متى ينهار النظام الرأسمالي والإمبراطورية الأميركية - الإفراط في العقوبات (4)
لم تعد الحكومات والشعوب بقادرة على تحمل مزيد من العقوبات ومزيد من الإهانات والذل من أميركا وأوروبا، ماذا يحدث؟
غالباً ما استُخدمت وسائل العقوبات والحظر أداةً في السياسة الخارجية وإدارة الصراعات بين المجموعات البشرية القديمة، والدول والحكومات الحديثة، وخصوصاً بين الدول الكبرى والدول الأقل حجماً والأقل نفوذاً.
فعلى سبيل المثال، استخدم الإمبراطور الفرنسي نابليون الأول ما سُمي النظام القاري عام 1806 بهدف شل المملكة المتحدة اقتصادياً، وذلك عبر منع الدول الأوروبية من التجارة معها. لكن، من الناحية العملية، لم تتمكن الإمبراطورية الفرنسية من فرض الحظر بصورة كاملة، والذي تبين أنه ضارّ بالدول الأوروبية الأخرى.
وتكرر الأمر حينما حاولت الولايات المتحدة فرض أوسع حظر خلال الحروب النابليونية (1803-1815)، من خلال إصدار الكونغرس الأميركي سلسلة من القوانين خلال الولاية الثانية للرئيس توماس جيفرسون أعوام 1806-1808، تحظر فيها الانحياز في تجارتها الخارجية إلى أيّ من الطرفين المتحاربين (بريطانيا وفرنسا)، بيد أن الحصار الأميركي فشل في تحقيق أهدافه، وألغى جيفرسون تشريع الحظر في آذار/مارس 1809.
وخلال عامَي 1940 و1941، في أثناء الحرب العالمية الثانية، فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا والصين وهولندا عقوبات على اليابان، حرمت بمقتضاها اليابان من الوصول إلى إمدادات النفط الخام، وخام الحديد والصلب، وهذا ما دفع اليابان إلى تخطيط العمل العسكري للاستيلاء على جزر الهند الشرقية الهولندية الغنية بالموارد، وبعدها الهجوم على الأسطول الأميركي في بيرل هاربور وتدميره عام 1942.
وفى 14 آذار/مارس 1958، فرضت الولايات المتحدة حظراً على كوبا ضد نظام الديكتاتور الفاسد فولجنسيو باتيستا. كان الحصار يطبق فقط على مبيعات الأسلحة، لكنها توسعت في هذه العقوبات والحظر بعد تولي الثوار، بقيادة فيدل كاسترو، الحكم في كانون الثاني/يناير 1959، ليشمل جميع الواردات، ثم امتد إلى جميع مجالات التجارة تقريباً، كما فرض الحصار، بحرياً وتجارياً، في 7 شباط/فبراير 1962.
واستمر ليمثل أطول «حصار» في التاريخ حتى عام 2016، حتى بلغ عدد قرارات العقوبات، التي فرضت على كوبا، (208) قرارات، حينما قرر الرئيس الأميركي، باراك أوباما، رفعاً جزئياً لهذا الحظر، وزيارة جزيرة كوبا في ذلك العام، إلى أن أعاد الحصار الرئيس اليمينى المتطرف والعنصري دونالد ترامب، عام 2018، بكل قسوته حتى يومنا هذا.
في الفترة 1973-1974 فرض بعض الدول العربية حظراً نفطياً ضد الولايات المتحدة وهولندا، اللتين دعمتا "إسرائيل" في حرب السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، وتضمنت النتائج ارتفاعاً حاداً في أسعار النفط وعائدات أوبك، وفترة طوارئ وتقنين الطاقة، وركوداً اقتصادياً عالمياً، وتحولات طويلة الأمد نحو الغاز الطبيعي والإيثانول والطاقة النووية ومصادر الطاقة البديلة الأخرى.
وفي محاولة لمعاقبة جنوب أفريقيا بسبب سياسات الفصل العنصري، تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة حظراً دولياً طوعياً على النفط ضد جنوب أفريقيا، في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1987، وحظي هذا الحظر بدعم 130 دولة.
