طلب بوركينا فاسو انسحاب القوات الفرنسية وتنامي معارضة الوجود الفرنسي في أفريقيا
في حين تقول بوركينا فاسو إن قرار انسحاب القوات الفرنسية لا يعني نهاية علاقاتها مع باريس، وأن البلاد لا تزال تريد الدعم الفرنسي على شكل عتاد عسكري؛ لكنّ المرجح أن يكون هذا القرار نهاية العلاقات بين الجانبين.
قررت حكومة الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو، إبراهيم تراوري، الأسبوع الماضي، إنهاء اتفاق عسكري وقعته البلاد مع فرنسا في 18 كانون الثاني/يناير 2018، والذي يسمح للقوات الفرنسية بقتال المسلحين على الأراضي البوركينابية. وأفاد بيان حكومة بوركينا فاسو أن البلاد تمنح فرنسا شهراً فقط لسحب قواتها، وأن بوركينا فاسو مستعدة للدفاع عن نفسها في مواجهة الإرهابيين والمسلحين التابعين لتنظيم "القاعدة" و "داعش" الذين استولوا على ثلث مساحات البلاد، وشردوا ملايين السكان في منطقة الساحل.
وبالرغم من أهمية الاتفاق العسكري الذي أبرمته الحكومتان الفرنسية والبوركينابية في عام 2018، فإن القوات الفرنسية موجودة في دول بغرب أفريقيا منذ عام 2013 على أساس محاربة الجماعات الإرهابية. ومع ذلك، تصاعدت احتجاجات معارضي الوجود العسكري الفرنسي في دول بالمنطقة نتيجة الشك في أهدافه، والاعتقاد بأن فرنسا لم تفعل ما يكفي للتصدي للإرهابيين الذين انتشروا في السنوات الأخيرة من مالي إلى دول جديدة في الساحل، بما في ذلك بوركينا فاسو وساحل العاج المجاورتان لمالي.
رد فرنسا على القرار
إن قرار طرد القوات الفرنسية جزء من تطورات متسلسلة، منذ العام الماضي، بشأن تدهور علاقات بوركينا فاسو مع باريس؛ إذ سبق هذا القرار إعلان وزارة الخارجية الفرنسية في كانون الأول/ديسمبر 2022 أنها تلقت رسالة من سلطات بوركينا فاسو طالبتها فيها برحيل سفير فرنسا من واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو. ويُلاحظ من الردّ الفرنسي أن باريس تبدو متفاجئة من طرد قواتها، إذ قال الرئيس إيمانويل ماكرون بعد صدور القرار إنه ينتظر توضيحات من الرئيس الانتقالي البوركينابي، إبراهيم تراوري بشأنه.
وفي وقت لاحق، قالت وزارة الخارجية الفرنسية إن فرنسا تلقت بالفعل إخطاراً رسمياً من حكومة بوركينا فاسو بإنهاء اتفاق 2018، وسحب قواتها المسلحة الموجودة في البلاد، وأنها ستفعل ذلك في غضون شهر.
ويضاف إلى ما سبق تأكيد باريس أنه، وفقاً لبنود الاتفاقية العسكرية مع بوركينا فاسو، ستحترم هذا الطلب. وعليه، يُتوقع نقل القوات الفرنسية الخاصة من بوركينا فاسو إلى تشاد أو النيجر حيث توجد وحدة كبيرة من القوات الفرنسية والأوروبية. وفيما يتلاشى الوجود الفرنسي في مالي وبوركينا فاسو، فإن فرنسا تعمل على تعزيز قواتها في النيجر التي تعاني من الإرهاب ويُنظر إليها على أنها حليف غربي قيِّم في منطقة الساحل.
ويلاحظ من تصريحات المسؤولين البوركينابيين أن حكومة البلاد غير مستعدة للتراجع عن القرار، وأنها حسمت موقفها بصرف النظر عن مواقف جيرانها الإقليميين أو الانتقادات الدولية التي تتهمها منذ شهور بـ "موالاة المرتزقة الروس"، حسب تعبيرهم.
