النفط الليبي.. هل يعود الإنتاج إلى سابق عهده قبل 2011؟

كان العام الماضي، هو أول عام تتحسن فيه الأمور نسبياً على مستوى صادرات النفط الخام والغاز في ليبيا، إذ بلغت 21 ملياراً ونصف مليار دولار، في أعلى مستوى يُسجّل منذ 5 سنوات.

  • النفط الليبي.. هل يعود الإنتاج إلى سابق عهده قبل 2011؟
    النفط الليبي.. هل يعود الإنتاج إلى سابق عهده قبل 2011؟

تأثر قطاع النفط في ليبيا بالظروف غير الآمنة التي تعيشها البلاد منذ أحداث عام 2011 المدعومة من حلف شمال الأطلسي، شأنه في ذلك شأن مختلف القطاعات والنشاطات التجارية والتصديرية الأخرى، إذ تسببت الحرب الأهلية وتراجع معدلات الأمان، إضافة إلى تفشي حالات الفساد بخسارة ليبيا مليارات الدولارات، التي كان يمكنها أن تُحدث فارقاً هائًلاً في معيشة المواطنين وفي مستوى الخدمات، التي يمكن أن توفرها الجهات الحكومية اعتماداً على هذا الكم من الأرباح.

ربما كان العام الماضي، هو أول عام تتحسن فيه الأمور نسبياً على مستوى صادرات النفط الخام والغاز، إذ بلغت 21 ملياراً ونصف مليار دولار، في أعلى مستوى يُسجّل منذ 5 سنوات، وقد أرجع الخبراء ذلك الانتعاش إلى تعافي السوق العالمية من تبعات فيروس كوفيد 19، وارتفاع الطلب الأوروبي على النفط والغاز الليبيين.

وعلى الرغم من التحسّن الذي بدأ يطرق أبواب قطاع النفط في ليبيا، إلا أنه لا يزال دون المستوى الذي كانت تنتجه البلاد في عهد معمر القذافي؛ فبحسب تصريحات محمد عون وزير النفط الليبي في حكومة "الوحدة"، فإن ليبيا أنتجت في أفضل أحوالها نحو مليون و200 ألف برميل يومياً، في مقابل مليون و650 ألف برميل كانت تنتج يومياً عام 2010، أي قبل دخول البلاد في نفق الاحتراب والفوضى.

وتعتمد ليبيا منذ السبعينيات على عائدات صادراتها من الثروة الهيدروكربونية باعتبارها المصدر الرئيس للإنفاق الحكومي، إذ تمتلك البلاد أكبر احتياطات للنفط في أفريقيا، كما تحتل المرتبة الثامنة بين 10 دول لديها أكبر احتياطيات مثبتة من النفط، بـ 48.4 مليار برميل، وذلك استناداً إلى بيانات وزارة الطاقة السعودية ومنظمة "أوبك".

أهم التحديات التي تواجه قطاع النفط

لا تنفصل المشكلات المتعلقة بقطاع النفط في ليبيا عن المشكلة الرئيسة التي تواجه البلاد عموماً، التي تتمثل في وجود حكومتين: واحدة في الشرق تتمتّع بدعم من قوى إقليمية وعربية، والأخرى في الغرب تدعمها الأمم المتحدة، هذا الانقسام الذي يبدو وكأنه عصي على الحل العسكري والدبلوماسي على حد سواء، يصيب البلاد بحال من الشلل الإجرائي، ويعطّل عدداً من مشروعات البنية التحية اللازمة لتحسين إنتاج النفط في البلاد وتسهيل عمليات تصديره.

بحسب المعلن، فإن المؤسسة الوطنية للنفط هي الكيان المسؤول عن مراقبة إنتاج وتسويق نفط البلاد في الخارج، ومقرّها في طرابلس، ما يجعلها تابعة لسلطات المنطقة الغربية التي يديرها عبد الحميد الدبيبة، وقد حاولت الأطراف المتصارعة السيطرة على المؤسسة الوطنية للنفط منذ عام 2014، لأنها تُعَد البوابة الرئيسة للتحكم بعائدات تصدير النفط والغاز إلى الخارج.

ويشرف على القطاع، اليوم، محمد عون الذي يتولى حقيبة النفط في حكومة الدبيبة، إلا أن هذا لم يمنع من وقوع تصادم مكتوم بين الطرفين في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري، على خلفية تكليف عبد الحميد الدبيبة وزير الاقتصاد والتجارة محمد الحويج توقيع مذكرة تفاهم مع تركيا في مجال التنقيب عن الطاقة، في غياب وزير النفط، ثم قيامه بإعادة تأليف المجلس الأعلى للطاقة.

