الذكاء الاصطناعي وسبر أغوار التسليح البحري

تعد أنظمة الذكاء الاصطناعي البحرية بمنزلة المستقبل الواعد للتسليح البحري، وخصوصاً مع دخولها التدريجي في التقنيات البحرية كافة.

  • الذكاء الاصطناعي انخرط في المجالات العسكرية المختلفة.
    الذكاء الاصطناعي انخرط في المجالات العسكرية المختلفة.

على مدار السنوات الأخيرة، تزايد انخراط الذكاء الاصطناعي في المجالات العسكرية المختلفة بشكل يمكن من خلاله القول إن حقبة جديدة من التفاعلات العسكرية أوشكت أن تتشكل، بما ستكون له انعكاسات جدية ومفصلية على شكل ومضمون الصراعات المسلحة وتوازنات القوى العسكرية خلال المدى المنظور. 

وقد أعادت الحرب الأوكرانية الروسية إلى الواجهة النقاش بشأن هذا الجانب المهم من جوانب التطور في مجال التسليح وتقنياته، وخصوصاً في ظل استخدام الطرفين -الروسي والأوكراني- عدة تطبيقات ميدانية وعملياتية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، على رأسها التقنيات المسيرة المختلفة، سواء كانت جوية أو برية، إضافة إلى الاستخدام النوعي للمسيرات البحرية.

بشكل عام، كانت أنظمة إدارة النيران البحرية من أهم التطبيقات التي تم فيها استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ ساهمت هذه التقنيات في تطوير عمليات اكتشاف الأهداف المعادية وتحديدها وتصنيفها، ومن ثم تحديد الأهداف المهمة التي تحتاج إلى مواجهة عاجلة، واختيار الأسلحة المناسبة لتدمير هذه الأهداف، وهو ما يساهم بشكل إجمالي في المساعدة في اتخاذ القرارات الميدانية، نظراً إلى تزايد تعقيد ساحات القتال الحديثة التي تتسم بتهديدات متشعبة ومتسارعة، إلى درجة تجعل من الصعب على الطواقم البحرية معالجة وفهم جميع التهديدات المحيطة بشكل سريع وآني.

هنا، تتمثل ميزة الذكاء الاصطناعي في هذا السياق بقدرته على معالجة البيانات وتصنيفها بشكل أسرع بكثير من البشر، ما يسمح لمشغلي الأنظمة البحرية بالتركيز على التهديدات الحقيقية والجدية.

وحتى الآن، لم يتم التفعيل الكامل لحالة "الأتمتة الكاملة" في أنظمة إدارة النيران البحرية إلا في مرات نادرة، نظراً إلى استمرارية الحاجة إلى الطواقم البشرية، سواء على المستوى التنفيذي أو القيادي، لكن رغم هذا، فإنَّ استمرار القوات البحرية على المستوى الدولي في التوجه بشكل أكبر نحو الأنظمة البحرية غير المأهولة سيوفر للذكاء الاصطناعي أدواراً مهمة في التمكين المستقبلي لاستقلالية أنظمة إدارة النيران البحرية وتحولها نحو الأتمتة الكاملة. 

يضاف إلى ذلك انعكاس حالة التطور التي بدأت الأنظمة البحرية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي -مثل المسيرات البحرية- بالدخول إليها بشكل يمكن من خلاله القول إن المرحلة التي ستبحر فيها تلك الأنظمة بشكل مستقل أو ضمن أسراب أصبحت قريبة للغاية، إذ يتوقع أن تمتلك الأنظمة البحرية المسيرة قدرات ذاتية على كشف الأهداف وتصنيفها واتخاذ قرار استهدافها. وتعد أنظمة الإجراءات المضادة للألغام (MCM) مثالاً جيداً على هذا التقدم.

تطبيقات عملية أميركية للذكاء الاصطناعي البحري

استخدمت الولايات المتحدة الأميركية للمرة الأولى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في تطوير صاروخها الجوال المضاد للسفن "LRASM"، الذي يعد نسخة بحرية من الصاروخ الجوي الجوال "AGM-158B JASSM-ER". 

بدأ تطوير هذا النوع من الصواريخ على يد شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية مطلع العقد الماضي، وكان من المفترض تطوير نسختين منه؛ الأولى (A) سرعتها دون صوتية، والثانية (B) سرعتها فرط صوتية، لكن تم إلغاء النسخة الثانية عام 2012، وبدأ اختبار النسخة الأولى بدءاً من آب/أغسطس 2013.

