"الذخائر الجوالة" تتسكّع مجدداً في ميادين القتال

على عكس الاعتقاد السائد بحداثة فكرة "الذخائر الجوالة"، تشير الوقائع التاريخية إلى أن هذه الفكرة تعود إلى حقبة الحرب العالمية الأولى.

  • "الذخائر الجوالة" تتسكّع مجدداً في ميادين القتال

مع استمرار المعارك المستعرة في الميدان الأوكراني واستمرار تدفق الأسلحة والذخائر المختلفة إلى هذا الميدان الذي يشهد تطورات ومعارك يومية، لم يكن مستغرباً لجوء كلا الجانبين إلى كل القدرات التسليحية المتوفرة لديهما، بما في ذلك "القدرات المسيرة" التي تم استخدام كل أنواعها خلال معارك الفترة الماضية، ومن بينها بالطبع الطائرات من دون طيار.

استخدم كلا الجانبين أنواعاً عديدة من الطائرات من دون طيار، لكن كانت التجربة الأهم في هذا الإطار تتعلق بأحد أنواعها، الذي يطلق عليه "الذخائر الجوالة" أو "الذخائر الانتحارية/المتسكعة"، والذي - وإن كان تقنية غير مستحدثة في الصراعات العسكرية المعاصرة - كان من الضروري النظر بشكل فاحص فيه، وخصوصاً إذا وضعنا في الاعتبار التأثيرات الكبيرة لاستخدام هذه التقنية في ميادين قتالية سابقة، مثل ميدان ناغورنو كاراباخ والميدانين اليمني والفلسطيني.

الذخائر الجوالة.. مبدأ عتيق وتقنيات متطورة

على عكس الاعتقاد السائد بحداثة فكرة "الذخائر الجوالة"، تشير الوقائع التاريخية إلى أن هذه الفكرة تعود إلى حقبة الحرب العالمية الأولى، إذ شكل الطوربيدان الأميركيان الطائران "كيرتس سبيري" و"ليبرتي إيغل" البداية الحقيقية لتطبيق فكرة الذخائر الجوالة على أرض الواقع، فقد اختبرت البحرية الأميركية الطوربيد "كيرتس سبيري" للمرة الأولى عام 1917، بعدما قامت بتعديلات على بعض أنواع الطوربيدات المضادة للغواصات، وحولتها إلى ما يشبه طائرات من دون طيار مزودة بأجنحة مزدوجة وشحنات متفجرة. 

من جانبه، طوّر سلاح الجو الأميركي، بناءً على هذا النموذج، الطوربيد الطائر "ليبرتي إيغل"، الذي أنتج بضع عشرات منه، إلا أن كلا النوعين لم يستخدما ميدانياً خلال الحرب العالمية الأولى، وتوقف برنامج تطويرها وإنتاجها بحلول عام 1920 نتيجة مشاكل في التمويل.

عاد الاهتمام العسكري الأميركي بتطوير الذخائر الجوالة مرة أخرى خلال الحرب العالمية الثانية، في ظل السعي الياباني والألماني الحثيث لتطوير تقنيات مسيرة وتحقيقهما بعض النجاحات في هذا الإطار، فشرع سلاح الجو الأميركي مطلع عام 1941 في برنامج أطلق عليه اسم "أفروديت"، بهدف تحويل القاذفات الثقيلة المتقادمة في ترسانته من نوع "بي-17 فورتريس" إلى ذخائر جوالة تحمل داخل بدنها نحو 10 أطنان من المتفجرات.

وقد طور الجيش الأميركي حينها تقنية تعتمد على التحكّم اللاسلكي من أجل التحكم في القاذفة من بعد وتوجيهها إلى أهدافها عبر طائرة مرافقة، بعد أن يقوم الطيار والمهندس المساعد له بالإقلاع بالقاذفة وتوجيهها بالاتجاه الذي يوجد فيه الهدف، ومن ثم يقفزان من الطائرة بعد أن يضبطا أجهزة الطائرة ويقوما بتفعيل المتفجرات الموجودة على متنها.

