هل أدار ابن سلمان ظَهر المِجن لبايدن؟

أدركت السعودية أن الاعتماد المطلق على حماية الولايات المتحدة الأميركية الأحادية لم يعد خياراً مناسباً.

  • هل أدار ابن سلمان ظَهر المِجن لبايدن؟
    هل أدار ابن سلمان ظَهر المِجن لبايدن؟

مقدّمة 

صدقت هواجس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان من وصول جو بايدن إلى سدّة الحكم في الولايات المتحدة، بعد سنوات قلائل من علاقة "مميّزة" جمعته بسلف بايدن، دونالد ترامب، الذي تمكّن من انتزاع مئات المليارات من الدولارات، من الأمير الشاب، في إطار صفقات أسلحة واستثمارات ضخمة، لم يستطع أي رئيس أميركي قبله إنجازها.

أما بواعث القلق الرئيسة لدى ابن سلمان من عهد إدارة بايدن، فتعود إلى تهديدات الأخير قبل فوزه بالانتخابات على "الصديق الحميم" لابن سلمان، وبعدها، بأنه قد يعيد النظر بعلاقات بلاده مع السعودية، ومع ولي العهد تحديداً، على خلفية عملية اغتيال الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي، وانتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.

لكن هذه الدوافع (المعلنة وليست الواقعية)، والتي فرضت مناخاً سلبياً بالفعل، لم تؤدّ إلى تدهور حقيقي في العلاقة بين ابن سلمان وبايدن، والذي زار السعودية في العام الماضي، مؤكداً العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مع لحظ استمرار حالة الجفاء بينه وبين ولي العهد السعودي، والذي بدا وكأنه يخطّط لمرحلة جديدة في العلاقة مع الإدارة الأميركية، بغضّ النظر عن هوية رئيسها، لكن من دون أن يدير ظهر المِجن لبايدن، ويتخلى عن تلك العلاقة "الاستراتيجية" تماماً.

وفي السياق، يبدو أن محمد بن سلمان قد استرجع بقلق مرحلة متأزّمة في علاقات بلاده بالولايات المتحدة في عهد باراك أوباما، والتي امتدّت طيلة 8 سنوات (2009-2017)، على خلفية تأييد أوباما لثورات "الربيع العربي"، ودعواته إلى تهدئة الأوضاع بين السعودية وإيران، وإثارته لمسألة حقوق الإنسان والمرأة في المملكة، وذلك على الرغم من محاولات إخفاء أو تقليص التأثيرات السلبية لتلك المرحلة أمام الرأي العام، ولدوافع سياسية تتعلّق بمصالح وحسابات الطرفين الخاصة.

سياسة بايدن "السعودية": النفط والسلاح أوّلاً!

هناك عدة محدّدات تتحكّم بعلاقة الإدارة الأميركية بالنظام السعودي في المرحلة الراهنة، وأهمها: أسعار النفط، وأمن المنطقة الذي "تضمنه" الإدارة الأميركية منذ عقود، وصفقات السلاح الضخمة بين البلدين، والاستثمارات المتبادلة، وصولاً إلى العلاقات الخليجية مع الكيان الإسرائيلي والدور الإيراني في الإقليم.

لكن عدة متغيّرات أو تحوّلات إقليمية ودولية كبيرة حصلت خلال الأعوام أو الأشهر الأخيرة، هزّت تلك العلاقة "الاستراتيجية" بين الولايات المتحدة والسعودية بقوّة، لكن من دون أن تهدّدها بشكل مباشر، وهي:

- أسعار النفط 

في مجال أسعار النفط وكميّات إنتاجه، يقول الكاتب في صحيفة "الإندبندنت" الإلكترونية، ريتشارد هال، في مقال نشره في تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، إن رئاسة جو بايدن كانت ولا تزال اختبار ضغط للعلاقة الأميركية-السعودية. فمنذ الحملة الانتخابية، تعهّد بايدن بجعل المملكة "منبوذة" بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، وأنها ستدفع ثمن مقتل خاشقجي؛ لكن قلّة كان بإمكانهم توقّع مدى تدهور هذه الشراكة، التي حدّدتها، ولسنوات، مبيعات الأسلحة الأميركية الضخمة إلى الرياض مقابل التعاون في مجال الأمن والطاقة.

