مسار التطبيع الأردني-الإسرائيلي.. هل بات في طور الاحتضار؟

هل يمكن لحادثة اعتقال "إسرائيل" لنائب أردني أن تهدّد واقع "السلام" الهش أو البارد بين الأردن وكيان الاحتلال، أم أن مصالح النظام الأردني واعتباراته ستفرض عليه الاستمرار في التزاماته؟

  • مسار التطبيع الأردني-الإسرائيلي.. هل بات في طور الاحتضار؟
    مسار التطبيع الأردني-الإسرائيلي.. هل بات في طور الاحتضار؟

توطئة 

كشفت حادثة اعتقال الشرطة الإسرائيلية لنائب أردني على الحدود بين الأردن والضفة الغربية المحتلة، بتاريخ 23/4/2023، بتهمة تهريب أسلحة وكميات من الذهب إلى فصائل المقاومة في الضفة، عن هشاشة مسار "السلام والتطبيع" الذي انتهجه الأردن مع الكيان الإسرائيلي منذ نحو 3 عقود، والذي يستمر في تطبيق مستلزماته حتى اليوم، برغم الانتهاكات الإسرائيلية الفاضحة لاتفاقية وادي عربة (1994) وما تلاها من اتفاقيات اقتصادية، والفوائد المحدودة التي جناها الأردن منها.

فهل يمكن للحادثة المذكورة أن تهدّد واقع "السلام" الهش أو البارد بين الأردن وكيان الاحتلال، أم أن مصالح النظام الأردني واعتباراته، السياسية والأمنية، ستفرض عليه الاستمرار في التزاماته حيال "إسرائيل"، وربما إعادة إنعاش مسار "السلام" والتطبيع معها، والذي بدا بالنسبة إلى الكثيرين وكأنه في حالة احتضار، أو ربما موت سريري، خلال الأعوام الأخيرة على وجه الخصوص. 

بعد 3 عقود.. الأردنيون يؤكدون رفض التطبيع

لم تتمكن "إسرائيل" طوال عقود ثلاثة مضت من التسلل إلى عقول الأردنيين وقلوبهم في صورة "الدولة المسالمة"، التي لا تضمر شراً لهم أو لشعوب المنطقة. فهي ظلّت -وستبقى-كياناً غير شرعي ومعادياً لشعوب الأمّة، مهما بدّلت جلدها، وأساليبها، خاصة مع فشلها في إنجاز "السلام" مع الشعب الفلسطيني، والانسحاب من الأراضي المحتلة في العام 1967، وفي ظل الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة ضد القدس والمسجد الأقصى المبارك، والذي تقع مسؤولية إدارته وحمايته، من الناحيتين القانونية والسياسية، على عاتق النظام الأردني ومن يمثّله.

لقد كانت حصيلة التطبيع بين النظام الأردني و"إسرائيل" طوال تلك العقود قريبة من الصفر على المستوى الشعبي، وغير مجدية إلى حد كبير على مستوى النظام، من النواحي السياسية والاقتصادية والاستثمارية، والتي كان النظام الأردني يعوّل عليها كثيراً، منذ توقيعه على اتفاقية "وادي عربة" وحتى اليوم.

فقد أكدت نتائج استطلاع للرأي حول "السياسة الخارجية الأردنية والعلاقات الدولية" أن الغالبية العظمى من الأردنيين، وبنسبة 77%، يعدّون القضية الفلسطينية أهم مشكلة سياسية تواجه الشرق الأوسط وتحتاج إلى حل، بينما عارض 81% تطبيع العلاقة بين الدول العربية و"إسرائيل".

كما أظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، أن 25% من الأردنيين يهتمون بقضايا الشرق الأوسط، وثلث المهتمين يتابعون أخبارها المتعلقة بالأردن. وأكدوا أن "إسرائيل" هي الدولة الأكثر تهديداً للأمن الوطني الأردني، إذ يعتقد 32% من الأردنيين بذلك.

وحول العلاقات الأردنية -الإسرائيلية، أظهرت النتائج أن 48% من الأردنيين يصفون العلاقات الأردنية -الإسرائيلية في الآونة الأخيرة بـ"الجيّدة"، بينما عارض 81% من الأردنيين تطبيع العلاقة بين الدول العربية و"إسرائيل".