والجدير بالذكر أن ألمانيا النازية كانت لها تجربة مهمة في هذا الصدد، عبر برنامج "ميستيل"، حين قامت بتعديل مجموعة من مقاتلات "ميسرشميت بي أف-109"، وتحميلها بما تصل زنته إلى 2 طن من المتفجرات في الطائرة الواحدة، بحيث يتم نقل كل طائرة على متن قاذفات من نوع "يونكرز"، ومن ثم تحريرها وإطلاقها عبر التحكّم اللاسلكي نحو هدفها بعد اقتراب القاذفات منه. 

كان الاستخدام الأول لهذه الطائرات في تموز/يوليو 1943 خلال معركة "نورماندي" في فرنسا. وبشكل عام، تم صنع 250 طائرة من هذا النوع، لكن لم يحمل سجلها العملياتي نجاحات تذكر، سوى في مواجهة تقدم قوات الاتحاد السوفياتي في الجبهة الشرقية.

ظلت التوجهات العالمية خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي منصبّة في ما يتعلق بالأنظمة الجوية المتحكم فيها عن بعد على استخدامها كأهداف لتدريب الدفاع الجوي، أو تنفيذ عمليات الاستطلاع والمراقبة، أو استخدامها كشراك خداعية لإظهار مواضع وجود وحدات الدفاع الجوي المعادية، كما حدث عام 1973 في سيناء، وعام 1982 في لبنان.

التجربة المعاصرة في مجال الذخائر الجوالة

استفادت "إسرائيل" من هذه التجارب، وكانت فعلياً الدولة الأولى التي بدأت في منتصف تسعينيات القرن الماضي بإنتاج مجموعة من الذخائر الجوالة، على رأسها الذخيرة الجوالة "دليلة"، التي دخلت الخدمة في القوات الجوية الإسرائيلية في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وهي تطوير إسرائيليّ للطائرة الهدفية الأميركية الصنع "شوكار".

وقد كان هذا التطوير في البداية مرتكزاً على أن يكون في اتجاه الطائرات الهدفية نفسه، لكن تمَّ تعديل هذا التطوير ليتحول إلى صاروخ جوال يبلغ مداه الأقصى 250 كيلومتراً، ويوجّه بالتوجيه الداخلي أو عن طريق "الجي بي أس"، ويتميّز بهامش خطأ ضئيل يبلغ متراً واحداً فقط، ورأس حربي يبلغ وزنه 30 كيلوغراماً.

النوع الثاني من أنواع الذخائر الإسرائيلية الجوالة هو الذخيرة الجوالة "Harpy" التي تم تصميمها بصفة أساسية لمشاغلة رادارات الدفاع الجوي ومهاجمتها. يبلغ مداها الأقصى 500 كيلومتر، وسرعتها القصوى 185 كيلومتراً في الساعة، وزنة رأسها الحربي 32 كيلوغراماً. 

يتم إطلاق هذه الذخائر من شاحنة تحمل 18 منصة إطلاق، ويتم إدخال بيانات مسار التحليق والأهداف إليها قبل الانطلاق، ومن ثم تبحث عن أهداف لتدميرها أو يتم تدميرها ذاتياً ما لم تعثر على أهدافها. وقد صدَّرتها "إسرائيل" إلى عدة دول، من بينها الهند والصين وكوريا الجنوبية وتشيلي وتركيا.

في الفترة التي تلت عام 2000، قامت الصناعات الحربية الإسرائيلية بإنتاج الذخيرة الجوالة "Harop"، التي تعد تطويراً للذخيرة الجوالة "Harpy"، لكنها تتميز بمقاومتها للرصد الراداري ولعمليات التشويش، وإمكانية إعادتها مرة أخرى إلى موقع الإطلاق في حال عدم استهدافها أي أهداف. 

يتم توجيهها عن طريق التحكّم من بعد أو بتتبع الأشعة المنبعثة من محطات الرادار المعادية، ويبلغ مداها الأقصى 1000 كيلومتر، ويمكن إطلاقها من كل الوسائط البحرية أو البرية أو الجوية، وتمتلكها كلٌّ من تركيا والهند وألمانيا وأذربيجان.

