"كوب 27": قضايا البيئة ليست أبرز حدث.. وخلافات حادة في الساعات الأخيرة

كشفت المساعي المصرية لمنح مؤتمر "كوب 27" يومين إضافيين حجم الانقسامات التي شهدها هذا المؤتمر، وتحديداً في ملف المساعدات المالية التي يفترض أن تقدمها البلدان الأكثر تقدماً وثراءً لمساعدة البلدان الفقيرة.

  • "كوب 27": قضايا البيئة ليست أبرز حدث.. وخلافات حادة في الساعات الأخيرة

انتهت جلسات مؤتمر الأمم المتحدة لمواجهة تغير المناخ (كوب 27) يوم الأحد 20 تشرين الثاني/نوفمبر، على أن تنتقل رئاسة المؤتمر من مصر إلى الإمارات في الدورة الـ28 المقبلة. وقد شهد المؤتمر منذ بدايته في 6 الشهر الحالي توقيع عشرات الاتفاقيات الهادفة إلى الحدّ من التلوث البيئي، ووضع حدود ملزمة قانوناً لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري لكل دولة بمفردها، وتحديد آلية التنفيذ.

وكان منظّمو المؤتمر أعلنوا أن أبرز الأهداف تتمثل بالحدّ من ظاهرة الاحتباس الحراري، وتقليل درجة الحرارة عالمياً عن 2 درجة مئوية، والوصول إلى 1.5 درجة مئوية، مع التأكيد على اتخاذ جميع الأطراف إجراءات فورية، ولا سيما الدول التي تمتلك الإمكانيات، والتي تستطيع أن تكون مثالاً يُحتذى به.

وعلى الرغم من البيانات المتكررة التي أصدرتها الجهات المنظمة عن مجموعة الإنجازات المفترضة في مجال الحدّ من التغيرات المناخية، فإن أبرز الأحداث التي جذبت وسائل الإعلام واهتمام المتابعين على حد سواء لم تكن القضايا البيئية، بل الملفات السياسية الأخرى التي تطرق إليها الحضور أو قضايا حقوق الإنسان التي فرضها بعض الناشطين بالموازاة مع جلسات المؤتمر.

النقاش حول الحرب الروسية الأوكرانية لم يغب أبداً عن كلمات الحضور خلال أيام المؤتمر، على الرغم من عدم وجود علاقة مباشرة بين الحرب وقضايا المناخ. كذلك، أثار بعض المشاركين في المؤتمر وعلى هامشه مسألة السجناء السياسيين في مصر، وهو ما تسبّب بجدل واسع في وسائل الإعلام المحلية والدولية على حدٍ سواء، وجذب عدداً من ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي إلى النقاش في جدوى طرح مسائل من هذا النوع في مؤتمر دولي يُقام على أرض مصر.

أما في الشارع المصري، وبعيداً من الدوائر السياسية، فكان الاهتمام الأبرز بما يمكن أن يحققه المؤتمر للدولة المصرية من مكاسب اقتصادية مباشرة قد تسهم في تحسين الأحوال المعيشية، بعيداً من قضايا البيئة وتغير المناخ التي ينظر إليها المواطن العادي باعتبارها "قضايا نخبوية" ولا تتعلق بمعاشه اليومي.

الحرب الأوكرانية: نقاش سياسي في قمة بيئيّة

فرضت الحرب الروسية الأوكرانية نفسها على جلسات مؤتمر المناخ المنعقد في شرم الشيخ. وعلى الرغم من أن تلك المسألة كانت متوقعة بشكل مسبق، فإن المساحة التي احتلها النقاش حول الحرب فاقت التوقعات، ودفعت بعض المراقبين إلى التساؤل عن ماهية المؤتمر، إن كانت سياسية أم بيئيّة.

لم يذهب فلاديمير بوتين إلى شرم الشيخ، وبرر مستشاره رسلان إيدلجيرييف عدم الحضور بأن القمة "لا يُنتظر منها أحداث رفيعة أو اختراقات من أي نوع"، لكن شبح الرئيس الروسي لم يغب عن جلسات المؤتمر.