وفى هذا الصدد، نستطيع أن نميز بين نوعين من العقوبات: الأول هو العقوبات التي تصدر وفقاً لميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن. والثاني هو العقوبات، التي تفرضها دولة واحدة أو عدة دول على دولة أو أشخاص أو كيانات.
وغالبا ما تكون هذه العقوبات الأخيرة خارج نطاق القانون الدولي والأمم المتحدة، وهو الشكل الذي مارسته الولايات المتحدة وكثير من حلفائها الغربيين، وسايرهم كثير من دول العالم إمّا خوفاً وإمّا مجاراةً للسياسة الأميركية، طوال الأعوام الثلاثين الأخيرة.
أولاً: العقوبات طبقاً لميثاق الأمم المتحدة
بداية، العقوبات هي مجموعة من الإجراءات والقرارات السياسية والاقتصادية والمالية، التي تفرضها دولة أو دول أو منظمات أو هيئات دولية أو إقليمية على دولة أو تنظيم أو شركة أو غيرها، على خلفية القيام بأعمال عدوانية أو تهديد للسلم الدولي، أو لحمل ذلك الطرف على تقديم تنازلات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية (1)، هي بهذا المعنى وسيلة للضغط تمارسها دولة أو مجموعة من الدول على دولة أو دول أخرى.
لذا، نظم ميثاق الأمم المتحدة، الصادر بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، هذا النوع من العقوبات والصراعات بين الأمم والدول والحكومات، فنص في مادته الـ41 على أن يكون لمجلس الأمن وحده الحق، عبر تفويض من المجتمع الدولي، في تطبيق العقوبات التي يجب أن تلتزمها كل الدول الأعضاء. ولا تشمل العقوبات استخدام القوة العسكرية. ومع ذلك، إذا لم تؤدِّ العقوبات إلى التسوية السياسية للنزاع فيمكن لمجلس الأمن السماح باستخدام القوة بصورة منفصلة بموجب المادة الـ42. وتنقسم العقوبات إلى عدة أنواع، أهمها:
1- العقوبات الاقتصادية التجارية.
2- العقوبات المالية والمصرفية والتحويلات المالية ( شبكة سويفت).
3- العقوبات الدبلوماسية: وتشمل الحد من العلاقات الدبلوماسية أو قطعها.
4- العقوبات العسكرية: وتشمل التدخل العسكري.
5- العقوبات الرياضية: هي التي تمنع الفِرق الرياضية من الاشتراك والتنافس في المسابقات الدولية.
وهنا، لا يمكن الخلط بين عقوبات الأمم المتحدة والعقوبات الأحادية، التي يفرضها بعض الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة على الدول لتعزيز مصالحها الاستراتجية[2].
وتشمل العقوبات الاقتصادية فرض أشكال متعددة من القيود على التجارة الدولية مع البلد المستهدَف، مثل: الحواجز التجارية، والتعرفات الجمركية، والقيود المفروضة على المواد الغذائية والأدوية[3]. وتكون العقوبات الاقتصادية على شاكلتين: إما حظر وإما مقاطعة، ويكون الحظر عندما يُتخذ قرارٌ يقضي بفرض حظر تجاري (جزئيّ أو تام)، وتعليق تصدير منتج تجاري بعينه إلى هذا البلد، أو يشمل فرض قيود تجارية تمنع دولة من التجارة مع أخرى، مثل منع الحكومة الأميركية مواطنيها أو شركاتها من تقديم السلع أو الخدمات إلى بلد آخر (كما فعلت سابقاً مع شركة هواوي الصينية).
وأيضاً استخدام القيود غير الجمركية على السلع المستوردة. وقد يشمل الحظر أنواعاً معينة من الطعام أو الأدوية أو المواد الخام، أو الحد من التصدير أو الاستيراد من البلد المستهدف، وتجميد الأصول أو مصادرتها أو منع البيع أو النقل للأصول المملوكة من دولة أو فرد، أو التوقف عن تقديم القروض. وتمتلك الولايات المتحدة ميزة كبيرة في هذا المجال، نظراً إلى أنها تؤدّي دوراً محورياً في تسوية المعاملات المالية الدولية، عبر بنوكها ونظامها المصرفي.