لكن نتائج هذا الاستطلاع لقيت انتقاداً لـ "عدم وجود معلومات تفصيلية حول التطبيع". وقال القيادي في "الحركة الإسلامية" في الأردن، حمزة منصور، إن "التطبيع مع الاحتلال الصهيوني في معظمه تطبيع رسمي، والشعب الأردني يرفضه ويحذّر منه ويتصدّى له".

وطالب منصور، الحكومة الأردنية، بوقف كل أشكال التطبيع مع العدو الصهيوني، "لأن هذا هو الموقف الشعبي السائد في البلاد، وليس العكس".

فيما رأى تجمّع "اتحرّك" لدعم المقاومة ومناهضة التعذيب أن "انخفاض النسب التي عبّرت عن الحالة العدائية النسبية للكيان الصهيوني، بعيدة كل البعد عن الواقع، ولا تمتّ له بأي صلة؛ وهذا مثير للشك".

وفي السياق، أكدت نخبٌ أكاديمية وسياسية ونقابية أنّ الشارع الأردني يرفض التطبيع مع العدوّ الصهيوني، ويرفض كل أشكال العلاقات الرسمية التطبيعية مهما كان شكلها ومستواها، معبّرين عن أسفهم لتحوّل بعض مراكز الدراسات إلى "أبواق حكومية" تسعى لتسويق ما يريده الرسميون الأردنيون.

وشدّدوا على أنّ الشارع الأردني والعربي والإسلامي متمسك بكامل الحقوق العربية الفلسطينية، ومستمر في رفض مشاريع السلام والتطبيع التي ثبت فشلها خلال العقود الماضية، مشكّكين في الوقت ذاته في مصداقية بعض استطلاعات الرأي التي تسعى لإظهار تغيّر مزاج الشارع الأردني تجاه التطبيع والعلاقات مع العدوّ الصهيوني.

فشل التطبيع الأردني مع "إسرائيل"

لم يتمكن النظام الأردني من تحقيق جلّ أهدافه التي توقّعها أو سعى لإنجازها من خلال إبرامه اتفاقية "وادي عربة" بتاريخ 26/10/1994، سواء على مستوى ترسيخ حالة من "السلام والتطبيع" الشعبي الكامل مع الكيان الإسرائيلي، وإنهاء مشروع الوطن البديل، أو على مستوى تلقّيه مساعدات ومنحاً وقروضاً ضخمة من الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها في الخليج الفارسي، بالإضافة إلى المشاريع الاستثمارية الكبرى التي كان النظام في الأردن يتلهّف للبدء بها، مع "إسرائيل" ودول المنطقة، والتي كانت ستؤمّن له احتياجاته من موارد الطاقة، وتُنعش الاقتصاد الأردني وتدفعه خطوات إلى الأمام.

لكن حسابات الحقل لم تطابق حسابات البيدر. ويكفي تقويم إجمالي للفوائد والعواقب، السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها، كما يقرّ بعض قادة النظام الأردني أنفسهم، لتلمّس هذه الحقيقة المرّة، والتي تجرّعها الأردنيون منذ لحظة توقيع اتفاقية "وادي عربة" المشؤومة، ولا يزالون.

أوّلاً: على المستوى السياسي

لقد شكّل الفشل الفلسطيني (والعربي)-الإسرائيلي في حلّ القضية الجوهرية في الصراع، أي القضية الفلسطينية، من خلال عملية التسوية، أكبر انتكاسة للطموحات الأردنية حول إنهاء مشروع الوطن البديل للفلسطينيين، أي الأردن، والذي لا يزال البعض في "إسرائيل" يسعى لتحقيقه، برغم تغيّر الظروف الداخلية والإقليمية والدولية جذرياً منذ طرح هذا المشروع قبل عقود من الزمن؛ وتحديداً على لسان وزير "الأمن" الإسرائيلي أرييل شارون، بُعيد إخراجه بالقوّة لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، في العام 1982.

