قمح الشمال السوري بانتظار تسويقه.. و"قسد" تمنع تسليمه للحكومة
تكمل "الإدارة الذاتية" التابعة لـ "قسد" في شمال شرق سوريا سيطرتها على المنطقة وتمنع الفلاحين من تسليم محاصيلهم للحكومة السورية، وتفرض أسعاراً منخفضة لقاء المحاصيل التي تستلمها، لتخرج مظاهرات واحتجاجات ضدها في المناطق التي تسيطر عليها.
يعدّ شهرا أيار/مايو وحزيران/يونيو من الأشهر المفصلية والهامة في حياة أهالي محافظة الحسكة، شمال شرق سوريا، التي تعتبر العاصمة الزراعية لهذا البلد، لما لها من أهمية في إنتاج المحاصيل الاستراتيجية التي تحتاجها البلاد لأمنها الغذائي من قمح وشعير وقطن وعدس ومحاصيل عطرية.
وشهدت المحافظة خلال سنوات الأزمة السورية، تراجعاً ملحوظاً في الكميات المنتجة من هذه المحاصيل، بسبب ظروف الحرب، وسيطرة الجماعات المسلحة على مساحات واسعة منها، وعدم قدرة الحكومة السورية على توفير مستلزمات الإنتاج من سماد وأدوية وبذار ومحروقات لهذه المناطق، ما انعكس سلباً على الإنتاج العام للبلاد.
ومنذ القضاء على تنظيم "داعش" في العام 2019، والذي ترافق مع موسم إنتاج وفير، قرّرت "الإدارة الذاتية" الكردية التي تسيطر على نحو ثلث مساحة البلاد في شماله وشرقه، ومنها غالبية مساحة محافظة الحسكة، استلام محصولي القمح والشعير وحتى القطن، ومنع الفلاحين من تسليمه للمراكز الحكومية.
وبسبب هذا القرار تراجعت الكميات التي يتمّ بيعها إلى المراكز الحكومية إلى مستوى متدنٍ غير مسبوق العام الفائت والتي لم تتجاوز الـ6 آلاف طن، فيما استلمت "الإدارة الذاتية" أكثر من مليون ونصف مليون طن من إنتاجها، بزيادة أكثر من ثلاثة أضعاف حاجة المناطق التي تسيطر عليها، بعد أن كان سعر استلامها العام الفائت أغلى من التسعيرة الحكومية.
أما هذا العام ومع بدء عمليات حصاد المحاصيل الزراعية، فظهرت بوادر بتراجع "الإدارة الذاتية" عن سياسة رفع سعر الاستلام، بسبب امتلاء مخازنها وعدم وجود مساحات كافية للاستلام، خاصة مع الموسم الوفير نسبياً هذه السنة قياساً بالمواسم الثلاثة الأخيرة، وهو ما ظهر رسمياً من خلال تسعير سعر الكيلوغرام الواحد من القمح بـ 31 سنتاً (نحو 4600 ليرة سورية)، والامتناع عن استلام محصول الشعير.
وتعدّ هذه التسعيرة أقلّ من التسعيرة الحكومية، التي حدّدت سعر الكيلوغرام الواحد من القمح بـ 5500 ل.س أي ما يعادل 37 سنتاً، مع الاستعداد لاستلام محصول الشعير بسعر 3000 ل.س، ما يعادل 21 سنتاً.
احتجاجات شعبية
فور صدور قرار تسعيرة شراء محصول القمح من "الإدارة الذاتية" نفّذ عدد من الفلاحين والمزارعين اعتصامات واحتجاجات في غالبية المدن والبلدات الخاضعة لسيطرة "قسد"، لمطالبتها بالتراجع عن التسعيرة، وتحديد تسعيرة تراعي وجود هامش ربح مقبول للفلاحين.
ورفع المحتجون شعارات أكدت أنهم لن يسلّموا محاصيلهم لمراكز "الإدارة الذاتية" بهذه التسعيرة لكونها ستؤدي إلى خسارة الفلاحين، وعدم الوصول حتى لتكاليف الإنتاج. فيما طالب آخرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي برفع الحظر الموجود على الفلاحين، والسماح لهم ببيع محاصيلهم لمراكز الحكومة السورية، وعدم اعتراض الشاحنات، كما كان يحصل في السنتين الماضيتين.
