المعادلة العسكرية اليمنية بعد سنوات الحرب السبع
الوسائط القتالية التي تمتلكها اليوم قوات صنعاء باتت تسمح لها بالاستهداف الدقيق الكفيل بتغيير توازن القوى في المنطقة، وفرض العدّ التنازلي لإنهاء الحرب.
بعد مرور سبع سنوات كاملة على بدء العمليات العسكرية للتحالف السعودي في اليمن، في آذار/مارس 2015، بات واضحاً أمام جميع الأطراف المنخرطين في هذه العمليات أن مسألة حسم هذه الحرب - بمقاييس الميدان العسكرية الاستراتيجية - أصبحت أبعد بكثير مما كان يعتقد من قام بالتخطيط لها، والتي أريد من إشعالها تحقيق عدة أهداف عسكرية وسياسية، لم يتحقق فعلياً أيّ هدف منها، في ظل معادلة صفرية قد تستمر خلالها هذه الحرب من دون أي نتائج إيجابية ملموسة، وبفائض متجدّد من النتائج السلبية التي تتعدّى الخسائر البشرية والمادية، وتصل إلى حدّ التأثير بشكل جذري على معادلة الردع العسكرية في منطقة الخليج.
هذه المعادلة ربما كانت أكثر من تأثر بمجريات المعارك في اليمن خلال تلك السنوات السبع، حيث تعرّضت لسلسلة من المتغيرات الجذرية، على رأسها التطور الفعال في القدرات التسليحية التي تمتلكها قوات أنصار الله، والذي كان عاملاً رئيسياً في تقليل الفجوة الكبيرة في القدرات القتالية التي كانت موجودة عشية انطلاق العمليات العسكرية، وجعل هذه الفجوة سبباً في تعديل معادلة الردع لتصبح عكسية في الوقت الحالي، وربما يكون المشهد الأخير في جدة من أهم الدلائل على هذا التعديل.
السمة الثانية من السمات الأساسية للمعادلة العسكرية اليمنية - بعد سمة التطور الفعال والتدريجي في القدرات التسليحية، رغم الصعوبات اللوجستية والتقنية، وظروف الحصار المطبق على السواحل والأجواء اليمنية - كانت خاصة بشكل حصري بالملف اليمني، حيث شمل التطور في القدرات التسليحية اليمنية صنوف الأسلحة كافة، بما في ذلك القوة البحرية والقوة الجوية والدفاع الجوي والقدرات الصاروخية، وهذا إن قارنّاه بالتطور الذي طرأ على تسليح جماعات أخرى مماثلة لـ أنصار الله في المنطقة، نجد أنه تطور واسع النطاق، في حين كان تركيز الجماعات الأخرى منصبّاً بشكل رئيسي على القدرات الصاروخية.
على الرغم من أن إدامة التسليح وتنوّعه وتطوّره كانت عاملاً أساسياً من عوامل تصاعد الكفة اليمنية في ميزان الردع بمنطقة الخليج، فإن التكتيك الذي اتّبعته وحدات المشاة اليمنية، الخبيرة بمسالك اليمن ودروبه، كان عنصراً أساسياً آخر في هذه المعادلة. فهذه الوحدات كانت تقاتل منذ عام 2015 تحت أجواء تسيطر عليها بشكل كامل المقاتلات والقاذفات والطائرات من دون طيار التابعة للتحالف السعودي، وبالتالي كانت فرصة استفادة هذه القوات من مدفعية الميدان وناقلات الجند المدرعة والدبابات التي تمتلكها - على قلتها - كانت محدودة جداً، وهو ما فرض على المقاتل اليمني اتّباع خطط ميدانية ترتكز بشكل أساسي على الدعم الصاروخي وعلى قدرة المقاتل اليمني على استخدام الأسلحة المتوسطة والصواريخ المضادة للدبابات، من أجل تحويل المعارك على الأرض إلى هجمات خاطفة وسريعة تستهدف نقاطاً ومدناً محددة بشكل مكثف وقريب، لا يوفر للدعم الجوي فرصة لنجدة القوات المدافعة عن هذه النقاط، فضلاً عن المخاطر التي بات هذا الدعم الجوي معرّضاً لها خلال السنوات الأخيرة.
