المناورات العسكرية الإسرائيلية.. رسائل ردع أم بوادر حرب؟
يُنظر إلى المناورات العسكرية في "إسرائيل" بشكلٍ مثختلف نوعاً ما، إذ إنها تعتبر نفسها في حالة حرب على مدار الساعة، فهي تتحرك من منطلق تعرّضها لتهديدٍ دائم يُشكّل خطراً وجودياً على مستقبلها.
في معظم دول العالم، يُنظر إلى المناورات العسكرية التي تجريها الجيوش في أوقات السّلم بأنها تدريبات عسكرية تقوم بها إحدى أذرع "الجيش" أو تشترك فيها أذرع عدة مختلفة، للوقوف على الجاهزية القتالية للجنود، وتطوير أدائهم القتالي، وتعزيز مهاراتهم العملانية، وكذلك للاطمئنان إلى نجاعة الخطط، وسلامة التكتيكات، واختبار الأسلحة الجديدة، وفحص مستوى التنسيق بين الوحدات القتالية المختلفة.
أما في أوقات الحرب، فالمناورة العسكرية هي إجراء عملياتي ميداني من دون معلومات مسبقة، يعتمد على تحرك مباغت وسريع تقوم به القوات العسكرية أو إحدى مفارزها الخاصة، ويحمل في طيّاته مفاجأة لقوات العدو، سواء من ناحية الزمان أو المكان، وهو الأمر الذي يؤدي إلى وقوع خسائر كبيرة وجسيمة في صفوف القوات المستهدَفة يمكن أن تنتج منها خسارة جزء من مسرح عمليات المعركة أو سقوط عدد كبير من الجنود والمقاتلين، بما يشكل ضربة مؤلمة لتلك القوات.
في "إسرائيل"، يُنظر إلى المناورات العسكرية بشكل مختلف نوعاً ما، إذ إنها تعتبر نفسها في حالة حرب على مدار الساعة، سواء كان هناك إطلاق نار أو لم يكن، فهي تتحرك من منطلق تعرضها لتهديد دائم يشكل خطراً وجودياً على مستقبلها، كما كان يقول ديفيد بن غوريون؛ أول رئيس وزراء ووزير الحرب في "دولة" الكيان.
وبناء عليه، تجد نفسها مضطرة إلى البقاء في حالة جاهزية عالية على كل الصعد والمستويات، ولا سيما العسكرية والأمنية منها، خشية تعرضها لضربة مفاجئة تزلزل أركانها وتهدد استقرارها، في ظل معاناتها من عدم وجود عمق استراتيجي يمكن أن يحميها من خطر السقوط في حال تعرضها لهجوم واسع.
لذلك، إن القيام بالمناورات العسكرية في الكيان الصهيوني يعدّ إجراء روتينياً وشبه مُستدام يسعى العدو من ورائه إلى تحقيق نتائج عملياتية تنعكس إيجاباً على حالة الأمن المراد تحقيقها في الكيان، إضافةً إلى أهداف أخرى بالغة الأهمية، ولا سيما في ظل الظروف الحالية الاستثنائية التي تمرّ بها المنطقة، وحالة اللاستقرار والتوتر الدائمة التي يشعر بهما الجميع، والتي تكاد تأثيراتها تشمل كلّ نواحي الحياة المختلفة.
وبناءً عليه، يمكن أن نشير إلى اثنين فقط من تلك الأهداف التي يسعى العدو لتحقيقها منعاً للإطالة، ولاعتقادنا بأنهما أهم من غيرهما من الأهداف الأخرى؛ أولهما هو إرساء وتثبيت حالة من الردع مع أعداء "إسرائيل"، من دون الحاجة إلى الدخول في معركة عسكرية. أما الآخر، وهو الأقرب من وجهة نظرنا، فهو الاستعداد لعمل عسكري كبير قد يصل إلى حرب واسعة.
هذا الأمر بدا جلياً في السنوات الأخيرة التي شهدت زيادة ملحوظة في المناورات العسكرية الإسرائيلية كمّاً ونوعاً، بما يشي بأنّ "إسرائيل" أعدّت العدّة لمغامرة واسعة تتجاوز الأراضي الفلسطينية المحتلة التي لا تحتاج العمليات العسكرية فيها إلى مناورات بهذا الحجم.
