حكومة الحرب الإسرائيلية.. كيف اجتمع الخصوم وهل يصمدون؟
في ظل حالة من الارتباك، تحت سقف حكومة غير متجانسة، وجد نتنياهو نفسه مضطراً، بعد ملحمة طوفان الأقصى، تشكيل حكومة طوارئ، لتدير الحرب على قطاع غزة. هذا الواقع ألزم نتنياهو بأن يضيف إلى المزيج غير المتجانس في الحكومة، مكوناً جديداً زاد في تنافر أقطابها.
توالت في الأسابيع الأخيرة التقارير والتحليلات، التي تناولت العلاقات المتوترة بين أقطاب الحكومة الإسرائيلية المصغرة، أو حكومة الحرب الإسرائيلية، التي تم تأليفها برئاسة بنيامين نتنياهو، بعد ملحمة "طوفان الأقصى".
فمن ضمن مجموعة من التحدّيات التي تواجه نتنياهو، في عام 2024، أورد الموقع الإلكتروني لصحيفة "بلومبرغ" أكثر من نقطة تتعلق بمستقبل الحكومة الإسرائيلية المصغرة، من فقدان نتنياهو للشعبية، إلى مأزق الموازنة وتضخمها، وصولاً إلى الاحتمال الجدي المتمثّل بانفصال زعيم المعارضة بيني غانتس عنها، وهو ما تراه مقدمةً لانتخابات جديدة.
وتحت عنوان "نتنياهو يُفسد الحرب.. يجب أن يرحل"، تحدثت مجلة "ذي إيكونومست" يوم الأربعاء، في الثالث من الشهر الجاري، عن أخطاء فادحة تُفسد الحرب يرتكبها نتنياهو، وقالت إنه "من أجل إسرائيل، على نتنياهو أن يرحل".
وأُثير في الأسابيع الأخيرة، في الإعلام الإسرائيلي، الخلاف الذي نشب داخل أقطاب الحكومة بشأن خطوة رئيس الأركان هرتسي هاليفي تشكيل لجنة للتحقيق في إخفاقات السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، والتوقعات بعدم صمود هذه الحكومة طويلاً، واتهام المتحدثة باسم حزب "الليكود"، ميري ريغيف، لغانتس بأنه "يبحث عن أعذار لخرق تعهده بالبقاء في حكومة الوحدة حتى نهاية الحرب".
في محاولة لفهم حقيقة الصراعات داخل حكومة الحرب، واستشراف احتمالات مآلها في المستقبل القريب، سنحاول في هذا التقرير الإجابة عن الأسئلة التالية: من الأقطاب التي تتكون منهم حكومة الحرب الإسرائيلية؟ ما الاختلافات بينهم؟ وما الاحتمالات المطروحة؟
مكونات حكومة الحرب الإسرائيلية
في 29 كانون الأول/ديسمبر 2022 تشكّلت الحكومة الإسرائيلية الـ37. وتألّفت الحكومة اليمينية بالكامل، من 6 أحزاب، هي: الليكود، يهودية التوراة المتّحدة، شاس، الحزب الصهيوني الديني، عوتسما يهوديت ونوعم، بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي تولى منصب رئاسة الوزراء للمرة السادسة.
أتت هذه الحكومة بعد مرحلة طويلة من الإرباك السياسي، بحيث شهدت "إسرائيل" 5 انتخابات تشريعية في أقل من 4 أعوام. انتهت بانتخابات الكنيست الـ25، والتي حقّق فيها المعسكر اليميني بقيادة نتنياهو فوزاً واضحاً بسبب تحالفه مع الأحزاب الصهيونية المتطرّفة، بحيث شهدت هذه الدورة الانتخابية صعود "الصهيونية الدينية" إلى منصة الحكم في "إسرائيل".
تميّزت هذه الحكومة بتطرفها الشديد، وبإثارتها عدداً من الاضطرابات في الداخل الإسرائيلي من خلال سعي أقطابها المتطرفين المنتمين للصهيونية الدينية للسيطرة على مفاصل الحكم في "إسرائيل" وإضعاف "المؤسسات الدستورية"، وكانت خطوتها الأكثر إثارةً للجدل لدى "المجتمع" الإسرائيلي توجهها لفرض قانون يقوّض صلاحيات المحكمة الدستورية، وهو ما أثار موجة كبيرة من التظاهرات والاضطرابات، والتي ما لبثت أن انتقلت إلى داخل الحكومة مع معارضة وزير الأمن يوآف غالانت تلك التعديلات، وقيام نتنياهو بعزله، ثم اضطراره إلى إعادته من جديد تحت ضغط الاحتجاجات الشعبية.
