حزب الله يفرض المعادلات: لن يعم الهدوء في الشمال قبل وقف العدوان على غزّة

تصاعدت وتيرة العمليات العسكرية التي ينفّذها حزب الله ضد مواقع ومستوطنات الاحتلال الإسرائيلي الأمر الذي يُشير إلى دلالات عديدة، ما هي؟

  • حزب الله يفرض المعادلات: لن يعم الهدوء في الشمال قبل وقف العدوان على غزّة
    حزب الله يفرض المعادلات: لن يعم الهدوء في الشمال قبل وقف العدوان على غزّة

زادت التطوّرات الميدانية في الساحة الشمالية من قتامة الصورة في عيون مستوطني شمال فلسطين المحتلة، وتبددت معها آمالهم بعودة الهدوء إلى الشمال، من دون أن تُنهي حكومتهم اعتداءاتها على سكّان غزّة، حيث أعاد مشهدا سقوط مُسيّرة "هرمز 900" في جنوب لبنان، والدمار في معسكر "غيبور" في "كريات شمونة"، إلى أذهان الإسرائيليين تهديدات وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، مع فارق أنّ من عاد هم الإسرائيليون. فالحرب في الشمال تجري، بحسب معلقين، وفق الوتيرة التي يُحدد إيقاعها حزب الله.

واقعٌ صعب على مستوطني الشمال 

حذّر مُعلّق الشؤون العربية في القناة "12" الإسرائيلية، يارون شنايدر، من أنّ قصة الردع مقابل حزب الله في لبنان انتهت، فحزب الله غير مردوع. ووافقه في كلامه القائم بأعمال رئيس السلطة المحلية في "كريات شمونة"، الرائد احتياط أوفير يحزكال، الذي قال في مقابلةٍ مع موقع "والا" الإخباري إنّ "حزب الله ليس مردوعاً، هو يفعل ما يحلو له".

وأضاف يحزكال أنّه وفقاً للتقديرات، "لن يعود سكان الشمال إلى منازلهم في شهر أيلول/ سبتمبر إلى العام الدراسي المقبل، وهذه نقطة انكسار، تدّل على أنّ المجتمع في الشمال تفكك". 

الواقع الصعب الذي يعيشه مستوطنو الشمال، دفع برئيس المجلس المحلي في "المطلة"، دافيد أزولاي، للقول في مقابلة مع إذاعة "104.5 أف أم" الإسرائيلية، إنّ هذه ليست "إسرائيل" التي وُلد فيها ويعرفها، لأنّ الحكومة قررت الانفصال عن الجليل وتجاهله تماماً، بشكلٍ أدّى إلى أنّ "الشرائح السكانية تتداعى"، مع تزايد حالات الطلاق والخلافات داخل العائلة، في حين أن المشكلة لم تنته، وليس لها أفق لتنتهي.

بدوره، وصف اللواء احتياط يفتاح رون تال، في مقابلةٍ أجراها مع إذاعة "جالي إسرائيل"، الواقع الحالي في الشمال بأنّه عار، وإهانة تدوس على بقايا الردع الذي بقي لـ"إسرائيل".

وأضاف رون تال أنّ الواقع الحالي جنوني، فحزب الله أنشأ منطقة أمنية داخل "إسرائيل"، وحوّلها إلى منطقة حرب مهجورة ومحترقة. وهاجم رون تال رئيس الأركان هرتسي هاليفي بشدّة، وقال إنّه الأكثر فشلاً في تاريخ "الجيش" الإسرائيلي، ولديه منافسة مع دان حالوتس (رئيس الأركان خلال حرب 2006 مع لبنان).

وفي مقابلةٍ ثانية له، مع موقع "والا" الإسرائيلي، رأى رون تال أنّ "إسرائيل" تتعرّض لحرب استنزاف في الشمال، الإسرائيليون فيها مُهانون، فـ"حزب الله بنى حزاماً أمنياً، وفكك مستوطناتنا، ونحن في الحضيض مع صفر في مجال الردع، بينما (أمين عام حزب الله، السيد حسن) نصر الله لا يخاف منّا". 

وأجرى قائد الفيلق الأركاني سابقاً، اللواء احتياط غرشون هكوهين، مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية "104.5  أف أم" حول الوضع الأمني المتوتر في الشمال، وقال إنّ "حزب الله يقوم بإذلالنا بكفاءة عالية، وهذا فن عظيم لأشخاص مثل (السيد) نصر الله".