في أولى جلسات المؤتمر الإجرائية، لم تتحدث ممثلة أوكرانيا عن التغيرات المناخية، بقدر ما تعرضت للحرب الروسية على بلادها، وسعت لحشد الرأي العام الدولي لدعم دولتها التي تتعرض، بحسب ما ذكرت، لـ"احتلال غير قانوني، وخسارة في الأرواح، وتدمير للبنية الأساسية، وتهديد بعدوان نووي".

بدوره، تناول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحرب الأوكرانية خلال افتتاحه الشق الرئاسي، وقال إن "العالم يواجه أزمة كبيرة هي أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وأنها تسببت بمشكلات اقتصادية كبيرة للدول النامية"، وأشار إلى "استعداده للعمل على إنهاء هذه الحرب وإيقافها".

اللافت هنا أن أشدّ ما لفت انتباه وسائل الإعلام الدولية والمحلية في خطاب السيسي هو الجزء الذي تعرض فيه للحرب الأوكرانية، إذ تم فتح نقاشات حول قدرة مصر فعلاً، في ظلِّ إمكانياتها المتواضعة حالياً، على القيام بدور في إنهاء الحرب، وأعيدَ التذكير بالأضرار الاقتصادية الناجمة عن الحرب عالمياً. 

في المقابل، فإن كلام الرئيس المصري عن التغيرات المناخية جاء بروتوكولياً ورسمياً إلى حد بعيد، وبالتالي فإن تناول الإعلام لهذا الشقّ جاء فاتراً وخالياً من النقاش والتحليل.

أما الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي حضر إلى القمة يوم الجمعة 11 نوفمبر/تشرين الثاني، فتعرض أيضاً للحرب الأوكرانية، وقال إن "الحرب الروسية على أوكرانيا أكدت ضرورة التحول في مجال الطاقة لاستخدام الطاقة النظيفة"، في إشارةٍ منه إلى ضرورة العمل على تقليل الاعتماد على النفط والغاز الروسيين.

قضايا حقوق الإنسان في مصر على هامش المؤتمر

تشهد مؤتمرات المناخ دوماً العديد من التظاهرات التي ينفذها ناشطون بيئيّون يرفعون لافتات تطالب زعماء الدول بدور أكبر في "إنقاذ الأرض وسكانها من الهلاك"، لكن "كوب 27" جاء مختلفاً، إذ غاب الناشطون البيئيّون وحضر السياسيون الذين نظموا فعاليات على هامش المؤتمر جذبت اهتماماً إعلامياً واضحاً. وقد طالبوا خلالها بمزيد من الحريات والإفراج عن السجناء وتخفيف القبضة الأمنية، بحسب ادعاءاتهم.

وكانت أسرة الناشط والمدون المصري علاء عبد الفتاح الأكثر بروزاً في هذا السياق، وهي التي تطالب بالإفراج عن ابنها الذي يقبع في السجون المصرية منذ عام 2014. وقد نظّمت سناء شقيقة علاء مؤتمراً صحافياً للحديث عن القضايا المتهم فيها شقيقها وظروف سجنه الصعبة وإضرابه عن الطعام الذي قد يودي بحياته.

وقد شهد المؤتمر سجالات ومشادات مع نواب برلمانيين وحقوقيين مؤيدين لوجهة نظر الدولة المصرية، يرون أن أسرة علاء تعتمد على الجنسيات الأجنبية التي يحملها أبناؤها، وأن الناشط تبنّى في أوقات سابقة أفكاراً فوضوية تحثّ على العنف وحمل السلاح.

ودعا عدد من كبار الشخصيات الدولية الحكومة المصرية إلى الافراج عن علاء، تصدرهم رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك. وحذا حذوه فولكر ترك المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وكذلك المستشار الألماني أولاف شولتس. كذلك، أثار الرئيس الأميركي بايدن قضية حقوق الإنسان في اجتماعه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على هامش المؤتمر.