أمّا المقاطعة، فتتم عبر رفض استيراد منتَج بعينه يصدره البلد المستهدّف، كما يمكن النظر كذلك في عقوبات مالية، كإيقاف القروض والاستثمارات، أو تجميد الحسابات المالية في الخارج. وتمثل المادتان الـ39 والـ41، من ميثاق الأمم المتحدة، الإطار القانوني الذي تستند إليه الأمم المتحدة ومجلس الأمن في فرض عقوبات اقتصادية على دول معينة.(4) وتهدف العقوبات الاقتصادية عموماً إلى إرغام حكام الدول المستهدفة بتلك العقوبات على تعديل سياستهم، فالوسائل المستخدَمة وسائل اقتصادية، لكن الهدف النهائي غالباً سياسي.
وتتنوع العقوبات المفروضة على الدول والحكومات من حيث النوع، ومن حيث الشدة، فقد يُقصد بها استخدام أسلوب الحصص التي يتم وفقاً لها وضع حد أعلى (تقييد) لحجم السلع التي يمكن استيرادها أو تصديرها إلى الدولة المستهدفة، وأخيراً العقوبات على الأفراد، والتي قد تشمل عدم السماح لهم بدخول الولايات المتحدة، أو تقييد السفر بصورة عامة، أو تقييد وصول ذويهم إلى بعض مزايا المجتمع الأميركي، مثل المؤسسات التعليمية والسياحة (5).
ولعل من أكثر العقوبات شدة تلك التي فرضتها الأمم المتحدة على العراق بعد غزوه الكويت، في آب/أغسطس 1990 حتى عام 2000، بحيث بلغت 53 قراراً أممياً، تقضي بالعقوبات والحصار والحظر، بحيث شملت كل أوجه الحياة، والتي مهدت لتحطيم العراق ومؤسساته كدولة وكمجتمع، تمهيداً للغزو والاحتلال الأميركيين والأطلسيين للعراق في نيسان/أبريل 2003.
وخلال التسعينيات، فرض مجلس الأمن عقوبات من أنواع متعددة، ولمدد متنوعة، ضد النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وكذلك ضد بعض جمهوريات يوغوسلافيا السابقة والصومال والجماهيرية الليبية وليبيريا وهاييتي وأنغولا ورواندا والسودان، بالإضافة إلى العقوبات التي فرضها مجلس الأمن عبر القرار رقم (1267) في عام 1999 ضد جميع الأفراد المرتبطين بـ"القاعدة" و"طالبان"، وأيضاً العقوبات الدولية المفروضة على كوريا الشمالية منذ الحرب الكورية (1950-1953)، وقرار مجلس الأمن رقم (1718) عام 2006 بفرض عقوبات جديدة عليها بعد إجرائها تجربة نووية، وتم تشديدها مرة أخرى في عام 2010 من جانب الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
كثيراً ما تسببت هذه العقوبات باضطرابات في توزيع الأغذية والأدوية والإمدادات الصحية وتوافر مياه الشرب النظيفة، وفي عمل الأنظمة الصحية والتعليمية الأساسية، وقوضت الحق في العمل.
بالإضافة إلى ذلك، فإن عواقبها غير المباشرة قد تشمل تعزيز سلطة الفئات الحاكمة المستبدة على السكان، وظهور سوق سوداء بصورة تكاد تكون حتمية، وتوليد أرباح مفاجئة ضخمة للجماعات المتميزة، التي تتصرف فيها، وتقييد فرص التعبير عن المعارضة السياسية. وإذا كانت هذه الظواهر في جوهرها ذات طابع سياسي، فإن لها كذلك تأثيراً إضافياً كبيراً في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لهذا السبب، فإن أنظمة الجزاءات التي وضعها مجلـس الأمـــن الآن تحتوي على استثناءات إنسانية تهدف إلى إتاحة تدفق السلع والخدمات الأساسية الموجهة من أجل أغراض إنسانية. ومن المفترض، بصفة عامة، أن هذه الاستثناءات تضمن الاحترام الأساسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلد المستهدف(6).
ثانيا: العقوبات خارج القانون الدولي والشرعية الدولية
عبر تفكك الاتحاد السوفياتي ومجموعته الاقتصادية (الكوميكون) في شرقي أوروبا، وانتهاء ما سُمِّي الحرب الباردة عام 1991، انفردت الولايات المتحدة، ومن ورائها دول التحالف الأطلسي، بمصائر العالم وبالقرارات المصيرية، بحيث احتكرت سلطة التشريع العالمي، وسلطة فرض السياسات وإنزال العقوبات على من يعارض سياساتها من كل الدول والحكومات.
