غزة ونصرتها.
أهمية التوقيت
اعتمدت الضوضاء المغرضة التي أثيرت حول خطاب السيد نصر الله الأخير على تسطيح الفهم والقصور في الإحاطة بطبيعة الحرب الدائرة وأبعادها. ماذا يفيد القضية الفلسطينية ومعاناة غزة لو كان السيد نصر الله قد بادر سبت الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر إلى حرب شاملة وواسعة، مع ما يستتبع ذلك من دمار يلحق بلبنان وبناه التحتية وشعبه، وبقيت مع ذلك "إسرائيل" موجودة قبل أن يعود كل شيء إلى حاله؟
هل من الحكمة الدخول في حرب كهذه وبطريقة وكيفية وتوقيت يخدم "إسرائيل؟ وهل كان من شأن هذه الخطوة أن توقف المجازر في غزة؟
بعض هذه الاعتبارات سبق أن حكمت مقاربة حركة حماس داخل فلسطين، ومن غزة تحديداً، خلال السنوات الأخيرة. حصل ذلك خلال جولات عدة خاضتها فصائل من المقاومة ضد "إسرائيل"، آخرها كانت معركة "ثأر الأحرار" التي لم تدخل فيها حماس بكل قوتها طرفاً في المعركة.
حصل ذلك أيضاً في معركة "صيحة الفجر" التي بدأت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، إثر استهدف قائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس بهاء أبو العطا، كذلك في معركة "وحدة الساحات" في آب/أغسطس 2022.
حقَّقت حركة حماس من وراء إحجامها عن الدخول بقوة في تلك الجولات 3 نتائج مهمة جداً:
أولاً، ردع الاحتلال عن التمادي في ضرب غزة وتوسيع عدوانه وحماية المدنيين ما أمكن.
ثانياً، إيهام العدو بأن حركة حماس مرتدعة وغير معنية بدخول حرب واسعة، وأن همّها ينحصر بتحسين ظروف غزة المعيشية.
ثالثاً، الاحتفاظ بالقدرات والجاهزية إلى يوم الطوفان الكبير؛ يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
هناك نوع آخر من الاعتبارات تجلّى خلال معركة "سيف القدس". سبق اندلاع المعركة في العاشر من أيار/مايو 2021 أحداث في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة، تخللتها مواجهات بين قوات الاحتلال من جهة وأهالي الحي وناشطين من جهة أخرى، حاولوا مواجهة أوامر إخلاء المنازل لمصلحة مستوطنين إسرائيليين.
ازداد الأمر توتراً يوم السابع من أيار/مايو 2021 عندما اقتحم آلاف الجنود الإسرائيليين باحات المسجد الأقصى واعتدوا على المصلين فيه. لم تدخل حماس ومعها بقية الفصائل الفلسطينية المعركة إلا في العاشر من مايو/أيار، أي بعد مضي نحو 13 يوماً على بداية الأحداث.
خلال هذه المعركة، حقّق عامل الانتظار هدفاً في غاية الأهمية قبل أن تدخل المقاومة المعركة في توقيت ملائم. لو أنها دخلت المعركة وقتها بسرعة نصرة لأهالي القدس، لم تكن قضيتهم لتتفاعل وتأخذ حقها في الإعلام العالمي بشكل خاص، ولكانت أحداث ومجريات معركة "سيف القدس" قد طغت على كل ما عداها وطمست قضية أهالي القدس.
الانتقام الوحيد لتضحيات غزة هو نهاية الكيان
تنطبق هذه الاعتبارات إلى حد بعيد على ما يحدث اليوم، ولكن وفق قياسات أكبر. بطبيعة الحال، هناك فوارق كبيرة بين الظروف آنفة الذكر وظروف الحرب الدائرة اليوم في غزة، إذ تطغى المجازر غير المسبوقة على مرأى "العالم الحر". مع ذلك، ثمة اعتبارات عديدة لا بدّ من أخذها بعين الاعتبار لدى مقاربة مشاركة المقاومة في لبنان وفي سائر المنطقة في الحرب الدائرة.