تمتلك "إسرائيل" حالياً نحو 11 نوعاً من أنواع الذخائر الجوالة، منها ما هو صغير الحجم، مثل الذخيرة الجوالة "Rotem-l" التي يبلغ مداها الأقصى 10 كيلومترات، وتحمل رأساً متفجراً زنته 1 كيلوغرام، وتستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة 45 دقيقة، وتتميز بخفة وزنها الذي يبلغ 4 كيلوغرامات، وسهولة استخدامها ميدانياً، وإمكانية إلغاء عملية الهجوم بعد انطلاقها وإعادتها مرة أخرى إلى القاعدة.

من الأمثلة الحديثة الأخرى للذخائر الإسرائيلية الجوالة، الذخيرة الجوالة "Sky Striker"، التي أعلنت عنها شركة "ألبيت" الإسرائيلية عام 2016، والتي تستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة تتراوح بين ساعة وساعتين. تبلغ زنة الرأس الحربي المزوّدة به ما بين 5 و10 كيلوغرامات، ويتم توجيهها كهروبصرياً إلى هدفها، وتتميز بسرعة هجوم كبيرة تبلغ 500 كيلومتر في الساعة.

أحدث ما تمَّ إنتاجه من الذخائر الجوالة الإسرائيلية تم الإعلان عنه عام 2017، وهو الذخيرة الجوالة "Green Dragon"، التي يبلغ مداها الأقصى 40 كيلومتراً. هذه الذخيرة مزودة برأس حربي تبلغ زنته 3 كيلوغرامات، ويصل مدى تحليقها إلى نحو ساعة ونصف ساعة، ويتم إطلاقها من منصات أرضية.

في الوقت الحالي، تقوم نحو 16 دولة – إلى جانب "إسرائيل" - بتصنيع الذخائر الجوالة محلياً. هذه القائمة تشمل كلاً من أرمينيا وأستراليا وأذربيجان وروسيا البيضاء والصين وإندونيسيا والهند وإيران وبولندا وروسيا وكوريا الجنوبية وتايوان وتركيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. 

أهم التجارب في ما يتعلق بتصنيع الذخائر الجوالة ربما تتعلَّق بشكل أكبر بكلٍّ من إيران وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، وهي تجارب ظهرت آثارها بشكل أوضح خلال بعض النزاعات العسكرية المعاصرة التي شهدت استخداماً لهذه التقنية من جانب بعض الجيوش النظامية والجماعات المسلحة.

ميدان ناغورنو كاراباخ.. أهم دور للذخائر الجوالة

من الجائز اعتبار جولة القتال التي دارت رحاها بين أرمينيا وأذربيجان منتصف عام 2020 في إقليم ناغورنو كاراباخ المثال الأكثر وضوحاً حتى الآن لاستخدام الذخائر الجوالة قتالياً، إذ أدت هذه الذخائر بشكل خاص، والطائرات من دون طيار بشكل عام، دوراً رئيسياً في ترجيح الكفة الأذربيجانية، وكانت هذه الجولة القتالية بمنزلة أهم ظهور حتى الآن للذخائر الجوالة في الميدان القتالي.

النّقطة الجديرة بالذكر في ما يتعلّق بهذا الاشتباك تتمثل بأنّ استخدام الذخائر الجوالة جاء في إطار خطة عامة لاستخدام الطائرات من دون طيار، بحيث تكامل استخدام الذخائر الجوالة مع نشاط الطائرات الاستطلاعية من دون طيار، وطلعات الطائرات الهجومية من دون طيار من نوع "بيرقدار". 

النوع الأول من أنواع الذخائر الجوالة التي تمَّ استخدامها في هذه الجولة هو الذخيرة الجوالة الإسرائيلية الصنع "Orbiter-1K"، التي استخدمتها القوات الأذربيجانية بشكل مركز في استهداف قطع المدفعية والدبابات الأرمينية.