وفي شهادةٍ إضافية على صعوبة الواقع في الشمال، قال "مراقب الدولة" في "إسرائيل"، نتنياهو أنغلمان، خلال زيارةٍ له إلى الشمال، بحسب راديو "96 أف أم"، إنّ المسؤولين في الحكومة لا يهتمون بإحتياجات السكان في الشمال، لافتاً إلى أنّ "إسرائيل تفتقر إلى إستراتيجية قصيرة وطويلة الأمد".

حزب الله يرفع الوتيرة

ترافقت الزيادة في "معاناة" المستوطنين في شمال الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع ارتفاع ملحوظ، في عمليات حزب الله، رصدتها العديد من التقارير الإسرائيلية، برز منها المعطيات التي أعلن عنها الباحث في مركز علما، طال بيري، في مقابلة له مع موقع "والا"، والتي ورد فيها أنّه وفقاً لمعطيات "الجيش" الإسرائيلي، "من الناحية العملية، لم تتضرر أنظمة إطلاق النار التابعة لحزب الله بشكلٍ خطير أو كما يُريد الجيش الإسرائيلي".

كما أشار بيري إلى أنّ حزب الله يستغل هذه الفترة لمعرفة قدرات "الجيش" الإسرائيلي في الدفاع والهجوم، ويدرس أيضاً قُدراته الخاصة في مواجهة "الجيش" الإسرائيلي، وهو يتعلّم الدروس، وتمكن من تحويل "إسرائيل" إلى ساحة تجارب.

وأضاف بيري أنّ حزب الله يستعد للمعركة الحقيقية ضد "إسرائيل"، لكنّه يعمل حالياً على استنزفها، وعلى المسّ بالبنية التحتية، وينجح في إبعاد جمهور بأكمله عن منازله.

كلام بيري تقاطع مع كلام نقله موقع "والا" أيضاً عن مصادر عسكرية في القيادة الشمالية، وردّ فيه أنّ عناصر حزب الله يتنقلون عبر الحدود ويجمعون المعلومات الاستخبارية التي تمكّنهم من إطلاق الصواريخ المضادة للدبابات مُباشرة، كما يُوثّقون رشقاتٍ الصواريخ.

مراسل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، يوآف زيتون، نقل عن جهات في "الجيش" الإسرائيلي، قولها إنّ "حزب الله يستخدم 5% فقط من ترسانة أسلحته خلال هذه الأشهر من المعركة، كميدان اختبار ضد الجيش الإسرائيلي استعداداً لمعركة حقيقية وواسعة، ويُحاول كل يوم تجاوز أنظمة الدفاع الجوي وتعلّم الدروس".

وفي تفاصيل العمليات التي يُنفذها حزب الله، أورد مركز "علما" معطيات، تبين فيها أنّ شهر أيار/مايو الماضي، كان الشهر الذي شهد أعلى كثافة لهجمات حزب الله ضد "إسرائيل" منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، حيث نفّذ حزب الله 325 هجوماً، في مقابل 238 هجوماً في شهر نيسان/أبريل الماضي. كما استخدم حزب الله في أيار/مايو، 95 صاروخاً مضاداً للدروع، مُقارنةً بـ50 فقط في نيسان/أبريل؛ أما المُسيرات، فقد كان هناك 85 عملية تسلل بطائرات بدون طيار في أيار/مايو، مقارنةً بـ42 في نيسان/أبريل.

وإضافةً إلى ذلك، أفادت القناة "12" الإسرائيلية أنّ مُعطيات "الشاباك" تُشير إلى أنّ حزب الله أطلق خلال الشهر الماضي، نحو 1000 صاروخ، بعد أنّ كان في شهر كانون الثاني/يناير 334 صاروخاً. أما القناة "13" الإسرائيلية، فكشفت أنّ معطيات "الجيش" الإسرائيلي تتحدث عن إطلاق حزب الله منذ بداية الحرب نحو 4800 مقذوفاً نحو "إسرائيل". وأضاف موقع "غلوبس" الإسرائيلي أنّ حزب الله أطلق أكثر من 2500 مسيرة نحو "إسرائيل". 