من نافل القول إن من شأن انخراط المقاومة اللبنانية في شكل موسّع ومفتوح في "طوفان الأقصى" دفعة واحدة، وفي غير التوقيت الملائم، أن يكشف جزءاً غير يسير من خططها وقدراتها ومفاجآتها التي تخبئها ليوم "الضربة القاضية". وبناء عليه، فإن أي انخراط أوسع كما انتظر المستاؤون من خطاب السيد نصر الله أن يحرق مراحل وإمكانات قبل أوانها، فما هو الثمن مقابل ذلك؟
إذا كان الثمن هو تحرير فلسطين ونهاية المشروع الصهيوني فهذا هو الهدف الأسمى والاستراتيجي الذي يسعى إليه كل محور المقاومة، وعلى رأسه المقاومة الفلسطينية، وحماس ضلع أساسي فيه. هذا وحده يستحق أن تحرق بسببه كل الإمكانات والمفاجآت، لكن دون ذلك، فإن المقاومة ربما تنزلق إلى حيث يرغب العدو مدفوعة بالانفعال والغضب، وتأتي النتائج معاكسة على المستوى الاستراتيجي. خلاصة هذه النقطة أن أكبر وأهمّ انتقام لدماء الغزيين والمكافئ الوحيد لتضحايتهم الجسيمة هو نهاية المشروع الصهيوني. هذا الانتقام يسعى إليه محور المقاومة بعقل بارد.
الأمر الآخر الذي يجدر التوقف عنده يتمثّل في أن انخراط المقاومة اللبنانية في حرب مفتوحة من شأنه أن يدحرج الأمور إلى حرب إقليمية كبرى، وربما أبعد من ذلك، الأمر الذي يبعد بالضرورة الاهتمام الإعلامي العالمي عما يجري في غزة من دون أن يخفف حدة المجازر بالضرورة، بل ربما يجد الاحتلال نفسه في مثل هذه الظروف متحلّلاً من كل الاعتبارات نتيجة التركيز الدولي على البؤرة الإقليمية المشتعلة.
عدا ذلك، هناك مجموعة من الاعتبارات التي تحكم عمل المقاومة في لبنان وفي سائر جبهات محور المقاومة التي تحمل كل منها خصوصية وتعمل باستقلالية وهوامش واسعة على عكس ما تحاول الدعاية المقابلة أن تصوّره. وفق هذا المعيار، فإن ما يقوم به حزب الله منذ اليوم الثاني لـ"طوفان الأقصى"، بمعزل عن الاعتبارات والضغوط الداخلية والخارجية، سواء في السرّ أو في العلن، هو أبعد مما تنتظره الأمنيات الانفعالية.
لكن هل هذا يعني أن الأمور ستبقى محدودة ضمن قواعد الاشتباك السائدة حالياً، وأن الحرب الشاملة مُستبعدة؟ الإجابة عن هذا السؤال تقتضي العودة إلى محتوى خطاب ذكرى شهداء حزب الله "على طريق القدس" وإلى اليوم الثاني من عملية "طوفان الأقصى".
المكافئ النوعي لـ"طوفان الأقصى"
منذ اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى"، أدرك الطرف الأميركي على الفور، ومن استدرك عقله في الطرف الإسرائيلي، أن تدارك ما حصل يتطّلب تحقيق وزن نوعي يوازي ما حقّقه "الطوفان". الحرب التي دخلها الإسرائيلي خاسراً كانت تتطلّب تجسير الميزان الذي اختلّ ومحاولة ردم الهوة السحيقة التي أحدثها يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. إنجاز هذه الأهداف ما كان ليتحقق من دون السقف المرتفع الذي سعت إليه "إسرائيل" منذ البداية: التخلّص من غزة نهائياً مع ما يعنيه ذلك من تحوّل جيوسياسي في المنطقة وانعكاساته الخطرة على القضية الفلسطينية.
جرى التعبير عن ذلك عملياً من خلال الأهداف التي أعلنتها "إسرائيل" رسمياً منذ بداية الحرب، أي القضاء على حركة حماس عسكرياً وتنظيمياً، بموازاة طموح غير معلن بتهجير أهل غزة إلى سيناء أو إلى غيرها. هذا الطموح الذي يعادل نكبة جديدة مثّل عملياً رد الفعل على أحد الجوانب الاستراتيجية التي أحدثها "الطوفان" ضمن مسار الصراع الوجودي مع العدو، إذ أعاد "إسرائيل" على الصعيد النفسي والمعنوي إلى ظروف عام 1948 لتخوض من جديد معركة وجود وتأسيس.