حيال هذه المسألة، انقسم الرأي العام المصري في مواقع التواصل، إذ رآها البعض محاولة للاستقواء بحكومات غربية ذات تاريخ استعماري للضغط على الدولة المصرية، ما يجعله سلوكاً يندرج تحت بند "الجرائم الوطنية"، فيما اعتبرها آخرون الوسيلة الوحيدة التي باتت متاحة أمام أسر السجناء لتحرير أبنائهم من السجون والضغط لفتح المجال العام في مصر، ورأوا أن ما حدث في مؤتمر المناخ أعاد أوضاع حقوق الإنسان في مصر إلى الصدارة.

الشارع المصري يركّز على المكاسب

منذ إعلان نية إقامة مؤتمر المناخ في شرم الشيخ، تساءل الشارع المصري عن المكاسب التي يمكن أن تحققها البلاد جراء إقامة مؤتمر بهذا الحجم، إذ يعاني المصريون بسبب ارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية، ويأملون أن تُسهم الأحداث العالمية التي يتم تنظيمها في بلادهم بدفع عجلة الاقتصاد إلى الأمام أو توفير دعم مالي يُستخدم في تمويل الأنشطة العامة.

في مصر وعموم الدول النامية، لا تحظى قضايا البيئة باهتمام واسع، بخلاف الدول التي يتمتع مواطنوها بمستويات دخل مرتفعة. وقد حاولت الدولة المصرية خلال الفترة التي سبقت المؤتمر تنظيم حملات إعلامية لرفع مستوى الاهتمام الشعبي بالتغيرات المناخية، إلا أنها لم تنجح في إحداث الفارق المنشود.

تعي الدولة المصرية هذا الأمر، وبالتالي ركّزت وسائل الإعلام الموالية على العائدات التي يمكن لمصر أن تغتنمها بسبب تنظيم مؤتمر المناخ على أراضيها. وقد جاءت على الشكل الآتي:

أولاً، تنظيم المؤتمر على الأراضي المصرية يرفع مكانة مصر الدولية، ما يجعلها جاذبة للاستثمارات الأجنبية.

ثانياً، حضور وفود من مختلف دول العالم إلى مصر يعيد إليها مكانتها السياحية مرة أخرى، بعدما أصيب قطاع السياحة المصري بانتكاسة بعد أحداث "الربيع العربي". وقد حرصت الوفود الرسمية المشاركة في المؤتمر على زيارة المقاصد الأثرية والسياحية في البلاد، وكان أبرزهم الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الذي زار المتحف المصري ومنطقة الأهرامات، وتجوّل في خان الخليلي، والتقط الصور بودّ ملحوظ مع المواطنين المصريين.

ثالثاً، حصول مصر من الأمم المتحدة على منحة الدولة المضيفة المقدرة بمليار ومئة مليون دولار لتطوير البنية الأساسية لمدينة شرم الشيخ التي شهدت فعاليات المؤتمر.

رابعاً، توقيع الاتفاقيات وبروتوكولات التعاون بين الحكومة المصرية وعدد من المطورين في قطاعات متعددة. وقد وقعت وزارة التخطيط والتنمية المصرية اتفاقيات بقيمة 83 مليار دولار في قطاع الطاقة المتجددة، كما وقعت مصر اتفاقيات شراكة في قطاعات "الماء والغذاء والطاقة" لدعم تنفيذ مشروعات مناخية باستثمارات تصل إلى 15 مليار دولار، ووقعت 8 عقود لإنتاج الوقود الأخضر، وجمعت 10.3 مليارات دولار لبرنامج "نوفي" للمشروعات الخضراء، ووقعت مع السعودية مذكرة تفاهم في مجالات الكهرباء والطاقة المتجددة والهيدروجين النظيف.