لقد تغير الجوهر والآليات للعلاقات الاقتصادية والسياسية الدولية، فاندفعت هذه الكتلة الغربية في استخدام سلاح العقوبات متعددة الأشكال والمستويات - سواء بصورة جزئية أو بصورة شاملة - ضد كل الدول والحكومات، التي لا تساير أو تنفذ التعليمات والأوامر الأميركية والغربية. وبلغ عدد الدول التي خضعت لهذه العقوبات الأميركية والأوروبية، خلال الأعوام الثلاثين الأخيرة (1991-2023) أكثر من ثمانٍ وثلاثين دولة، وكان من أكثرها قسوة ووحشية تلك العقوبات التي فُرضت على جمهورية إيران الإسلامية، وبعدها ليبيا وروسيا والصين والعراق والشعب الفلسطيني في غزة وفي لبنان.
صحيح أن مجموعة من تلك العقوبات كانت فُرضت على دول وحكومات وشعوب قبل تفكك الاتحاد السوفياتي، بكل تداعياته الجيو – سياسية والجيو – استراتيجية، مثلما فعلت ضد النظام الثوري في كوبا عام 1960، وكذلك ضد الجمهورية الإسلامية في إيران بعد نجاح ثورتها ضد الشاه عام 1979، فجمدت كل الأصول الإيرانية والودائع في البنوك الأميركية، وحذت حذوها الدول الأوروبية. وفي عام 1984 تم تشديد العقوبات وفرض حظر على بيع الأسلحة لإيران، كما فرض حظر عام 1996 على المساعدات الاقتصادية لها، وكذلك فُرض حظر على تجارة النفط بين إيران والولايات المتحدة، وحظر تصدير معدات الطيران إليها في عام 2004. وفُرض حظر على نشر الأبحاث العلمية الإيرانية، فضلاً عن حظر الاتصالات المباشرة بين البنوك الإيرانية والأميركية.
وبحسب بيانات نشرها موقع كاستيلوم، المختص بالشؤون الاقتصادية والمالية، فإن عدد قرارات العقوبات والحظر التي فرضت على كيانات وأفراد في إيران، منذ عام 1979 حتى شباط/فبراي 2022، بلغ 3616 كياناً.
وأدت هذه العقوبات إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية في البلاد، ووصلت إلى أقصى نقطة لها في عام 2010. وفي نيسان/أبريل 2019 هددت الولايات المتحدة بمعاقبة الدول التي تواصل شراء النفط من إيران بعد انتهاء صلاحية التنازل الأولى لمدة ستة أشهر، والمعلن بشأنها في تشرين الثاني/نوفمبر 2018، بحجة حصار البرنامج النووي الإيراني وبرنامج الصواريخ وعديد من الصادرات العسكرية إلى إيران والاستثمارات في النفط والغاز والبتروكيماويات، وصادرات المنتوجات البترولية المكررة والبنوك والتأمين والمؤسسات المالية والشحن.
ووفقاً لـ"بي بي سي"، فإن العقوبات الأميركية ضد إيران "أدت إلى تراجع حاد في الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي دفع قيمة عملتها إلى تسجيل مستويات منخفضة، ورفع معدل التضخم السنوي إلى أربعة أضعاف، وإبعاد المستثمرين الأجانب، وإثارة الاحتجاجات".
وفى 29 تشرين الأول/أكتوبر 2020 فرضت الخزانة الأميركية - فى ظل إدارة الرئيس الأميركي اليميني والعنصري دونالد ترامب - عقوبات على أفراد وكيانات وعلى رموز عراقية اتُّهمت بالولاء لإيران، وأجبرت البنك المركزي العراقي على تحذير البنوك العراقية والمؤسسات غير المصرفية من العقاب إذا استمر تعاملها مع الأفراد الذين استهدفتهم وزارة الخزانة الأميركية. ونتيجة لهذا الإجراء وجد هؤلاء القادة صعوبة في القيام بأعمال تجارية ليس فقط خارج بلدهم، بل داخلها أيضاً.