التنوّع الواضح في اتجاهات التسلح اليمنية كان سمة أساسية أيضاً من سمات التطور داخل صنوف الأسلحة المختلفة ذاتها، حيث ظهرت خلال السنوات الماضية عشرات الأنواع الجديدة من الأسلحة والصواريخ المتنوعة، التي تم اختبارها ميدانياً خلال المعارك، ومن ثم تمّ توظيفها على أساس هذه الاختبارات بالشكل الذي يوفر للوحدات العسكرية على الأرض القدرة على الاستفادة المثلى من هذه الوسائط النارية. بشكل عام، مرّ كل صنف من صنوف التسليح العسكري اليمني بعدة مراحل، تشترك المراحل الأولى منها في أنها كانت تعتمد بشكل أساسي على ما كان متوافراً في تسليح الجيش اليمني خلال العقود الماضية.
إلا أن المراحل اللاحقة شهدت إدخال أنواع جديدة من الأسلحة والمنظومات القتالية، مثّلت نقلة نوعية منحت الجيش اليمني القدرة على إحداث التغيير الحالي في معادلة الردع، سواء في الميادين القتالية المختلفة على الأرض، أم في ما يتعلق بتشكيل تهديدات واضحة على المدن الرئيسية في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بداية من أبو ظبي وصولاً إلى جدة والرياض ورأس تنورة، عبر مجموعة من التقنيات البعيدة المدى، على رأسها القدرات الصاروخية الجوّالة والطائرات من دون طيّار.
القوة الصاروخية... مراحل نوعيّة انعكست على الميدان
المراحل السابقة الإشارة إليها كانت واضحة بشكل كبير في ما يتعلق بالقوة الصاروخية الباليستية والجوّالة، فكانت البداية في هذا الصدد بعد سيطرة أنصار الله على العاصمة صنعاء في أيلول/سبتمبر 2014، حيث استخدمت الجماعة القدرات الصاروخية المحدودة التي كانت متوافرة لدى الجيش اليمني، وتتمثل في راجمات المدفعية الصاروخية القصيرة المدى من عيار 107 و122 ملم، إلى جانب عدد من منصات الإطلاق الذاتية الحركة لصواريخ "Scud-B" الباليستية السوفياتية، التي يصل مداها إلى نحو 500 كيلومتر، وصواريخ "TOCHKA" الباليستية التكتيكية، التي يراوح مداها بين 70 و120 كيلومتراً.
مع بدء المعارك بين القوات اليمنية من جيش ولجان شعبية من جهة، والتحالف السعودي عام 2015، استخدمت القوات اليمنية ما تيسّر لها من منظومات صاروخية سبقت الإشارة إليها، كانت متوافرة منذ ثمانينيات القرن الماضي في تسليح الجيش اليمني، وتركزت العمليات الصاروخية في هذه المرحلة على الداخل اليمني فقط، حيث استهدفت مواقع ومعسكرات التحالف السعودي والقوات الموالية له داخل الأراضي اليمنية. وتعدّ الضربة الصاروخية التي تعرّضت لها القوات الإماراتية في معسكر "صافر" بمدينة مأرب في أيلول/سبتمبر 2015، من أبرز الأمثلة على هذا التوجه، حيث استُخدم في هذه الضربة صاروخ "TOCHKA"، الذي يتميّز بهامش من الدقة نظراً إلى اعتماده على التوجيه الداخلي، وقد تمّ استخدامه في ثلاث هجمات أخرى خلال عامي 2015 و2016، لكن بدا أن الأعداد المتوافرة منه في حوزة الجيش اليمني واللجان الشعبية كانت محدودة.
هذه المرحلة تضمّنت أيضاً تزويد إيران أنصار الله والجيش اليمني بالقدرات الفنية اللازمة لإطلاق برنامج للتصنيع الصاروخي المحلي، وقد اعتمد هذا البرنامج في تلك المرحلة على إنتاج صواريخ مطابقة في تصميمها للصواريخ السوفياتية والصينية القصيرة المدى، وخاصة صواريخ المدفعية الصاروخية السوفياتية "غراد"، حيث أنتجت قوات صنعاء خلال عامي 2015 و2016، اعتماداً على تصميم هذه الصواريخ، صواريخ "الصرخة" القصيرة المدى، وصواريخ المدفعية الصاروخية "النجم الثاقب 1 و2"، التي يراوح مداها بين 45 و75 كيلومتراً، وتتميّز بإمكانية إطلاقها بشكل ثنائي أو ثلاثي عبر منصات ذاتية الحركة، وسلسلة صواريخ "زلزال" الباليستية القصيرة المدى، التي تم إنتاج ثلاثة أجيال منها، تستطيع ضرب أهداف على بُعد يراوح بين ثلاثة و65 كيلومتراً، وتميّزت عن سابقاتها برأس حربي متشظٍّ، تراوح زنته بين 140 و500 كيلوغرام.