وخلال عامي 2014 و2017، تمت تجربة إطلاق هذا النوع من الصواريخ من قطع بحرية ومن قاذفات "B-1B"، وساهمت هذه التجارب الناجحة في معظمها في تبني البحرية الأميركية هذا الصاروخ عام 2019 تحت اسم "AGM-158C". ويتراوح مداه الأقصى بين 370 و560 كيلومتراً، وتصل زنة رأسه الحربي إلى 450 كيلوغراماً.

أبرز نقطة في هذا الصاروخ تتعلق باعتماده بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يظهر من آلية عمله وتشغيله، إذ يتم توجيهه -في المرحلة الأولى لإطلاقه- من القطعة البحرية التي تم الإطلاق منها، ومن ثم يتم توجيهه عبر الأقمار الصناعية، وهو يمتلك في الوقت نفسه القدرة على الاستمرار في التحليق في حالة فقدانه الاتصال بالقمر الصناعي، نظراً إلى إمكانية برمجة طيرانه بشكل مسبق ليمر عبر نقاط محددة وأهداف ثابتة ومعالم أرضية معينة.

خلال تحليقه، يمتلك هذا الصاروخ القدرة على اكتشاف التهديدات بين الأهداف المختلفة والتنقل حولها، ومن ثم يقوم عند تحديد الهدف المعادي بالهبوط إلى ارتفاعات منخفضة للغاية وتحديد النقطة التي سيقوم باستهدافها في الهدف المراد تدميره، وكذا زاوية الهجوم المفضلة، وهذا كله يتم بشكل مستقل تماماً. ويقتصر دور البشر في هذه العملية على تزويد الصاروخ بالبيانات اللازمة. 

تزوّد هذا النوع من الصواريخ بالذكاء الاصطناعي قلّص بشكل كبير من تأثير القصور المتعلق بسرعته "الأقل من الصوت"، إذ تساهم التقنية المتقدمة وانخفاض البصمة الحرارية وصغر المقطع الراداري الخاصة بهذا الصاروخ في التقليل بشدة من احتمالية رصده، ناهيك بتمكين قدرات الذكاء الاصطناعي هذا الصاروخ من استكشاف مصادر الموجات الإلكترونية المضادة، وتحديد مواطن الضعف في القطع البحرية المعادية، وكذا العمل بشكل جماعي مع عدة صواريخ من النوع نفسه، وتبادل المعلومات معها. 

والجدير بالذكر أن شركة "لوكهيد مارتن" تعمل حالياً على دراسة إمكانية إطلاق هذا النوع من الصواريخ من المركبات البحرية المسيرة، وهو ما ينقل التسليح البحري المعتمد على الذكاء الاصطناعي إلى مراحل مختلفة كلياً عما سبق.

في المجمل، اهتمت البحرية الأميركية منذ سنوات بإدماج الذكاء الاصطناعي في تسليحها، إذ أسست عام 1981 مركزاً بحرياً لأبحاث الذكاء الاصطناعي في مختبر الأبحاث البحرية الرئيسي التابع لها، ويعمل حالياً هذا المختبر على تصميم وتطوير أكثر من 1000 نشاط بحري يتعلق بالذكاء الاصطناعي، إلى جانب تنفيذ عمليات تدريب الأفراد على تقنيات الذكاء الاصطناعي البحرية المختلفة. 

جهود البحرية الأميركية في هذا الإطار يمكن إجمالها في عدة مشاريع أساسية، لعل من أهمها مشروع "Overmatch"، الذي شرعت فيه البحرية الأميركية بالاشتراك مع شركة "نورثروب جرومان" الأميركية عام 2020، ليكون جنباً إلى جنب مع مشروع "Convergence" التابع للجيش الأميركي، ومشروع آخر تابع لسلاح الجو الأميركي.

جميع هذه مشاريع يعمل في إطار الاستراتيجية المشتركة للقيادة والسيطرة على كل المجالات (JADC2) التي تستهدف منها وزارة الدفاع الأميركية ربط أجهزة الاستشعار من كل الأفرع العسكرية بشبكة واحدة عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي.