وعلى رغم استخدام كثير من دول العالم – وخصوصاً الدول الكبرى أو القوية – هذه الوسائل العقابية في إدارة صراعاتها وخلافاتها مع بعض الدول الأخرى، فإن ما جرى من الولايات المتحدة ودول الغرب الأوروبي، خلال الأعوام الثلاثين الماضية، تجاوز كل الحدود المعقولة والمقبولة. ومن ضمن قائمة الدول التي خضعت للعقوبات الأميركية وحلفائها خارج القانون الدولي والأمم المتحدة:
1- ميانمار (بورما سابقاً): حيث تخضع لعقوبات من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي منذ عام 1997 بزعم غياب الديمقراطية وانتهاكات حقوق الإنسان. ومُنعت الشركات الأميركية من الاستثمار في هذا البلد، كما مُنع أعضاء المجلس العسكري من دخول الولايات المتحدة. وتم تشديد العقوبات في عام 2003 عبر حظر الاستيراد منها بصورة كاملة، وجرى تجميد أصول حكومتها في الولايات المتحدة. وبلغ عدد قرارات العقوبات ضد هذا البلد (510) عقوبات.
2- الصين تصدّرت قرارات المقاطعة الجزئية رداً على مظاهرات ميدان تيانانمن عام 1989، وشمل حظر الأسلحة ومنتوجات الفاكهة والخضر والدواجن والأسماك والجبن والحليب والألبان، ثم عادت سياسة العقوبات وفرض الرسوم بقوة بعد عام 2016، وتحديداً في عهد تولي إدارة الرئيس دونالد ترامب.
3- شملت سياسة المقاطعة، سواء الجزئية أو الشاملة، دولاً مثل ألبانيا والجبل الأسود وأيسلندا وليخنشتاين (في آب/أغسطس 2015).
4- وشملت غواتيمالا وإندونيسيا من جانب أستراليا، بزعم أساليب الذبح القاسية في إندونيسيا.
5- وشملت السودان منذ عام 1993، بعد أن اتهمتها الولايات المتحدة بدعم "المنظمات الإرهابية"، بما في ذلك الفلسطينيون واللبنانيون، وبزعم دعم السودان لغزو العراق للكويت، والمشاركة في المؤتمر الإسلامي العربي، ومنح اللجوء لـ"الإرهابيين الدوليين". وفي عام 1997 فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على البلاد في مجال التجارة والقطاع المالي.
6- كوريا الشمالية: فرضت الولايات المتحدة عقوبات على كوريا الشمالية في أثناء الحرب في شبه الجزيرة الكورية عام 1950، وتم تشديدها بالتدريج، ولا سيما أن البلاد كانت تطور أسلحة نووية. وفي آذار/مارس 2016، أصدرت الولايات المتحدة عقوبات جديدة ضد كوريا الشمالية بعد اتهام البلاد بتنظيم هجمات سيبرانية على شركة Sony Pictures. وبلغ عدد قرارات العقوبات على كوريا الشمالية (2077) عقوبة.
7- سوريا: فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سوريا منذ عام 1986، وتم فرض عدد من العقوبات ضد المواطنين السوريين وضد الشركات السورية، التي تتهمها أميركا بـ"الإرهاب" والفساد منذ عام 2011. ولا يُسمح للمواطنين الأميركيين بالمشاركة في تجارة الوقود مع سوريا، والاستثمار في سوريا. كما أصدر الكونغرس الأميركي، في كانون الأول/ ديسمبر 2019 "قانون قيصر"، الذي فرض حصاراً شاملاً وعقوبات قاسية على سوريا. وتقوم القوات الأميركية المحتلة لجزء من أراضي الشمال الشرقي لسوريا، منذ عام 2017، بسرقة آبار النفط والغاز وتهريبها إلى خارج سوريا، والتي قدرت قيمتها المصادر الرسمية السورية بما يزيد على 115.5 مليار دولار حتى أيلول/سبتمبر 2023. وبلغ عدد قرارات العقوبات الأميركية والأوروبية ضد سوريا نحو (2608) عقوبات.