ويمكن تلخيص العقبات التي تواجه إنتاج النفط الليبي، في النقاط الآتية:

1- عدم وجود جهة اختصاص واحدة تدير الأمور في عموم البلاد، ما يعطّل بعض القرارات التي تتخذها المؤسسة النفطية في طرابلس، عندما لا تتوافق ومصلحة أو رؤية زعماء السلطة في المنطقة الشرقية الذين يتقدّمهم قائد الجيش المشير خليفة حفتر وفتحي باشاغا رئيس الحكومة المنتخبة برلمانياً، علماً بأن حقول النفط والبنية التحتية في ليبيا تقع بمعظمها في شرقي البلاد.

2- تدخُّل عدد من الأطراف الدولية في الساحة الليبية، وتعدّد الولاءات الخارجية داخل الحكومة الواحدة، وغياب المصلحة الوطنية.

3- تدهور الأوضاع الأمنية في مختلف أنحاء ليبيا، وتراجع حضور الجيش ومؤسسات الأمن الرسمية لمصلحة التشكيلات القبلية والعصابات المنظمة والجماعات الدينية المتطرفة.

4- الاحتجاجات التي تحدث على نحو متكرر وتؤثّر في عملية الإنتاج والتصدير إلى الخارج، فعلى سبيل المثال، تسبّب الاضطراب الأمني والسياسي بهبوط الإنتاج منتصف العام الجاري من مليون و200 ألف برميل يومياً إلى 100 ألف فقط، بعد أن أغلق المحتجون ميناءي النفط الرئيسين شرقي البلاد، السدر، ورأس لانوف، بعد أن كانت مجموعات أخرى قد عطلت العمل في حقلي الشرارة والفيل الرئيسين.

5- الاتهامات التي تطال المسؤولين بغياب التوزيع العادل لإيرادات النفط، إذ يتهم بعض سكان المناطق الشرقية والجنوبية "مؤسسة النفط" بمحاباة العاصمة ومناطق في غربي ليبيا، إضافة إلى وقائع الفساد التي ينشر تفاصيلها مواطنون ليبيون على مواقع التواصل الاجتماعي في غياب واضح للجهات الرقابية التي يمكنها الفصل في صحة أو بطلان تلك الشبهات.

6- تدهور أوضاع البنية التحتية، ما يجعل العمل في حقول النفط معرضاً للتوقف على نحو متكرر بسبب مشكلات فنية تتعلق بالكهرباء وما شابه.

زيادة الطلب الأوروبي على النفط الليبي

من الوارد أن تؤدي ليبيا دوراً أساسياً في استقرار أسواق النفط الدولية على المدى المنظور، وأن تمثل حلاً للتقليل من اعتماد الدول الأوروبية على النفط القادم من روسيا، الذي تعدّه الدول الأعضاء في حلف الناتو ورقة ابتزاز في يد موسكو، خصوصاً إذا نجحت الإدارة الجديدة للنفط الليبي في تنفيذ مشروعها لرفع القدرة الإنتاجية من الخام.

وتمتلك ليبيا 3% من احتياطيات النفط المثبتة في العالم، وفي حين أنها عضو في منظمة أوبك للنفط، لكنها ليست ملزمة بسقف للإنتاج بسبب حالة الاضطراب والفوضى التي تعانيها، بما يعني أنه يمكن أن تستخرج البلاد وتصدر النفط بالقدر الذي تريد.

وتعد ليبيا قريبة من أوروبا جغرافيا بما يعني أنها تتمكن بسهولة من نقل النفط عن طريق البحر الأبيض المتوسط بوسائل أسهل بكثير من منتجي نفط آخرين في القارة الأفريقية أو في آسيا، ويصدر معظم نفط الليبي إلى الدول الأوروبية.

وكان المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، لويس ميغيل بوينو، قد صرح بعد نحو أسبوعين من اندلاع الحرب في أوكرانيا بأن أوروبا ستعتمد في الفترة المقبلة على ليبيا اعتماداً كبيراً، لتنويع مصادر الغاز والطاقة.

وكان الاتحاد الأوروبي يحصل على 40 في المئة من احتياجاته من الغاز و30 في المئة من احتياجاته من النفط من روسيا.