بهذا المعنى، وجد الكيان نفسه مكشوفاً فجأة، ومتراجعاً في غضون ساعات نحو 70 عاماً إلى الوراء. من مفارقات يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر أن المقاومة الفلسطينية فجّرت مفاجأتها في عمق أراض كانت محتلة منذ عام 1948، الأمر الذي يختلف معنوياً لو وقع الأمر على أراض محتلة عام 1967. هذا أعاد القضية إلى نقطة الانطلاق؛ إلى النكبة وما قبلها. يقول رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في هذا الخصوص إن ما يحصل يمثل ضربة وجودية لفكرة "إسرائيل" وطناً آمناً لليهود.
من مظاهر ذلك ما نقله الإعلام الإسرائيلي عن إنشاء نحو 600 فرقة أمن مدنية وتسليحها في أنحاء "إسرائيل" تحت رعاية الشرطة في الأسابيع التي تلت هجوم حماس، مع إمكانية لتشكيل ما لا يقل عن 1200 فرقة، ما يدلّ على انعدام الأمن الشخصي والعودة بالزمن إلى حرب العصابات وحرب المدن التي سبقت إعلان الدولة الصهيونية، مع فارق أساسي يتجلى في تراجع حافزية المقاتل الإسرائيلي المعاصر.
سارعت الولايات المتحدة الأميركية من جانبها إلى إرسال أساطيلها وقادتها وموفديها العسكريين على وجه السرعة في إطار الدعم والإشراف والردع، وما زالت تؤمن الغطاء للكيان حتى هذه الساعة من خلال تأكيدها المستمر على رفض فكرة وقف إطلاق النار. الهدف هو محاولة ردم الهوة وكي الوعي العربي بعد صورة السابع من تشرين الأول/أكتوبر وعدم السماح بخروج "إسرائيل" مهزومة.
عودة إلى خطاب السيد نصر الله
في ظل هذه الظروف، وفي ظل تقاعس وخذلان رسميين عربي وإسلامي عموماً، جاء خطاب السيد نصر الله الأول خلال "طوفان الأقصى" مقدماً قراءة للمجريات ومحدداً أهداف محور المقاومة مقابل الأهداف الإسرائيلية والأميركية: وقف العدوان على غزة أولاً، والهدف الثاني أن تنتصر حماس في غزة.
عملياً، رمى السيد نصر الله كرة النار في الملعب الأميركي من خلال إشارته إلى أن "من يريد منع توسع الجبهات في المنطقة، فعليه وقف العدوان على القطاع"، مؤكداً على عبارات فهمها الطرفان الأميركي والإسرائيلي جيداً: "جبهتنا هي جبهة تضامن مع غزة وتتطور وتتحرك تبعاً للتطورات هناك... كل الاحتمالات في جبهتنا اللبنانية مفتوحة.. كل الخيارات مطروحة، ويمكن أن نذهب إليها في أي وقت من الأوقات".
بعيد الخطاب، وعلى مدى الأسبوع المنصرم، سجّلت المواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي جنوبي لبنان ارتقاء في مستواها، بما يتضمن عدد العمليات أو نوعية الأسلحة المستخدمة، كما ارتقت مجموعة جديدة من الشهداء. أيضاً، وصلت مسيّرات وصواريخ إلى أجواء فلسطين المحتلة، واشتدّت العمليات العسكرية التي استهدفت القواعد الأميركية في سوريا والعراق.
يقول مراسل الشؤون العسكرية في "هآرتس" يانيف كوبوفيتس إنَّ "جهات استخبارية تلحظ إرادة لدى حزب الله لشد الحبل". وينقل عن مصادر استخبارية قولها إن نصر الله "معني بتوسيع مدى القصف نحو إسرائيل والرد أيضاً على حوادث اختار في بداية القتال ضبط نفسه عليها".