وما أعلنه وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، بتسلئيل سموتريتش، قبل أسابيع، حول الأردن كوطن بديل أو "طبيعي" للفلسطينيين، مع عرضه لخريطة تضم الأردن والضفة الغربية، وأنه ليس هناك من وجود للشعب الفلسطيني، يؤكد استمرار النيّات الإسرائيلية في هذا الشأن، مع تحيّن الظروف المناسبة، على الرغم من الرفض الإسرائيلي "الرسمي" لهذا التصريح، والغضب الأردني والعربي والغربي العارم منه.

وبالموازاة، أخفق النظام الأردني في فرض حالة شعبية واسعة مؤيّدة للتطبيع ومنخرطة في تبعاته، سواء على مستوى الرأي العام، أو على مستوى الهيئات والتجمعات السياسية والدينية والاجتماعية، وصولاً إلى أغلب المؤسسات والشركات الاقتصادية والاستثمارية.

وقد اقتصر مسار التطبيع بين الأردن والكيان الإسرائيلي على الوسط الرسمي، والوسط المؤسساتي التابع له، في إطار تنفيذ بعض الاتفاقيات في مجالات الطاقة الكهربائية والغاز والمياه، والتي رجحت مصلحة "إسرائيل" فيها بالطبع.

تجدر الإشارة هنا إلى أن غالبية يعتدّ بها في مجلس النواب الأردني معادية لـ "إسرائيل"، مع العلم أن نصف الأردنيين تقريباً من أصل فلسطيني؛ ناهيك بالعداء التاريخي الذي تكنّه العشائر الأردنية للكيان الإسرائيلي.

وفي هذا الصدد، يؤكد نائب رئيس الوزراء الأردني السابق، محمد الحلايقة، أن عمّان، بعد 26 عاماً على "السلام"، لم تجد من الاحتلال أي وفاء بتعهداته التي نصّت عليها المعاهدة بملفات أساسية، مثل المياه أو الأمن والانتهاكات المتواصلة للوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات، وغيرها من ملفات المعاهدة.

وبرأيه، فإن "الهرولة الخليجية والعربية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل تسهم في دفن حلّ الدولتين، وتقوّض إقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة والقابلة للحياة، والتي ينادي بها الأردن والعقلاء في العالم لحلّ القضية الفلسطينية".

وكان الملك عبد الله الثاني وصف العلاقات مع "تل أبيب"، غداة استعادة أراضي الباقورة والغمر من "إسرائيل" في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، بأنها تمر بأسوأ ظروفها نتيجة استمرار الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة لبنود اتفاقية السلام.

على المستوى السياسي أيضاً، يجدر التذكير بما ارتكبته "إسرائيل" من خروقات لمعاهدة "السلام" مع النظام الأردني، بُعيد التوقيع عليها، حين أضاف الكنيست الإسرائيلي بنداً إلى المعاهدة، عدّه الأردن نقضاً للمادة 11 منها، والتي تنص على "إلغاء كافة الإشارات المضادة والتمييزية والتعبيرات العدائية في تشريعاتهما"، والتي كان يُفترض أن تحمي اللاجئين الأردنيين ممّن يحملون الجنسية الفلسطينية من قانون "أملاك الغائبين" الإسرائيلي، الذي ينص على السيطرة على أملاك الفلسطينيين الذين هجّروا من بلادهم بعد النكبة.

كذلك، لم يكن قد مضى عامان على توقيع المعاهدة حتى دخل عميلان للموساد الإسرائيلي بجوازات سفر كندية، في أيلول/سبتمبر 1997، ووضعا السم لرئيس المكتب السياسي في حركة "حماس"، خالد مشعل.

وقد استمرت الخروقات الإسرائيلية للمعاهدة، خصوصاً البند الذي ينص على أن "تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية في القدس"، إذ تستمر "إسرائيل" في إجراءات تهجير السكان العرب من القدس عبر مواصلة البناء الاستيطاني وتغيير معالم المدينة.

ثانياً: على المستوى الاقتصادي

لم يكن واقع التطبيع الاقتصادي بين الأردن و"إسرائيل" أفضل حالاً من واقع التطبيع السياسي، إذ فشلت بنسبة كبيرة الإجراءات والمساعدات الأميركية والخليجية خلال العقود الأخيرة في تفعيل هذا المسار، والذي بقي في حدوده الدنيا نسبة لما نصّت عليه الاتفاقيات الاقتصادية التي تلت اتفاقية وادي عربة، من مشاريع لم ينفّذ منها سوى القليل.

