انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة: 5 تحدّيات أمام النظام والمعارضة معاً

يعتقد قطاع من الناشطين السياسيين في مصر أن العملية الانتخابية ربما تشهد منافسة حقيقية إذا سارت الأمور على نحوٍ سليم.

  • الانتخابات المصرية.
    الانتخابات المصرية.

لا شكَّ في أن الدولة المصرية على موعد مع حدث سياسي بالغ الأهمية يتمثل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذ تقرر إجراؤها نهاية العام الجاري، على أن يتسلّم الرئيس الجديد مهام عمله خلال عام 2024، لتكون بذلك خامس انتخابات رئاسية تعددية مباشرة في عمر البلاد، وثالث انتخابات رئاسية بعد 30 حزيران/يونيو 2013. 

كانت آخر مرة انتخب المصريون فيها رئيسهم عام 2018. حينها، فاز الرئيس عبد الفتاح السيسي بالمنصب بعدما تغلّب على منافسه موسى مصطفى موسى بفارقٍ ضخم، إذ حصل السيسي على أكثر من 97% من الأصوات، لكنّ العديد من الهيئات الحقوقية شكك حينها في طبيعة العملية الانتخابية، مشيراً إلى تدنّي نسب المشاركة وخنق المجال السياسي، ما أدّى إلى غياب المنافسين الحقيقيين.

وبحسب الدستور المصري لعام 2014، فإن الانتخابات الرئاسية كان يُفترض أن تجري عام 2022، وما كان ليُسمح للرئيس الحالي بالترشّح لمدة جديدة (ثالثة)، لكنّ تعديلاً دستورياً أُجري في نيسان/أبريل 2019، تقرر بموجبه تعديل المادة 140 لإطالة فترة الولاية الرئاسية من 4 إلى 6 سنوات، كما تم استحداث المادة 241 الانتقالية ليُسمح للرئيس السيسي بالترشح لفترة إضافية. 

وينتظر المصريون إعلان القائمة النهائية للمرشحين على منصب رئيس الجمهورية في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر، ولم يعلن بعد الرئيس المصري، الذي يتولى السلطة في البلاد منذ قرابة عقد، عزمه على الترشح لولاية ثالثة، إلا أنه أمرٌ بات في حكم المؤكد، وفق مراقبين. 

ومن المتوقع أن تُقدم القوى السياسية على الدفع بمرشحيها خلال الفترة المقبلة، وخصوصاً أن الحركة المدنية الديمقراطية، وهي أبرز تجمع للمعارضة حالياً، لم تحسم موقفها بعد من المشاركة أو دعم أحد المرشحين المحتملين. 

ومن أبرز الشخصيات التي أعلنت ترشحها لانتخابات الرئاسة النائب السابق والمعارض البارز أحمد طنطاوي، الذي يلتف حوله قطاع كبير من الشباب الطامحين إلى التغيير، إضافة إلى فريد زهران، رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي المعارض، وكذلك عبد السند يمامة، أستاذ القانون الدولي، ورئيس حزب الوفد، وأخيراً حازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري.

ويعتقد قطاع من الناشطين السياسيين أن العملية الانتخابية ربما تشهد منافسة حقيقية إذا سارت الأمور على نحوٍ سليم، وتم السماح لممثلي المعارضة طنطاوي وزهران باستكمال الإجراءات اللازمة، ثم أُتيحت لهما الفرصة لعقد اللقاءات والمؤتمرات الجماهيرية وحشد الأنصار من دون تدخلات أمنية أو حملات إعلامية من جانب المؤسسات المملوكة للدولة.

في الجانب الآخر، يشير مراقبون إلى أن مصر تعيش مرحلة خمول سياسي، وأن قطاعات عديدة من المصريين تراجع اهتمامها بالقضايا العامة (بما فيها الانتخابات الرئاسية)، وأن التركيز كله صار منصبّاً على تدبير نفقات المعيشة، وخصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة الحاصلة الآن.