"الإدارة الذاتية" متمسّكة بإجراءاتها
ردّت "الإدارة الذاتية" الكردية، عبر "هيئة الزراعة" التابعة لها على الاحتجاجات والمطالبات الشعبية، من خلال إصدار بيان أكدت فيه "أن تسعيرة القمح صدرت بناء على دراسة مع المجلس التنفيذي بحضور ممثّلين عن المجالس التنفيذية في المقاطعات والتي حدّدت سعر التكلفة لإنتاج الكيلوغرام من القمح بـ 29 سنتاً"، مشيرة إلى أنه " خلال التجارب السابقة للإدارة الذاتية في شراء المحاصيل الزراعية، يتم وضع هامش ربح للمزارعين يصل إلى 35 في المئة بحسب المحصول".
وبرّرت الإدارة الذاتية القرار، بأن مناطق الشمال السوري "تتعرّض لكوارث من ناحية الحصار الاقتصادي والهجمات والاعتداءات المتكررة من قبل العدوان التركي على البنية التحتية للاقتصاد، وخاصة آبار النفط، ما أدى لخسائر فادحة بالاقتصاد، وعدم القدرة الذاتية على إعطاء هامش ربح كبير للمزارعين، إضافة إلى انخفاض سعر القمح عالمياً".
كما منعت "الإدارة الذاتية" الفلاحين في مناطق سيطرتها من الوصول إلى 3 مراكز استلام حكومية في مدينة القامشلي وريفها، بما في ذلك محصولا القمح والشعير، برغم امتناعها عن استلام محصول الشعير، ما زاد من حالة السخط الشعبي، وتوجيه اتهامات إليها، بمنع الفلاحين من تحقيق أرباح في الموسم الذي يعدّ عماد الاقتصاد في محافظة الحسكة.
الحكومة جاهزة للاستلام
عقدت الجهات الحكومية في محافظة الحسكة، عدة اجتماعات مع الفلاحين والمزارعين، وممثلين عن الزراعة واتحاد الفلاحين، لتأكيد جاهزية الجهات الحكومية لاستلام الأقماح من الفلاحين.
وأكد محافظ الحسكة، لؤي صيوح، أن "مراكز استلام الأقماح الحكومية في محافظة الحسكة، جاهزة لاستلام كل حبة قمح ينتجها الفلاحون دعماً لهم"، مطالباً "كل الفلاحين في المحافظة الاستفادة من التسعيرة الحكومية المجزية وممارسة دورهم في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير مادة القمح عبر تسليم محاصيلهم للمراكز الحكومية".
فيما أكد رئيس اتحاد الفلاحين في الحسكة، عبد الحميد الكركو، لـ "الميادين نت"، أن "الإنتاج من مادة القمح هذا العام وافر، ويصل إلى ما يقارب المليون طن"، مؤكداً "مطالب الفلاحين بعدم اعتراضهم من قبل أي جهة، والسماح بتسليم أقماحهم إلى المراكز الحكومية"، ومشيراً إلى أن "الجهات الحكومية رفعت توصية لرئاسة الحكومة بإضافة مبلغ 500 ليرة سورية لفلاحي الحسكة، كخطوة تشجيعية إضافية لتسويق القمح".
بدوره، أكد مدير فرع مؤسسة "السورية للحبوب" في الحسكة، عمار الأحمد، "جاهزية مراكز الاستلام الحكومية لاستلام الأقماح من الفلاحين، وفق إجراءات ميسّرة، تضمن لهم الحصول على قيم فواتيرهم خلال فترة وجيزة"، مبيّناً أنه "تمّ استلام ما يقارب الـ 8 آلاف طن في ظل إقبال كبير من الفلاحين".
وتعدّ الكميات المستلمة خلال 5 أيام فقط من افتتاح مراكز التسليم، أكبر من كميات استلام الموسم الفائت بشكل كامل والتي لم تتجاوز الـ 6 آلاف طن فقط، وهو ما يؤشر على عمل الفلاحين لتجاوز العقبات التي تضعها "قسد" و"الذاتية" وتسليم محاصيلهم إلى مراكز الاستلام الحكومية.