خلافات أيام المؤتمر الأخيرة.. والتوصل إلى حلول نسبية

بحسب البرنامج الذي أعلنته إدارة المؤتمر، كان من المفترض أن تنتهي الفعاليات يوم الجمعة 18 نوفمبر/تشرين الثاني، إلا أنّ وزير الخارجية المصري سامح شكري أعلن تمديد الجلسات يوماً إضافياً، ثم أتبعه بيومٍ آخر، ليختتم المؤتمر جلساته يوم الأحد.

كشفت المساعي المصرية لمنح الحضور يومين إضافيين حجم الانقسامات التي شهدتها القمة بين الأطراف المشاركة، وبالتحديد في ملف المساعدات المالية التي يفترض أن تقدمها البلدان الأكثر تقدماً وثراء لمساعدة البلدان الفقيرة، بهدف التقليل من حجم الآثار السلبية الناجمة عن التغير المناخي.

وتتخذ مسألة المساعدات المفترضة اسم "الخسائر والأضرار"، وتسعى الدول النامية منذ عقود بالتعاون مع الأمم المتحدة لحثّ الدول المتقدمة صناعياً على التزامها، لكن البلدان الغنية بدورها تقاوم عرض هذه المسألة للنقاش، وتخشى الوصول إلى قرار أممي نهائي يلزمها دفع تعويضات مالية على مدى عقود لاحقة، وذلك بسبب إسهاماتها في حدوث التغيّر المناخي بدرجات كبيرة، بحكم أنها الدول الأكثر تقدماً في مجالات الصناعة واستخدام الوقود.

لكنّ المختلف في هذه القمة هو الإحساس المضاعف بالخطر لدى الدول النامية بعد الفيضانات التي حدثت في باكستان ونيجيريا ودول أخرى، إذ تسبب ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن عقود من التلوث البيئي بحدوث تهديد مباشر لحياة البشر في تلك الدول، وبالتالي تعالت الأصوات التي تطالب الدول الغنية بالتزام مسؤولياتها تجاه هذه القضية.

وأفادت التقارير الختامية للمؤتمر بأن المجتمعين نجحوا في التوصل إلى اتفاق على إنشاء صندوق "الخسائر والأضرار" بعد سيل من النقاشات الحادة والنزاعات. وقال مراقبون إن التوصل إلى هذا الاتفاق أنقذ المؤتمر من الفشل في الساعات الأخيرة. مع ذلك، فإن المعركة حول الصندوق لم تنتهِ، إذ إن القرار لم يحدد عمداً بعض النقاط والتفاصيل المرتبطة بآلية العمل والتمويل.

كذلك، تعد مسألة خفْض استخدام الوقود الأحفوري للحد من ارتفاع درجات الحرارة موضع نزاع عميق برز في الساعات الأخيرة؛ ففي مؤتمر العام الماضي الذي عقد في غلاسكو الاسكتلندية، انقسم المجتمعون حول قضية استخدام الفحم، إذ أرادت البلدان الغنية التخلي تدريجياً عن استخدام معظم الوقود الأحفوري الملوّث للبيئة، بخلاف رغبة بلدان ذات اقتصادات نامية، من بينها الصين والهند.

واستقرت الأمور في غلاسكو على التدرّج في خفض الاستخدام عوضاً عن التخلي التدريجي عنه، فيما طالبت الهند وغيرها من الدول بأن يشمل "الخفض التدريجي" الغاز والنفط أيضاً، ولم تفعل مسودة الوثيقة الختامية التي تم طرحها في "كوب 27" سوى إعادة صياغة الوثيقة النهائية الصادرة في "كوب 26".

أما بخصوص حصر الاحترار، فقد أقر المؤتمر إعلاناً ختامياً يحثّ على خفض سريع لانبعاث الغازات، وأعاد التأكيد على هدف حصر الاحترار بـ1,5 درجة مئوية، وهو المعدل الذي أقره اتفاق باريس لعام 2015، ما طمأن دولاً وهيئات، مثل الاتحاد الأوروبي، كانت قد عبرت عن قلقها من التراجع عن هذا الهدف، ولوّحت بإعلان فشل المؤتمر.