وفي إشارة إلى خروج محتمل عن تلك العلاقة الاستراتيجية التي دامت عقوداً، بحسب هال، قال بايدن إن خفض السعودية لإنتاج النفط، إلى جانب دول أخرى في أوبك بلس(روسيا)، ستكون له "عواقب" بالنسبة للسعودية. إذ إنّ مثل هذه الخطوة من المرجّح أن تؤدّي إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار الطاقة حول العالم.

ويضيف الكاتب، إنه على الرغم ممّا قالته السعودية بأنّ الخفض يهدف إلى "الحفاظ على سوق نفط مستدام"، إلّا أن البيت الأبيض يتّهم الرياض بالانحياز إلى جانب روسيا في حربها ضد أوكرانيا، ويحذّر من أن الولايات المتحدة تتطلّع إلى "إعادة تقييم" علاقتها مع المملكة نتيجة لذلك.

وهذه المسألة أي ارتفاع أسعار النفط كانت الدافع الأول للزيارة الرسمية التي قام بها بايدن إلى السعودية في منتصف شهر تموز/يوليو من العام 2022، والتي لم تُثمر تجاوباً سعودياً كاملاً كما كان يأمل بايدن، من أجل كبح الأزمة الاقتصادية المتفاقمة في بلاده، على خلفية العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، وتأثّر عمليات إنتاج وتوريد النفط والغاز إلى الغرب بسببها.

ولاحقاً، اتضح أن ولي العهد السعودي لم يستجب لطلب بايدن بزيادة إنتاج النفط من أجل خفض أسعاره، بعدما قرّرت منظمة أوبك بلس، وبعد أسابيع قليلة فقط من زيارة بايدن للسعودية، خفض إنتاج الدول المنضوية في المنظمة بمقدار مليوني برميل يومياً.

وقد أثار هذا القرار حالة من التصعيد السياسي بين الولايات المتحدة، التي سعت لزيادة الإنتاج، ودول "أوبك"، وعلى رأسها السعودية؛ حيث رأت الإدارة الأميركية أن القرار يأتي منسجماً مع الموقف الروسي، ويهدّد العلاقات السعودية – الأميركية. 

وقال بايدن: "إن الوقت قد حان للولايات المتحدة لإعادة التفكير في علاقتها مع السعودية"، في حين صرّحت السكرتيرة الصحافية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، بإمكانية صدور قرار بشأن العلاقة بين واشنطن والرياض، وهو ما أسماه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان "عاصفة سياسية مستغربة". فيما برّر مسؤولون سعوديون قرار خفض الإنتاج النفطي بدوافع اقتصادية بحتة، من خلال منع تدهور الأسعار، وبهدف حماية مصالح المملكة فقط.

- صفقات السلاح

قدّر محلّلون ودبلوماسيون بريطانيون أنه بينما يوازن جو بايدن ردّه على قرار السعودية خفض إنتاج النفط، يواجه الرئيس الأميركي دعوات متزايدة من الديمقراطيين لفعل الشيء الوحيد الذي يعتقدون أنه سيضرّ الرياض أكثر من غيره، وهو تجميد مبيعات الأسلحة وكبح التعاون الأمني مع المملكة.

ويضيف هؤلاء في تقرير صحافي نُشر في تشرين الأول/أكتوبر 2022، أنه إذا قرّر بايدن السير في هذا الطريق، فسيكون أمامه مجال محدود للمناورة؛ وذلك يرجع جزئياً إلى أن إدارته فرضت تجميداً لمبيعات الأسلحة "الهجومية" للسعودية إثر مخاوف بايدن بشأن سلوك الرياض في حربها في اليمن. وعلى الرغم من ذلك، استمرّت مبيعات الأسلحة الدفاعية.

ويكشف التقرير أن السعودية التي تنظر إلى الولايات المتحدة على مدى عقود على أنها الضامن الأمني لها، واحدة من أكبر مشتري الأسلحة الأميركية. وبلغ الإنفاق العسكري السعودي 55.6 مليار دولار في عام 2021. وشكّلت السعودية ما يقرب من ربع المبيعات الأميركية خلال 2017-2021، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.

- قضية اغتيال خاشقجي 

فيما يخص قضية اغتيال خاشقجي، أفاد وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في تصريح له في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الفائت، أن علاقة بلاده مع السعودية ما زالت "قيد المراجعة". يأتي ذلك رغم إقرار إدارة بادين بوجود حصانة قضائية لوليّ العهد التي يتمتع بها منذ تولّيه رئاسة الحكومة بالمملكة، ما يحميه من الملاحقة بالولايات المتحدة في قضية مقتل خاشقجي.