أنتجت قوات صنعاء أيضاً خلال هذه الفترة صواريخ "قاهر-1"، وهي صواريخ معدلة عن صواريخ الدفاع الجوي السوفياتية "سام-2"، تحوّلت بموجبه لتصبح صواريخ أرض – أرض، يبلغ مداها 250 كيلومتراً، وتستطيع حمل شحنة متفجرة تصل زنتها إلى 200 كيلوغرام. وقد أعلنت قوات صنعاء، في آذار/ مارس 2017، عن جيل جديد من هذه الصواريخ، تحت اسم "قاهر -2 أم"، تم زيادة المدى فيها ليصبح 400 كيلومتر، وزيادة الشحنة المتفجرة لتصل زنتها إلى 350 كيلوغراماً. أهمية هذا النوع من الصواريخ تمثّل في أن استخدامه ميدانياً كان بمنزلة تحوّل أوّليّ في الاستراتيجية الصاروخية لقوات صنعاء، حيث استُخدمت هذه الصواريخ للمرة الأولى في شباط/ فبراير 2015، لاستهداف مطارات الحد الجنوبي السعودي، وخاصة مطاري "نجران" و"أبها"، وهو ما مثّل تطوراً في الاستراتيجية التي كانت متّبعة خلال عام 2014، والتي كانت تركز حصراً على الأراضي اليمنية فقط.
مرحلة الردع الباليستي والجوّال
دخل سلاح الصواريخ اليمني مرحلة جديدة أواخر عام 2016، وأصبح يشمل أنواعاً من الصواريخ الباليستية، مكّنت أنصار الله من توسيع عملياتها الصاروخية لتشمل مواقع خارج الأراضي اليمنية. فقد أعلنت قواتها في أيلول/سبتمبر 2016، عن بدء تصنيع الصاروخ الباليستي "بركان - 1"، الذي يعدّ من حيث التصميم والخصائص إحدى نسخ الصاروخ الباليستي السوفياتي "Scud-C". استُخدم هذا الصاروخ للمرة الأولى في تشرين الأول/ أكتوبر من العام نفسه، لقصف مطار الملك عبد العزيز في مدينة جدة السعودية، إلى جانب مواقع أخرى، منها مدينة الطائف. ويراوح مدى هذا الصاروخ بين 800 و900 كيلومتر، ويبلغ وزنه الكلي ثمانية أطنان، من ضمنها نحو نصف طن من المواد المتفجرة.
الجيل الثاني من هذا النوع أُعلن عنه في شباط/ فبراير 2017، تحت اسم "بركان 2 - أتش"، وذلك خلال عملية استهداف موقع عسكري سعودي غربي العاصمة السعودية، وتكرّر استخدامه بعد ذلك لضرب مواقع داخل العاصمة، منها مطار الملك خالد، ويبلغ مدى هذا الجيل 1400 كيلومتر. أما عن الجيل الثالث من هذه السلسلة، فقد سُمّيَ "بركان - 3"، واستُخدِم للمرة الأولى ميدانياً في آب/ أغسطس 2019، لاستهداف مدينة الدمام السعودية، ويعدّ فعلياً الصاروخ الباليستي الأبعد مدى في ترسانة أنصار الله، وسُمّي مؤخراً باسم جديد وهو "ذو الفقار".
أواخر عام 2017، انتقل سلاح الصواريخ اليمني إلى مرحلة أخرى مهمة، وهي مرحلة الصواريخ الجوّالة، وذلك بظهور صواريخ "قدس-1" الجوّالة، التي تعدّ نسخة من الصواريخ السوفياتية الجوّالة "كي أتش – 55"، مع تعديلات أساسية في موقع المحرك وأجنحة التوجيه، وتثبيت منظومة ملاحة بالقصور الذاتي، معزّزة بمعلومات مُدخلة مسبّقاً بمساعدة نظام الملاحة عبر الأقمار الاصطناعية.
تم الاستخدام الأول لهذه الصواريخ في استهداف مفاعل "براكة" النووي في الإمارات العربية المتحدة عام 2017، وتتالت عمليات استخدام هذا النوع ضد المملكة العربية السعودية، وخاصة خلال عام 2019، لاستهداف مطارات الحد الجنوبي للبلاد، وكذلك محطتا الكهرباء وتحلية المياه في الشقيق جنوبي غربي المملكة.
