انتقادات إسرائيلية لمؤتمر "استيطان غزة": يفاقم الانقسام الداخلي والضرر الاستراتيجي
"مؤتمر الانتصار" الداعي إلى الاستيطان في غزة وشمالي الضفة الغربية، وعُقد في القدس المحتلة، الأحد، وكان أبرز المشاركين فيه وزير "الأمن القومي"، إيتمار بن غفير، يتعرّض لانتقادات إسرائيلية، نظراً إلى إلحاقه أضراراً استراتيجيةً بـ"إسرائيل" في الساحة الدولية.
شارك أكثر من 1000 شخص في "إسرائيل"، بينهم 11 وزيراً و15 عضو كنيست، من كتل "الليكود"، "الصهيونية الدينية"، "قوة يهودية"، و"يهدوت هاتوراه"، الأحد، في "مؤتمر الانتصار" في القدس المحتلة، الداعي إلى الاستيطان في قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
أبرز المشاركين في المؤتمر، الذي نظّمه مجلس "شومرون" الإقليمي وحركة "ناحالة"، كان وزير "الأمن القومي"، إيتمار بن غفير، الذي أدى بمجرد وصوله، "رقصة عاصفة مع الحاضرين"، إذ قال تأييداً للافتة رُفعت في القاعة كُتب فيها "فقط الترانسفير يحقق السلام"، ولهتاف الحاضرين "ترانسفير، ترانسفير": "أنتم على حق، لتشجيعهم على الرحيل طواعية". وأضاف بن غفير: "نحن في حاجة إلى العودة إلى الوطن والسيطرة على الأرض". وتحدّث، في المؤتمر أيضاً، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وفقاً للصحيفة، وقال إن "اتفاقات أوسلو الفظيعة حماقة"، وأضاف أنه حارب سابقاً طرد اليهود من قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية.
وبرز من الحاضرين أيضاً 3 وزراء من الليكود، هم حاييم كاتس وشلومو كرعي وعميحاي شيكلي. وقال كاتس، بحسب "يديعوت أحرونوت"، إنّه بعد 18 عاماً من العملية المهينة، بطرد اليهود من قطاع غزة، "لدينا اليوم فرصة للنهوض والتجديد، وتوسيع أرض إسرائيل". وأضاف زميله في الحزب، عضو الكنيست أريئيل كيلنر، أن إلغاء "قانون الطرد" (من غزة) هو مسألة وقت فقط.
وعُرِضت، خلال المؤتمر ، بحسب موقع "القناة 12" الإسرائيلية، خطة إنشاء نواة مستوطنات متعددة في قطاع غزة، مستوطنة "يشاي" عند أطراف بلدة بيت حانون شمالاً، ومستوطنة "معوز" في الساحل الجنوبي للقطاع غزة، ومستوطنة "بوابات قطاع غزة" في خان يونس، ومستوطنة "حيسد للآلاف" جنوبي رفح.
وأشارت "يديعوت أحرونوت" إلى أنه على الرغم من أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أوضح أكثر من مرة، أن العودة إلى الاستيطان اليهودي في قطاع غزة، هي "هدف غير واقعي"، إلا أن كثيرين جداً من وزراء حكومته وأعضاء حزبه، لم يتأثروا كثيراً بتصريحاته، ووقعوا على "ميثاق النصر وتجديد الاستيطان في قطاع غزة وشمالي الضفة الغربية"، خلال المؤتمر.
موجة انتقادات للمؤتمر
أثار مؤتمر الاستيطان في غزة ردود فعل غاضبة، سواء في "إسرائيل" أو في العالم. ففي محيط نتنياهو، الذي آثر التزام الصمت، قيل إن رئيس الحكومة سبق أن أوضح أنه لن يكون هناك استيطان في غزة. ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن أحد المقربين من نتنياهو قوله إن هذا الحدث يُلحق أضراراً بـ"إسرائيل"، ويضرّ بالمجهود الحربي في غزة، وبالجهود المبذولة لإخراج الأسرى.
وانتقد مسؤولون كبار في "الليكود" بشدة مشاركة وزراء وأعضاء كنيست من حزبهم في المؤتمر. وقال مسؤول ليكودي إن هذا الحدث تسبّب بضرر دولي، وأضاف أن الليكود يقف عند مفترق طرق تاريخي، وفي خطر انقراض حقيقي، و"إذا لم نُبعد المهلوسين من بيننا، فسيتم محو الليكود عن الخريطة السياسية".