إضافة إلى ذلك، فإنّ كثيراً من أبناء الطبقة الوسطى والبرجوازيين بمراتبهم المختلفة -رغم شكواهم المتكررة من الأوضاع الحالية- لا يريدون التورّط في أي مغامرة سياسية قد تدفع بوجوه جديدة إلى السلطة، بما يؤدي إلى إحداث أي نوع من الاضطراب الأمني أو الفوضى التي تعيد إلى البلاد مشاهد "الربيع العربي" مُجدداً.

وتبعاً لتلك الرؤية، يكون المشهد برمته في مواجهة حزمة من التحدّيات، وذلك في حال أرادت النخبة السياسية المصرية، سواء كانت جزءًا من النظام الحالي أو ضمن المعارضة، إظهار العملية الانتخابية بصورة لائقة تُعبّر تعبيراً حقيقياً عن طموحات المصريين وآمالهم.

التحدي الأول: الأزمة الاقتصادية

من المفترض أن تجري انتخابات الرئاسة في مصر على خلفية أزمة اقتصادية قاسية، إذ يشعر المصريون بتهديد بالغ لأمنهم المعيشي، والسبب لا يعود فقط إلى الارتفاع الجنوني الذي لحق بأسعار كل السلع والخدمات، إنما إلى استمرار هذا الارتفاع من دون سقف، بما يعني أن الجنيه تتراجع قدرته الشرائية بشكلٍ يومي، كما يتراجع سعر صرفه أمام العملات الأجنبية.

تلك الأوضاع الاقتصادية الصعبة تجعل الجزء الأكبر من المصريين مهتمين بشكلٍ أساسي بالدفع بأنفسهم إلى سوق العمل بأقصى طاقة ممكنة، حتى يتمكنوا من تدبير متطلبات الحياة لهم ولمن يعيلونهم، وهو الأمر الذي لا يسمح لهم بهامش كافٍ للانخراط في الشأن السياسي، ولو كان الأمر يتعلق باختيار الشخصية التي تدير البلاد 6 أعوام مقبلة.

هذه الحالة من العزوف السياسي المرتبطة بالأزمة الاقتصادية الحالية مرتبطة أيضاً بشعور المواطنين بعدم جدوى "التغيير السياسي"، وخصوصاً أن برامج المرشحين متشابهة بدرجة ما في ميدان الاقتصاد، وتخلو من الوعود الجادة والناجزة التي يمكنها بالفعل أن تنتشل المصريين من ظروفهم الصعبة.

صحيح أن هناك قطاعاً من الشباب والشابات يهتمّ بإحداث تغيير في الأوضاع الأمنية والسياسية للبلاد، بما يحقق انفراجة ما تسمح بـ"حرية العمل السياسي"، كما كانت الحال في نهايات عصر حسني مبارك على الأقل، لكن في المقابل، فإن أكبر نسبة من المصريين تركز على الشأن الاقتصادي، وتدرك أنه ما دام "زيد يشبه عبيداً"، فلا طائل من استنزاف الوقت في نشاط غير مجدٍ.

هنا، سيكون المرشحون أمام تحدٍ حقيقي من أجل إقناع المصريين بوعودهم الانتخابية وبجدوى المشاركة، وهذا لن يحدث إلا إذا تمكّنوا من إثبات قدرتهم، في حال فوزهم، على تحسين أوضاعهم المعيشية أو على الأقل التخفيف من حجم معاناتهم.

التحدي الثاني: نسبة المشاركة

عندما بدأ الحراك السياسي الواسع في الدول العربية، وطفا على السطح حديثٌ متكرر عن أهمية الاحتكام إلى الجماهير عبر الصندوق الانتخابي، وعن ضرورة حماية عملية التصويت من التزوير أو التزييف، أكد خبراء السياسة أن نزاهة الانتخابات ليست المعيار الوحيد للحكم على العملية الانتخابية، بل هناك عامل آخر بالغ الأهمية هو "نسبة المشاركة في الانتخابات".

