ارتفاع معدّلات التضخم في المغرب.. وقلق شعبي مع اقتراب رمضان
لا تقتصر الشكوى من الأداء الحكومي المغربي لمواجهة التضخم على السياسيين المحليين، بل يشاركهم فيها موظفو البنك الدولي.
أملاً في أن يُحدث الحراك الشعبي تغييراً في السياسات الاقتصادية، شارك المئات من المواطنين المغاربة في وقفات احتجاجية في الرباط وعدة مدن أخرى، نهاية شهر شباط/ فبراير الجاري، عبروا خلالها عن عجزهم عن ملاحقة الارتفاع المتزايد في أسعار المواد الأساسية، كما رفعوا لافتات تحذّر السلطات من احتقان الأوضاع الاجتماعية، وما يمكن أن يترتّب عليه من تدهور عام في أحوال البلاد. تأتي هذه الاحتجاجات، التي نظّمتها نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، امتداداً للمَسيرات التي شهدتها العاصمة نهاية العام الماضي، اعتراضاً على الأوضاع المعيشية الصعبة.
يشكو الناشطون المغاربة تباطؤَ الحكومة في الاستجابة للمطالب الشعبية، والتضييقَ الأمني الذي يحُول بينهم وبين توسيع مساحة الاحتجاجات بدعوى سريان حالة الطوارئ الصحية في البلاد، ويؤكدون أن الأحوال الاقتصادية لا تتبدّل، بل يتمادى التجار في الضغط على محدودي الدخل. ولا تزال الأحزاب السياسية والنقابات العمالية تشكو سوءَ إدارة الحكومة عدداً من الملفات، يتقدّمها الملف الاقتصادي.
في المقابل، تقول الحكومة المغربية إن الارتفاع، الذي طال أسعار معظم المواد الاستهلاكية، يعود إلى المضاربات في الأسعار، وبسبب موجة الجفاف الشديد، والتي ضربت البلاد خلال عام 2022، بالإضافة إلى الآثار السلبية التي ترتبت على الحرب الروسية الأوكرانية وتبعات انتشار وباء كوفيد 19، الأمر الذي أدى إلى عودة مستويات الفقر إلى ما كانت عليه قبل نحو عقد من الزمن.
بحسب البيانات الرسمية، التي أدلت بها المندوبية السامية للتخطيط في المغرب، منذ عدة أيام، فإن مؤشر أسعار المستهلكين في البلاد ارتفع 8.9% في كانون الثاني/يناير، مدفوعاً بصورة أساسية بارتفاع أسعار المواد الغذائية التي زادت بمقدار 16.8%، بينما ارتفعت أسعار السلع غير الغذائية بنسبة 3.9%. وبهذا تسجّل البلاد أعلى مستوى لمعدلات التضخم منذ أكثر من 3 عقود، بحيث صعد مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي 8.2% على أساس سنوي، و0.4% على أساس شهري.
أثّر التضخم بصورة خاصة في ذوي الرواتب المحدودة، بحيث يشهد المغرب فوارق حادة في الدخل. وارتفع معدله بمتوسط 5.8% بالنسبة إلى الأُسر الفقيرة في مقابل 4.8% للأكثر دخلاً، خلال الأشهر العشرة الأولى من العام الماضي، وفق تقرير حديث للبنك الدولي.
قصور في استراتيجيات مواجهة التضخم.. ومخططات حكومية مرتقبة
لا تقتصر الشكوى من الأداء الحكومي المغربي لمواجهة التضخم على السياسيين المحليين، بل يشاركهم فيها موظفو البنك الدولي، بحيث يرى جيسكو هنتشِل، المدير الإقليمي لمنطقة المغرب العربي ومالطا في البنك الدولي، "أن ثمة قصوراً ملحوظاً في التخفيف من أعباء التضخم، على الرغم من أنها ساعدت على الحد من زيادة معدلات الفقر، وأن الحكومة تسعى أساساً للمحافظة على استقرار الأسعار، ولا سيما أسعار الغاز والكهرباء والقمح والسكر، والتي تشكل ما يقرب من 22% من سلة استهلاك الأُسر المغربية".
أدّى الدعم، الذي لا تزال تقدّمه المملكة، دوراً في الحد من ارتفاع الأسعار أكثر مما هي عليه الآن، لكنّ خبراء البنك الدولي يدفعون الحكومة المغربية إلى إعادة النظر في سياسات الدعم المُقدَّمة، مبرّرين ذلك بأن ذوي الدخل المرتفع يستفيدون من المنتوجات المدعومة أكثر من الأُسر الفقيرة. وبالتالي، من المتوقع أن تتجه الحكومة إلى التخلي عن دعم أسعار المواد عبر صندوق المقاصة عام 2024، وتسعى لتوجيه دعم نقدي مباشِر إلى الأُسر محدودة الدخل، ومن المؤكد أن هذه الخطوة ستتسبب بمزيد من الارتفاع في معدلات التضخم العام الجاري.