التباين في المواقف داخل حزب اليكود، تحدثت عنه "يديعوت أحرونوت"، وقالت إن رفض نتنياهو ووزراء من حزبه نفض أيديهم من المؤتمر علناً، سببه ظهور إمكان حدوث انتخابات للكنيست، ومعها انتخابات تمهيدية داخل الأحزاب، في الأجواء الإسرائيلية. وبالإضافة إلى ذلك، ترى الصحيفة أن نتنياهو يلتزم الصمت لأن استمرار حكومته يعتمد على بن غفير وسموتريتش.
وفي السياق، ذكرت صحيفة "معاريف" أنه في الأيام العادية، كانت غمزة واحدة غاضبة من نتنياهو، كافية لتفريق المجموعة المهلوسة والراقصة في مؤتمر الاستيطان، لكن "إسرائيل" تمرّ حالياً في أيام غير عادية، "لا يوجد فيها ملك" (الملك هو لقب يُطلق على نتنياهو ويرمز إلى سيطرته المطلقة داخل الليكود)، بل رئيس الحكومة هو "دمية" يديرها بن غفير وسموتريتش.
ومن جهة المعارضة الإسرائيلية، قال رئيس الحكومة السابق، رئيس حزب "يوجد مستقبل"، يائير لابيد، إن الحكومة الإسرائيلية وصلت إلى حضيض جديد، فمشاركة وزراء من "الليكود" في مؤتمر الاستيطان في غزة هي "وصمة عار" لنتنياهو، ولحزب كان في "وسط المعسكر الوطني"، لكن اليوم "يتم جرّه بلا حول ولا قوة خلف متطرفين".
وعلى الصعيد الدولي، نقلت "يديعوت أحرونوت"، عن مسؤول أميركي وصفه عدم منع نتنياهو هذا المؤتمر بالخطأ الفادح من قبله، والذي يثير التساؤل بشأن ما إذا كان يضع يديه على عجلة القيادة.
المؤتمر ألحق بـ"إسرائيل" أضرارا استراتيجة
كتبت "معاريف" أن مؤتمر الاستيطان، أمس، ألحق أضراراً استراتيجية بـ"إسرائيل" في الساحة الدولية "لا رجعة فيها"، في وقت تحاول الدفاع عن نفسها في محكمة العدل الدولية، وفي ساحات دولية إضافية، وفي الشبكات الاجتماعية. وأضافت "يديعوت أحرونوت" أن "الاستيطان في أراضٍ محتلة يتعارض مع القانون الدولي، والترانسفير (تهجير أهل غزة)، يُعدُّ جريمة حرب". لذلك، تكمن خطورة هذين المطلبين، اللذين برزا في المؤتمر، وفقاً لها، بأنهما قد يدفعان الولايات المتحدة الأميركية إلى مطالبة "إسرائيل" بوقف القتال في غزة.
وأشارت "معاريف" أيضاً إلى أن أضرار هذا المؤتمر أصابت أيضاً الإجماع النادر في "إسرائيل" بشأن هذه الحرب، وفككته. ورأت "يديعوت أحرونوت" أن هذ المؤتمر يعرّض "وحدة الصف في إسرائيل للخطر"، ويُلحق الضرر بقدرتها على كسب الحرب في غزة، لأنه يُضعف حافزية مقاتلي "الجيش". وشددت "معاريف" على أن نتنياهو شخصياً يُدرك أنه لا يوجد أدنى فرصة في العالم تسمح بإعادة بناء المستوطنات في غزة، لكن لا يوجد ثمن، نتنياهو غير مستعد لدفعه، من أجل التمسك بحكومته المجنونة.
مؤتمر "استعداد عملي للاستيطان في شريط غزة"
مؤتمر الاستيطان، الذي عُقد أمس، لم يكن الأول من نوعه، إذ سبقه، نهايةَ العام الماضي، عقد مؤتمر في "تلة واشنطن"، وهي "قرية شبابية" بالقرب من مستوطنة "غديرا"، في وسط فلسطين المحتلة، بمشاركة منظمات وجمعيات وحركات استيطانية، بلغ عددها نحو 15، تحت عنوان "استعداد عملي للاستيطان في شريط غزة"، بحيث تناول المؤتمر العلاقة العميقة بين غزة و"شعب إسرائيل"، وكيفية إعادة بناء الاستيطان اليهودي هناك.
كما نُظِّمت خلال المؤتمر طاولات مستديرة وورش عمل تناولت نوى الاستيطان. وفي أبرز الكلمات التي أُلقيت في المؤتمر، قالت رئيسة ومؤسِّسة حركة "ناحاله" الداعمة للاستيطان، دانييلا فايس، إن ثمة أشخاصاً من أطياف المجتمع اليهودي كافةً في "إسرائيل"، يريدون أن يكونوا جزءاً من العملية التاريخية لاستيطان شريط غزة، الذي "لم يعد حلاً، بل ضرورة، سواء من وجهة نظر أمنية، أو من وجهة نظر وطنية".