التطبيع مع ليبيا.. "حلمٌ" إسرائيلي بعيد المنال

الكيان الإسرائيلي لم يُخف تطلعه إلى إقامة علاقات "طبيعية" مع ليبيا "الجديدة"، وذلك في إطار استراتيجيته العامة لتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع مع الدول العربية بشأنها، وبسط هيمنته المطلقة على المنطقة.

  • التطبيع الإسرائيلي مع ليبيا..
    التطبيع الإسرائيلي مع ليبيا.. "حلمٌ" بعيد المنال

يسعى الكيان الإسرائيلي، منذ نشأته القسرية في عام 1948، إلى دمج نفسه في محيطه العربي والإسلامي، عبر مختلف الوسائل والأساليب، والتي تجمع بين استثمار قوّته وتفوّقه عسكرياً وتكنولوجياً وقدراته السياسية والدبلوماسية المخاتلة، واستناده إلى الضغط الأميركي الهائل، من أجل تحقيق هذا الهدف التطبيعي الاستراتيجي، والذي سيمثّل شارة النهاية بالنسبة إلى القضية الفلسطينية والصراع العربي - الصهيوني.

وعلى الرغم من أن ليبيا بعد معمّر القذافي لم تعد دولة مؤثّرة في المنطقة، وخصوصاً بعد غرقها في نزاعات داخلية دامية لم تنته حتى تاريخه، فإن الكيان الإسرائيلي لم يُخف تطلعه إلى إقامة علاقات "طبيعية" بليبيا "الجديدة"، وذلك في إطار استراتيجيته العامة لتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع مع الدول العربية بشأنها، وبسط هيمنته المطلقة على المنطقة.

محاولات إسرائيلية للتطبيع مع القذافي

لم يتورّع الكيان الإسرائيلي عن محاولة تطبيع علاقاته بأشد الأنظمة العربية تطرفاً حياله، أي مع نظام القذافي، وذلك قبل أعوام من إسقاطه في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2011، كما تكشف تقارير ووثائق متعددة، وذلك على خلفية خوف القذافي من تداعيات الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، والتهديدات الأميركية لنظامه بسبب برنامجه النووي السريّ (تمّ تفكيكه لاحقاً) ودعمه لما يسمّى "الإرهاب".

وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في حينه (مطلع عام 2004) إن وزارة الخارجية الإسرائيلية بدأت مبادرة دبلوماسية لتطوير علاقات غير رسمية بليبيا بعد إعلان القذافي عزم بلاده التخلص من أسلحة الدمار الشامل.

وبيّنت الصحيفة أن مسؤولاً في وزارة الخارجية، يُدعى رون بروسور، توجّه إلى باريس للاجتماع بأحد المسؤولين العرب من أجل التباحث في إمكان إنشاء علاقات بطرابلس.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إنه ليس من المستبعد أن يتناول وزير الخارجية الإسرائيلي سيلفان شالوم الموجود في إثيوبيا الشأن الليبي خلال الزيارة.

ونقلت الصحيفة، عن مصادر دبلوماسية أوروبية، أن مسؤولين ليبيين وإسرائيليين التقوا في العاصمة النمساوية فيينا بحضور دبلوماسي أميركي كبير في السفارة الأميركية، واتفقوا على قيام وفد إسرائيلي مشترك من وزارتي الخارجية والأمن ووكالة الاستخبارات الخارجية الموساد، بزيارة لطرابلس من أجل البحث في إقامة علاقات "طبيعية" بينهما.

في العام التالي، وتزامُـناً مع التقدّم المسجّـل - في تلك المرحلة - على مسار تحسين العلاقات الأميركية - الليبية، شهدت الاتصالات الإسرائيلية - الليبية انعطافاً غير مسبوق من خلال الزيارة التي قام بها وفد مؤلّف من 15 – 20 إسرائيلياً، ينحدرون من أصول ليبية، لطرابلس، ليكون بذلك أول وفد إسرائيلي يزور ليبيا رسمياً منذ قيام كيان الاحتلال عام 1948.