يراوح مدى هذا الصاروخ بين 140 و180 كيلومتراً، وأعلنت قوات صنعاء في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 عن نسخة ثانية من هذا الصاروخ، تحت اسم "قدس-2"، استُخدمت لاستهداف محطة توزيعٍ للمنتجات البتروليّة شمال مدينة جدّة غربي المملكة العربية السعودية. وتشير التقديرات إلى أن مدى هذه النسخة يراوح بين 1500 و2000 كيلومتر، وهو الصاروخ الجوّال الأساسيّ حالياً في عمليات استهداف العمق السعودي والإماراتي.
صواريخ بحرية ودفاع جوي
اللافت في تجربة التسليح الصاروخي لقوات صنعاء في اليمن أنها على عكس تجارب أخرى مماثلة في منطقة الشرق الأوسط، قد شملت قطاع الدفاع الجوي والقطاع البحري أيضاً، وهذا النمط فرضته استمرارية المعارك في الميدان اليمني وشموليّتها.
في ما يتعلق بالتسليح الصاروخي البحري، وضعت قوات صنعاء يدها على الصواريخ البحرية الصينية "سي-801"، التي كانت ضمن تسليح زوارق الصواريخ الصينية الصنع التابعة للبحرية اليمنية من الفئة "هونان"، فقامت بتجميع الصواريخ المتبقية من هذا النوع، وبدأت باستخدامها قتالياً تحت اسم "المندب-1"، لاستهداف القطع البحرية التابعة للتحالف السعودي، عبر سلسلة من العمليات الناجحة التي بدأت في تشرين الأول/ أكتوبر 2015.
على مستوى الدفاع الجوي، قامت قوات صنعاء عام 2017 بتعديل صواريخ منظومة الدفاع الجوي المتوسطة المدى "سام 6" السوفياتية الصنع، والتي كان يمتلكها الجيش اليمني سابقاً، ليتم إطلاقها من على منصات ثابتة ومدولبة، عوضاً عن منصاتها المجنزرة الذاتية الحركة، وسُمّيت هذه المنظومة "فاطر 1". يبلغ مداها الأقصى 24 كيلومتراً، وتستطيع استهداف الطائرات المعادية على ارتفاعات تصل إلى 14 كيلومتراً، وتبلغ زنة الرأس الحربي لصواريخ هذه المنظومة 60 كيلوغراماً.
في الإطار نفسه، عملت قوات صنعاء على تعديل صواريخ الاشتباك الجوي الخاصة بالطائرات المقاتلة، وتحويلها لتكون صواريخ أرض-جو بدلاً من أدوارها الأساسية كصواريخ جو - جو.
هذه المحاولات مُستوحاة من تجارب سابقة قام بها الجيش الصربي خلال تسعينيات القرن الماضي. هذا التوجه أسفر عن تطوير منظومة "ثاقب 1"، وهي تطوير محلي لصواريخ جو- جو الروسية "أر 73"، ويبلغ مدى هذا الصاروخ المعدل 9 كيلومترات، بارتفاع يصل إلى خمسة كيلومترات، وهو مزوّد برأس حربي تبلغ زنته 7 كيلوغرامات، وقد دخلت الخدمة في أيلول/ سبتمبر 2017.
أُضيفت بعد ذلك إلى هذه المنظومة منظومتان إضافيتان تحت اسم "ثاقب 2" و"ثاقب 3"؛ الأولى تم الإعلان عنها في كانون الثاني/ يناير 2018، وهي تطوير محلي لصواريخ الاشتباك الجوي الروسية "أر 27 تي"، يبلغ مدى الصاروخ بعد التعديل 15 كيلومتراً، على ارتفاعات تصل إلى ثمانية كيلومترات، وهو مزوّد برأس حربي كبير نسبياً، تصل زنته إلى 40 كيلوغراماً. أما عن المنظومة الثانية، فقد ظهرت للمرة الأولى عام 2016، وتعدّ تطويراً لصاروخ القتال الجوي الروسي المتوسط المدى "أر 77"، وتبلغ زنة رأسه الحربي 22 كيلوغراماً، ومداه بعد تعديله نحو 20 كيلومتراً.
