حزب الله في مواجهة "إسرائيل": إنجازات استراتيجة.. وانتصار إضافي على مستوى الهيبة
الإعلام الإسرائيلي يتحدث عن حرب نقاط تدور بين حزب الله و"إسرائيل"، مقراً بانجازات الحزب على أكثر من صعيد، من ناحية الأهداف والقدرات العسكرية ومن ناحية ما فرضه من واقع جديد على مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة.
-
المقاومة الإسلامية في لبنان تطلق صواريخ في اتجاه مواقع الاحتلال الإسرائيلي شمالي فلسطين المحتلة (الإعلام الحربي)
تسارُعُ وتيرة الأحداث في المواجهة بين حزب الله و"إسرائيل"، مع تحقيق حزب الله إنجازات جديدة، زاد في القلق والخوف اللذين يعيشهما المستوطنون شمالي فلسطين المحتلة، ليبتعد الأمل الموجود لديهم بشأن العودة إلى مستوطناتهم، مطلع شهر أيلول/سبتمر المُقبل، الأمر الذي عُبّر عنه في مواقف وتصريحات لمسؤولين إسرائيليين من المستويين السياسي والعسكري – الأمني، ولرؤساء "سلطات" في الشمال، وأيضاً من جانب خبراء ومعلقين ومستوطنين. وظهر في مجمل تصريحاتهم أن حزب الله حقق إنجازات استراتيجة ضد "إسرائيل"، وأدخلها في حرب استنزاف، ملحقاً بها أضراراً من النواحي العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، ستحتاج إلى فترة طويلة لتخرج منها.
مستوطنو الشمال مذلولون
برز في المواقف والتعليقات، الصادرة عن مسؤولين إسرائيليين من المستويين السياسي والعسكري – الأمني، أن الوضع في الشمال صعب، ولا توجد بوادر حلول قريبة له. فعلى المستوى السياسي، برز كلام لوزير الداخلية الإسرائيلي، موشيه أربِل، نقلته عنه القناة الـ"13" الإسرائيلية، وصف فيه ما يعيشه مستوطنو الشمال بأنه صعب، لافتاً إلى أن مجرد عقد لقاء مع أعضاء بلدية كريات شمونة، خارج مدينتهم، دليل على ذلك.
وطالب أربِل الحكومة بمعالجة الوضع في الشمال، لأنه لا يمكن التنازل عن منطقة كاملة. وفي دليل واضح على الوضع الصعب لمستوطني الشمال، قال مصدر سياسي إسرائيلي لقناة "كان": "نحن لا نستطيع أن نقطع وعداً بشأن أيلول/سبتمبر (إعادة المستوطنين إلى منازلهم)"، لافتا إلى أنه في جلسة الحكومة المُقبلة، سيمرَّر قرار يقضي بزيادة التعويض لسكان الشمال الذين تم اخلاؤهم، وربما أيضاً زيادة وقت مكوثهم في الفنادق خارج منازلهم.
على المستوى العسكري – الأمني، نقل موقع "مكور ريشون" الإسرائيلي، عن جهة أمنية، قولها إن حزب الله نجح في ضرب بنى تحتية استخبارية إسرائيلية بصورة كبيرة، منذ المراحل الأولى للمعركة. ومنذ ذلك الوقت، ضرب أهدافاً إضافية. وتابع الموقع أنه، بالإضافة إلى الإصابات المباشرة للأهداف التي حققها حزب الله، اضطر "الجيش" الإسرائيلي، في إطار القتال، إلى كشف وجود قدرات متعددة في حوزته، من أجل الدفاع إزاء الهجمات، الأمر الذي أتاح لحزب الله تطوير هجومه المستقبلي، على نحو تطلّب من "الجيش" الإسرائيلي الاستعداد مجدداً. وبحسب موقع القناة الـ"14" الإسرائيلية، دفعت الأحداث الخطيرة في الشمال إلى عقد اجتماع لكبار مسؤولي المؤسسة الأمنية.