وأفاد المتحدث باسم حكومة بوركينا فاسو، ريمتالبا جان إيمانويل ويدراوغو، عبر التلفزيون الوطني، بأن القرار ليس مرتبطاً بأي حدث معيّن، ولكنه "ترتيب طبيعي للأمور"، وخطوة يُفترض من فرنسا توقعها؛ لأن الأساس تسليم المسؤولية الأمنية إلى بوركينا فاسو للدفاع عن نفسها.
وفي حين تقول حكومة بوركينا فاسو إن القرار لا يعني نهاية علاقاتها الدبلوماسية مع فرنسا، وأن البلاد لا تزال تريد الدعم الفرنسي على شكل عتاد عسكري؛ لكنّ المرجح أن يكون هذا القرار نهاية العلاقات بين الجانبين، اعتماداً على حالة مالي المجاورة لها التي انسحبت منها القوات الفرنسية في عام 2022، منهيةً وجوداً عسكرياً استمر لمدة 10 سنوات، بعد تدهور العلاقات بين البلدين.
وما يؤكد صعوبة بقاء علاقة دبلوماسية بين بوركينا فاسو وفرنسا بعد القرار، وجود تقارير تفيد بوجود اتصالات ومساع سرية لبوركينا فاسو للاستعانة بمجموعة "فاغنر" الروسية، وهي الخطوة نفسها التي ترفضها باريس في مالي، إذ اتهم الرئيس ماكرون روسيا بالتأثير "المفترس" في الدول الأفريقية المضطربة.
ما الذي يعنيه هذا القرار؟
يمكن القول إن طلب بوركينا فاسو سحب القوات العسكرية الفرنسية أحدثُ انتكاسة للوجود الفرنسي في الساحل، وذلك بعد انسحابها من مالي في أعقاب الانقلاب العسكري والانهيار النهائي للعلاقات مع حكومة مالي العسكرية. وما يعضد هذه النقطة أن ضمن أسباب انقلاب أيلول/سبتمبر 2022 - أي ثاني انقلاب في 8 أشهر – في بوركينا فاسو والذي نفّذه الرئيس الانتقالي الحالي، إبراهيم تراوري، ضد سلفه الجنرال، بول هنري سانوغو داميبا؛ أن هناك شعوراً لدى الجنود الشباب بميل داميبا إلى فرنسا وتقاعسه عن وعده بمحاربة الإرهابيين.
وبعد انقلاب تراوري، خرج بعض البوركينابيين إلى الشوارع مؤيدين خطوته الانقلابية، فيما استهدف محتجون غاضبون السفارة الفرنسية والمركز الثقافي والقاعدة العسكرية في بوركينا فاسو، وطالب المتظاهرون فرنسا بمغادرة البلاد، وأشاروا إلى السلطات العسكرية المؤقتة في بوركينا فاسو بالتوجه نحو روسيا في محاربة المتمردين المسلحين.
ويتمركز حالياً نحو 400 من القوات الفرنسية الخاصة في بوركينا فاسو في مهمة يطلق عليها اسم " Sabre" - كجزء من وجود عسكري أوسع لمحاربة الإرهابيين في جميع أنحاء منطقة الساحل.
ولا غرابة من قرار بوركينا فاسو؛ اعتماداً على حقيقة أنه عقب انقلاب الجنرال تراوري في أيلول/سبتمبر الماضي، اتهمت حكومة بوركينا فاسو فرنسا بدعم سلفه الزعيم العسكري المخلوع داميبا في التخطيط لهجوم مضاد، كما أفاد تراوري في 17 كانون الثاني/يناير الحالي بأن المجلس العسكري البوركينابي يراجع علاقاته مع "دول معينة"، بما فيها فرنسا.
وهذا يعني ضمنياً أن قرار طرد القوات الفرنسية سيؤثر في إستراتيجية الاتحاد الأوروبي الجديدة، والتي تجعل بوركينا فاسو والنيجر ضمن دول غرب أفريقيا التي ستنشر فيها بعثاتها العسكرية الجديدة.
ويضاف إلى ما سبق أن تطورات ما بعد طرد القوات الفرنسية من بوركينا فاسو قد تؤكد في قادم الأيام أو الشهور تصريح رئيس غانا، نانا أكوفو-أدو، الذي اتّهم في كانون الأول/ديسمبر 2022 السلطات في بوركينا فاسو - جارة غانا - بالتوقيع على اتفاقية مع مجموعة "فاغنر" الروسية للعمل في حدود غانا الشمالية مع بوركينا فاسو.