وبالتالي، خسر النظام الأردني رهانه على تطبيع اقتصادي "مدروس" مع "إسرائيل"، يؤدّي إلى حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، أو التخفيف من تداعياتها، وإلى تدفق المساعدات والاستثمارات الغربية، وبما يدفع قطاعات واسعة من الشعب الأردني إلى تأييد سياسات النظام حيال "إسرائيل" والولايات المتحدة.

وفي السياق، فقد حاولت الأخيرة تفعيلَ التطبيع الاقتصاديّ بين الأردن والكيان الإسرائيلي عبر 3 قنوات:

-         الأولى هي قناةُ الدعم الماليّ المباشر للنظام الأردنيّ، إذ مَنحتْ تسهيلاتٍ ماليّةً بقيمة 3 مليارات دولار لإعادة هيكلة ديون المملكة، وزادت من دعمها السنويّ لها حتى بلغ اليوم نحو 1.3 مليار دولار.

-         الثانية هي دمجُ الاقتصاد الأردنيّ بالاقتصاد الرأسماليّ العالميّ عموماً، والغربيّ تحديداً، وذلك من خلال دعم عضويّة الأردن في منظّمة التجارة العالميّة، والسعي إلى إبرام اتفاقات تجارة حرّة.

-         أمّا القناة الثالثة، فهي التحفيزات الاقتصاديّة المباشرة للتعاون الصناعيّ بين الأردن و"إسرائيل"، وركيزتُها إنشاءُ "مناطق صناعيّة مؤهّلة" (QIZ) في الأردن (ولاحقاً مصر) عبر اتفاقيّةٍ ثلاثيّةٍ بين الولايات المتحدة والأردن و"إسرائيل" (1998). غير أنّ اتفاقيّات التبادل الحرّ لم تؤدِّ إلى النتائج المَرجُوّة.

التطبيع في مجال الغاز والكهرباء

في العام 2016، أبرمتْ شركة الكهرباء الوطنيّة الأردنيّة اتفاقاً مع "إسرائيل" لاستجرار الغاز لمدّة 15 سنة، وبكلفة 10 مليارات دولار أميركي. وقد بدأت شركة "نوبل إينيرجي"، ومقرُّها في هيوستن، بضخّ الغاز في مطلع العام 2020. وفي شباط/فبراير من ذلك العام، توقّف مكتب الإحصاء المركزيّ في الكيان عن نشر داتا تصدير الغاز إلى الأردن ومصر، بحجّة أنّه "سرٌّ تجاري".

وتنصّ الاتفاقيّة مع الأردن، كما حذّر بيان حملتَي المقاطعة في لبنان والأردن، على عدم فصل إمدادات نقل الغاز من فلسطين المحتلّة إلى الأردن عن خطوط أنابيب الغاز العربيّ الممتدّة من مصر إلى الأردن فسوريا.

لاحقاً، وفي الإطار عينه، قال وزير المياه والري الأردني محمد النجار إنّ "فكرة المشروع المشترك مع "إسرائيل"، والذي وقّع إعلان نوايا بشأنه، جاءت بطلب من شركة إماراتية"، مضيفاً أنّ "التفاوض حوله جرى خلال 24 ساعة".

وأوضح أنّ "فكرة المشروع تتمثّل بقيام شركة إماراتية بتوليد طاقة متجددة في جنوب الأردن، لكونه يتمتع بسطوعٍ كافٍ من أشعة الشمس لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة وبيعها للجانب الإسرائيلي. في المقابل، يحصل الأردن على مياه صالحة للشرب من خلال تحلية مياه البحر ونقلها إلى الأردن".

في المقابل، أكّدت الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع "إسرائيل" أنّ أصحاب القرار في الأردن انتقلوا من التطبيع السياسي إلى الفرض القسري للتطبيع على المواطنين، بعد توقيع اتفاقية تبادل الكهرباء والماء مع "إسرائيل".

