خرق جدار الصوت.. كيفية حدوثه وعلاقته بالحرب النفسية للاحتلال

خرق جدار الصوت هو الظاهرة الفيزيائية التي تحدث عندما تتحرك طائرة بسرعة تتجاوز سرعة الصوت في الهواء، ولكن لماذا تعمد إليه القوى الجوية العسكرية في أوقات الحروب؟

  • خرق جدار الصوت: بين الحرب النفسية والتأثيرات الفيزيائية
    خرق جدار الصوت: بين الحرب النفسية والتأثيرات الفيزيائية

خرق جدار الصوت، في علم الديناميكا الهوائية، يُشير إلى الظاهرة التي تحدث عندما تتجاوز طائرة سرعة الصوت. سرعة الصوت، المعروفة أيضاً بماخ 1، تعتمد على الظروف البيئية مثل درجة الحرارة والرطوبة، ولكنها تقريباً 1235 كيلومتراً في الساعة (أو 767 ميلاً في الساعة) عند مستوى سطح البحر في ظروف جوية قياسية.

اللحظة التي تتجاوز فيها الطائرة هذه السرعة مهمة جداً من الناحية الفيزيائية والتقنية، إذ تتغير القوى العاملة فيها بشكل كبير. في سرعات أقل من سرعة الصوت، الهواء يتحرك بسلاسة حول هيكل الطائرة بطريقة يمكن التنبؤ بها نسبياً. ولكن، عندما تصل الطائرة أو تتجاوز سرعة الصوت، تتشكل موجات الصدمة وتتغير خصائص الجريان الهوائي حولها.

الانتقال من جريان هوائي دون صوتي (subsonic) إلى جريان هوائي فوق صوتي (supersonic) تصاحبه عدة تحديات تقنية، بما في ذلك زيادة الاحتكاك والضغط على هيكل الطائرة، والحاجة إلى مواد وتصميمات متقدمة لتحمل القوى المتغيرة. هذا هو السبب في أن الطائرات القادرة على الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت، مثل الطائرات العسكرية الحديثة وبعض الطائرات التجارية السابقة مثل كونكورد، تتطلب تصميمات هندسية متخصصة ومواد بناء متقدمة.

كيفية حدوثه

  • كيف يحدث جدار الصوت؟
    كيف يحدث جدار الصوت؟

عندما تتحرك طائرة عبر الهواء، تعمل على دفع وتحريك جزيئات الهواء المحيطة بها، ما ينتج منه موجات ضغط تنتشر خارجاً من الطائرة باتجاهات مختلفة. هذه الموجات الضغطية، في حالات الطيران بسرعات دون سرعة الصوت، قادرة على الابتعاد عن الطائرة بشكل كافٍ وفي الوقت المناسب، بحيث يمكن للهواء المحيط أن يتكيف مع الضغوط الجديدة، ما يؤدي إلى انتقال الأصوات بطريقة مألوفة وطبيعية إلى أذن السامع.

في الحالة العادية، هذه الموجات تنتشر بعيداً وتتلاشى من دون أن تسبب أي ظواهر غير عادية. الطائرة والصوت يتحركان بشكل مستقل، ما يسمح بالسماع الواضح للأصوات، كما هي في الظروف العادية.

لكن السيناريو يتغير بشكل جذري عندما تصل الطائرة إلى سرعة الصوت أو تتجاوزها. عند هذه النقطة، سرعة الطائرة تعادل تقريباً سرعة موجات الضغط (الصوت) التي تنتجها. هذا يؤدي إلى تراكم موجات الضغط هذه قرب الطائرة، لأنها لم تعد قادرة على التحرك بعيداً بالسرعة الكافية للتخلص من تأثير الطائرة المتحركة بسرعة. النتيجة هي ما نسميه "تراكم موجات الضغط".

بمجرد تجمع هذه الموجات الضغطية، تشكل معاً موجة صدمية حادة وقوية تأخذ شكلاً مخروطياً يُعرف بمخروط ماخ، نسبة إلى العالم الفيزيائي إرنست ماخ. هذا المخروط له قمة حادة تقع عند نقطة الأنف الأمامية للطائرة وتتسع بزاوية محددة خلف الطائرة. الزاوية هذه تعتمد على سرعة الطائرة؛ كلما زادت سرعتها، كان المخروط أكثر ضيقاً.

هذه الموجة الصدمية تمثل حدوداً حادة بين مناطق الضغط العالي والمنخفض في الهواء، وهي مسؤولة عن الأصوات العالية جداً والمفاجئة التي يتم سماعها على الأرض، كالانفجارات الصوتية عندما تخترق طائرات سريعة جداً هذا الحاجز. هذا الأمر لا يمثل تحدياً كبيراً في تصميم الطائرات السريعة فحسب، ولكن أيضاً في التقليل من تأثيرات الصدمات الصوتية المرافقة لاختراق جدار الصوت.