وأكد بلينكن أيضاً عدم نيّة واشنطن دعوة ابن سلمان لزيارتها؛ فيما أكد المسؤول السابق في الخارجية الأميركية، نبيل خوري، وجود تردّد من قِبل إدارة بايدن بشأن مستقبل العلاقات مع الرياض.

- الموقف الأميركي من الاتفاق السعودي -الإيراني 

خلال العام الحالي، وفي تجاوز واضح للالتزامات الأميركية السابقة الذكر، شهدت العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة تحسّناً، على الرغم من توقيع الاتفاق التاريخي الأخير بين الرياض وطهران حول استئناف العلاقات بينهما.

وقال اثنان من كبار المسؤولين الأميركيين لموقع "أكسيوس" الأميركي إن "البيت الأبيض لا يعتقد أن هذه الصفقة ستعيق جهود إدارة بايدن للضغط من أجل التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"؛ وكذلك لن تتراجع دول اتفاقية أبراهام، مثل الإمارات والبحرين، عن توطيد علاقاتها بـ "إسرائيل".

ونقل الموقع عن المسؤولين الأميركيين، قولهما إن "السعوديين وافقوا على احتمال إعادة فتح سفارة في طهران في غضون شهرين. وهذه لا تُعتبر معاهدة سلام بقدر ما هي عودة إلى الوضع السابق قبل عام 2016".

وأكّدا أن "إدارة بايدن لا ترى مشكلة مع محاولة الصينيين تهدئة التوترات بين السعودية وإيران طالما أنها لا تتعلق بالتعاون العسكري أو التكنولوجي"، وكشفا أن "السعوديين سعوا إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إيران منذ تولّي إدارة بايدن منصبه، في إطار رغبتهم إنهاء الحرب في اليمن ووقف هجمات الحوثيين ضد المملكة".

وزعم المسؤولان أنه "توجد شكوك من البيت الأبيض والرياض بشأن استمرار إيران في الاتفاقية. لكن هذا لا يمنع المحاولات الدبلوماسية لإنهاء التصعيد".

- حقوق الإنسان في المملكة 

ضمن النهج الأميركي المزدوج أو "المنافق" الذي ظهر في الملفات المذكورة آنفاً، تمكّنت إدارة بايدن من "التملّص الهادئ" من التزامها العلني بالدفاع عن حقوق الإنسان في السعودية، من أجل حفظ مصالحها السياسية والاقتصادية والتجارية مع المملكة، تماماً كما فعلت إدارة دونالد ترامب، والتي "تميّزت" بفجاجتها فقط عن غيرها من الإدارات الأميركية.

فبحسب الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان، تقدّمت عدة منظمات أميركية مدافعة عن حقوق الإنسان، في نيسان/أبريل من العام الحالي، بطلب تسريع بتّ مشروع قرار مطروح أمام الكونغرس حول حقوق الإنسان في السعودية. 

وأضافت: "لقد وعدت إدارة بايدن مراراً وتكراراً بإعادة تقييم العلاقة الأميركية -السعودية؛ سواء خلال الحملة الدعائية الرئاسية، أو فور تولّي بايدن المنصب، أو مؤخّراً في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، بعد قرار أوبك + بقيادة السعودية وروسيا، بخفض إنتاج النفط؛ وبالتالي المساعدة في تمويل الحملة الروسية في أوكرانيا؛ وحتى الآن لم تتم إعادة التقييم، ممّا أجبر الكونغرس على طرح الأمر في نقاش عاجل".

وفي حالة صدور القرار المقترح، فمن شأنه أن يعيد تأكيد الدور الرقابي الحاسم للكونغرس الأميركي، ويطالب السلطة التنفيذية بتوثيق سلسلة انتهاكات حقوق الإنسان، وأن يطلب تفسيراً لاستمرار تقديم المساعدات الأمنية للسعودية رغم هذه الانتهاكات، على نحوٍ يفرض نقاشاً عاماً حول العلاقة الأميركية – السعودية.

سياسة ابن سلمان "الأميركية": رؤية 2030 أوّلاً!

شهدت العلاقة "التاريخية والمميّزة" بين السعودية والولايات المتحدة عدة أزمات أو خضّات خلال عهود الإدارات الأميركية المتعاقبة، لأسباب ودوافع مختلفة، لكنها لم تكن جوهرية أو مفصلية بالنسبة للطرفين، اللذين يقدّمان الاعتبارات أو المصالح المادية، السياسية والأمنية والاقتصادية والتجارية، على أي اعتبار آخر!