وفي سياق ذي صلة، أفاد موقع "كالكاليتس" الإسرائيلي بأن معطيات وزارة الأمن أظهرت أنه، خلال أكثر من 7 أشهر من القتال بين "الجيش" الإسرائيلي وحزب الله في لبنان، أُلحقت بالشمال 930 حالة ضرر، ثلثها تقريباً صُنّف ضرراً "متوسّطاًُ" و"جسيماً" (نحو 318 حالة). وأضاف الموقع أن ربع الأضرار تسبّب به "الجيش" الإسرائيلي. ولفت إلى أنه، وفق التقديرات، سيتطلّب الأمر عاماً على الأقلّ (بعد الحرب) لإصلاح الضّرر. وبحسب المعطيات، التي نقلها الموقع عن إدارة "أُفق شمالي"، التابعة لوزارة الأمن، تبين أن نحو 70 % من مجمل حالات الضّرر حتى الآن هي لمبانٍ سكنيّة، و18 % في مبانٍ عامة وتربوية. و12 % من مجمل الضّرر أصابت بنى تحتيّة وممتلكات من أنواع متعددة.
وفي معطيات إضافية، كشف موقع "مكور ريشون" أن حزب الله أطلق ما يقارب 3100 قذيفة صاروخية، وقذائف "هاون"، بالإضافة إلى مئات الصواريخ المضادّة للدروع، وقذائف ثقيلة، ومسيّرات نحو "إسرائيل". وأضاف الموقع أن معطيات مشروع ACLED، الذي يعرض خريطة المواجهات العسكرية في العالم، تفيد بأنه، حتى نهاية شهر نيسان، نُفذ 992 هجوماً من جانب حزب الله خلال هذه الفترة الزمنية.
وأدلى عدد من المسؤولين الإسرائيليين السابقين بقراءات بشأن الوضع في "الساحة الشمالية"، برز منهم رئيس شعبة "أمان" سابقاً، اللواء في الاحتياط، عاموس يادلين، الذي قال للقناة الـ"13" الإسرائيلية، إن من يعتقد أن الجيش الإسرائيلي يستطيع إيقاف كل أمر يُطلقه حزب الله (صواريخ دقيقة ومُسيرات)، وأنّ الدفاع الإسرائيلي مُحكم، هو ببساطة لم يقرأ الصورة. وأضاف يدلين أنه حزب الله نجح ، استراتيجياً، في أن يُخْلي منطقة كاملة (في شمالي فلسطين المحتلة).
بدوره، قال قائد ذراع البرّ سابقاً، اللواء في الاحتياط يفتاح رون تال، للقناة الـ"14" الإسرائيلية، إن "إسرائيل" تخوض حرباً متعددة الساحات. وفي الشمال تعيش حرب استنزاف، الإسرائيليون فيها "مذلولون بما فيه الكفاية"، إذ لديهم على الأقل نحو 60 ألف نازح، من منطقة منزوعة السلاح داخل إسرائيل، استطاع حزب الله أن "يبنيها" عملياً من دون أن يدفع أثماناً لذلك.
الحكومة تخرب الشمال ورئيسها يتغاضى عمداً عن معاناة المستوطنين
برز في التعليقات الصادرة عن رؤساء السلطات المحلية في الشمال، وعن مستوطني الشمال، لهجة تشاؤمية جداً، تضمنت انتقادات قاسية للحكومة الإسرائيلية، بسبب تخليها عن الشمال، بحسبهم. وفي هذا السياق، قال رئيس المجلس الإقليميّ في الجليل الأعلى، غيورا زالتس، في مقابلة مع القناة الـ"12" الإسرائيلية، إن "سكان الشمال يجب أن يعودا إلى منازلهم، في الفترة بين شهري تمّوز/يوليو وآب/أغسطس، من أجل بدء العام الدراسيّ المقبل في الشمال، لأن الكلام على إعادتهم في أول أيلول/سبتمبر، أو بعد ذلك بشهرين، هو كلام مفصول عن الواقع"، و"لا يُفهم كيف يعيش السكان هنا". وأضاف زالتس أن السكان في الشمال يعيشون من دون مصدر رزق منذ 7 أشهر من بدء الحرب.