وترأّس الوفد رامي كحلون، رئيس المنظمة العالمية لليهود الليبيين، والذي كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست"، في عددها الصادر يوم 3 آذار/مارس 2005، أنه حاول الحصول على دعوة من السلطات الليبية خلال العام الماضي لزيارة ليبيا، بدعوى الاطّلاع على بيت أهله ومناقشة مسألة تعويض اليهود الذين غادروا ليبيا بشأن "ممتلكاتهم التي تركوها هناك". لكن السلطات فضّلت إرجاء الزيارة، ربما خوفاً من ردود الفعل في الداخل والخارج.

مع من ستطبّع "إسرائيل" اليوم؟

بعد سبات عميق غرقت فيه مساعي التطبيع الليبية - الإسرائيلية، منذ زيارة الوفد المذكور، تحدثت قناة “i24NEWS” الإسرائيلية، في أواخر عام 2021، عن تطبيع محتمل للعلاقات الدبلوماسية بين "إسرائيل" وليبيا، لتكون الدولة العربية الخامسة التي تسلك طريق التطبيع بعد 4 دول عربية وقّعت الاتفاق خلال عام 2020.

وأشارت صحيفة “إسرائيل هيوم" إلى اقتراب ليبيا من تطبيع علاقاتها بـ"إسرائيل"، إلى جانب حديث اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، أكثر من مرّة، وفي أكثر من مناسبة، بشأن التوصل إلى اتفاق تطبيع معها.

وادّعت الصحيفة حينها أن حفتر سيعمل على تحقيق هذا التطبيع بعد الانتخابات الليبية الرئاسية، والتي كانت ستُعقد في 24 كانون الثاني/يناير 2022. لأن الحديث بشأن هذا الأمر "يمكن أن يُلحق ضرراً باحتمالات فوز حفتر"، بحسب ما نقلته الصحيفة عن مسؤول في حملته الانتخابية.

وأكدت الصحيفة حينها أن المرشّحَيْن للرئاسة الليبية، خليفة حفتر وسيف الإسلام القذافي، يستعين كل منهما بخدمات مستشار إعلامي إسرائيلي لديه خبرة غنية بإدارة حملات انتخابية في دول أفريقيا، شرقي أوروبا والبلقان.

إن أوّل ما يعوّق قراءة حقائق النفوذ السياسي في ليبيا، هو تلك التغييرات المستمرة لواقع التشكيلات المسلّحة والتكتلات السياسية المتنازعة على السلطة. وفي ظل تحالفات متباينة، يقف الشعب الليبي أمام حكومتين: الأولى تحظى باعتراف دولي، وتملك أدوات مالية وسياسية، وهي حكومة "الوحدة الوطنية" الموقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، التي تبسط سلطاتها على طرابلس العاصمة، وتستعين بقوات تركية، وعناصر من "المرتزقة السوريين".

أما الأخرى، فهي حكومة فتحي باشاغا، الموازية، والتي تتّخذ مدينتي سرت وبنغازي مقرّاً لها، والتي حازت ثقة البرلمان الليبي في شرقي البلاد، لخلافة حكومة الدبيبة، لكن من دون أن تتمكن من ذلك.

وهناك من يرى أن الواقع على الأرض يشير إلى سيطرة حكومة الدبيبة على مقاليد الأمور في مدن الغرب، وبعض المناطق في جنوبي البلاد، في حين يبسط الجيش الليبي، برئاسة حفتر، سيطرته على أغلبيتها، وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع تشاد والنيجر والسودان.

حفتر يطبّع.. من أجل السلطة

لقد شملت المحاولات الإسرائيلية للتطبيع الطرفين الرئيسين المتنازعين في ليبيا، بحيث لقيت تجاوباً حذراً وغير معلن حتى الآن، نظراً إلى حساسية المسألة، ولأن أغلبية الليبيين ترفض أي تطبيع مع الكيان الإسرائيلي مهما كانت دوافعه.

وكشفت وسائل إعلام إسرائيلية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، أنّ صدّام خليفة حفتر حمل من أبيه رسالة إلى "إسرائيل" يطلب فيها مساعدة إسرائيلية، سياسياً وعسكرياً، في مقابل تعهده إقامة علاقات دبلوماسية مستقبلية بين الطرفين.