ولم تقدّم الحكومة الغانية أي دليل بخلاف الرحلة التي قام بها رئيس وزراء بوركينا فاسو إلى موسكو، ومزاعم من أن منجماً في جنوب بوركينا فاسو قد قُدِّم للروس. وقد نفت بوركينا فاسو هذه المزاعم بشدة، وأدت التصريحات إلى توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إذ استدعت حكومة بوركينا فاسو سفير غانا في واغادوغو لتوضيح تصريحات الرئيس أكوفو-أدو.
من جانب آخر؛ يلخص رحيل القوات الفرنسية من بوركينا فاسو أزمة أوسع نطاقاً تتطور بين فرنسا ومستعمراتها السابقة في أفريقيا، وتكشف اتجاهات جديدة مهّد لها سيناريو مماثل في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، حيث ينتشر متمردون في مناطق البلاد المختلفة، ويهددون بزعزعة استقرار البلدان المجاورة. وبالتالي، تلجأ هذه الدول إلى روسيا لاستعادة الأراضي المفقودة. وهو سيناريو حقق نتائج إيجابية نسبياً في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي.
لكن حكومة بوركينا فاسو أكّدت لباريس أنها لن تلجأ إلى مجموعة "فاغنر" الروسية لدعم جيشها. فيما نُقِل عن الجنرال، ديدييه كاستريس، نائب رئيس الأركان السابق للعمليات في الجيش الفرنسي، والمتمركز سابقاً في مالي المجاورة، قوله: "ستُبْقِي فرنسا الأبواب مفتوحة ما دامت فاغنر لم تتدخل في بوركينا فاسو".
وكشفت تقارير زيارة فريق اتصال من "فاغنر" لبوركينا فاسو، وخاصة أن رئيس الوزراء البوركينابي، أبولينير كيليم دي تامبيلا، قال بعد زيارته لموسكو الشهر الماضي إنه يريد أن تصبح روسيا حليفة في القتال ضد الإرهابيين. وهذا يعضد الموقف السائد في الأوساط الأميركية إثر انقلاب تراوري من أن هناك احتمالاً للجوء الحكومة العسكرية الجديدة إلى مجموعة "فاغنر"، إذ قال رئيس المجموعة، يفغيني بريغوزين، بعد الانقلاب إن "فاغنر" كانت على استعداد لمساعدة المجلس العسكري الجديد في البلاد.
وفي حين يرى مسؤول فرنسي كبير إن قرار طرد قوات بلاده قد يسرع الشراكات الأخرى التي أطلقتها سلطات بوركينا فاسو منذ شهور مع حلفاء جدد مثل روسيا أو إيران أو تركيا؛ فإن بعض الخطوات الجديدة التي تلجأ إليها الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول الغربية لردع الدول الأفريقية عن التحالف مع روسيا تتمثل في التهديد بعقوبات؛ إذ كشفت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، أنها ناقشت موضوع العقوبات على روسيا مع جميع الدول الأفريقية التي زارتها مؤخراً، وأنها حثت شركات هذه الدول وسلطاتها المحلية على الالتزام بهذه العقوبات، وهدّدتْها برد سريع وحاسم من واشنطن في حال انتهاكها.
ولكن السؤال القائم الآن هو: هل سيردع هذا التهديد الأميركي الدول الأفريقية عن التعامل والتحالف مع روسيا؟ وهل ستمتثل هذه الدول لهذه العقوبات الأحادية الجانب التي تمسّ مصالح عدد من الدول؟
الجواب: لا، إذ صرح مسؤولو دول أفريقية مختلفة بأهمية احترام سيادتهم في اتخاذ القرارات، وتبنّي المواقف، حسب مصالحهم الوطنية. وقالت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا، ناليدي باندور، إن بلادها تبحث مع روسيا توسيع التعاون في الاقتصاد والتجارة والزراعة والدفاع، وأن بلادها ألمحت للولايات المتحدة الأميركية بأنها تريد إعادة النظر في العقوبات.