وقبل أن تستطيع الحكومة التعامل مع حالات الاضطراب الداخلي، اختارت المقاومة الفلسطينية مفاجأتها في ملحمة "طوفان الأقصى"، التي شكلت صدمةً كبيرة، سياسياً وأمنياً وعسكرياً وشعبياً، في "إسرائيل".
على وقع الفشل والإخفاق الكبيرين، أمنياً واستخبارياً، واللذين ظهرا مع "طوفان الأقصى"، اختار بنيامين نتنياهو أن يوسع حكومته الحالية لتتحول إلى "حكومة طوارئ حرب"، ليضيف إليها عدداً من الأحزاب المعارضة، على أن تقتصر قراراتها حصراً في الشؤون المتعلّقة بحربها على قطاع غزة والتي أعلنتها تحت اسم "السيوف الحديدية".
عرض نتنياهو على خصميه بيني غانتس ويائير لابيد المشاركة في حكومة الحرب. رفض لابيد المشاركة، ووافق غانتس بشرط عدم مشاركة الوزيرين المتطرفين، وزير "الأمن القومي" إيتمار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، في اجتماعات "الكابينت المصغر".
وبعد مرور 5 أيام على "طوفان الأقصى"، اتفق نتنياهو وغانتس على تشكيل "حكومة الطوارئ"، عبر إضافة 5 من أعضاء حزب "المعسكر الوطني" (الذي يرأسه غانتس) إلى الحكومة بلا حقائب وزارية، على أن تبقى هذه الحكومة قائمة طوال فترة الحرب.
وبموجب هذا الاتفاق انضم وزراء "المعسكر الوطني" إلى الحكومة المصغرة السياسية والأمنية ("الكابينت")، والتي باتت تضم 15 وزيراً، ضمنهم بن غفير وسموتريتش. وتم الاتفاق على تشكيل "كابينت" حربي مصغر، تألف من نتنياهو، وغانتس، ووزير الأمن يوآف غالانت، بالإضافة إلى غادي آيزنكوت من "المعسكر الوطني"، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر من حزب الليكود.
مكونات الحكومة الإسرائيلية خلال الحرب على غزة
وبذلك، أصبحت الحكومة الإسرائيلية تتألف من 3 دوائر طولية:
1- كابينت الحرب المصغر: ويضم الأسماء الخمسة المذكورة أعلاه، وفيه تتخذ كل القرارات التي تتعلق بمجريات الحرب العسكرية ضد غزة، ويجتمع مرة كل 48 ساعة.
2- الكابينت الأمني والسياسي: ويضم إلى جانب أعضاء الكابينت الحربي، مجموعة من الوزراء، أهمهم وزيرا الأمن القومي والمالية ووزراء المعسكر الوطني، الذين انضموا بفعل تشكيل حكومة الطوارئ، وقائد الأركان.
3- حكومة الطوارئ المكونة من وزراء الائتلاف اليميني، يضاف إليه الأعضاء الجدد من "المعسكر الوطني".
وبذلك احتوت الحكومة بدوائرها الثلاث على عناصر متنافرة، لم تستطع، على ما يبدو، حتى صدمة بمستوى "طوفان الأقصى" جمعهم وردم الهوة المتسعة بينهم.
اقرأ أيضاً: نتنياهو: شكّلنا حكومة طوارئ.. ومستقبل "إسرائيل" على المحك
الاختلافات داخل أقطاب الحكومة الإسرائيلية
لم تبدأ الخلافات بين أقطاب حكومة الطوارئ مع الإشارات التي بدأت تظهر حول الإخفاق في ميدان غزة، كما لم تبدأ مع "الكارثة" التي حلّت على رأس كل من المستويات السياسية والأمنية والعسكرية في "إسرائيل" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بل إنّ هذه الأحداث، وإن أظهرت في الأيام الأولى ملامح "اللحمة الوطنية" بين المتخاصمين ونبذ التباينات، إلا أنها لم تلبث أن تحولت إلى أسلحة يستخدمها المتخاصمون لمواجهة بعضهم البعض.