خطر المُسيّرات

نشر موقع "كالكاليست" تقريراً عن مُسيّرات حزب الله، ورد فيه أنّ هذه المُسيرات تتسبب بأضرار، وتوقع خسائر داخل "إسرائيل"، وتتحدى نظام دفاعها الجوي، وتُثير تساؤلاتٍ حول عملياتٍ الشراء والاستعداد التي يقوم بها "الجيش" الإسرائيلي.

ولفت الموقع إلى أنّ الواقع المُعقّد في سماء الشمال، جعل نظام الدفاع الجوي التابع لسلاح الجو الإسرائيلي يُسقط طائرة إسرائيلية من نوع سكاي رايدر، الخميس الماضي.

وأضاف الموقع أنّه على الرغم من أنّ هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، إلا أنّ "الجيش" الإسرائيلي لم يكشف عن عدد هذه الحوادث. ونقل الموقع عن ضباط كبار قولهم إنّ "الرصد الخاطئ قد أسقط بالفعل العديد من الطائرات المسيرة من طراز Sky Rider، وفي حالاتٍ أُخرى كلّفت أيضاً حياة عدد غير قليل من طيور الغرنيق في ذروة موسم الهجرة"، مشيراً إلى أنّ كل خطأ من هذا النوع، يبلغ ثمنه 50 ألف دولار (كلفة صاروخ قبة حديدية اعتراضي).

وتُشير التقديرات إلى أنّه منذ بداية الاشتباك بين "الجيش" الإسرائيلي وحزب الله، تمّ إطلاق أكثر من 1000 "نوع طائر" على "إسرائيل"، ويشمل هذا العدد طائرات بدون طيار انتحارية وطائرات مسيّرة ومحلّقة، تستخدم لجمع المعلومات الاستخبارية وتحديد نقاط ضعف إسرائيلية. كما أنّ حزب الله يزيد من محاولاته لاستخدام الطائرات المسيّرة لضرب مكونات تتعلق بمنظومة الدفاع الجوي في الشمال من أجل تعطيل نشاطها.

وتعليقاً على هذا الواقع، نقل موقع كلكاليست عن أحد كبار الضباط في "الجيش" الإسرائيلي قوله إنّه منذ بداية الحرب، تتحدى مُسيّرات حزب الله "الجيش" الإسرائيلي، الذي يُواجه صعوبة في اكتشافها، وتحديدها كوسائل معادية، كما يُواجه صعوبة في اعتراضها بسرعة.

ولفت ضابط كبير آخر إلى أنّ "العنوان كان على الجدار منذ سنوات"، لكن لم يتم الاستعداد المناسب له. وأضاف ضابط آخر أنّه "لا يوجد نظام دفاع جوي حديث في العالم يعرف كيفية التعامل مع هذا التهديد"، وانتقد الجمهور الإسرائيلي الذي أصبح مُدمناً على معدلات الاعتراض العالية التي توفرها القبة الحديدية، لكن "ضد المسيرات والمحلقات، نحن في حدث مختلف".

وفي السياق نفسه، أشار المراسل العسكري في القناة "14" الإسرائيلية، نوعام أمير، إلى أنّ حزب الله لديه الكثير من القدرات، لاسيما في كل ما يتعلّق بالمواقع العسكرية، حيث يمتلك معلوماتٍ وقدرة جمع مهمة عنها.

وأضاف أمير أنّ ذلك تبين من الإصابات الدقيقة التي حققها حزب الله في تشكيل المراقبة في سلاح الجو "ميرون" وفي قاعدة "غيبور" ـوفي منطاد المراقبة الذي نجح في إسقاطه، وفي المُسيّرات التي يُسقطها.

وفي تقرير نشره موقع القناة "12" الإسرائيلية، أُفيد أنّ حزب الله ينشر مشاهد دعائية تُظهر عمق اختراق صواريخه ومسيراته لمواقع "الجيش" الإسرائيلي، "وصولاً إلى مستوى الغرفة".

وأضاف الموقع أنّه فمن الواضح أنّ حزب الله لديه نظام جمع يوفر معلومات جيدة جداً عن المواقع وهيكلها. ولفت الموقع إلى أنّه على الرغم من أنّ "الجيش" الإسرائيلي لا يُعلّق على هذه المشاهد، إلا أنّ ذلك لا يمنع أنّها تُثير الكثير من الأسئلة الصعبة.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.