8- بيلاروسيا: تبنت الولايات المتحدة، في عام 2004، "قانون الديمقراطية في بيلاروسيا". وجرى حظر توريد الأسلحة والتكنولوجيا إلى بيلاروسيا، واشتدت العقوبات بصورة مستمرة. وفي عام 2011، تم تقييد عدد من الرحلات وتجميد الأصول. وبين الأشخاص المستهدفين رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، وابناه فيكتور وديمتري، بالإضافة إلى صحافيين ومسؤولين ومدعين عموميين وقضاة.
9- كوت ديفوار: فرضت الولايات المتحدة، في عام 2011، عقوبات على رئيس كوت ديفوا، لوران غباغبو، وزوجته وأنصارهما، لأن السلطات الأميركية رفضت إلغاءه الانتخابات في بعض مدن البلاد، الأمر الذي أدّى إلى نجاح لوران غباغبو فترة رئاسية ثانية. وتم تجميد أصول الأشخاص، الذين وجهت إليهم العقوبات، كما تم فرض حظر على دخولهم الولايات المتحدة.
10 - جمهورية الكونغو الديمقراطية: تم فرض العقوبات ضد جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 2006، ثم تم تمديدها عدة مرات. وادعى مارغو فالستروم، مبعوث الأمم المتحدة الخاص في عام 2010، بأن "القوات الحكومية لجمهورية الكونغو الديمقراطية ربما تكون متهمة بجرائم الاغتصاب والقتل".
11- ليبيا: فرضت الولايات المتحدة، ومن خلفها حلفاؤها الأوروبيون، المقاطعة على ليبيا عدة مرات: واحدة بزعم اتهام ليبيا بتفجير الطائرة الأميركية في لوكربي عام 1988. وبعد التسوية، مالياً وقانونياً، للكارثة، عادت الولايات المتحدة لتفرض عام 2011 عقوبات تجارية ومالية جديدة ضد ليبيا، بحيث تم حظر عدد من البنوك والشركات من ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة. وتم فرض العقوبات لمواجهة نظام معمر القذافي، لكن بناء على طلب الحكومة الجديدة تم رفعها، كما وقعت الولايات المتحدة اتفاقية تجارة واستثمار مع ليبيا كجزء من استئناف العلاقات الاقتصادية بعد فترة انقطاع طويلة (7).
12- فنزويلا: فُرضت العقوبات والحظر والتآمر السياسي المكشوف على فنزويلا من جانب الولايات المتحدة، ومن ورائها دول الاتحاد الأوروبي، بزعم تزوير الانتخابات الرئاسية الفنزويلية عام 2018، وانتهاكات حقوق الإنسان.
وجمدت الولايات المتحدة أموال الحكومة الفنزويلية، كما سيطرت بريطانيا على احتياطي الذهب الفنزويلي في بنك إنكلترا، وذهبت إلى حد تعيين رئيس لفنزويلا، خوان بيدرو، من جانب هذا التحالف الأطلسي الإمبريالي، كما دعمت محاولات متعددة لغزو فنزويلا بالتعاون مع الرئيس اليميني الحاكم في كولومبيا المجاورة، وقامت بتخريب شبكات الكهرباء الفنزويلية عدة مرات، وتخريب مصافي النفط لوقف إمدادات المنتوجات والمشتقات النفطية على السكان والجمهور المؤيد للرئيس الشرعي نيكولاس مادورو. وتوارت خلف بعض محاولات اغتيال الرئيس البولفاري. وبلغ عدد قرارات العقوبات على ذلك البلد (651) عقوبة.
13- هذا بخلاف المقاطعة التي فُرضت على قطاع غزة في فلسطين، منذ عام 2007، من جانب الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والكيان الإسرائيلي.
14- وصدر عن الكونغرس الأميركي، بتاريخ الثاني من آب/أغسطس 2017، ما سُمِّي قانون مكافحة خصوم أميركا، والذي وقّع عليه الرئيس الأميركي اليميني والعنصري دونالد ترامب، وشمل كلاً من روسيا وإيران وكوريا الشمالية.