الآثار المصاحبة

عندما تخترق طائرة جدار الصوت، تحدث ظاهرة معروفة باسم "الانفجار الصوتي". هذا الدوي القوي ليس مجرد صوت عادي؛ إنه نتيجة مباشرة لموجات الصدمة التي تشكلت نتيجة للتفوق على سرعة الصوت. هذه الموجات الصدمية تحدث بسبب التراكم السريع والمكثف لجزيئات الهواء أمام الطائرة وعلى جوانبها، ما يؤدي إلى خلق فروقات ضغط عالية جداً.

الموجات الصدمية تضغط الهواء بشكل مفاجئ وقوي جداً، ما يولد طاقة صوتية كبيرة جداً. عندما تصل هذه الموجات الصدمية إلى الأرض، تُسمع كانفجارات صوتية عالية قد تُظن خطأ بأنها ناتجة من انفجار حقيقي. هذه الأصوات العالية ليست مجرد إزعاج للسكان، ولكن يمكن أن تكون لها تأثيرات فيزيائية حقيقية في البنية التحتية والمباني.

الانفجارات الصوتية يمكن أن تسبب تشققات في النوافذ، واهتزازاً في المباني، وحتى أضراراً جسيمة في الهياكل الأضعف، إذا كانت قوة الانفجار كافية. هذا هو السبب في أن الرحلات الجوية التي تتجاوز سرعة الصوت عادة ما تُقيَّد فوق المناطق المأهولة بالسكان أو تُنفذ على ارتفاعات عالية جداً، إذ تقل فعالية الانفجار الصوتي عندما يصل إلى سطح الأرض.

الحد من تأثيرات الانفجار الصوتي وإدارتها يعتبر تحدياً كبيراً في هندسة الطيران، وخصوصاً عند تصميم الطائرات العسكرية والمدنية القادرة على الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت. تتضمن الجهود للتقليل من هذه الآثار تطوير تصميمات الطائرات بطرق تقلل من شدة الموجات الصدمية واختيار مسارات الطيران التي تقلل من التأثير في المناطق السكنية.

حرب نفسية لا أكثر

"جدار الصوت" لا يعتبر عنصراً ذا استخدام قتالي مباشر في المجال العسكري، فغالباً ما تقتصر أضراره على تحطيم الزجاج والارتجاجات الناتجة من الانفجارات الصوتية، من دون أن يكون له دور محدد في القتال نفسه. ومع ذلك، هذه الظاهرة قد تُستخدم ضمن إطار الحرب النفسية، إذ يمكن للمناورات التي تتضمن خرق جدار الصوت أن تؤدي دوراً في التأثير في الحالة النفسية للسكان أو القوات المعادية.

على الرغم من عدم وجود استعمال قتالي مباشر لتجاوز سرعة الصوت، يمكن للتأثيرات النفسية للانفجارات الصوتية والضغوط التي تتسبب بها أن تكون جزءاً من استراتيجيات الحرب النفسية. هذه المناورات قد تهدف إلى إرهاب السكان المدنيين أو تقويض معنويات العدو، ما يجعلها أداة في الحرب الحديثة، وخصوصاً في سياقات يُفضل فيها التأثير النفسي على الدمار المادي المباشر.

"إسرائيل" وهشاشة جدار صوتها

مما لا شك فيه أنّ الاحتلال الإسرائيلي عجز فعلاً أمام بسالة المقاومين، ولكن أيضاً أمام المجتمع المقاوم ككل؛ ففي حين خلت معظم مستوطنات شماله وجنوبه خوفاً وفزعاً من صواريخ ونيران المقاومين، ما زال أهالي غزة صامدين في أرضهم، وما زلنا نرى أهالي القرى الحدودية في جنوب لبنان يُشاركون بالمئات في تشييع الشهداء على بعد أمتار فقط من السياج الحدودي.

وما دام الاحتلال يرى أن المدنين في غزة وجنوب لبنان لا يخافون صواريخه وطائراته وكل آلته الحربية، ويصرون على الصمود والمواجهة، فقد لجأ إلى استخدام "جدار الصوت"؛ هذا السلاح الجبان الذي لا يهدف إلا إلى محاولة إرعاب المدنيين، سواء في مناطق قريبة من خطوط المواجهة أو بعيدة عنها، وغالباً إن نجح في ذلك، فيكون الأطفال هم الفئة المستهدفة التي يدخل الخوف إلى قلبها دقائق قبل أن يزول، حتى قبل أن تنهي طائرة الاحتلال مناورتها.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.