القدرات المسيّرة الجوية
لم تكتفِ قوات صنعاء بفرض الردع الباليستي، وتشكيل تهديدات نوعية على النشاط البحري والجوي للتحالف السعودي، بل وضعت ضمن معادلة الردع القدرات المسيّرة البحرية والجوية بشكل ضاعف من القيمة المضافة للتهديدات الباليستية.
أفرزت التجارب الميدانية للجيش اليمني خلال السنوات الماضية دروساً مهمة في كيفية استخدام الطائرات المسيّرة بأنواعها المختلفة، من أجل تنفيذ المهام المساندة والهجومية كافة، وذلك اعتماداً على التعديلات المحلية الصنع لبعض أنواع الطائرات التجارية المسيّرة، وتطوير نماذج محلية الصنع بشكل كامل، باستخدام قطع ومواد مدنية الطابع.
بداية هذه التجربة كانت في مجال الطائرات المسيّرة المخصّصة للاستطلاع، حيث بدأ الجيش اليمني منذ عام 2018 باستخدام أربعة أنواع محلية الصنع، هي طائرة الاستطلاع وتصحيح النيران "راصد"، المزوّدة بمحرك كهربائي يوفر لها مدى يصل إلى 35 كلم ومدة تحليق متواصل تصل إلى ساعتين، والطائرة "هدهد-1" التي يصل مداها إلى 30 كلم، ومدة تحليقها المتواصل هي 90 دقيقة، والطائرة "رقيب"، وهي طائرة استطلاع ميداني قريب يبلغ مداها 15 كلم، ومدة تحليقها المتواصل 90 دقيقة. الطائرة الرابعة التي تعدّ هي الأبعد مدى في قائمة الطائرات المسيّرة المخصّصة للاستطلاع، هي الطائرة "صماد-1"، التي يصل مداها الأقصى إلى 500 كيلومتر.
انتقلت الترسانة اليمنية من الطائرات المسيّرة إلى مستوى جديد ومتقدم في نيسان/ أبريل 2018، بظهور أول ذخيرة جوّالة في تسليح الجيش اليمني، وهي "قاصف-1"، وهي عبارة عن طائرة انتحارية من دون طيار مزوّدة بمحرّك يعمل بالبنزين، يوفّر لها مدى يصل إلى 150 كيلومتراً، ومدة تحليق متواصل تصل الى ساعتين، وتم تزويدها برأس متفجر تصل زنته إلى 30 كيلوغراماً.
في تموز/ يوليو 2019، أعلن الجيش اليمني عن جيل جديد من الذخائر الجوّالة، تحت اسم "صماد 2"، استهدف به للمرة الأولى منشآت تابعة لشركة أرامكو النفطية في الرياض، وتبع ذلك هجوم على مطار أبو ظبي، استخدم فيه نسخة جديدة من هذه الذخائر، تحت اسم "صماد 3". هذان النوعان من الذخائر الجوّالة أحدث ظهورهما نقلة نوعية، نظراً إلى مداهما الكبير الذي يصل إلى 1500 كيلومتر، وهما النوعان الأساسيان من أنواع الذخائر الجوّالة التي يجري بها حالياً استهداف العمق السعودي والإماراتي.
آخر أنواع الذخائر الجوّالة التي تمّ رصدها في تسليح الجيش اليمني، هو الذخيرة الجوّالة "قاصف - تو كيه"، التي استُخدمت للمرة الأولى في كانون الثاني/ يناير 2019، لاستهداف قاعدة العند الجوية جنوبي اليمن، وتتميّز بأنها لا تصطدم بشكل مباشر بالهدف، كما هي الحال عليه في الذخائر الجوّالة المماثلة، لكنها عوضاً عن ذلك تنفجر فوق الهدف بمسافة تراوح بين 10 و20 متراً، ما يسهم في نشر الموجة التدميرية بطريقة أكثر فعالية.
جدير بالذكر أنه في آذار/ مارس 2021، أعلنت أنصار الله عن سبعة أنواع جديدة من الطائرات من دون طيار، أبرزها الذخيرة الجوّالة "وعيد"، التي تشبه في شكلها الخارجي بعض أنواع الذخائر الجوّالة الغربية الصنع، والذخيرة الجوّالة الصغيرة الحجم "خاطف"، إلى جانب عدة أنواع استطلاعية، منها "نبأ" و"مرصاد"، إلى جانب الطائرة المسيّرة الهجومية "صماد 4"، والتي يمكن أن نعتبرها نقلة جديدة في التسليح اليمني، نظراً إلى أنها أول طائرة مسيّرة حاملة للذخائر والصواريخ في الترسانة اليمنية، حيث تحمل قنبلتين غير موجّهتين، وهو ما يشير بوضوح إلى التوجهات المستقبلية للصناعات الحربية اليمنية في مجال الطائرات المسيّرة، حيث تتّجه بشكل أكبر نحو الأنظمة المسيّرة الهجومية المتعددة المهام، التي تتمتّع بمدى أبعد وحمولة قتالية أكبر، وقدرة نوعية على تفادي الرصد المعادي.