بدوره، قال رئيس منتدى مستوطنات خط المواجهة ورئيس مجلس "ماتيه أشير"، موشيه دافيدوفيتش، لقناة "كان" الإسرائيلية: "ليست لدي قوة، لا نفسية ولا جسدية، للنحيب كل يوم. لسنا تماسيح. نحن رؤساء سلطات نحترم سكاننا، ونريدهم أن يعيشوا بكرامة، لكن ما تفعله الحكومة هنا هي أنّها تخرّب الشمال". وأضاف دافيدوفيتش أنه وجه رسالة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، اتهمه فيها بأنه "يتغاضى بصورة غير مبرّرة عن الواقع في الشمال". ووافقه في ذلك رئيس مجلس "حتسور هغليليت"، ميخائيل كبسا، الذي قال لصحيفة "إسرائيل هيوم" الإسرائيلية، إن الحكومة تخلّت عن مستوطني الشمال، وهي لا ترى أن المداخيل انخفضت بنسبة 90 %.
ونقلت الصحيفة شهادات لأرباب عمل في شمالي فلسطين المحتلة، قالوا فيها إن أعمالهم تضررت بصورة كبيرة. وقال مالك مطعم في صفد، وهي مدينة محتلة لم يتم إخلاؤها، إن "مؤسسته لا تعمل، وإن الإسرائيليين لا يأتون إلى المنطقة بسبب الخوف"، لافتاً إلى وجود تراجع في الأعمال في منطقته، إذ "لا يوجد مارّة في الشوارع، وكل صالات العرض مقفلة منذ تشرين الأول/أكتوبر، فالإسرائيليون فتحوا مشاريع واستثمروا ثرواتهم فيها، ومنازلهم تفكّكت بعد تعطّل أرزاقهم منذ أكثر من سبعة أشهر".
أمّا رئيس لجنة السياحة في صفد، موتي كوشمخر، والذي يمثّل أكثر من 160 صاحب عمل في المدينة المحتلة، فقال إن الإعمال سجلت انخفاضاً بنسبة 100 %، بحيث تعاني "ضرراً لا رجوع عنه"، أكثر من فترة انتشار وباء "كورونا". وأضاف كوشمخر: "تلقينا ضربة الحرب، نحن نفلس، ولا نعرف كيف نؤمّن الطعام للمنزل، ولا أعرف كيف سنتمكن من الوقوف على أقدامنا. فنتنياهو وسموتريتش والجميع تخلّوا عنا".
ونقل موقع "والّاه" الإسرائيلي عن مستوطنة نازحة عن الشمال قولها إن "أولادها ينامون في غرفة محمية، لأن وقت الإنذار هو صفر ثوانٍ"، لافتةً إلى أنهم "عادوا إلى التبوّل في السرير، فهم يخافون دخول المراحيض وحدهم".
ونتيجة الوضع الصعب، الذي يعيشه الإسرائيليون في الشمال، دعا ناشطو "لوبي 1701"، التابع لمستوطنات الشمال، وفقاً لموقع "والّاه" الإخباري، إلى إنشاء "مخيم لاجئين" سيطلق عليه اسم "نازحي الجليل"، كحالة احتجاج على عدم وجود خطة لمعالجة "انهيار الشمال". وستدخل هذه المبادرة حيز التنفيذ، بحسب الموقع، الأسبوع المقبل، بمشاركة، عدة منظمات مدنية.
حزب الله يعمل على إعماء "إسرائيل"
الإنجازات التي يُحققها حزب الله، في الأيام الأخيرة، في المواجهة مع "الجيش" الإسرائيلي، حضرت بصورة واضحة في التحليلات التي عرضها معلقون إسرائيليون، بحيث قال المحلل العسكري في القناة "الـ 13"، ألون بن دافيد، إن "حزب الله فعّل، للمرة الأولى، منظومة لم يسبق أن شاهدنا تشغيلاً لها في هذه الحرب، وأرسل قطعة جوية هجومية مسيرة، أي على شاكلة القطع الجوية المسيّرة التابعة للجيش الإسرائيلي - زيك - والتي تُطلق صواريخ وتعود إلى قواعدها". وأشار بن دافيد إلى أنه على الرغم من أن قادة "الجيش" الإسرائيلي لا يؤكّدون ما نشره حزب الله، فإنه "بناءً على خبرتنا، نقول إنهم (قادة حزب الله) عندما يكشفون عن منظومة كهذه، ويقولون إنهم استخدموها، فإنهم عادة يقولون الحقيقة".