بيني غانتس ونتنياهو
يعود الخلاف بين بيني غانتس وبنيامين نتنياهو إلى الخلاف القديم بين الأخير وقادة الجيش ورؤساء الأجهزة الأمنية.
كان الخلاف يتركّز بشأن نقطة أساسية ما لبثت أن تفاعلت وتطورت لتأخذ مسارات واتجاهات متعددة. كان قادة الأجهزة الأمنية والجنرالات يعارضون مشاريع نتنياهو بشأن توسيع الاستيطان ومعارضته "حل الدولتين"، وكانوا يدعون إلى حل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وإنهاء الاحتلال وإخراج الفلسطينيين من إطار "الدولة" الإسرائيلية.
ولم تكن هذه الآراء، بطبيعة الحال، نابعة من إيجابية في الموقف تجاه الفلسطينيين، ولا كانت سعياً لتحصيل حقوق لهم، فأحد هؤلاء القادة الأمنيين، على سبيل المثال، كان مائير داغان، الذي كان يفاخر بهوايته في قطع رؤوس المقاومين، وبأنه قتل هو بنفسه 290 فلسطينياً. كان دافع هؤلاء أمرين أساسيين؛ الأول: إيمانهم، نتيجة خبرتهم العملانية في ميادين الجيش أو الأجهزة الأمنية، بصعوبة تحقيق الأمن على الأرض في ظل الاستمرار باحتلال أراضي الضفة وغزة (قبل تحرير غزة)، وفي ظل سياسة التوسع الاستيطاني. والثاني: تخوفهم من التحول الديمغرافي الذي قد يفرضه ازدياد أعداد الفلسطينيين بأضعاف عن الإسرائيليين، وهو ما يهدد "يهودية الدولة" و"الحلم الصهيوني".
كان هذا الخلاف حاداً إلى درجة أنه كان يندر ألّا يترشح قائد أركان بعد تقاعده للانتخابات في مواجهة نتنياهو.
وفي عام 2014 تكونت رابطة "ضباط من أجل إسرائيل"، والتي ضمت الضباط المتقاعدين المعادين لنتنياهو والتوجهات التي يحملها هو واليمين الإسرائيلي الذي كان سيطر واقعاً على العمل السياسي في "إسرائيل" منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي.
من هذه البيئة خرج بيني غانتس، الذي شكل عام 2019، بالتعاون مع يائير لابيد وموشيه يعالون تحالفاً سياسياً تحت اسم "أزرق أبيض" ليخوض المعركة الانتخابية في مواجهة نتنياهو في شهر نيسان/أبريل من العام نفسه، وفي المواجهة الثانية في الانتخابات التي جرت في أيلول/سبتمبر 2019، فاز "أزرق أبيض" بـ33 مقعداً في مقابل 32 مقعداً لليكود، لكن الحزبين فشلا في التوصل إلى اتفاق لتشكيل الحكومة.
في عام 2020 وتحت ضغط جائحة كورونا، تشكلت "حكومة طوارئ وطنية"، بالاتفاق بين غانتس ونتنياهو، قضت بأن يتولى الأخير النصف الأول من عمر الحكومة ويكون غانتس نائباً له، على أن يعود الأخير ويتولى الرئاسة في النصف الثاني. وهنا، وقعت مجموعة كبيرة من الاختلافات بشأن الموازنة والتعيينات الأمنية والدبلوماسية، والموافقة على الاستيطان، وبشأن مشروع ضم أجزاء من الضفة إلى "إسرائيل"، والذي كان يسعى له نتنياهو، وغيرها من الخلافات، التي أدت في النهاية إلى انهيار الحكومة والعودة مجدداً إلى مسلسل الانتخابات التشريعية المتلاحقة.
ظلت هذه العلاقة تنتقل من توتر إلى توتر أشد، وصولاً إلى تشكيل الحكومة الأخيرة قبل الحرب، واتجاهها لفرض سياسات جديدة، سماها نتنياهو "الإصلاحات القضائية"، والتي أدت إلى انفجار الشارع الإسرائيلي في مواجهة حكومة اليمين المتطرف التي يقودها، والتي استمرت بالتفاقم إلى حين اندلاع الحرب القائمة، ودخول غانتس في "حكومة الطوارئ" لتعود الخلافات وتظهر وتتفجر من جديد.