يُعتبر الإقبال على صندوق الانتخاب مؤشراً على إيمان الناس بجدوى التصويت، ودليلاً على مدى اهتمام جماهير الشعب بالشؤون العامة. في المقابل، فإن تدني نسب المشاركة يُعدّ موقفاً سياسياً ورسالةً مفادها أن العملية الانتخابية مرفوضة كلياً أو غير مقنعة بالدرجة الكافية.

وقد شهدت انتخابات الرئاسة التي جرت عام 2012 بعد ثورة يناير إقبالاً معقولاً إذا ما قورنت بانتخابات عامي 2014 و2018، مع العلم أن الدولة المصرية بذلت جهوداً مضنية لحثِّ المواطنين على الذهاب إلى لجان التصويت في المرتين الأخيرتين، لكن من دون طائل، بحسب إحصاءات جهات دولية محايدة.

وكانت نسبة مشاركة المواطنين في انتخابات الرئاسة الأميركية 2020 قد بلغت نحو 66%، كما بلغت نسبة المشاركة في آخر انتخابات رئاسية في تركيا نحو 88%، فيما لم تصل نسب المشاركة في أي انتخابات رئاسية في مصر إلى هذه الأرقام، بما يشمل جولة الإعادة التي جرت في انتخابات عام 2012 بين محمد مرسي وأحمد شفيق، والتي شهدت إقبالاً نسبته نحو 51%.

ويؤكّد الخبراء أن المتابعين الدوليين الذين سيراقبون الانتخابات المصرية المقبلة لن يركّزوا على عدد الأصوات التي سيحصل عليها كل مرشح بقدر ما سيتم التركيز على نسب المشاركة، وخصوصاً تلك التي تنشرها الهيئات الإحصائية المستقلة، لأنها ستكون تعبيراً حقيقياً عن ثقة المصريين بالمرشحين وبجدوى المسار الانتخابي ذاته، وهذا هو التحدي الأبرز في الحقيقة.

التحدي الثالث: اللااكتراثية السياسية 

تكشف النشرات الإحصائية الدورية أنّ المصريين صاروا غير مكترثين إلى حد بعيد بأمور السياسة. هذه الحالة منتشرة بين كثير من المواطنين، سواء كانوا حاصلين على تعليم عالٍ أو غير حاصلين عليه، ولا يمكن تفسير تلك الحالة عبر إرجاعها إلى سبب واحد، بل هي نتاج جملة من الأسباب، على رأسها:

أ- تجربة "الربيع العربي" التي دفعت الجماهير على عجلة إلى ميادين السياسة، وأرهقتهم في مناقشات جدليّة لم ترتقِ بثقافتهم بقدر ما استنزفت قواهم، ما جعلهم يزهدون في تكرار التجربة، وخصوصاً أن "الربيع" استحال "خريفاً" في العديد من الدول العربية، بما نتج منه من انهيار أمني وانتشار للجماعات المتطرفة وتحقيق لمآرب جهات خارجية.

ب- الأحوال الاقتصادية الصعبة التي لا تترك هامشاً كافياً للتفكير في الشأن العام.

ج- غياب المنابر السياسية والإعلامية الجادة التي تستهدف تثقيف المواطن سياسياً، فأغلب المنابر اليوم بمنزلة جهات لخدمة طموحات شخصية، وهي تقدّم بروبغندا دعائية أكثر من أي شيء آخر. 

د- تعدد المظاهر التي تخطف أعين الأجيال الجديدة، فهناك مواقع التواصل الاجتماعي والمنصّات التي توفّر مئات الأفلام والمسلسلات، وتقدم حياة الشارع العصرية والسريعة والصاخبة. كل هذا لا يترك مساحة أمام الشباب صغير السن للقراءة في الموضوعات المتعلقة بالقضايا الكبرى والشؤون العامة، وإن حاول أحدهم، فإنه غالباً ما يقع ضحية إحدى المنابر غير المسؤولة التي تقدّم معلومات مضللة عبر مواقع التواصل.