ومن وجهة نظر ولي العهد السعودي تحديداً، فإن مصالح السعودية يجب ألّا تبقى مرتبطة بالمداخيل النفطية وبالعلاقة الاستراتيجية الأحادية مع الولايات المتحدة فحسب؛ بل يجب أن تنتقل إلى مستويات متقدّمة في الخطط والرؤى المستقبلية، والتي تجمع بين تبنّي نهج الحداثة والانفتاح الشامل في الداخل، ونبذ كل أشكال التشدّد والتطرّف الديني، وإنهاء أو تصفير الأزمات مع بعض دول الإقليم المهمة، وبين تنويع علاقات السعودية في دول الإقليم والعالم كافة!

وعليه، يمكن تفسير خلفيات السياسة الجديدة لولي العهد السعودي في المنطقة، وخاصة علاقته بالإدارة الأميركية، من خلال العوامل الآتية:

1-تميل السعودية إلى التركيز على تحقيق رؤية 2030 الاقتصادية التي يحلم بها ولي العهد. ويحتاج الاقتصاد واستقطاب الاستثمارات الخارجية إلى الاستقرار، في حين أن استمرار أجواء المواجهة في المنطقة لا يساعد في إنجاز الرؤية.

2-جاءت حصيلة حرب السعودية في اليمن متواضعة، وربما مخيّبة للأمل، بعد 8 سنوات من اندلاعها. وزاد من وطأة ذلك تمزّقُ صفوف حلفائها من اليمنيين، وتباعد موقفها عن دولة الإمارات الداعمة لانفصال الجنوب. 

3-تشعر السعودية بالاستياء الشديد لعدم منحها ما تعتبره ضمانات أمنية أميركية تُلزم الولايات المتحدة بالتحرّك دفاعاً عن السعودية في حال واجهت أي تحدٍّ أمني. وشكّل الهجوم على منشآت بقيق النفطية السعودية في أيلول/سبتمبر 2019، وعدم فعل الولايات المتحدة أي شيء إزاءها بدايةَ إحساس لدى السعودية بصعوبة الرهان المطلق على القوّة الأميركية، ولا سيما في ضوء تحوّل الثقل الأساسي في الاستراتيجية الأميركية نحو شرق آسيا.

4-أسهم تعزيز الروابط الاقتصادية والنفطية وغيرها بين السعودية وكلٍ من روسيا والصين في إحداث تباعد بين السعودية والولايات المتحدة، في ضوء محاولة واشنطن فرض حدود على هذه الروابط. وانعكس ذلك إيجاباً على العلاقات بين الرياض وطهران، خاصة في ظل التقارب بين الصين وكلٍ من البلدين المسلمين والجارين.

لكن، وفيما يتعلق بالموضوع الاقتصادي تحديداً، يقول خبراء إن العلاقات الاقتصادية بين السعودية والولايات المتحدة هي أكثر تعقيداً ممّا يُصوّر عادة. فعلى الرغم من هيمنة قضايا الطاقة والأمن على النقاش حول مسألة التحالف الأميركي-السعودي، فإن تدفّقات التجارة والاستثمار بين البلدين نمت بشكل مطّرد من حيث الحجم والتنوّع في السنوات الأخيرة.

ومن المرجّح أن تنمو هذه العلاقات أكثر في السنوات المقبلة، نظراً للمشاركة الواسعة للشركات الأميركية في قطاعي الترفيه والرياضة الناشئين في المملكة؛ فضلاً عن بناء مشاريعهما الضخمة. كما ازداد حجم مشاركة السعودية في الولايات المتحدة، إذ استثمرت ثروتها في شراء الديون الأميركية، وتمويل مجموعة واسعة من الشركات الأميركية.

في السياق، وحول الموقف الأميركي "الانتهازي" من رؤية 2030 التي أطلقها ابن سلمان قبل سنوات في نيسان/أبريل 2016، كانت سفارة الولايات المتحدة في السعودية قد أصدرت بياناً صحافياً، في أيار/مايو من العام الماضي، بمناسبة مرور 80 عاماً على تأسيس أول وجود دبلوماسي أميركي في المملكة؛ وممّا جاء فيه:

بينما تسعى المملكة إلى تحقيق الأهداف الطموحة لرؤية 2030، تدعم الولايات المتحدة جهود المملكة بروح الشراكة نفسها التي هي إحدى الركائز الأساسية للعلاقات الأميركية-السعودية. واليوم، يعمل الأميركيون والسعوديون معاً في كل المجالات والقطاعات، كما إنهم يتعلّمون معاً، ويقومون بإجراء البحوث معاً.