يوآف غالانت ونتنياهو
لم تبدو العلاقة بين بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت في بدايتها متوترة، كما بدأت بين الأول وبيني غانتس. بل على العكس تماماً، شهدت العلاقة بين غالانت وغانتس واحداً من أشد الصراعات بين جنرالات جيش الاحتلال في تاريخه.
غالانت، الذي وُلد من أب عسكري، اختار له اسم "يوآف" تيمناً بالعملية التي حملت الاسم نفسه في النقب، يُعَدّ ابن "المؤسسة" العسكرية بكل ما تعنيه الكلمة، فهو صرف فيها كل حياته وتزوج من داخلها، واثنان من أولاده يخدمان فيها.
عام 2002 شغل منصب السكرتير العسكري لرئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، أرئيل شارون، وهذا ما أضاف إلى خبرته معرفة بشؤون المؤسسة العسكرية وإدارتها. وفي عام 2005 أشرف على الانسحاب من قطاع غزة، فيما سُمّي عملية "فك الارتباط". وهناك وُلِد عداؤه الأول للقطاع وأهله.
هذا العداء ما لبث أن تُرجِم في قيادته عملية "الرصاص المصبوب" (معركة الفرقان) عام 2008، بحيث ارتبط اسمه بقرائن على جرائم حرب قام بها في أثناء الحرب على القطاع، برزت إلى الواجهة عندما أراد رئيس الوزاء الإسرائيلي في عام 2010، نتنياهو، تعيينه قائداً للأركان، فأثيرت بشأنه الشبهات، من حيث تورطه في جرائم حرب (وإن كان لتلك التهمة في حينه أثر إيجابي في الأوساط العسكرية)، كما فيما اشتهر بفضيحة "وثيقة غالانت"، وهي الوثيقة التي سربت إلى الإعلام، وتحتوي على خطط لتشويه سمعة خصوم غالانت، وأهمهم كان رئيس الأركان في حينه غابي أشكينازي، ومنافسه الأشد بيني غانتس.
وقف نتنياهو إلى جانب غالانت في كل هذه التهم، حتى عاد وعينه رئيساً للأركان في أيلول/سبتمبر 2010، قبل أن يعود ويضطر إلى عزله بعد اتهامه بمصادرة أرض "ملكية عامة" لبناء منزله.
لم يفسد قرار نتنياهو القسري بشأن إقالة غالانت الود بينهما، بل انضم الأخير عام 2019 إلى حزب الليكود، وخاض مع حليفه القديم الانتخابات التي أفرزت الحكومة الحالية، وحجز لنفسه منصب وزير الأمن في حكومة اليمين المتطرف، مع ترحيب شركاء الائتلاف (أحزاب اليمين اليهودي المتطرف والصهيونية الدينية) بالوزير الجديد المناصر لسياسات توسيع الاستيطان.
استمرت العلاقة ودية بينهما حتى تفجر الشارع الإسرائيلي على خلفية قرارات نتنياهو بإجراء "التعديل القضائي". وامتدت الاحتجاجات حتى وصلت إلى "الجيش" الإسرائيلي، فبدأت الإضرابات والتخلف عن الالتحاق بالاحتياط، الأمر الذي خلق مخاوف وهواجس عميقة لدى غالانت، فطلب إلى نتنياهو تجميد العمل بقانون "الإصلاح القضائي" إلى حين التوصل إلى صيغة توافقية بشأنه، فما كان من الأخير إلا أن عزله من منصبه، ثم عاد وتراجع تحت الضغط الشعبي. وكانت تلك فاتحة العداء بين الرجلين.
أحزاب اليمين الديني المتطرف
لم تكن يوماً علاقة هذه الأحزاب "إيجابية" مع أي مكون من مكونات النسيج السياسي في "إسرائيل"، لا مع اليمين العلماني، ولا مع اليسار طبعاً. إلا أن المأزق السياسي، الذي وجد نتنياهو نفسه فيه، مع عدم القدرة على المحافظة على كنيست منتخب لعام واحد على الأقل، بالإضافة إلى تهم الفساد وشبح المحاكمات التي تلاحقه، كل ذلك دفعه إلى البحث عن شريك قوي ينسج معه ائتلافاً يُدخله الكنيست بقوة تسمح له بتشكيل حكومة قوية.