خلال الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2019، تلقّى الجيش الأذربيجاني نحو 100 ذخيرة جوالة من هذا النوع، وقام بعد ذلك بتصنيع هذه الذخائر محلياً تحت اسم "Zerba". تحمل كل ذخيرة من هذا النوع ما بين 1 و2 كيلوغرام من المتفجرات. وقد استخدمت بشكل خاصّ لاستهداف شاحنات نقل الذخيرة التي تقوم بإمداد مواقع المدفعية الأرمينية داخل الإقليم.

الذخيرة الجوالة الثانية هي الذخيرة "Harop". بدأت أذربيجان بتلقي أول دفعات منها بين عامي 2015 و2016. الاستخدام الأكبر لهذه الذخائر خلال الجولة القتالية التي دارت أواخر عام 2020، كان لاستهداف الحافلات وشاحنات نقل الجنود الأرمينية التي كانت تنقل الجنود والعتاد لتعزيز مواقع القوات المدافعة عن الإقليم أثناء المعارك.

وكذلك، تم استخدامها لمهاجمة مقارّ قيادة الكتائب المدرعة الأرمينية. ويعدّ المقطع الراداري الضئيل الَّذي يبلغ 0.5 متر مربع فقط من أهم ميزات هذه الذخيرة. لذا، تعذّر رصدها واستهدافها من الدفاعات الجوية الأرمينية التي كانت تتكون أساساً من أنظمة قديمة تعود إلى الحقبة السوفياتية.

 التجربة اليمنية والفلسطينية.. دخول الذخائر الجوالة إلى الميادين العربية

في ما يتعلق بالميدان اليمني، امتلكت جماعة "أنصار الله" عدة أنواع من الذخائر الجوالة، من بينها الذخيرة الجوالة "قاصف -1"، المزوّدة بمحرّك يعمل بالبنزين يوفّر لها مدى يصل إلى 100 كيلومتر، ومدة تحليق متواصل تصل إلى ساعتين، وتم تسليحها برأس متفجر تصل زنته إلى 30 كيلوغراماً.

في تموز/يوليو 2019، استخدمت الجماعة نوعاً جديداً من أنواع الذخائر الانتحارية، تحت اسمَي "صماد-2" و"صماد-3"، في استهداف منشأة تابعة لشركة "أرامكو" النفطية في الرياض. ويبلغ مدى النوعين 1500 كيلومتر، وتتراوح زنة رأسهما الحربي بين 70 و100 كيلوغرام.

من الذخائر الجوالة الأخرى التي تزودت بها هذه الجماعة، الذخيرة الجوالة "قاصف-تو كيه"، التي تم استخدامها للمرة الأولى في كانون الثاني/يناير 2019 لاستهداف قاعدة العند الجوية جنوبي اليمن، والتي تتميز بأنها لا تصطدم بشكل مباشر بالهدف، كما هي حال "الدرونز" الانتحارية المماثلة، لكنها عوضاً عن ذلك تنفجر فوق الهدف بمسافة تتراوح بين 10 و20 متراً، ما يساهم في نشر الموجة التدميرية بطريقة أكثر فعالية.

آخر الذخائر الجوالة التي أعلنت الجماعة امتلاكها كانت في آذار/مارس 2021، وهي الذخائر الجوالة "خاطف-1" و"خاطف-2"، إلى جانب الذخيرة الجوالة "وعيد"، وهي من فئة الذخائر الجوالة ذات المدى الطويل الذي قد يصل إلى 2000 كيلومتر.

ظهرت الذخائر الجوالة أيضاً مع الفصائل الفلسطينية خلال اشتباكها مع "الجيش" الإسرائيلي على حدود قطاع غزة في أيار/مايو 2021، وتحديداً كتائب القسام، التي استخدمت الذخائر الجوالة للمرة الأولى تحت اسم "شهاب"، وهي تشبه إلى حد بعيد ذخائر "أبابيل" الإيرانية الجوالة، ونسختها اليمنية "قاصف". 

