استراتيجية إسناد غزة من لبنان إلى البحرين: رفح "العاصفة الكاملة"؟
منذ 7 أكتوبر في غزة كان الطوفان الذي صعق الإسرائيلي ومعه الأميركي والغربي، وسرعان ما رُفد بجبهات إسنادٍ عربية من لبنان إلى العراق وسوريا واليمن، فالبحرين، مروراً بـ "الطوفان الجوي" الإيراني، فهل يقدم نتنياهو على مهاجمة رفح؟ أم يخشى "عاصفة المحور الكاملة"؟، وفق توصيف العميد الركن بهاء حلال.
بعد مرور ما يقرب من 7 أشهر على ملحمة "طوفان الأقصى" التاريخية، وبدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، يطرح البعض سؤالاً حول فعالية واستراتيجية محور المقاومة، ومنهم من يطرح هذا التساؤل كتقييم لعمل الجبهات المساندة لغزة والمقاومة الفلسطينية ضد العدوان.
يقول العميد الركن بهاء حلال، الباحث ورئيس مكتب مخابرات بيروت سابقاً، للميادين نت إنه "عند بدء هذا العدوان على غزة وضع العدو له أهدافاً تتمحور حول إنهاء القضية الفلسطينية من خلال إنهاء المقاومة، وبالتالي توجيه ضربة قاسية إلى محور المقاومة من خلال إنهاء القسّام وتدمير قدراتها، لكن قبل الدخول في تقييم تأثير جبهات المساندة، لا بد من الإشارة إلى أن فلسطين بالنسبة إلى محور المقاومة هي القضية المركزية، وكل الجبهات تدور في فلكها".
العميد حلال للميادين نت: الجبهات على مواجهة مع القوات الأميركية
ويضيف "يمكن القول إن هذه الحرب أظهرت تضامن قوى المقاومة في كل الجبهات من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وأظهرت كيف أن المحور أدار عمليات سياسية وعسكرية بطريقة ذكية دعماً لقطاع غزة، تقطع الطريق على شن حروب مفتوحة جديدة في جبهات أخرى يخوضها الإسرائيلي، ويراعي ظروف كل دولة من دول المحور، ويمنع الذهاب إلى حرب مدمّرة جديدة، مع مراعاة ظروف كل جبهة.
الأمر المهم الآخر، في هذه الجبهات أنها ليست في مواجهة مع "إسرائيل" فقط، فجبهتا العراق واليمن على الرغم من البُعد الجغرافي لعدم التماس المباشر إلا أنهما كان لديهما عمل مباشر ضد الكيان الإسرائيلي من خلال الصواريخ والطائرات المسيّرة، كما أن هذه الجبهات كانت على مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية، فيما الكثير من دول العالم تتجنّب مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
جبهة الشمال: درّة تاج القدرة العسكرية للمحور
يفنّد حلال حال الجبهات: "إذا أخذنا كل جبهة من هذه الجبهات منفردة فإننا نرى تأثيرها العظيم على مسار الحرب، ففي جنوب لبنان لا تزال المقاومة تخوض معركتها الخاصة، بدأت فيها بإشغال ما يقارب ثلث الجيش الإسرائيلي عن جبهة غزة، ويقوم فيها حزب الله باستهدافات وعمليات يومية للعدو".
وقد تطوّر حزب الله في عمله لناحية الاستهدافات بحسب العمق الجغرافي في الكثير من الأحيان، رغم أنه يتقيّد بضوابط حرب ترتبط بمعايير تسمح له أن يكون له فيها اليد الطولى، ويلاحظ ذلك من خلال التدرّج في استعمال السلاح ومن خلال العمليات الناجحة التي أنجزتها المقاومة في "عرب العرامشة" و قاعدة "ميرون" وصفد، ولن ننسى تصدّيها لمحاولة التسلل الإسرائيلية في "تل اسماعيل" مقابل قرية الضهيرة وإدخال المقاومة أسلحة دقيقة تُكشف للمرة الأولى، منها الطائرات المسيّرة الانقضاضية والإشغالية والصواريخ من "بركان" إلى "كورنيت" المطوّر إلى صواريخ "فلق" و"الماس"، والطائرات الانقضاضية.