يهدف مشروع "Overmatch" لربط كل المنصات والأسلحة وأجهزة الاستشعار البحرية وتطوير الشبكات والبنية التحتية والبيانات والأدوات التحليلية، بما يتيح رداً عسكرياً متزامناً وفعالاً على التهديدات البحرية المختلفة بالتنسيق مع كل الوسائط القتالية المتاحة.

إذ يفترض هذا المشروع أن الغواصات المسلحة بطوربيدات ستقوم تحديد موقع سفن العدو وغواصاته ومهاجمتها، في حين تقوم المسيرات البحرية بكشف الألغام البحرية وغواصات العدو، على أن تتولى السفن السطحية شنّ هجمات ضخمة، بحيث يتم هذا كله في آن واحد، وعبر التواصل الآني بين هذه الوسائط وأنظمة غير مأهولة مزودة بالذكاء الاصطناعي تقوم بالربط بين هذه الوسائط وتزويدها بالمعلومات المحدثة.

يواجه هذا المشروع بعض التحديات، منها ما يتعلق بحقيقة أن التركيز على الشبكات التي تدعم الذكاء الاصطناعي وروابط بيانات التردد اللاسلكي الآمنة وأجهزة الاستشعار والأسلحة بعيدة المدى ومعالجات الكمبيوتر عالية السرعة قد يمس في مرحلة ما دورة اتخاذ القرارات الميدانية في حالة الحرب.

وتتعلق هذه التحديات أيضاً بالمخصصات المالية المتوفرة لعمليات التطوير، إذ تقدمت البحرية الأميركية في آذار/مارس الماضي بطلب للحصول على تمويل بقيمة 195 مليون دولار للأبحاث المتعلقة بهذا المشروع، بدلاً من 73 مليون دولار تلقتها من أجل الغرض نفسه العام الماضي، علماً أن التمويل المحدود في العام الماضي حد كثيراً من عمليات التطوير والتجارب التي يتم إجراؤها ضمن هذا المشروع.

تُضاف إلى هذا المشروع مجموعة من المشاريع المستقبلية والحالية التي ترتبط بالذكاء الاصطناعي، منها ما يرتبط بأنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، مثل المحطات القتالية العاملة على متن القطع البحرية المأهولة وغير المأهولة، وكذلك برامج أخرى تتعلق بعمليات الاستطلاع القتالي، مثل برنامج "SWARM-Tac"، الذي يزود السفن البحرية بالوعي بالموقف الحالي في محيطها، بما في ذلك طبيعة التهديدات البحرية القريبة ومستواها وسبل الهروب منها، سواء عبر التحرك في مسارات بديلة أو مواجهتها بشكل مباشر، وكذا نسبة النجاح والفشل في تنفيذ السيناريوهات المحتملة.

إلى جانب هذه المشروعات، تقدمت عدة شركات أميركية خلال السنوات الأخيرة بعدة برامج مقترحة لتطوير التسليح البحري، اعتماداً على تقنيات الذكاء الصناعي، منها برامج لتطوير تقنيات رصد العدائيات البحرية والألغام وكشفها عبر الرؤية الآلية والمركبات المسيرة الغاطسة وبرنامج لتطوير الذخائر البحرية الدقيقة.

بالنظر إلى ما سبق، يمكن القول إنَّ الولايات المتحدة الأميركية اجتازت شوطاً مهماً في ما يتعلق بالاستخدام البحري للتقنيات الذكاء الاصطناعي، وهو ما يمكن فهمه من خلال تشكيلها في الأول من أيلول/سبتمبر 2021 قوة بحرية جديدة تحت اسم "القوة 59"، تعتمد في أساس عملها على القدرات البحرية المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مثل المسيرات البحرية السطحية والغاطسة.

وقد نظمت البحرية الأميركية في شباط/فبراير 2022 النسخة السابعة من مناورات "آي أم أكس 22" التي تُجرى كل عامين منذ عام 2012. وكان اللافت في هذه المناورة أنها تضمّنت مشاركة نحو 80 مسيرة بحرية تعتمد على الذكاء الاصطناعي، قدّمتها 10 دول مشاركة في هذه المناورات.