مناورات بوتيرة متسارعة
منذ العام 2022، أخذت وتيرة المناورات العسكرية الإسرائيلية، ولا سيما تلك المتعلّقة بسلاح الجو، بالارتفاع بشكل ملحوظ. وقد أُعلن في أكثر من مناسبة أنَّ تلك المناورات تُحاكي حرباً ضد إيران لاستهداف منشآتها النووية، وخصوصاً بعد توقف المحادثات المتعلقة بالعودة إلى "خطة العمل المشتركة" أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني.
وفي أحيانٍ أخرى، أُعلن أن المناورات تُحاكي حرباً على حزب الله في لبنان؛ ففي بداية شهر حزيران/يونيو من العام الماضي، أجرت القوات الجوية والبحرية في "الجيش" الإسرائيلي، بالتعاون مع الجيش القبرصي، مناورات واسعة أطلقت عليها اسم "مركبات النار"، حاكت فيها هجوماً جوياً، وآخر بحرياً تُستخدم فيه السفن والغواصات ضد المنشآت النووية الإيرانية.
وقد تبعت ذلك في 24 تموز/يوليو من العام نفسه مناورات عسكرية جوية أُطلق عليها "درع البرق"، بالتعاون مع سلاح الجو الإيطالي، في قاعدة "نفاطيم" شمال فلسطين المحتلة، واستخدمت فيها طائرات من طراز "F35" وطائرات أخرى من طراز "نحشون".
بعد هاتين المناورتين بأقل من 40 يوماً تقريباً، وفي 4 أيلول/سبتمبر 2022، أجرى "الجيش" الإسرائيلي مناورة برية لسلاح المدرعات قرب الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة غير بعيد عن الأراضي اللبنانية، فيما عده جزءاً من التدريبات السنوية المعتادة، تلا ذلك بأسبوعين مناورة أخرى في خليج حيفا، الذي يعدّ من أهم المناطق الاستراتيجية في كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويضمّ أهم ميناء بحري، وهو يحوي قاعدة سلاح البحرية الرئيسية، وقاعدة للغواصات من طراز "دولفين"، إضافةً إلى قسم تصميم الأسلحة النووية وقسم تصميم الصواريخ بعيدة المدى.
في آخر المناورات العسكرية التي شهدها العام المنصرم، أجرى سلاح الجو الصهيوني مناورة مشتركة مع سلاح الجو الفرنسي في الأسبوع الأول من كانون أول/ديسمبر 2022، شاركت فيها طائرات فرنسية من طراز "رافال"، إلى جانب طائرات إسرائيلية من "طراز F-16".
وكما أنهت "إسرائيل" العام الماضي بمناورات عسكرية، افتتحت هذا العام أيضاً بمناورات أخرى، لكنها على مستوى أشمل وأوسع، إذ أجرت في الفترة ما بين 23 و26 كانون الثاني/يناير واحدة من أكبر مناوراتها العسكرية المشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية.
وقد شارك نحو 1500 جندي إسرائيلي، إلى جانب 6400 جندي أميركي، في مناورة "جونيبر أوك" أو "سنديان البازلت"، التي استخدمت فيها 142 طائرة مقاتلة، "100 منها أميركية، و42 إسرائيلية"، من بينها طائرات إنقاذ، وأخرى لإعادة التزويد بالوقود في الجو، إضافةً إلى طائرات من طراز "B-52، وF-35، وF-15، وF-16، وFA-18، وAC-130، وAH-64"، و12 سفينة حربية من مجموعة حاملات الطائرات الضاربة "جورج دبليو بوش" و6 سفن إسرائيلية، إضافةً إلى غواصة، وتخللتها تمارين في جميع المجالات "البحر والجو والبر والفضاء والإنترنت".
وفي الثامن من أيار/مايو المنصرم، أجرت القوات الجوية الإسرائيلية مناورة جوية مع سلاح الجو القبرصي تحوّلت في يومها الثاني إلى هجوم مباغت على قطاع غزة، استهدف قادة بارزين في سرايا القدس؛ الجناح العسكري للجهاد الإسلامي.
المناورة الأخيرة التي بدأ تنفيذها منذ يوم الثلاثاء الماضي، والتي تستمر أسبوعين، أُطلق عليها اسم "اللكمة الساحقة". وقد قال المتحدث باسم "جيش" الاحتلال إنها تحاكي حرباً على جبهات عدة، في لبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، وتشارك فيها أذرع الجيش كافة، البرية والجوية والبحرية، وعبر "السبكتروم" والفضاء الإلكتروني "السايبر"، وأشار إلى أنها ستختبر جاهزية "الجيش" لخوض معركة طويلة الأمد على عدة جبهات.