ورأت الحملة "أنّ الأردن أصبح شريكاً مباشراً في خرق القانون الدولي وجرائم الحرب التي يرتكبها الاحتلال، من خلال توقيعه الاتفاق"، مشيرةً إلى أنّ "الاتفاقية تضع أمن الأردن المائي المستقبلي تحت رحمة الاحتلال".

كذلك، أشارت صحف وكتّاب عرب إلى "رفض شعبي" في الأردن للتطبيع الاقتصادي مع "إسرائيل"، فيما يخص اتفاق النوايا "الماء مقابل الطاقة" بين الأردن والإمارات و"إسرائيل". وركّزت الصحف على مغادرة نواب أردنيين قاعة البرلمان "رفضاً للتطبيع"، وذلك "احتجاجاً على اتفاق "النوايا"؛ فيما رأى الكاتب أحمد الرجوب أنه "إذا ما تم هذا المشروع نكون قد ارتهنّا لصالح دولة لا تراعي المواثيق والعهود، ما يشكّل خطورة كبيرة على الأمن المائي الأردني وخطراً وجودياً على بلادنا".

وقال الرجوب إن أي مشروع كهذا "لا يمكن حمايته بنشر مئات آلاف الجنود على هذه المسارات والطرقات، بل بخلق بيئة متصالحة مع المشاريع توفّر الاستقرار السياسي والأمني؛ وهذا باعتقادي ما يجعل من مشروع إكسبو (المياه مقابل الطاقة) معدوم الجدوى". فيما شدّد علي أبو حبلة على أن "التكامل الاقتصادي بين فلسطين والأردن يُرسي دعائم تحرير الاقتصاد الفلسطيني من الهيمنة الإسرائيلية".

بعد عام تقريباً، وبالتزامن مع عودة بنيامين نتنياهو لتولّي رئاسة الحكومة في "إسرائيل" وفقاً لنتائج الانتخابات الأخيرة التي منحت اليمين واليمين المتطرف الأغلبية في الكنيست، وقّع الأردن و"إسرائيل" والإمارات مذكّرة تفاهم تنص على "تسريع إنجاز دراسات الجدوى" المتعلقة بمشروع "الماء مقابل الكهرباء".

وجاء التوقيع بعد تحذيرات رسمية أطلقتها عمّان قبل أيام فقط من المساس بالوضع التاريخي القائم في مدينة القدس، والدور الأردني التاريخي في رعاية المقدسات هناك.

وقال مصدر رسمي أردني إن توقيع المذكّرة الثانية جاء لـ "تسريع عملية دراسات الجدوى التي تُجريها المملكة حول المشروع برمّته"، ولا يرتّب هذا التوقيع على الأردن أي "التزامات مالية أو حقوق قانونية تجاه الأطراف الأخرى"، مضيفاً أن مشروع تبادل الطاقة (الماء مقابل الكهرباء) "لن يكون بديلاً من مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر بمدينة العقبة، ونقْلها لعمّان ومحافظات المملكة"، مع تأكيده أن الجهات المعنيّة "قطعت شوطاً طويلاً في خطة تنفيذ الناقل الوطني، وبدأت المساعدات والقروض الميسّرة تصل للبدء بتنفيذ المشروع خلال العام القادم".

التطبيع البيئي

في السياق التطبيعي القسري، وقّع الأردن و"إسرائيل"، في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، على إعلان نوايا لإعادة تأهيل وتحسين بيئة ونظام المياه لنهر الأردن والبحر الميت.

يأتي التوقيع – طبقاً لبيان وزارة المياه والري الأردنية – على إعلان النوايا بهدف السعي لإعادة تأهيل نهر الأردن الذي انخفض منسوب جريانه إلى 7 في المئة، وما ترتّب عليه من انخفاض منسوب البحر الميت 3 أقدام سنوياً، الأمر الذي سعى معه الأردن بشكل حثيث، ومنذ سنوات، إلى العمل الجاد وتعبئة دعم المجتمع الدولي للسعي لإنقاذ البحر الميت الذي يمثّل ميراثاً مشتركاً للإنسانية.