وتؤدي إيطاليا وفرنسا دوراً مهماً في سياق استيراد النفط والغاز من ليبيا، باختلاف المسارات التي تتخذها البلدان، حيث كانت باريس تركز على السلطات في شرقي البلاد، فيما تعقد روما اتفاقياتها مع طرابلس وتعزز علاقاتها بالدبيبة، وإن كانت السياسة الفرنسية قد تغيرت بالتدريج منذ عام 2019، ثم حدث توافق ما بين البلدين الأوروبيين في مؤتمر باريس الذي انعقد تشرين الثاني/نوفمبر2021.

مشروعات متوقعة للنهوض بقطاع النفط من جديد

احتلت أوضاع قطاع النفط داخل ليبيا مساحة معتبرة من النقاش الذي دار خلال الاجتماع الـ109 لمجلس وزراء منظمة الأقطار العربية المصدرة "أوابك "، والذي عقد في دولة الكويت في الأسبوع الثاني من شهر كانون الأول/ديسمبر الجاري، إذ جرى التعرض لاحتمالات تحسّن أوضاع القطاع مستقبلاً.

في هذا السياق أعلن وزير النفط الليبي في "حكومة الدبيبة" سعي وزارته لرفع مستويات إنتاج البلاد من النفط إلى مليون و600 ألف برميل يومياً في غضون 3 سنوات، أي الوصول من جديد لمعدلات الإنتاج في 2010.

وكانت المؤسسة الوطنية للنفط، قد ناشدت شركات النفط العالمية أن تعود إلى ليبيا وتواصل عملها في التنقيب على مصادر الطاقة، بعد سنوات على خروجها من ليبيا بسبب الظروف الأمنية المعقدة طوال السنوات العشر الماضية.

وجاءت هذه المناشدة بعد أيام من رفع حكومة الوحدة "حال القوة القاهرة" عن جميع الآبار والمواقع النفطية بعدما تحسنت الأوضاع الأمنية في الفترة الماضية في البلاد، وتوافرت الظروف الملائمة للشركات النفطية الأجنبية لمواصلة عملها في ليبيا.

ومن المرجح أن تفتح هذه الدعوة الباب على مصراعيه أمام الدول التي كانت تملك عقوداً طويلة في مجال الطاقة الليبي، مثل فرنسا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة، وكذلك بعض الدول الأخرى التي بدأت تزج بنفسها في سوق النفط الليبي أخيراً، مستفيدة من تحالفات مع الأطراف القوية في السنوات الأخيرة، مثل تركيا وروسيا، علماً أن الحكومات الليبية دائماً ما كانت تشكو من تردد الشركات الأجنبية في العمل داخل البلاد.

وكان مسؤولون في قطاع النفط قد تحدثوا في صيف العام الجاري عن مشروعات طموحة تمتد إلى 10 سنوات، تتمكن بعدها ليبيا من إنتاج 3 ملايين برميل يومياً، مشيرين إلى أن الأطراف المتصارعة تعي أهمية استمرار تصدير النفط إلى الخارج، خصوصاً أن لدى البلاد 29 اكتشافاً نفطياً و12 اكتشافاً غازياً جديداً وفق دراسة أجرتها وزارة النفط والغاز.

على صعيد مقابل يرجّح خبراء صعوبة في تحقيق تلك المشروعات الطموحة في ظل الانقسام السياسي، ضاربين مثالاً، إعلان البرلمان الليبي الذي يتخذ من بنغازي في شرقي البلاد مقراً له أن أي "اتفاقية أو معاهدة أو مذكرة تفاهم، مع حكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية، مرفوضة وغير قانونية"، وقد جاء هذا الإعلان رداً على دعوة حكومة طرابلس الشركات الأجنبية إلى الاستثمار في قطاع النفط.

ويؤكد اقتصاديون أن شركات النفط الكبرى قد تتأنى قبل العودة إلى ليبيا، وتنتظر حتى تصل إلى السلطة حكومة متفق على شرعيتها بعد الانتخابات المقبلة حتى تحصل على عقود موثوقٍ بها ولا يجرى الطعن فيها.

وبناء على ما سبق فإن الظروف السياسية وحال النزاع على الشرعية ستظلان العائق الأبرز أمام عودة الاستثمارات الكبرى إلى داخل ليبيا، بالشكل الذي سيؤثر سلباً في قطاع النفط، ويحول دون التطور وملاحقة الطلب العالمي والأوروبي المتزايد، على النحو الذي سيحرم المواطن الليبي الاستفادة من عائدات النفط بالقدر اللازم.