كل ما تقدم من مناورات يعطي انطباعاً واضحاً بأن هناك شيئاً ما يُدبّر في الخفاء، بعيداً مما يتم الإعلان عنه في وسائل الإعلام، وأن هذا الشيء من الأهمية بمكان بحيث تُجرى من أجله كل هذه النشاطات العسكرية المحمومة، وتنفق في سبيله ملايين الدولارات، وتُسخّر له كل الإمكانيات المادية والبشرية والتكنولوجية في سبيل الوصول إلى أعلى جاهزية للقيام به.
الخيارات الإسرائيلية المُتوقعة
يوجد لدى "إسرائيل" العديد من الملفات الساخنة في المنطقة، التي كانت، وما زالت، تشكّل صداعاً مزمناً لأصحاب القرار في "الدولة العبرية"، وهي بحاجة ماسة إلى التخلّص منها أو على أقل تقدير من جزء منها.
يأتي على رأس تلك الملفات ما يُسمى إسرائيلياً بالخطر الإيراني، يليه من حيث الأهمية خطر حزب الله في لبنان، إضافة إلى التحدّي الفلسطيني، سواء في الضفة والقدس أو في قطاع غزة، الذي يعد من وجهة نظر إسرائيلية معضلة لا بد من التخلّص منها.
يضاف إلى كل ذلك التحدّي السوري واليمني والعراقي الذي يشترك مع الأطراف سابقة الذكر في حلف أوسع وأشمل يُطلق عليه "محور المقاومة".
ولأن "إسرائيل" تحاول قدر الإمكان الابتعاد عن خوض حرب متعددة الجبهات، لأسباب عديدة وكثيرة، فإنها يمكن أن تركّز جهودها في المرحلة المقبلة على استهداف جبهة معينة من المشار إليها أعلاه، وخصوصاً إحدى الجبهتين الإيرانية أو اللبنانية، في حين تنظر إلى باقي الجبهات بأنها أقل خطورة على الأمن الإسرائيلي من جهة. ومن جهة أخرى، لا يحتاج الهجوم عليها إلى كل هذه الاستعدادات والمناورات الواسعة والكبيرة.
1 - الجبهة الإيرانية
بالنظر إلى ما يتم الحديث عنه في كل وسائل الإعلام الإسرائيلية بشكل شبه يومي، وقياساً إلى التصريحات التي لا تتوقف من كل السياسيين والعسكريين والأمنيين في الكيان الصهيوني، يمكن أن نكتشف أن الهدف الأساسي لـ"إسرائيل" وحليفها الأميركي في الدرجة الأولى هو القدرات العسكرية الإيرانية، التي يأتي في مقدمتها البرنامج النووي الإيراني، مضافاً إليه مشروع الصواريخ البالستية الذي شهد نقلة نوعية هائلة خلال السنوات الأخيرة، والذي فشلت كل الجهود المبذولة في إيقافه أو تقليل وتيرة تقدمه المتسارعة، إضافة إلى التموضع الإيراني الملحوظ في المنطقة، الذي أصبح جزءاً منه قريباً جداً من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبات يشكل خطراً داهماً على الأمن القومي الإسرائيلي.
وبناء عليه، يمكن لنا أن نفترض أن كل ما تقوم به "إسرائيل" من مناورات عسكرية واستعدادات تشمل كل أذرع "الجيش" واختبارات الجبهة الداخلية هو في الأساس للقيام بهجوم جوي وبحري مكثّف تشارك فيه طائراتها الحديثة، إضافة إلى سفنها الحربية وغواصاتها القادرة على إطلاق صواريخ بعيدة المدى تحمل رؤوساً نووية باتجاه قلب المدن الإيرانية التي تحوي درة تاج الصناعات العسكرية للجمهورية الإسلامية. هذا الهجوم، في حال القيام به، يمكن أن تشارك فيه أطراف أخرى، ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، التي تحظى بوجود عسكري واسع في المنطقة.
2 - الجبهة اللبنانية "حزب الله"
يُنظر إلى حزب الله في" إسرائيل "بأنه أكبر خطر على أمنها القومي من بين كل أعدائها القريبين، وتصنّفه دوائر الاستخبارات الإسرائيلية بأنه القوة الأكثر تنظيماً وتسليحاً وخبرةً قتالية، وخصوصاً أن الحزب سبق أن خاض معارك عسكرية عديدة ضد العدو الإسرائيلي وخرج منها منتصراً، على غرار حرب تموز 2006.