وكشفت صحيفة "هآرتس" أنّه "في الأعوام الأخيرة، أجرى ممثّلون عن هيئة الأمن القومي اتصالات بجهات ليبية، وأنه لطالما كان لإسرائيل مصلحة في ليبيا، بسبب موقعها الجيو - استراتيجي، عند ساحل البحر الأبيض المتوسط، وبالقرب من مصر".

وكانت تقارير إعلامية أخرى تحدثت، في الأشهر الماضية، عن وجود علاقات - وربما شراكة - استشارية بين حفتر وسيف الإسلام القذافي وبين شركات عامة إسرائيلية بشأن الانتخابات الرئاسية في ليبيا.

وأكد مدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، حسني عبيدي، أن زيارة صدّام حفتر لـ"تل أبيب" "لا يمكن تنظيمها من دون إيعاز" من والده.

الدبيبة يطبّع.. ولا يطبّع!

في العام الماضي، نفى رئيس الحكومة الليبية، عبد الحميد الدبيبة، المنافس الأول لخليفة حفتر، "شائعات" بشأن لقائه مسؤولين إسرائيليين في الأردن، رداً على ما قالته إذاعة جيش الاحتلال، ومفاده أن المسؤول الليبي التقى رئيس جهاز الموساد، من أجل البحث في تطبيع العلاقات بين الطرفين.

بيان الحكومة الليبية، الذي جاء مقتضباً ونشرته منصّة "حكومتنا" الليبية (رسمية)، جاء تفاعلاً مع تقارير كثيرة نشرت تفاصيل اللقاء، بعيداً عن الإعلام الإسرائيلي.

الحكومة الليبية لم تغفل عن الحديث عن القضية الفلسطينية في ردّها على هذه الأنباء، وأضافت في بيان النفي أن "ذلك لم يحدث ولن يحدث في المستقبل، وموقفنا ثابت وواضح تجاه القضية الفلسطينية".

وفيما بدا أنه بمثابة تمهيد لعودة اليهود الليبيين مجدداً إلى المشهدين السياسي والإعلامي، استغلّ الدبيبة اجتماعاً في العاصمة طرابلس، بحضور بعض وزرائه، لإعلان إقامة ما وصفه بـ"نشاطات ثقافية وفنية تشمل الطوائف المتباينة دينيا". وفي هذا الاجتماع، لفت الدبيبة إلى أنه يعتزم جمع كلّ الليبيين المتباينين في الفكر والدين.

وبعد قدومه من الأردن إلى رام الله الفلسطينية، سجّل علي العابد، وزير العمل في حكومة الدبيبة، اسمه كأوّل وزير ليبي يمهّد لتطبيع العلاقات بـ"إسرائيل" عبر البوّابة الفلسطينية.

العابد حرص على التقاط صور في المسجد الأقصى في القدس مرتدياً الزيّ الليبي. وفي تلك المناسبة، قال إنه شارك، بدعوة من نظيره الفلسطيني الدكتور نصري أبو جيش، في اجتماع الشركاء لدعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية الفلسطينية للتشغيل.

وفي السياق، ثمة عملية تجري منذ مدة لجسّ النبض بين "تل أبيب" وطرابلس برعاية أميركية. وتأتي هذه العملية كأحد مطالب وليام بيرنز، رئيس الاستخبارات الأميركية، الذي زار العاصمة الليبية في كانون الثاني/يناير 2023.

تلك الزيارة النادرة والاستثنائية مثّلت محوراً لسلسلة اتصالات واجتماعات ليبية - أميركية لاحقة. وشملت تلك الاتصالات مسألة تطبيع العلاقات بين حكومة الوحدة الليبية الموقتة برئاسة الدبيبة و"إسرائيل"، بوساطة أميركية.

وكانت وكالة "نوفا" الإيطالية قالت إن الدبيبة يسعى لتطبيع العلاقات بـ"إسرائيل" في مقابل البقاء في السلطة.