وأضاف بن دافيد أن حزب الله سجّل إنجازاً حين نجح في إصابة أحد المواقع الحساسة، وهو موقع "تل شمايم"، وهو منطاد رصد يُشكل جزءاً من تشكيل الكشف والتشخيص في سلاح الجوّ، عن طريق قطعة جوية غير مأهولة صغيرة تجاوزت كلّ منظومات "إسرائيل" الدفاعية، وحلّقت مسافة 35 كلم. ولفت بن دافيد إلى أن هذه القطع الجوية غير المأهولة تشكل تحدياً كبيراً جداً لمنظومات الكشف الإسرائيلية، فالقدرة على تشخيص هذه القطعة الصغيرة والخفيفة نسبياً، صعبة جداً بالنسبة إلى منظومات الكشف". ولفت بن دافيد إلى أنه تدور بين "إسرائيل" وحزب الله معركة بالنقاط، وراكم حزب الله في الأيام الأخيرة عدداً من هذه النقاط، وحقق انجازاً عملانياً ثميناً في ضرب منظومة "تل شمايم".
بدوره، لفت مراسل الشمال في القناة الـ"12"، غاي بيرون، إلى أن حزب الله بلغ ذروة جديدة بعد أن نجح في إدخال مُسيّرة متفجرة نحو مستوطنة "المطلة"، اجتازت الحدود وأطلقت نحو قوة عسكرية صاروخين قبل أن "تنفجر في هدفها على الأرض"، مظهراً في ذلك تكنولوجيا لم تكن "إسرائيل" تعلم بأن الحزب يمتلكها. وحذر بيرون من أنه نتيجة لأعمال حزب الله، فإن الحصانة في "إسرائيل" آخذة في التصدّع، إذ إنه في كل يوم يمرّ، يقع ضرر فعلي في قدرة إعادة الإسرائيليين إلى الشمال.
وفي مقابلة له مع القناة الـ"14"، رأى محلل الشؤون العسكرية في موقع "مكور ريشون"، نوعام أمير، أن "لا حرية لسكان الشمال"، الذين يعيشون كابوساً كبيراً منذ 7 أشهر، وهم "لا يرون الضوء في نهاية النفق". وأضاف أمير أنه، للمرة الأولى في تاريخ "إسرائيل"، ينزح عشرات الآلاف من المستوطنين عن مستوطناتهم لفترة زمنية تزيد على العام، و"لا جواب لدى الجيش الإسرائيلي".
وأضاف محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، آفي أشكينازي، أنه للمرة الأولى أيضاً في تاريخها، "تدير إسرائيل حرباً في أراضيها السيادية عند حدودها الشمالية، على نقيض تام من عقيدتها الأمنية، لافتاً إلى أنه للمرة الأولى أيضاً، تم إجلاء المستوطنين، الأمر الذي أدى إلى نشوء حزام أمني، بحيث تُخاض الحرب في الأراضي الإسرائيلية. وهذه ليست مشكلة تكتيكية فحسب، بل تكشف أيضاً عن ضعفٍ إسرائيلي وسابقة خطيرة للمستقبل.
القلق من المستقبل عبّر عنه الكاتب في موقع "مكور ريشون"، يسرائيل شماي، الذي رأى أن حزب الله يستهدف أهدافاً استخبارية وبنى تحتية عسكرية متعددة. وبهذا الأسلوب، يُوجه ضربة إلى قوة "الجيش" الإسرائيلي، على نحو سوف يخدمه في الحرب المقبلة إذا حدثت. وتماهى معه مراسل الشؤون العسكرية في القناة الـ"12"، أوهاد حِمو، الذي حذّر من أن هدف حزب الله هو إعماء "إسرائيل"، بحيث يُركّز على منظومات كشف جويّة، وهو يتجرّأ كثيراً ويوسّع بنك أهدافه، كماً ونوعاً. وأضاف حِمو أن ما يفعله حزب الله ينسجم مع ما يحدث في رفح، فما يحدث هو مساهمة حزب الله في الأحداث التي تجري في رفح.