وقد راكم الحزب، بحسب المصادر الإسرائيلية، خبرات هائلة في السنوات الأخيرة نتيجة مشاركته في التصدي للحرب على سوريا، إلى جانب تطوير وتحديث ترسانته العسكرية، ولا سيما الصاروخية، التي يقدرها بعض الخبراء العسكريين بـ200 ألف صاروخ، عدد كبير منها يُصنّف بأنه من الصواريخ الدقيقة، إضافةً إلى الطائرات المسيّرة التي يملكها، والتي تعد من أهم التهديدات التي تواجه المؤسسة العسكرية في الكيان الصهيوني، وتشكّل له معضلة حقيقية فشل حتى الآن في إيجاد الحلول المناسبة لها.
لذلك، من الوارد أن تذهب "إسرائيل" باتجاه عملية عسكرية واسعة ضد الحزب اللبناني، كما هددت أكثر من مرة، في محاولة للتخلص من ذلك التهديد الرابض قرب حدودها، الذي يعدّ أحد أهم أجنحة محور المقاومة في الإقليم ورأس الحربة المباشر في حال اندلاع حرب متعددة الجبهات يبادر إليها محور المقاومة.
3 - هجوم متزامن على أكثر من جبهة
رغم أن العدو الصهيوني يخشى كثيراً الحرب المتعددة الجبهات، ويعتبر ذلك الأمر أسوأ سيناريو قد يواجهه في المرحلة المقبلة، فمن غير المستبعد أن يبادر إلى شن هجوم واسع يستهدف أكثر من جبهة في وقت واحد، ولا سيما الجبهتين الإيرانية واللبنانية، مع فرضية أن يستخدم أسلحة غير تقليدية في حال اللجوء إلى هذا الخيار، تفادياً للرد الهائل الذي يمكن أن يتلقاه في حال لم يتم تدمير الأسلحة الاستراتيجية التي يملكها الطرفان.
وقياساً إلى معرفة العدو بقدرات وإمكانيات الجانبين الإيراني واللبناني "حزب الله"، وإمكانية مشاركة باقي أطراف محور المقاومة إلى جانبهما في حال تعرضهما لهجوم إسرائيلي، فهناك احتمال باستخدام "الجيش" الإسرائيلي صواريخ وقنابل نووية تكتيكية يمكن أن تُحدث خراباً هائلاً وتدميراً واسعاً، وأن تساهم في شل القدرات العسكرية للأطراف المستهدفة، إضافةً إلى تشكيلها رادعاً لباقي الأطراف التي يمكن أن تكون لديها الرغبة أو القدرة للمشاركة في المعركة.
كلّ ما سبق من سيناريوهات يتطلّب أن يكون لدى "إسرائيل " قدرات وإمكانيات عسكرية كبيرة ونوعية تمكّنها من تنفيذ مخططها بنجاح، وبأقل قدر ممكن من الخسائر، سواء أثناء الهجوم أو عندما يبدأ رد الجهات المستهدفة.
القدرات العسكرية الإسرائيلية
يُنظر إلى "الجيش" الإسرائيلي بأنه واحد من أقوى جيوش العالم وأحدثها، إذ يتوفّر له من الإمكانيات العسكرية ما لا يتوفر لغيره، وذلك نتاج الدعم الأميركي والغربي اللامحدود الذي يحصل عليه، والذي يشمل إمكانية حصوله على جزء من الأسلحة الفتّاكة الموجودة في المخازن الأميركية في فلسطين المحتلة، لا سيما في أوقات الطوارئ والأزمات.
وبحسب آخر معطيات موقع "غلوبال فاير باور"، فإنَّ "الجيش" الإسرائيلي يحتل المركز الخامس عشر بين أقوى جيوش العالم، سواء من ناحية عدد الجنود أو العتاد الحربي والعسكري، إضافةً إلى امتلاك "إسرائيل" قوة برية ضاربة تعد من بين الأفضل والأكفأ على مستوى العالم.
وبحسب الموقع المتخصّص برصد القوة العسكرية لجيوش العالم، يبلغ تعداد "الجيش" الإسرائيلي نحو 185 ألف جندي نظامي، إضافةً إلى أكثر من نصف مليون جندي احتياط.
وعلى صعيد سلاح الدبابات، تملك "إسرائيل" 1600 دبابة معظمها حديث الصنع، تُعد من أفضل الدبابات على مستوى العالم، إضافةً إلى نحو 7500 آلية مدرعة، و700 مدفع ذاتي الحركة، و300 مدفع ميداني، وأكثر من 120 راجمة صواريخ متعددة الفوهات.
