فرنسا والقلق على المستقبل
انعدام الاستقرار السياسي، وتراكم الديون السيادية، وخفض التصنيف الائتماني لفرنسا يثير الكثير من المخاوف لدى الفرنسيين بشأن اقتصادهم ومستقبل الاستثمارات في بلادهم.
ينقضي العام الحالي بعد أيام في فرنسا على إيقاع تساؤلات مقلقة تسود المواطنين حول مصير بلادهم في ظل الأزمات التي تعاني منها، وأولها أزمة الحكم مع انعدام الاستقرار السياسي، ناهيك عن تراكم الديون السيادية، ومعه يشتد القلق لدى المواطنين الفرنسيين على مستقبلهم، وتكشف الأرقام أن الديون تواصل تحليقها إذ بلغت 3،303 مليار يورو في نهاية الربع الثالث من العام 2024 أي ما نسبته 113،7% من الناتج المحلي الإجمالي وفق المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية.
ومع هذه الأرقام تكون فرنسا قد تحولت إلى واحدة من أكثر الدول الأوروبية مديونية، من هنا يمكن فهم حجم القلق الذي يعتري الفرنسيين، يظهر استطلاع للرأي أن 89% من الفرنسيين خائفون للغاية من تداعيات الوضع الاقتصادي لبلادهم وتكاد النسبة تكون هي نفسها (86%)، وتعكس خشية من تبعات الدين العام على حيواتهم ومستقبلهم، القلق على المستقبل يترجم أيضاً بخوف الفرنسيين على وظائفهم.
ولا يقتصر خوفهم على هذه النقاط، بل أيضاً على المدَّخرات، وهي من قدس الأقداس لدى المواطن الفرنسي، إذ تروج منذ فترة شائعات عن إمكانية لجوء السلطات الفرنسية إلى الغَرف من تلك المدَّخرات، لسداد الدين العام، خصوصاً مع ما تشكّله خدمة الدين من استنزاف لموارد الدولة، وجاء كلام وزير اقتصاد فرنسي سابق، يدعو فيه إلى خطوة مشابهة، ليرفع من منسوب القلق لدى شريحة كبيرة من المودعين، رغم التوضيحات التي تؤكد استحالة ذلك مع انعدام أي أسس قانونية تسمح لأي حكومة فرنسية بأن تلجأ إليها للمسّ بمدخرات الفرنسيين.
إلى أي مدى يمكن القول إن #فرنسا دخلت في فوضى سياسية؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) December 5, 2024
محلل #الميادين للشؤون الأوروبية والدولية موسى عاصي في #التحليلية@moussaassi pic.twitter.com/PuY5dEXHBs
كما يضغط خفض التصنيف الائتماني لفرنسا، من الوكالات الدولية المتخصصة، بقوة على رؤية الفرنسيين للمشهد، ويزيد من قتامة الصورة، أكثر من 7 من كل 10 فرنسيين يلقون بتبعة هذا الانحدار على الطبقة السياسية الحاكمة المنقسمة والمتباعدة حول القضايا الجوهرية، وعلى المناكفات التي تسيء إلى صورة فرنسا، كدولة قوية، وتشغلها عن دورها الإقليمي والدولي، وتحد من قدرتها على اجتذاب استثمارات تدعم عمليات التوظيف، لا بل إن 47% من الفرنسيين، بحسب الاستطلاع الأخير، يرون أن ثمة مخاطر على فرنسا من أن يصيبها الإفلاس من جراء الأزمة الاقتصادية والمالية، ويخشون أن تصبح بلادهم تحت الوصاية لسنوات كما جرى مع اليونان في زمن قريب.
ينقل الاستطلاع عن بعض كبار رجال الأعمال، أنّ الجاذبية الاقتصادية لفرنسا تراجعت كثيراً، لا بل تدهورت، وأنّ الصدمة التي أحدثها قرار حل الجمعية الوطنية، وما تمخض عنه من مشهد انقسامي، دفع بكثير من المستثمرين الأجانب إلى خفض مشاريعهم في فرنسا، والتوجه إلى دول أكثر استقراراً.