ويتأثر أداء الاقتصاد في المغرب بدرجة كبيرة بالوضع في دول الاتحاد الأوروبي، نظراً إلى استحواذه على أكثر من نصف صادرات البلاد من السلع والخدمات. وتتوقع الحكومة، ضمن موازنة عام 2023، بلوغ نمو اقتصادي مقداره 4%، مراهنةً على أداء متوسط للقطاع الزراعي، الذي يساهم في 14% في الاقتصاد الوطني.
في المقابل، يتوقع صندوق النقد الدولي عدم تجاوز النمو 3% خلال العام الجاري، علماً بأنه لا توقعات بشأن تحقيق إنتاج زراعي كبير بسبب عدم انتظام سقوط الأمطار.
كما تراهن المملكة على رفع حصة الاستثمار الخاص من الثلث حالياً إلى الثلثين بحلول عام 2035، وخصصت الحكومة، في موازنة عام 2023، حصة للاستثمار العمومي تقدَّر بنحو 300 مليار درهم، كما اعتمد البرلمان مؤخراً قانون ميثاق جديداً للاستثمار يتيح حوافز مالية وضريبية للاستثمارات المنجزة من جانب القطاع الخاص.
ويستهدف المغرب جمع 150 مليار درهم (14 مليار دولار) عبر صندوق محمد السادس، بحيث يعقد الرهان على أوروبا والخليج لجذب الأموال. وتلقّى المغرب من البنك الدولي تمويلات بنحو 4.7 مليارات دولار، في الفترة الواقعة بين تموز/يوليو 2019 ونهاية حزيران/يونيو من العام الماضي.
هل تشهد الأسواق ارتفاعات جديدة مع دخول شهر رمضان؟
تشهد الأسواق العربية، بصورة عامة، ارتفاعاً في أسعار المواد الغذائية في الأيام الأخيرة من شهر شعبان، بسبب ارتفاع الطلب وزيادة معدلات الشراء مع دخول شهر رمضان الكريم، ثم تعود لاحقاً إلى الاستقرار والثبات، لكن المغاير هذا العام هو ارتفاع الأسعار على نحو مبالغ فيه، منذ بداية العام الميلادي، الأمر الذي يجعل المواطنين العرب، وخصوصاً في البلدان غير النفطية، عاجزين عن تحمّل أي زيادة جديدة في الأسعار. وبالتالي، يترقّب الجميع بحذر حركة الأسواق خلال الشهر المقبل.
بحسب ما تكشفه مواقع التواصل الاجتماعي، فإن المواطنين المغاربة يؤكدون أن ثمة تراجعاً في معدلات الشراء عن الأعوام السابقة، وأن الطبقة الوسطى، في مختلف شرائحها، صارت تشعر بصعوبة التجاوب مع الأسعار التي يعلنها التجار في مقابل بضائعهم. وبالتالي، فإن أسراً كثيرة صارت مجبرة على تغيير ممارساتها الشرائية، التي اعتادت عليها قبل الشهر الكريم.
وتسعى الحكومة المغربية لضبط الأسعار بقدر ما. ففي مواجهة أسعار اللحوم، التي قفزت إلى أكثر من 11 دولاراً للكيلوغرام الواحد، بعد أن كانت في حدود 8 دولارات، قامت الحكومة بتعليق استيفاء الرسوم الجمركية من أجل تسهيل الاستيراد، كما استجابت للمطالب المتعلقة بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة، على نحو يساعد على خفض تلك الأسعار مع حلول شهر رمضان.
في السياق نفسه، يتصاعد الجدل بشأن ظاهرة تعدد الوسطاء بين المنتج والمزارع من جهة، والمستهلك النهائي من جهة أخرى، ودور المحتكرين والمضاربين في دفع الأسعار إلى هذا الارتفاع الجنوني، بحيث يقول وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية للمستهلك، إن كثرة الوسطاء والمتدخّلين في العملية الاقتصادية الحالية تؤثّر سلباً. وعلى رغم جهود الحكومة، فإنه ليس هناك ما يشير إلى استقرار مرتقب في أسعار المواد الأساسية أو تدابير من المؤسسات المعنية لإعادة الأمور إلى نصابها وحماية القدرة الشرائية للمواطنين من لهيب الأسعار قبل حلول شهر رمضان، الذي يُعرف بزيادة إضافية في الأسعار موازاة مع زيادة الاستهلاك.
اللافت أيضاً أن حالة القلق المرصودة لدى المغاربة، مع اقتراب شهر رمضان، ليست مقتصرة على المستهلكين وحدهم، بل أصابت أيضاً المستثمرين الصغار من أصحاب المحالّ التجارية والمطاعم، والذين كانوا ينظرون إلى الشهر الكريم على أنه مناسبة سنوية مهمة تدرّ عليهم دخلاً أكبر بسبب ارتفاع معدلات الطلب والاستهلاك، لكن مع انخفاض الدَّخل وارتفاع الأسعار، فإن من المتوقع أن تشهد الأسواق حالة من حالات الركود ستؤثّر فيهم سلباً.