لو أنَّ الخطاب كان متخاذلاً، كما يتهم المغرضون، ولو أن الأميركي فهم منه أن قواعد الاشتباك ستبقى على حالها، لما كان أوفد عاموس هوكشتاين إلى بيروت ولما صرّح البيت الأبيض بعد الخطاب أنه "لا يمكن تصور الدمار المحتمل الذي سيحل بلبنان وشعبه في حال توسع الصراع ويجب تجنب ذلك"، ولما أرسل غواصة نووية وقاذفات استراتيجية إلى المنطقة.
وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت في اليومين الفائتين أن ما يميز هجمات حزب الله حالياً عن الأيام الماضية هو الكثافة، في حين نقلت صحيفة "فايننشال تايمز" عن مسؤول أميركي إشارته إلى وجود إحباط لدى السياسيين الأميركيين "بسبب تركيز نتنياهو على الداخل وتركهم للتعامل مع التداعيات الإقليمية"، فيما أشار تقرير في "نيويورك تايمز" إلى إفادة مسؤولين في الإدارة الأميركية قالوا: "كلما طال أمد المعركة العسكرية لإسرائيل ازداد احتمال حرب إقليمية".
اللافت في الخطاب أنه استطاع الحفاظ على "الغموض البناء" وسط واقع سياسي متشظ وشديد التعقيد، كما أنه رفع السقف في مقابل رسائل الردع الأميركية عبر القول إن "أساطيلكم التي تُهدّدون بها، لقد أعددنا لها عُدّتها".
لم تكن تلك الإشارة الأولى من نوعها. في أواخر آب/أغسطس الماضي، قال السيد نصر الله: "إذا أراد الأميركيون أن يقاتلوا بأنفسهم أهلاً وسهلاً". جاء ذلك في إطار الحديث حول تحرير شرق الفرات المحتلة من قبل القوات الأميركية حين قال إن "المعركة في شرق الفرات ليست مع قسد، والقتال هناك قد يتحول إلى صراع إقليمي ودولي.. وهذه هي المعركة الحقيقية التي ستغيّر كل المعادلات".
عندما يتم جمع ما أدلى به السيد نصر الله في آب/أغسطس وفي تشرين الثاني/نوفمبر، يصبح لذلك مغزى مضاعف. إلامَ يقود ذلك؟
اليوم، تتصارع إرادتان، والسقف الذي أعلنه أمين عام حزب الله مقابل التخاذل الرسمي العربي في إطار العدوان على غزة ليس بسيطاً أو سهلاً. يكفي في هذا الإطار استعراض نموذجين من تاريخ الصراع العربي مع المشروع الصهيوني. عام 1973، انتصر العرب عسكرياً، لكن لم تترجم هذه الانتصارات إلى نتائج سياسية، بل أفضت إلى عكس ذلك، وخرجت مصر من الصراع بعد توقيعها على اتفاقية كامب ديفيد.
أما في العام 2006، فقد انتصرت المقاومة في لبنان بصمودها وعجز الاحتلال الإسرائيلي عن تحقيق أهدافه المعلنة في ظل تواطؤ عربي شبيه بما يحدث اليوم مع غزة. حينها، تطابقت النتائج السياسية مع الإنجازات العسكرية.
العبرة أن السيّد نصر الله حدّد في خطابه مآلات "طوفان الأقصى": ممنوع أن يرتد إنجاز غزة إلى نتائج حرب 1973 التي تصادف الشهر نفسه بفرق يوم واحد عن "طوفان الأقصى". الدور الذي يقوم به محور المقاومة اليوم يتمحور حول صون تضحيات غزة والحفاظ على إنجازات "طوفان الأقصى" وجعله أقرب إلى نموذج حرب تموز 2006.
أما الرسالة التي فهمها الأميركي، فتقول: إن المقاومة فازت بالنقاط في هذه الجولة التي لا نعتبرها ضربة قاضية. سلوكك في ضبط الإسرائيليين ولجمهم أو عدم لجمهم هو ما يحدّد اتجاه الأحداث و"تدحرجها". قد تكون "الضربة القاضية" بعد سنوات أو بعد حين.