كما يأتي إعلان النوايا في إطار سعي الأردن لحشد دعم المجتمع الدولي لمعالجة تحديات المناخ وإعادة تأهيل البيئة والتنمية المستدامة لنهر الأردن والبحر الميت، وكذلك خلق فرص عمل تنعكس على تحسين نوعية الحياة وتوفير المزيد من المياه للقاطنين على ضفّتي نهر الأردن، بما في ذلك الفلسطينيون.

لكن الحركة العالمية لمقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) في الأردن، قالت إن "الاحتلال الإسرائيلي يستغل مشاريع التعاون عبر بوّابة السلام البيئي ليصل إلى فرض هيمنته على أراضي الأغوار الأردنية". وأوضحت أن المشروع "يعمل على إدماج الشباب الأردني والفلسطيني في برامج بيئية وورشات عمل مشتركة، جنباً إلى جنب مع مجموعات صهيونية قادمة من الأراضي المحتلة".

وأردفت أن "المنظمة التي تدير المتنزه حالياً مسجّلة في الأردن كمؤسسة محلية، تحت اسم جمعية حماية الأرض والبيئة (أصدقاء الأرض سابقاً)"، مستدركة بالقول إن "هذه الجمعية هي ذاتها منظمة إيكوبيس الشرق الأوسط الصهيونية، والتي تطرح الكيان الصهيوني كشريك الدبلوماسية المائية، بتجاهل تام لسرقته المستمرة للمصادر الطبيعية في فلسطين والأردن والمنطقة العربية".

خاتمة 

يمكن للمرء أن يتساءل حول سرّ تمسّك العديد من الأنظمة العربية والإسلامية بعلاقات التبعية أو الاستتباع مع الولايات المتحدة الأميركية منذ عقود خلت، ومن بينها النظام الملكي الأردني الذي يكابد حالياً، في ظل واقع إقليمي ودولي مضطرب، أسوأ أزماته الاقتصادية والاجتماعية والمالية، والتي لم تنجح سياسات النظام في حلّها أو الحدّ من انعكاساتها على الشعب، من خلال الاعتماد الكليّ على المساعدات الأميركية والخليجية المشروطة، والتمادي في إبرام اتفاقيات تطبيعية مع الكيان الإسرائيلي، يدّعي المسؤولون الأردنيون أنها تصب في مصلحة الأردن بالدرجة الأولى؛ على الرغم من وجود بديل واقعي ومجدٍ أمام الأردن، وهو الاندماج في منظومة عربية وإسلامية تكاملية، وتحديداً في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، وبما يدرّ على الأردنيين أموالاً طائلة.

وفضلاً عن أن اتفاقيات التطبيع تحمل أبعاداً سياسية خطيرة، من ناحية تكريس الاعتراف بالكيان الذي يحتل أرضاً وأماكن مقدّسة، وينتهك في كل لحظة حقوق الشعب الفلسطيني وكرامته، فإنها لم تؤدّ إلى مكاسب يعتدّ بها للشعب الأردني، والذي لن تنتشله بضعة مليارات من الدولارات الأميركية، مشروطة ومقسّطة، من الدوامة التي علق فيها.

إن التدقيق في مضامين الاتفاقيات المتلاحقة التي عقدها الأردن مع الكيان الإسرائيلي، يؤكد الغايات السياسية والاقتصادية والأمنية الخطيرة للحلف المذكور منها، مقابل فوائد محدودة للأردنيين، في ما يخص اتفاقيات الغاز والكهرباء والمياه والبيئة، كما تبيّن آنفاً. وهنا، يجب التوقف ملياً عند غياب التطبيع بين الأردن وكيان الاحتلال على الصعيدين الشعبي والثقافي، واقتصاره على الصعيد الرسمي، وهو التطبيع المفروض أميركياً على العديد من الأنظمة العربية والإقليمية.

وختاماً، فإن أي مسار تطبيعي مفروض من أعلى لن يتمكن من النمو والاستمرار، لكن من دون الاستنتاج بأن مسار التطبيع الأردني-الإسرائيلي الراهن هو في طور الاحتضار؛ فالأمور تبقى مرهونة بعوامل إقليمية ودولية وداخلية عديدة، ومن أهمها الإرادة الشعبية التي ستطيح يوماً ما المشاريع التطبيعية القسرية ومن يقف خلفها.