على صعيد سلاح الجو، تمتلك "إسرائيل" أكثر من 600 طائرة حربية مقاتلة، من بينها طائرات "F-15 – F-16 - F-35"، وطائرات شحن عسكري، وأخرى للتزويد بالوقود في الجو، إضافةً إلى نحو 140 مروحية عسكرية، معظمها من النوع الهجومي.
أما سلاح البحرية الإسرائيلي، فهو يتكوّن من 65 قطعة عسكرية، منها 48 سفينة دورية، و25 زورقاً لخفر السواحل، إضافةً إلى 5 غواصات، و10 زوارق مجهّزة للمواجهات الحربية، ونحو 19500 جندي مدرّبين على القتال في عرض البحر.
وقد بلغت موازنة وزارة الحرب الإسرائيلية، بحسب تقرير للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية، نحو 18 مليار دولار. يُضاف إلى كل ما سبق القوة النووية الإسرائيلية التي قدّرتها بعض المراكز المختصة بنحو 200 قنبلة نووية.
الخاتمة
في العرض السابق، استعرضنا استعدادات "إسرائيل" لعمل عسكري كبير في المنطقة، وهو الأمر الذي تطلّب منها إجراء كل هذا الكم الهائل من المناورات العسكرية خلال السنوات الأخيرة تحديداً، التي أُجري بعضها بمشاركة حلفاء لها من عدد من دول العالم، لا سيما الحليف الأميركي الوثيق، ومع جيوش مثل فرنسا وإيطاليا وقبرص، إضافة إلى مشاركتها في مناورات دولية بمشاركة بعض الدول العربية والإقليمية.
ولأنَّ هذه التحركات العسكرية الواسعة تكلّف خزينة الدولة مليارات الدولارات، في ظل أزمة اقتصادية تعانيها كلّ دول العالم، بما فيها "إسرائيل"، ولا يمكن أن تكون بلا هدف عملياتي، وليس من الطّبيعي إجراؤها لمجرد توجيه رسائل ردع إلى الأعداء، فنحن نتوقع، كما الكثير من المتابعين والمحللين، أن يكون ما يجري مقدمة لعملية عسكرية كبيرة قد تصل إلى حد حرب إقليمية، وستكون تداعياتها على المنطقة برمتها هائلة، ولا سيما أن الأطراف التي يمكن أن تُستهدف تملك أيضاً إمكانيات كبيرة، ولديها عمق استراتيجي مهم للغاية، وهو ما يجعل فرضية انكسارها أو انهيار منظومتها العسكرية شبه مستحيلة، بصرف النظر عن حجم الضربة أو نوعية الأسلحة المستخدمة فيها.
ولكن في ظلِّ أزمات عالمية تلقي بظلالها على مجريات الأوضاع في العالم، وفي ظل انشغال الجانب الأميركي بما يعتقد أنها الملفات الأكثر أهمية في الوقت الحالي، مثل الحرب الروسية الأوكرانية والتحدّي الصيني الذي يشغل بال كل المؤسسات الأميركية، فإننا نعتقد أنَّ الهجوم الإسرائيلي المتوقع سيتأخَّر لبعض الوقت، لأن عملية من هذا النوع ستحتاج بلا ريب إلى تدخّل أميركي مباشر، وهو الأمر الذي لا تفضّله أميركا في الوقت الحالي.
هذا التأخير الذي يمكن أن تضطر "إسرائيل" إلى التعامل معه رغماً عن أنفها، يمكن أن تعوّضه بعمليات أخرى أقل تكلفة، وضدّ جبهات تعدّ من وجهة نظر إسرائيلية أضعف وأسهل.
لذلك، من المتوقع أن تستمر هجمات "إسرائيل" في المدى المنظور ضد جبهتين أساسيتين، هما غزة والجبهة السورية، اللتين، بحسب النظرة الإسرائيلية، يمكن أن تحقّق فيهما بعض أهدافها العسكرية والسياسية، في مقابل رد فعل يمكن لجبهتها الداخلية امتصاصه وتحمّله، إلا في حال أرادت توريط الحليف الأميركي في حرب طاحنة، وقررت الذهاب إلى الخطوة الأكثر خطورة، التي، كما أشرنا آنفاً، ستكون ذات تداعيات واسعة، إذ ستجد المنطقة نفسها في أتون مواجهة من العيار الثقيل لم تشهد لها مثيلاً من قبل، حيث التغيّرات الاستراتيجية والتحوّلات الجيوسياسية وغير ذلك مما لا يخطر على بال أحد.