ولفتت الوكالة إلى أن أحد المقرّبين إلى الدبيبة التقى مُمثّلين عن الموساد، وطلب دعم الولايات المتحدة لبقائه في السلطة، وأن الأخير طلب تأجيل الانتخابات الرئاسية بحجّة عدم توافر الظروف الملائمة لإجرائها، في مقابل تطبيع العلاقات بـ"تل أبيب".

الليبيون يرفضون التطبيع مع "إسرائيل"

رفضاً لكل المحاولات التطبيعية من جانب الدبيبة وحفتر، وعلى الرغم من نفيها رسمياً من كليهما معاً، فإن "تحالف ليبيين ضد التطبيع" نظّم وقفة احتجاجية في العاصمة طرابلس، تحت شعار: من أجل المسجد الأقصى والقدس وفلسطين.. رفضاً للتطبيع مع الكيان الصهيوني.

وأكد بيان، باسم الوقفة، أن التطبيع مع الكيان الصهيوني يمس الثوابت الإسلامية والوطنية ووجدان كل ليبي، لافتاً إلى أن أي إجراءات أو تصرفات أو لقاءات أو تصريحات لأي كان، تبرّر أو تمرّر أو تقرّر أي شبهة لتبنّي التطبيع مع الكيان الغاصب، ستكون مرفوضة ومستنكَرة وغير معبّرة عن الشعب الليبي، وستواجَه بكلّ أدوات الرفض، قانونياً وسياسياً ومجتمعياً وشعبياً.

أبعاد خطيرة للتطبيع الإسرائيلي مع ليبيا

من خلال ما سبق، يتّضح أن المساعي الإسرائيلية للتطبيع مع ليبيا، والمستمرة منذ عقدين تقريباً، هي مساعٍ جادّة، لأن الكيان الإسرائيلي يدرك الأبعاد الاستراتيجية لأي علاقة قد تنشأ بينه وبين النظام في طرابلس، والمعترف به دولياً، أو حتى بينه وبين الجنرال خليفة حفتر والقوى الداعمة له.

فوفق الباحث في الشأن الإسرائيلي وتقاطعاته العربية والإسلامية، صالح النعامي، فإن "لإسرائيل هدفاً مهماً في ليبيا يتمثل بتشكيل حكومة تلغي اتفاق ترسيم الحدود المائية مع تركيا، لأنه يمنح الأتراك المساحة التي سيمر فيها الأنبوب الذي ينقل الغاز الصهيوني إلى أوروبا، الأمر الذي يجعل تصديره تحت رحمتهم".

بدوره، أوضح حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والبحوث بشأن العالم العربي ودول المتوسط في جنيف، أن دعم الكيان الصهيوني لحفتر يمثّل استثماراً سياسياً واستثماراً اقتصادياً لـ"تل أبيب"، التي تبحث عن بوّابة شرقية في المتوسط، وهي "تعلم جيّداً بأن أي تطبيع للعلاقات الدبلوماسية مع ليبيا سيكون اختراقاً تاريخياً لها وانتصاراً مهماً جداً يقرّبها إلى منطقة تُعَدّ حسّاسة، هي الجزائر، التي تُعَدّ أحد أهداف السياسة الإسرائيلية في المنطقة العربية بعد تطبيع العلاقات بالمغرب"، وفق قوله.

وشدّد عبيدي على أن استراتيجية "إسرائيل" بشأن التقارب مع حفتر، كزعيم مقبل محتمل لليبيا، هي "مقاربة لاحتواء دول المغرب العربي حتى تتمكن إسرائيل في النهاية من أن تصبح في كل مكان في المنطقة الغربية، وتأثيرها لا حدود له، بعد تمكّنها من تصدير الخلافات إلى المنطقة".