واقع الحال هذا أدركته أحزاب اليمين الديني جيداً، فدخلت مع نتنياهو في مسار ابتزازي طويل، أدى إلى تشكيل حكومة هي الأكثر تطرفاً وغرابة، ليس في تشكيلتها فقط، بل في مكوناتها ووزاراتها وقراراتها وغيرها.
كانت فاتحة الغرائب بثلاثة تشريعات مررها نتنياهو، وكانت من الشروط الموضوعة عليه من جانب تلك الأحزاب لدخول الحكومة:
التشريع الأول: منح زعيم حزب "ساش"، أرييه درعي، إمكان تولي حقيبة وزارية على رغم إدانته بالتهرب الضريبي.
التشريع الثاني: توسيع صلاحيات وزير الأمن القومي، بن غفير، ومنحه صلاحيات تجعله القائد العام للشرطة.
تعيين وزير إضافي في وزارة الأمن مع صلاحيات خاصة (وهذه كانت رغبة سموتريتش).
حمل نتنياهو فيما بعد 11 قانوناً تشريعياً إلى الكنيست، بعضها كان متعلقاً بطموحاته السياسية وبتأمين الحماية لنفسه من الملاحقة القضائية، وبعضها الآخر كان ثمناً لقبول أحزاب اليمين الديني الدخول في ائتلاف انتخابي معه.
عوامل أشعلت الخلاف داخل حكومة نتنياهو
يمكن القول إن اتفاقية الائتلاف الحكومي التي شكل بموجبها نتنياهو حكومته المتطرفة حملت الأسباب التي أججت الانقسام داخل "المجتمع" الإسرائيلي، وداخل مؤسسات "الدولة"، ورسمت معالم خلاف أو تباين في الرؤى مع الإدارة الأميركية. هذه العوامل يمكن ردها إلى 3 محاور متضمنة في اتفاق الائتلاف:
المحور الأول: يتعلق بـ "المجتمع" الإسرائيلي، ولاسيما القوانين التي تتعلق بصلاحيات المديرين العامين في الوزارات، وآليات تعيين المستشارين الوزاريين، والقانون الشهير بقانون "التعديل القضائي"، الذي أثار الشارع الإسرائيلي.
المحور الثاني: يتعلق بالصلاحيات التي أعطيت لحزب "الصهيونية الدينية"، وخصوصاً رئيسه سموتريتش من أجل تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية.
المحور الثالث: يتعلق بالصلاحيات والإمكانات التي وضِعت تحت تصرف حزب "القوة اليهودية"، وخصوصاً لرئيسه بن غفير، لتحقيق جزء واسع من سياسات الحكومة تجاه الفلسطينيين داخل "الخط الأخضر".
لم تلتقِ، بالطبع، تطلعات أحزاب اليمين المتطرف مع اليسار، ولا حتى مع الوسط الإسرائيلي، فالعلاقة بينها وبين المعارضة، المتمثلة برمزيها، بيني غانتس ويائير لابيد، علاقة بالغة السوء.
بينما العلاقة بينها وبين اليمين العلماني، والمتمثل بحزب الليكود، هي علاقة مصلحية قائمة على الابتزاز لتحقيق الأهداف الخاصة بهم.
وهكذا، تألفت العناصر المتباينة لحكومة الحرب، بصورة ليست غير متجانسة فحسب، بل بالغة في التنافر. وعليها أن تدير واحدة من أكثر حروب "إسرائيل" خطورةً وحساسيةً.
وكل ما يخرج اليوم من اختلافات وخلافات إلى السطح في كيان الاحتلال، سواء الحديث عن اليوم التالي، أو توزيع الميزانية، أو التحقيق في المسؤولية بشأن السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أو غيرها، ليس إلا محاولات للاستفادة من هذا الوضع وخطورته لتصفية الحسابات القديمة.
اقرأ أيضاً: "إسرائيل" ويهود الولايات المتحدة: الشرخ يتسع
عوامل ترسم معالم المرحلة المقبلة.. ألغام مؤقتة
ليست الحكومة الإسرائيلية الحالية أمام مروحة واسعة من الاحتمالات في المرحلة المقبلة، فلا أحد من المراقبين أو الباحثين يقول إنها لن تسقط، لكن الكلام هو بشأن احتمال سقوطها قبل نهاية الحرب، أو أنها قد تصمد حتى نهاية الحرب.