تُترجم هذه المشاركات إلى 54 مليار دولار سنوياً، وهي قيمة حجم التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة والمملكة. كما أن الشركات الأميركية تعدّ جزءاً لا يتجزأ من التحوّل الاقتصادي لتحقيق رؤية السعودية 2030.

خاتمة 

باتت معالم استراتيجية الحاكم الفعلي للسعودية، ولي العهد محمد بن سلمان، حيال الداخل السعودي والخارج الإقليمي والدولي، واضحة، وتحديداً لجهة تركيزه على تنويع مصادر الاقتصاد السعودي، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي، من ضمن رؤية شاملة، سمّاها رؤية 2030، وعمادها بناء مدينة نيوم، أو مدينة الأحلام، في منطقة صحراوية تبلغ مساحتها 26.500 كلم2.

وربطاً بعنوان البحث، فإن تحقيق أهداف ابن سلمان الطموحة، يستلزم سلاماً واستقراراً ثابتاً، داخل المملكة وفي محيطها الإقليمي، وتوجيهاً للموارد المادية والبشرية الهائلة كافة التي تتوافر في المملكة، ومنها واردات شركة أرامكو النفطية الضخمة، من أجل تنفيذ عشرات المشاريع الطموحة والتي ستضع السعودية في مصاف الدول العصرية والمتقدمة في غضون سنوات فقط، كما يعتقد ابن سلمان ومستشاروه.

من هنا يمكن فهم السياسات أو التحوّلات الأخيرة التي أطلقها ابن سلمان بتوقيعه الاتفاق "التاريخي" لإعادة العلاقات الكاملة مع إيران، الخصم اللدود منذ أكثر من 4 عقود، والتمهيد لاستئناف العلاقات مع سوريا، مع الاستعداد لإنهاء ملف الحرب اليمنية بأقل الأضرار السياسية الممكنة.

لقد أدركت السعودية أن الاعتماد المطلق على حماية الولايات المتحدة الأميركية الأحادية لم يعد خياراً مناسباً، بعد فشل القوات الأميركية المنتشرة في الداخل السعودي وفي دول أخرى في المنطقة، في صدّ الهجمات اليمنية على أهم المرافق والمنشآت في المملكة، أو في مواجهة "الخطر الإيراني" وحزب الله في لبنان؛ إضافة إلى الفشل الأميركي والسعودي في إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد. 

وذلك بموازاة الضغوط الأميركية على السعوديين-والتي تواصلت في عهد بايدن-من أجل ابتزاز المزيد من أموالهم، تحت عناوين مثيرة للرأي العام، مثل قضية تورّط مسؤولين سعوديين بتفجيرات 11 أيلول/ سبتمبر، واغتيال جمال خاشقجي، والانتهاكات السعودية المستمرة لحقوق الإنسان والمرأة في السعودية.

واستطراداً، فإن تنويع التحالفات السعودية، السياسية والأمنية والاقتصادية، هو الخيار الأمثل الذي يبدو أن ولي العهد السعودي قد تبنّاه أخيراً، وخاصة مع دول قوية ومقتدرة، مثل إيران وروسيا والصين، وتركيا ومصر وسوريا، وغيرها من الدول، من أجل خلق بيئة مستقرة في المنطقة، وإخماد النزاعات والفتن المتنقّلة فيها، والتي باتت تشكّل تهديداً حقيقياً للنظام السعودي وغيره من الأنظمة الإقليمية.

لكن ذلك لا يعني أن ابن سلمان قد أدار ظهر المِجن لحليفته الاستراتيجية، الولايات المتحدة الأميركية، وهو الحلف المربح له في جوانب عديدة وحيوية، وإنما يعني حصراً أن ولي العهد السعودي قرّر استنساخ التجربة التركية في "تصفير" الأزمات مع دول الإقليم بالخصوص-بغضّ النظر عن نسب نجاحها أو فشلها-وتنويع تحالفاته -مع عدم استفزاز الإدارة الأميركية بها – ومن دون الاستناد إلى حليف واحد فقط، مهما بلغت قدراته وإمكانياته.