15- لعل الحصار والمقاطعة، اللذين فُرِضا على روسيا منذ آذار/مارس 2014، بسبب ضم الأخيرة شبه جزيرة القرم، ثم الحرب الاقتصادية الشاملة، التي فُرضت عليها بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، في الثاني والعشرين من شباط /فبراير 2022، أمر يحتاج إلى وقفة تحليلية مستقلة نظراً إلى خطورتها على النظام الاقتصادي ـ المالي العالمي وتداعياته الراهنة والمستقبلية.
وقبل العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا في شباط/فبراير 2022، كان عدد العقوبات المفروضة على روسيا نحو 2695 عقوبة. وبعد هذه العملية العسكرية حتى أيلول/سبتمبر2022 خضع 2778 كيانا روسيّاً لعقوبات جديدة، ليصل عددها الإجمالي (وفقا لموقع "بلومبرغ"، نقلاً عن منصة "كاستيلوم"، المتخصصة بتتبّع قرارات العقوبات) إلى 5530 كياناً.
وبعدها، بلغ عدد قرارات العقوبات والحظر والمقاطعة، بحسب المصدر نفسه، 14081 عقوبة اقتصادية ومالية وإدارية، ومنها منع الأشخاص من السفر أو الاستثمار، بحيث أصبحت روسيا الآن الدولة الأكثر تعرضاً للعقوبات في العالم، الأمر الذي جعل بيتر بياتسكي، المسؤول السابق في وزارة الخزانة في إدارتي الرئيسين الأميركيين السابقين، باراك أوباما ودونالد ترامب، يصفها بأنها "حرب نووية مالية، وأكبر عقوبات في التاريخ"، إذ تحولت روسيا من كونها جزءاً من الاقتصاد العالمي إلى أكبر هدف منفرد للعقوبات العالمية.
وشملت العقوبات الأميركية والغربية في تلك المرحلة العقوبات الشخصية وقيوداً على التأشيرة وحجب الممتلكات وإيقاف الحسابات البنكية للأفراد والشركات المدرجة في القائمة السوداء. ويُحظَر على المواطنين والشركات الأميركية الاحتفاظ بعلاقات تجارية بهم، وفرض القيود على تقديم القروض وخدمات الاستثمار، وفرض حظر على توريد الأسلحة والمعدات العسكرية والتقنيات ذات الاستخدام المزدوج، فضلاً عن المعدات والتقنيات ذات التقنية العالية، وخصوصاً من أجل استخدامها في مشاريع التنقيب وإنتاج النفط في أعماق البحار. وتحظر عقوبات القرم الاستيراد أو التصدير للسلع أو الخدمات أو التكنولوجيا من شبه جزيرة القرم وإليها، بالإضافة إلى الاستثمارات في هذه المنطقة من قبل المواطنين الأميركيين.
تستهدف أغلبية العقوبات المفروضة حالياً على موسكو أشخاصاً، بحيث هناك فقط 2210 عقوبات من أصل 11327 فُرضت على كيانات روسية، كما تضاف إليها عقوبات من دول آسيوية مقربة إلى الولايات المتحدة، مثل كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا. وبلغت حالة جنون الغرب واندفاعه حداً لا يمكن تصوره، حتى إن دولة محايدة تاريخياً، مثل سويسرا، انخرطت في حرب العقوبات المجنونة تلك، ففرضت 1782 قراراً بالعقوبات على روسيا، وكذلك فعلت كندا، ففرضت 1590 عقوبة.
وأثرت العقوبات الأميركية في القطاعات الرئيسة في الاقتصاد الروسي، مثل القطاعات المالية والطاقة والدفاع والتعدين.
في المقابل، رفضت بلدان أخرى معاقبة روسيا، أبرزها الصين والهند وبعض الدول العربية، مثل السعودية والإمارات ومصر والجزائر، وكثير من الدول الأفريقية ودول أميركا اللاتينية ذات المنحى اليساري.
وهكذا، لم يعد في القوس من منزع. ولم تعد الحكومات والشعوب بقادرة على تحمل مزيد من العقوبات ومزيد من الإهانات والذل من أميركا وأوروبا. وبدأنا المسار النزولي لهذا النظام الرأسمالي الإمبراطوري الأميركي، وتشكلت كتل اقتصادية وجيو – سياسية، لديها الإرادة ووضوح الأهداف، من أجل إنهاء هذه الحالة غير القانونية وغير الإنسانية.