ويُتوقع أن توسع البحرية الأميركية مدى انخراط الذكاء الاصطناعي في تسليحها وأنظمة تشغيلها خلال المرحلة المقبلة، وخصوصاً بعد إعلانها في نيسان/أبريل الماضي أن الأسطول الأميركي الرابع سوف يشهد تجارب مماثلة لتجربة "القوة 59"، وأنَّ قيادة البحرية الأميركية تستهدف بحلول عام 2045 امتلاك 150 قطعة بحرية ذاتية القيادة.

دول أخرى في مضمار الذكاء الاصطناعي البحري

تعدّ الصين أقوى منافس للولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي، إذ تعتبر بكين تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا استراتيجية. وبالفعل، ضخت فيها استثمارات وصلت إلى أكثر من 21 مليار دولار خلال العقد الماضي، ما جعل الشركات التكنولوجية الصينية أكثر تقدماً من الشركات الأميركية في هذا المجال، كما قامت بكين باستثمار ما يقارب 1.3 مليار دولار في الفترة الممتدة من 2010 إلى 2017 في الشركات التكنولوجية الأميركية التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي.

تمتلك السفن الحربية التابعة للبحرية الصينية أنظمة دفاعية ضد التهديدات المقتربة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، على غرار الأنظمة الأميركية، وتعمل البحرية الصينية حالياً على تطوير نظام قائم على تحديد الأهداف بين عدة وحدات وأنظمة مضادة تعتمد على الطائرات من دون طيار التي تطلق من السفن لتعزيز فعالية السفن السطحية المأهولة، كما تعمل حالياً على مشروع لإنشاء "نظام تصنيع ذكي للبيانات الضخمة" للسفن الحربية قد يستخدم التعرف إلى الصور لتحديد أعطال الهيكل وإنتاج نماذج ثلاثية الأبعاد لهياكل السفن.

حقيقة الأمر أن البحرية الصينية نفذت تجربة مهمة لإدماج تقنيات الذكاء الاصطناعي في العمليات المباشرة لتصنيع القطع البحرية، فقد تمكن فريق بحثي ممول من الجيش الصيني من استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم النظام الكهربائي لقطعة حربية جديدة بشكل فعال وناجح، وفي وقت قياسي بالنظر إلى أن إعداد هذا النظام قد يستغرق عاماً كاملاً، في حين تم اختصار هذه المدة إلى يوم واحد فقط.

هذه التجربة تم توسيعها بشكل أكبر العام الماضي، بعدما شرع فريق بحثي صيني في تطوير نظام لتصميم القطع البحرية الكبيرة، من خلال منصة تعتمد على 14000 وحدة معالجة مركزية وإنترنت المركبات الذكية وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو ما تسبب بتقليص المدة اللازمة لإيجاد حلول للمعضلات التصميمية التي تواجه فرق التصميم، وخصوصاً ما يتعلق بديناميكية التصميمات ومدى مقاومتها الأمواج والرياح.

كذلك، تهتم البحرية الصينية بشكل موسع بالتقنيات البحرية المسيرة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي؛ ففي عام 2018، وخلال المعرض الأفريقي للطيران والفضاء الذي أقيم في جنوب أفريقيا، كشفت الشركة الصينية "CSOC" عن قطعة بحرية مقاتلة ذاتية القيادة تحت اسم "JARI"، كما تقوم حالياً بتطوير غواصات كبيرة غير مأهولة ومنخفضة التكلفة نسبياً ضمن مشروع أكبر يستهدف تعزيز القوة البحرية الصينية باستخدام الذكاء الصناعي وتطوير أعداد كبيرة من التقنيات البحرية المسيرة، يتم اختبارها في منشأة عملاقة تعد الأكبر في العالم تقع في مدينة "Zhuhai" في مقاطعة "Guangdong".

يضاف إلى ذلك أن الباحثين الصينيين يعملون حالياً بشكل معمق على تطوير نظام دعم مدعوم بالذكاء الاصطناعي لقادة الغواصات، بحيث يساعدهم على اتخاذ قرارات أسرع وأكثر دقة خلال الاشتباكات البحرية، وخصوصاً قادة الغواصات النووية التي تحتاج أطقمها للبقاء فترات طويلة تحت المياه، ما يزيد مستويات التوتر والضغوط على الضباط الموجودين في هذه الغواصات، ويؤثر بالتبعية في تركيزهم وقراراتهم العملياتية، وبالتالي يساهم نظام "دعم القرار" بالذكاء الاصطناعي في التقليل من عبء هذه الضغوط، نظراً إلى اعتماده على التعلم الآلي كي يحاكي عمل الدماغ البشري، وفي الوقت نفسه يقوم بمعالجة كمية كبيرة من البيانات.