هذه الحالة من "اللااكتراثية السياسية" بمنزلة تحدٍ آخر أمام المثقفين والسياسيين المصريين، فإن لم يتمكنوا من اجتذاب عقول الشباب والشيوخ مرة أخرى إلى ميدان السياسة العامة، فلا جدوى حقيقية من تباري المرشحين أمامهم، فلن يتعاطى أحد بالإيجاب مع العملية برمتها إلا إذا كان صاحب مصلحة شخصية تتحقق له من جراء المشاركة.

التحدي الرابع: البرامج الانتخابية

في مصر والعديد من دول العالم النامي، حيث لا توجد أحزاب سياسية حقيقية تمتلك آراء فكرية متباينة، تصبح برامج المرشحين للانتخابات، سواء كانت برلمانية أو رئاسية، متشابهة إلى حد بعيد، وتتحاشى كلها القضايا الكبرى الخلافية التي يمكن أن تثير جدلاً، وتتحرك في المساحات الآمنة واعدةً الناس ببذل الجهد وعفاف اليد، من دون تفاصيل واضحة لكيفية الوفاء بتلك الوعود.

هنا، تكون القناعة العامة المسيطرة على عقول المرشحين ومديري حملاتهم أنَّ "الجماهير لا تعطي صوتها للبرنامج، إنما للشخص الذي يتمكن من اصطياد القلوب والعقول معاً". ربما يكون هذا حقيقياً في قليل أو كثيرٍ من الأحيان، لكنه في الآن ذاته لا يعني أنه مسار تنافسي وانتخابي سليم أو مُبشر.

هناك العديد من المصريين لا ينبغي تجاهل وجودهم، وهؤلاء لا يريدون قراءة برامج شبه منسوخة تحوي عبارات فضفاضة، بل يرغبون في التعرّف إلى أفكار المرشح بالفعل، وكيفية إدارته اقتصاد البلاد ومواقفه في السياسة الخارجية ورؤيته للمتغيرات العالميّة ورأيه في كل صغيرة وكبيرة يمكن أن تمسّ أمن البلاد والمنطقة بشكلٍ عام.

ومن المعلوم أن التمايز في برامج المرشحين ومواقفهم هو ما يصنع حالة الثراء السياسي المطلوبة حتى تخرج العملية الانتخابية في أكمل صورها، ومن المؤكد أن المناظرات الفكرية بين المتنافسين ستكون كفيلة بجذب قطاعات كبيرة من المصريين للاهتمام بالعملية الانتخابية، لكن ما جدوى تلك المناظرات إذا تشابهت البرامج وتماثلت الأفكار أو حتى اختلفت في نقطة أو اثنتين فيما يتعلق بملف "الحريات السياسية" في الداخل؟

التحدي الخامس: الموقف من التيارات الدينية

يمثّل هذا الأمر تحدياً لعموم المرشحين، لكنه يظهر بدرجة أكبر لدى مرشحي المعارضة، فهم مطالبون بتحديد موقف واضح من جماعات مثل الإخوان المسلمين أو الحركات السلفية الحليفة لها، وهو الأمر الذي يتجنبون الخوض فيه أو التعرّض له بدرجة كبيرة.

وربما يكون هذا الأمر بمنزلة عامل ضغط مركب على مرشحي المعارضة، فالبعض لا يريد خسارة أنصار الإخوان في الشارع المصري، والذين هم بطبيعة الحال خصوم للنظام السياسي القائم، لكنّ المعارضة في الآن ذاته تطرح نفسها باعتبارها امتداداً لثورتي 25 يناير و30 يونيو معاً، بما يعني أنها شريكة في إطاحة نظام الإخوان، وتتحفظ على سياسة هذه الجماعة وأفكارها.

ويسعى مؤيدو الرئيس الحالي لاستخدام هذه الورقة ضد خصومه المحتملين في الانتخابات المقبلة، في محاولةٍ لضمان تأييد قطاعات كبيرة من المصريين لا تريد عودة تيارات الإسلام السياسي إلى صدارة المشهد مرة أخرى.