الطريق إلى قصر المرادية.. الجزائريون مع موعد رئاسي ثانٍ بعد حراك فبراير 2019
على الرغم من المخاض الدراماتيكي الذي يشهده الإقليم والعالم، تمضي الحملة الانتخابية لرئاسيات الـ7 من أيلول/سبتمبر الجزائرية، في أجواء يطبعها تراجع الاصطفاف والاحتقان، وترسّخ مفاهيم أولوية الدولة على السلطة، والوطن عن المصالح الحزبية والشخصية الضيقة.
في أجواء ساخنة، مناخياً وسياسياً، عاشت الجزائر، على مدار ثلاثة أسابيع، واحدةً من أكثر تجاربها السياسية تميزاً وتمايزاً عن كل المواعيد الانتخابية، التي عرفتها البلاد، منذ إقرار التعددية الحزبية في دستور شباط/فبراير عام 1989. وعلى الرغم من المخاض الدراماتيكي الذي يشهده الإقليم وعدد من الساحات الدولية، فإن الحملة الانتخابية لرئاسيات الـ7 من أيلول/سبتمبر الجزائرية، تمضي في أجواء يطبعها تراجع الاصطفاف والاحتقان، وترسّخ مفاهيم أولوية الدولة على السلطة، والوطن على المصالح الحزبية والشخصية الضيقة.
حملة انتخابية ساخنة تحت سقف الوحدة الوطنية
عندما أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، التي كانت مقررةً في موعدها الأصلي في كانون الأول/ديسمبر المقبل، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي، على وجه التحديد، وبعض الصحف الغربية والعربية، بسيل واسع من التقارير والتحليلات، يرى معظمها أنّ الجزائر مقبلة على زلزال سياسي، وأن الدوافع الحقيقية إلى تقديم الرئاسيات إلى الـ7 من أيلول/سبتمبر، مردها صراع خفي داخل دوائر صنع القرار في السلطة الجزائرية.
وذهب البعض إلى تأكيد أنه لن تكون هناك انتخابات، وأنه لن يترشح أي حزب سياسي لهذا الحدث، الذي جاء على عجل وبصورة مفاجئة، ليتضح بعد أيام قليلة أن كل هذه السيناريوهات كانت خارج سياق الزمن السياسي الجزائري، الذي أثبت أن التجربة، التي أعقبت حراك الـ22 من شباط/فبراير 2019، أحدثت تحولات عميقة في المشهد. وكان إعلان أهم حزبَي المعارضة الجزائرية، حزب جبهة القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم "حمس"، مشاركتهما في الاستحقاق الرئاسي، صدمة سياسية إيجابية داخل الجزائر، وحالة من الارتباك لكل من راهنوا على تسلل مشاريع الفوضى المتنقلة إلى داخل الساحة الجزائرية.
أولى المفاجآت.. المعارضة تتخلى عن مقاطعة الرئاسيات
كانت أُولى مفاجآت المشهد الانتخابي لرئاسيات الـ7 من أيلول/سبتمبر هي دخول معترك المنافسة على سيد قصر المرادية، من جانب كل من المرشح الشاب يوسف أوشيش، الذي يمثّل التيار العلماني، مع خلفية يسارية، عن حزب جبهة القوى الاشتراكية، والذي أسسه الزعيم التاريخي الوطني حسين آيت أحمد، ومرشح حزب حركة مجتمع السلم، عبد العالي شريف حساني، والذي كان، إلى وقت قريب، أحد أقوى الأحزاب الإسلامية في البلاد.
وتوقع عدد من المتابعين للشأن الجزائري أن تكون مشاركة هذين الحزبين من أجل استغلال منصات الحملة الانتخابية، والتصويب على السلطة والمرشح الحر، عبد المجيد تبون. لكن الذي حدث هو العكس تماماً، بحيث شهدت حملة مرشحي المعارضة تراجعاً لافتاً للاصطفاف، سياسياً وأيديولوجياً، وخصوصاً أن التجربة المريرة، التي عاشها الشارع الجزائري قبيل رئاسيات كانون الأول/ديسمبر 2019، كانت لا تزال ماثلةً في وجدان أغلبية الجزائريين، حين بلغ الانقسام أوجه، وكانت محاذير التشظي وصلت إلى مستوى هدد أركان الدولة والجمهورية، على حد سواء.
والمتابع لبرامج المرشحين الثلاثة يلاحظ بسهولة تصدّر مصلحة الوطن والدولة، على حساب الأيدولوجيا، على الرغم من أن المرشح الحر، عبد المجيد تبون، يجاهر بأنه ابن عائلة التيار السياسي الوطني، وذو مسحة ثورية "بومدينية" (نسبة إلى الزعيم الراحل هواري بومدين)، بينما يقدم المرشح يوسف أوشيش نفسه على أنه "مرشح جيل الشباب، وذو مشروع ديمقراطي علماني يساري"، وعبد العالي شريف حساني لا ينكر انتماءه إلى تيار الإخوان المسلمين، مع تركيزه على أن أولويات حزب حركة مجتمع السلم هي الجزائر.
أهم مكاسب الحملة الانتخابية.. إخراج القضية الأمازيغية من دائرة الصراع
لكن النقطة اللافتة في الحملة الانتخابية الحالية، وهي مرتبطة بصورة حيوية ودقيقة بخصوصية المجتمع السياسي الجزائري ومخاضه التاريخي، تبقى قضايا الهوية والتاريخ، وتحديد موضوع اللغة الأمازيغية، بحيث سجلت الحملة الانتخابية الحالية انتصاراً كبيراً للدولة الوطنية الجزائرية، عبر إخراج الهوية الأمازيغية من دائرة المزايدة السياسية، إذ بعثت برامج المرشحين الثلاثة وخطاباتهم، في هذا السياق، حالةً من الارتياح والتفاؤل تشي بأن الجزائر، بعد عقود طويلة من الشد والجذب في ساحة الاستقطابين، الهوياتي والثقافي، تتجه إلى أن تطوي، إلى غير رجعة، واحداً من أبرز تحدياتها السياسية، والتي كانت، في نظر عدد من المحللين والأكاديميين الجادين، قضية مفتعلة منذ حقبة الاستعمار الفرنسي بهدف زرع بذور الفتنة والانقسام داخل المجتمع الجزائري، لتأتي رئاسيات الـ7 من أيلول/سبتمبر، وتكشف هذا التحول المفصلي، والذي كان ينضح ويعتمل بعيداً عن صخب الصراعات الحزبية الضيقة وضجيجها، الأمر الذي يشير إلى تجاوز الجزائريين، بنخبهم وأحزابهم، فخ الخلافات بشأن الهوية والتاريخ.