القدرات المسيّرة البحرية
في ما يتعلق بالقدرات المسيّرة البحرية، فقد اعتمدت أنصار الله على تكتيك "الزوارق الانتحارية المسيّرة عن بُعد". هذا التكتيك ظهر للمرة الأولى في كانون الثاني/ يناير 2017، في حادث استهداف الفرقاطة التابعة للبحرية السعودية من فئة "المدينة". تمتلك أنصار الله ثلاثة نماذج من الزوارق الانتحارية المتحكّم فيها عن بُعد؛ الأول استُخدم في الهجوم على الفرقاطة السعودية وقطع بحرية أخرى، وهو عبارة عن زورق سريع يجري التحكّم فيه عن بُعد، يبلغ طوله نحو 10 أمتار، ويمتلك محركين يوفران له سرعة قصوى تبلغ 45 عقدة في الساعة، وتمّ تزويده بشحنة متفجرة تبلغ زنتها 450 كيلوغراماً، يعتقد أنها مستخرجة من صواريخ "ستايكس" السوفياتية المضادة للسفن، التي امتلكتها البحرية اليمنية في ما مضى.
النموذج الثاني ظهر للمرة الأولى في أيار/ مايو 2018، حين حاولت ثلاثة زوارق مفخّخة الهجوم انطلاقاً من ميناء الحديدة اليمني، على قافلة تضم ثلاث ناقلات نفط وقطعتين حربيتين سعوديتين. هذا النموذج مصنّع من الألياف الزجاجية، تبلغ سرعته 30 عقدة في الساعة، ويستخدم بشكل أساسي في بثّ الألغام البحرية، لكن لوحظ منذ منتصف عام 2018 استخدامه في الهجمات على القطع البحرية في البحر الأحمر، عن طريق تجهيز عبوات ناسفة داخل بدن الزورق، ومن ثم توجيهه بطاقم بشري في اتجاه الهدف المراد تدميره، ومن ثم يغادر الطاقم المكوّن من فرد أو فردين الزورق أثناء تحركه، بعد أن يقترب مسافة كافية من الهدف.
من أهم مميّزات هذا النموذج بدنه المنخفض الارتفاع، والذي يجعل من الصعب رصده أثناء تحركه على سطح الماء، وخاصة من مسافة بعيدة.
النموذج الثالث يتمثّل في تعديل محليّ الصنع على زوارق الصيد اليمنية التقليدية، بهدف تحويلها الى زوارق انتحارية.
وقد استخدمت أنصار الله هذا النموذج بشكل مكثّف منذ عام 2019، بعد أن زوّدوه بتعديلات تشمل آلية للتحكم في التوجيه والدفع عن بُعد، وكاميرا لنقل المشهد الأمامي للزورق.
وكان الهجوم الأول الذي تمّ فيه استخدام هذا النموذج، في نيسان/ أبريل 2019، انطلاقاً من منطقة اللحية الساحلية، شمالي مدينة الحديدة، وكذلك الهجوم الذي حدثّ في منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، على منصة تفريغ المشتقات النفطية العائمة قبالة ساحل مدينة جيزان في الحد الجنوبي السعودي.
بالنظر إلى ما تقدم، يمكن القول إن القوات المسلحة اليمنية تحصد في العام السابع للحرب ثمار خطواتها الفعالة في مجال تحسين وتطوير تسليحها على المستويات كافة، ما وفّر لها قدرة الردع الحالية، التي توافرت رغم تسيّد مقاتلات التحالف الأجواء اليمنية، ورغم الحصار المطبق على الأراضي اليمنية.
حالياً، تمتلك هذه القوات العديد من الوسائط القتالية التي تسمح لها بالاستهداف الدقيق للعمق السعودي والإماراتي، وهو ما تسبّب في تغيير كامل لتوازن القوى في المنطقة، وقد يتسبّب قريباً في فرض بدء العدّ التنازلي لإنهاء هذه الحرب.