علاوة على ذلك، تسعى "إسرائيل" لمدّ أنابيب غاز تحت سطح البحر، كجزء من مشروع "إيست ميد" الهادف إلى نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا (عبر اليونان وإيطاليا في الأساس). ومن المُنتظَر أن يمر الخط عبر المنطقة البحرية بين تركيا وليبيا، والمُقرَّرة بموجب الاتفاقية الموقَّعة بين أنقرة والحكومة الليبية عام 2019، وهو ما يتطلَّب موافقة أنقرة، التي يصعب تصوُّر انتزاع "تل أبيب" موافقتها حالياً بسبب الخلاف السياسي المتفاقم بينهما من ناحية، وبسبب ما يُمثِّله المشروع الإسرائيلي من تقويض لطموحات تركيا بشأن التحوُّل إلى مركز طاقة إقليمي، كونه ينافسه في الأساس المشروع التركي المُسمّى "ممر الغاز الجنوبي" لنقل 31 مليار متر مكعب من غاز أذربيجان إلى أوروبا، من ناحية أخرى.

وبالإضافة إلى الدور الحاسم الذي باتت تؤديه ليبيا في ملفات الطاقة في شرقي المتوسط، يبرز دور البلاد المحتمل بصفتها مصدراً لتمرير الأسلحة عبر مصر (أو تركيا)، وهو ما جعل طرابلس نقطة مهمة في خريطة المصالح الإسرائيلية، ولا سيما بعد أن نقلت الصحف الإسرائيلية مزاعم مفادها أن كميّات من تلك الأسلحة وجدت طريقها إلى حركات المقاومة ضد الاحتلال.

خلاصة 

على الرغم من عدم تمكّن الكيان الإسرائيلي من فرض ما يسمّى التطبيع على ليبيا ما بعد القذافي، وعلى رغم كل المحاولات والمساعي المحمومة، والمستندة إلى الثقل الأميركي الهائل، على مستوى المنطقة، سياسياً ودبلوماسياً، فإن ذلك لا يقلّل خطورة تلك المحاولات الإسرائيلية التي ستستمر في المستقبل، لأنها جزء أو مكوّن أساسي في الاستراتيجية الصهيونية الكليّة، والتي تهدف إلى فرض وجود الكيان على دول المنطقة وشعوبها، من منطلق التفوّق والهيمنة والتسلّط وطمس الحقوق واغتصاب الأرض والمقدّسات.

وفيما يخص ليبيا تحديداً، فإن مصالح "إسرائيل" بشأن التطبيع معها واضحة ومعلنة، وهي تشمل الجوانب السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والأمنية، والتي تم عرض ملامحها آنفاً (تصدير الغاز ووقف تهريب السلاح). والأخطر هو الجانب المعنوي أو النفسي الذي يعني "إسرائيل" كثيراً، لجهة تمكّنها (المفترض) من كسر دائرة العداء المطلق لها على مستوى شعوب المنطقة، وفرض وجودها الاحتلالي، من دون أي مقابل.

وهنا يبرز سؤال كبير بشأن مصلحة أي من القوى السياسية الليبية، على اختلاف توجهاتها، في خطب ودّ الكيان الإسرائيلي، الذي لا يقدّم شيئاً بالمجّان، ولا يقيم اعتباراً إلاّ للدول القوية والمقتدرة، ولمصالحه الذاتية في الدرجة الأولى.

إن المساعي الليبية، والتي تقتصر على بعض القوى السياسية حتى الآن، من أجل نيل الدعم الأميركي أو الإسرائيلي، سياسياً وأمنياً، من أجل الاحتفاظ بالسلطة فحسب، هي مساعٍ مخزية وخاسرة في النهاية، لأنها لن تُفلح في إرغام الشعب الليبي على قبول تطبيع مصطنع ووهمي مع عدو اغتصب الأرض والمقدسات، وهو يشكّل نقيضاً لكلّ شعوب المنطقة، ولقِيم الخير والعدل والحريّة في العالم. 

إن ليبيا اليوم، على الرغم من معاناتها المستمرة من جراء أزمة داخلية خطيرة، لا تحتاج إلى تواصل أو إلى دعم من "إسرائيل" ومن الولايات المتحدة الأميركية، في أي شكل من الأشكال، وهي التي تعوم على بحر من النفط والغاز يكاد لا ينضب، بل هي تحتاج فقط إلى إدارة سياسية نزيهة وقوية. وفي أي حال، فإن تطبيع "إسرائيل" مع ليبيا سيظل حلماً بعيد المنال.