مجموعة من النقاط اليوم تقف مثل ألغام مؤقتة قد لا تنتظر على هذا الخليط الهجين حتى نهاية الحرب:
أولاً: تقاذف المسؤولية الإخفاق
وهنا نتحدث عن الإخفاق الأمني والاستخباري والعسكري، في 7 تشرين الأول/أكتوبر. وعلى ما يبدو أن التأخر في الحسم الميداني، والعجز عن تحصيل إنجاز يوازي الخرق الذي فعلته ملحمة "طوفان الأقصى"، جعلا من سؤال: "من هو المسؤول؟" أكثر إلحاحاً ولا ينتظر إلى حين انتهاء الحرب، بحيث بات كل طرف يعد نفسه للحظة مفاجئة ستتوقف فيها الحرب ويجب أن يكون هيأ الأرضية لدفع التهمة في اتجاه خصومه، فينجو من هذا الحمل ويقذفه على ظهر خصمه.
وهذا ما بدأ يظهر من خلال اتهام نتنياهو للأجهزة الأمنية بالمسؤولية، ثم قيام قائد الأركان هاليفي بتشكيل لجنة تحقيق... وغيرهما من التقاذفات التي من المتوقع أن تتزايد في الأيام المقبلة.
ثانياً: عدم رضا أحزاب اليمين الديني على استبعادها من الكابينت المصغر
استطاع نتنياهو أن يجد حلاً للشرط الذي اشترطه غانتس للدخول في حكومة الطوارئ (استبعاد أحزاب اليمين الديني عن الكابينت) بأن أنشأ كابينت مصغراً يتولى فقط القرارات المتعلقة بشؤون الحرب ومسارها. لكن هذا الواقع لم يَرُق لصقري الأحزاب الدينية، بن غفير وسموتريتش، بحيث وإن اضطُرا في الفترة الأولى إلى تجاوز الأمر، نظراً إلى هول الصدمة التي كانت فوق رؤوس الجميع، لكن ما لبثا أن استوعبا هذه الصدمة ورجعا إلى دراسة حساباتهما بدقة، فكانت أولى المعارك رفض سموتريتش مناقشة "ماذا عن اليوم التالي للحرب؟" في الكابينت المصغر، ومطالبته بمناقشته في الكابينت الموسع، وصولاً إلى الدعوات الصريحة لبن غفير من أجل حل الكابينت العسكري المصغر.
ثالثاً: عدم مشاركة يائير لابيد
على رغم أن لابيد أعلن أنه لن يكون في الحكومة، لكنه سيدعمها، فإنه كلما طال أمد الحرب أكثر، وطال عمر هذه الحكومة معها، سيكون لوجود زعيم المعارضة خارج حكومة الطوارئ أثر سلبي في الحكومة وفي قرارتها.
رابعاً: فقدان الثقة بين العناصر الثلاثة
وهذه العناصر هي (الليكود واليمين الديني والمعسكر الوطني) وكل طرف من هذه الأطراف الثلاثة لا يثق بالطرفين الآخرين، وبالتالي يعيش كل منهم حالة قلق دائمة، فلا حلفاء في هذه الحكومة.
خامساً: عدم الرضا الأميركي
بحيث إن الإدارة التي كانت تواجه مشاكلَ في الخطاب مع مستوى نتنياهو في التطرف، وجدت نفسها أمام خطاب سموتريتش وبن غفير، ثم وجدت الجميع أمام هستيريا الصدمة الأولى. وهذه الحكومة، والطاقم السياسي الذي يديرها غير قادر، بحسب وجهة النظر الأميركية، على ضبط الغضب وتوجيهه وتوظيفه، بل ترى الإدارة الأميركية أن الحكومة الإسرائيلية، وعلى رأسها نتنياهو، يقودها غضبها إلى مرحلة لن تسمح – على أقل تقدير – بفرضها شروطها في ختام هذه الحرب.
من الواضح أن "إسرائيل" تعيش أكبر تحدٍّ في تاريخها، ومن الواضح أنها تخوض هذا التحدي عبر واحدة من أكثر حكوماتها ضعفاً.
الجميع يدرك أنه كي لا تغرق السفينة، على بعض الركاب القفز منها. لكن، من الذي سيضحي بنفسه ليقفز؟