استخدمت كتائب القسام هذه الذخائر عدة مرات، وهاجمت بها مواقع الوحدات العسكرية الإسرائيلية الموجودة في مستوطنات "سدوت نحيف" و"شاعر هنيعف" و"أشكول"، إلى جانب تنفيذها هجوماً ناجحاً على مصنع للكيماويات في مستوطنة "نير عوز".

التجربة الأوكرانية.. زخم أقل للذخائر الجوالة

في ما يتعلَّق بالذخائر الجوالة في الميدان الأوكراني، استخدم كلُّ من موسكو وكييف عدة أنواع من هذه الذخائر، منها أول ذخيرة جوالة تستخدمها موسكو في أوكرانيا، وهي الذخيرة الجوالة "KYB-BLA" التي تم الكشف عنها للمرة الأولى عام 2019، والتي تتزود برأس حربي زنته 3 كيلوغرامات، وتستطيع التحليق لمدة نصف ساعة متواصلة، وتنفيذ هجمات بسرعة تصل إلى 130 كيلومتراً في الساعة. تم توثيق استخدام هذه الذخائر ضد مواقع في العاصمة الأوكرانية بدءاً من 12 آذار/مارس الماضي.

النوع الثاني من الذخائر الروسية الجوالة التي تم استخدامها في أوكرانيا هو الذخيرة الجوالة "لانسيت"، التي تنتجها الشركة نفسها التي تنتج الذخيرة الأولى، وهي شركة "ZALA". وقد سبق اختبار هذه الذخيرة في سوريا عام 2021، وتم تسجيل استخدامها في أوكرانيا للمرة الأولى في تموز/يوليو الماضي، واستخدمت بشكل أساسي لاستهداف مرابض المدفعية والدفاع الجوي الأوكرانية، وخصوصاً في إقليم الدونباس.

النسخة التي تم استخدامها من هذه الذخيرة هي النسخة الأحدث "Lancet-3" التي تم تزويدها برأس متفجر تبلغ زنته 5 كيلوغرامات، والتي تستطيع التحليق بشكل مستمر لمدة 40 دقيقة، بسرعة تصل إلى 110 كيلومترات، ويصل مداها الأقصى إلى 40 كيلومتراً.

النوعان الثالث والرابع من الذخائر الجوالة التي استخدمتها روسيا في أوكرانيا، كانا الذخائر الجوالة "Geran-1" و"Geran-2"، التي تعتبرها كييف نسخاً طبق الأصل من الذخائر الجوالة الإيرانية الصنع "شاهد-131" و"شاهد-136" على التوالي.

الظهور الأول لهذه الذخائر كان في أيلول/سبتمبر الماضي، خلال هجوم روسي على مدينة "كوبيانسك" الأوكرانية، ثم شاركت أعداد كبيرة من هذه الذخائر في الهجوم الكبير الذي نفذته القوات الروسية في 17 تشرين الأول/أكتوبر الماضي على عدة مدن أوكرانية، واستخدمت فيه نحو 50 ذخيرة جوالة من هذا النوع.

لا تتوفر معلومات كافية عن المواصفات الفنية لكلا النوعين، لكنَّ التقديرات تشير إلى أن النوع الأكبر "شاهد-136" يصل وزنه الإجمالي إلى 200 كيلوغرام، ومداه الأقصى يصل إلى 2500 كيلومتر، في حين تصل زنة النوع الأصغر "شاهد-131" إلى 135 كيلوغراماً، ويصل مداه الأقصى إلى 900 كيلوغرام.

المكونات التي تم العثور عليها في النماذج التي تم إسقاطها من هذه الذخائر تشير إلى مكوناتها الداخلية، مثل وحدات المعالجة ونظام التوجيه بالأقمار الصناعية "غلوناس"، وهي في الغالب مدنية. وتلفت بعض التقديرات إلى أن المحركات الخاصة بهذه الذخائر صينية المنشأ ومتاحة للاستخدام المدني.