تستخدم الصين أيضاً الذكاء الاصطناعي لتصميم المنظومات التسليحية الخاصة بالقطع البحرية، وخصوصاً الأسلحة الفرط صوتية والأسلحة المغناطيسية، إذ تمتلك مشروعاً يعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحديد موجات الصدمة الناتجة من اختبارات نفق الرياح التي يتم تنفيذها على الأسلحة الفرط صوتية، وبالتالي جعل هذه الأسلحة أكثر مرونة وأكثر قدرة على المناورة.

كما اعتمدت البحرية الصينية على الذكاء الاصطناعي لتطوير مدفع بحري كهرومغناطيسي. ويتميز هذا النوع من المدافع بأن الطاقة الحركية لقذيفته يمكن أن تصل إلى ما يقارب 150 جول، أي أكثر من ضعف الطاقة اللازمة لإطلاقها قذائف المدفعية العادية، ولمسافات طويلة قد تصل إلى 200 كيلومتر.

تبدو روسيا في هذا المضمار أقل زخماً من الولايات المتحدة الأميركية والصين، لكنها بدأت خلال السنوات الأخيرة باتخاذ خطوات سريعة نحو دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في تسليحها البحري، وخصوصاً الغواصات والتقنيات المسيرة الغاطسة، إذ تعمل موسكو على أن تتزود غواصات الجيل الخامس الروسية بأجهزة قيادة قائمة على الذكاء الاصطناعي، بحيث تتم إدارة أقسام الغواصات الروسية المستقبلية بآليات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، يمكن استبدالها بأخرى وفقاً للمهام الموكلة إليها، سواء كانت أقساماً مسلحة بالصواريخ البالستية أو أقساماً مسلحة بالطوربيدات والصواريخ المضادة للسفن. 

كذلك، وجهت موسكو اهتماماً خاصاً بالغواصات المسيرة، منها الغواصة المسيرة (كلافشين - تو بي)، وهي أحد أهم عناصر الجيل الجديد من الأنظمة البحرية المخصصة للعمل في الغواصات النووية الجديدة من فئة "بيلوجراد".

بدأت الاختبارات العملية على هذا النوع من الغواصات منذ مطلع عام 2016، وذلك في عدة مناطق من بينها المحيط الهادئ والقطب الشمالي والبحر الأسود، وتم في آذار/مارس 2018 إطلاقها بنجاح للمرة الأولى، وهي مزودة بمجموعة من المستشعرات، بما في ذلك سونار للمسح الجانبي، وهو ما يمكنها من رسم خرائط دقيقة لقاع البحر والمساعدة في عمليات البحث والإنقاذ خلال المعارك عبر برامج خاصة تعتمد بشكل أساسي على الذكاء الاصطناعي.

كذلك، تدرس البحرية الروسية اعتماد تصميم لمسيرات غاطسة مسيرة أصغر تحت اسم "نيربا"، تستخدم في عمليات مكافحة الضفادع البشرية، وتتسلح بمدفع رشاش من نوع "أيه بي أس" قابل للعمل تحت سطح الماء.

خلاصة القول، على الرغم من أن من الجائز اعتبار الأنظمة البحرية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي متفوقة على البشر في قدرتها على معالجة المعلومات بشكل سريع وشامل ودقيق، فإن هذه الأنظمة تبقى في النهاية نتاج جهد بشري جماعي له تكاليفه ومخاطره، ولعل البيانات التي تعتمد عليها هذه الأنظمة للتعلم وإعادة برمجة نفسها بمنزلة جزء مهم من هذه المخاطر.

لكن بغض النظر عن هذه النقطة، تعتبر أنظمة الذكاء الاصطناعي البحرية بمنزلة المستقبل الواعد للتسليح البحري، وخصوصاً مع دخولها التدريجي في كل التقنيات البحرية، وهو ما قد يفرض تغييرات جذرية على عمليات التسليح والتدريب البحري، وكذا تكتيكات القتال والاشتباك خلال المدى المنظور.