تكمن خطورة هذه الذخائر– إلى جانب مداها الكبير - في رخص ثمنها وسهولة الحصول على مكوناتها، وهو ما يجعلها بديلاً أرخص للصواريخ الروسية الجوالة، ناهيك بنجاعة استخدامها في ضرب الأهداف المدنية والعسكرية الثابتة، كما حدث في العاصمة كييف. 

يضاف إلى ذلك حقيقة أن تكتيك استخدامها على شكل أسراب، وهو ما ظهر خلال المناورات الإيرانية المتعاقبة خلال الفترة الماضية، وكذا في الهجمات الروسية على العاصمة الأوكرانية، تسبّب بإخفاق الدفاع الجوي الأوكراني في التصدي لهذه الذخائر بشكل واضح، رغم بطء سرعتها، وهو ما جعل سلاح الجو الأوكراني يتدخَّل لإسقاط بعضها عبر صواريخ الاشتباك الجوي القريب "أر-73".

فيما يتعلق بالجانب الأوكراني، استخدمت كييف تشكيلة أكبر من الذخائر الجوالة خلال المعارك الحالية، أولها كان الذخائر الجوالة "سويتش بلايد-300" و"سويتش بلايد-600"، التي تنتجهما شركة "AeroVironment" الأميركية.

أرسلت الولايات المتحدة إلى أوكرانيا نحو 700 ذخيرة جوالة حتى الآن من كلا النوعين اللذين تتراوح سرعتهما بين 100 و112 كيلومتراً في الساعة، ويصل مدى النوع الأول إلى 10 كيلومترات، في حين يصل مدى النوع الثاني إلى 40 كيلومتراً، ويستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة 40 دقيقة، ويمتلك القدرة على استهداف الدبابات، على عكس النوع الأول.

يُضاف إلى هذين النوعين نوع أميركي آخر من أنواع الذخائر الجوالة، هو الذخيرة "Phoenix Ghost" التي تنتجها شركة "Aevex Aerospace". تلقّت كييف أكثر من 700 ذخيرة من هذا النوع حتى الآن، وهي مشابهة في مواصفاتها لذخائر "سويتش بلايد"، لكنها تتمتع بمدة تحليق متواصل تصل إلى 6 ساعات. تلقَّت كييف من بولندا الذخائر الجوالة "Warmate" بأعداد تقدر بـ150 ذخيرة. يصل مدى الواحدة منها إلى 30 كيلومتراً، وتستطيع التحليق بشكل متواصل لمدة 50 دقيقة، بسرعة تصل إلى 80 كيلومتراً.

والجدير بالذكر هنا أن أوكرانيا حاولت إيجاد طرق متنوعة لإيجاد بدائل متنوعة للذخائر الجوالة، فقامت على سبيل المثال بتعديل بعض أنواع الطائرات الاستطلاعية من دون طيار، وتحميلها بمتفجرات وتحويلها إلى ذخائر جوالة، كما حدث في الهجوم الذي أصاب مصفاة تكرير النفط الروسية في منطقة "Novoshakhtinsk"، أو تعديل بعض الطائرات التجارية الصغيرة من دون طيار، بحيث تنفجر إثر اصطدامها بالهدف، كما يشير الفيديو المرفق بهذه الدراسة.

خلاصة القول أنَّ تجربة الذخائر الجوالة بشكل عام في الميادين العسكرية المختلفة تحمل ملامح جانب مهم من مستقبل الصراعات المسلحة على المستوى الدولي، رغم أنَّ تجربتها في الميدان الأوكراني لا تحمل - مقارنة بتجربة الذخائر الجوالة في حرب ناغورنو كاراباخ - ملامح تؤشر إلى قيمة مضافة عما سبق ملاحظته سابقاً، لكن هذا لا يعني أن الميدان الأوكراني نضب من المفاجآت في هذا الصدد، وخصوصاً في ظل تزايد احتمالات دخول أنواع إيرانية أخرى من الذخائر الجوالة في هذا الصراع، على رأسها أثقل ذخيرة جوالة في الترسانة الإيرانية "أراش"، وهو ما يجعلنا نستمرّ في النظر بشكل فاحص إلى مخرجات الميدان في أوكرانيا خلال المدى المنظور.