وينوّه إلى أهمية قوى المشاة، قوة النخبة "الرضوان"، التي لم تدخل المعركة إلى الآن إلا كقوة احتياط لإحباط أي تسلل، وقد تفاجأ العدو بجاهزيتها أثناء محاولته الأخيرة للتسلل في منطقة تل اسماعيل مقابل قرية الضهيرة، يشرح المحلل الاستراتيجي.
المرحلة الرابعة في اليمن: تأثير بحري عملاني وعسكري
يعتبر العميد حلال أن الجبهة اليمنية، يجب دراستها منفردة، فإضافة إلى موقعها الجغرافي الهام والحيوي، تأتي أهمية الجبهة اليمنية، من خلال منع اليمنيين دخول السفن التجارية وحتى العسكرية إلى الكيان الإسرائيلي عبر مضيق باب المندب، وهذا ما جعل اليمن يظهر كقوة إقليمية رئيسية ووازنة، وتدرّج الدور اليمني مع إعلان بدء المرحلة الرابعة والتي تؤشر على امتداد تأثيرها البحري العملاني والعسكري نحو البحر المتوسط، وهذا ما جعل اليمن قوة فاعلة عسكرية وإقليمية مؤثرة في العلاقات الاقتصادية الدولية، ويضع اليمن نفسه من دون خوف في مواجهة مع أميركا وبريطانيا والدول الأوروبية دفاعاً عن غزة، وبالمحصّلة فإن الجبهة اليمنية تحاصر العدو الإسرائيلي من البحر وتمنع وصول كل الإمدادات الغذائية أو العسكرية إليه.
سوريا والعراق: "التماس الموزّع"
الجبهتان العراقية والسورية، تعتبران "طرفاً مسانداً وداعماً لأهالي قطاع غزة، من خلال استهداف القواعد الأميركية المنتشرة بين العراق وسوريا، وهي دخلت في صراع مباشر مع القوات الأميركية".
ويشرح أن "جبهات المساندة تعتمد استراتيجية تسمّى (التماس الموزِّع) والتي تقوم على الدعم الفاعل من الأضلاع بعضها للبعض، وهكذا تقوم معظم الأحلاف في التاريخ السياسي والعسكري، ثم تأتي إيران ومعها سوريا كمنظومة إقليمية جيوبولوتيكية مساعدة، ووفقاً لذلك فإن معادلة العمل التي تحكم العلاقات بين الفعل الاستراتيجي والفعل التكتيكي لاستراتيجية عمل محور المقاومة هي معادلة ناجحة وتتطوّر باستمرار".
البحرين: رسالة ودور مقبل في الخليج
وحول دخول سرايا "الأشتر" في البحرين على خط الإسناد، يرى أن "أهمية الموضوع تكمن في دخول طرف جديد وغير متوقّع من ضمن أطراف محور المقاومة ويضيف قوة إلى هذا المحور، وهنا نتكلم عن طرف يعلن أنه ضمن المحور ومن على مسافة تتخطى أكثر من 2500 كلم2 من البحرين حتى فلسطين المحتلة.
كما أن السلاح الذي أطلقته هذه الجهة المقاومة هي مسيّرات انقضاضية، وعلى الأغلب أنها من المنشأ نفسه التي تمتلكه أطراف محور المقاومة، فلذا فإن مدى هذه الطائرات يمكن أن يتخطى المدى الذي ذكرناه أعلاه.
ويشدّد على أن هناك بعداً أساسياً لهذه العملية، وهو أنه يشكّل رسالة للعدو الإسرائيلي، ولكن إن عدنا إلى الرسالة الاستراتيجية لهذه العملية فهي موجّهة لقاعدة أميركية كبيرة أيضاً في البحرين وهي (قيادة الأسطول الخامس الأميركي).
ولن ننسى أن الرسالة الأهم هي إطلاق صواريخ لـ "دولة مطبّعة مع العدو الإسرائيلي"، وهناك ما يؤشر على أن هذه العملية لن تكون يتيمة في فلسطين أو على قواعد أميركية وسفن داخل البحرين وفي محيطها".
والرسالة الأخرى دائماً أن هناك ضابط عمليات بحرية للعدو الإسرائيلي ضمن غرفة عمليات الأسطول الخامس في البحرين وهذه من أهم النقاط الذي يجب أن تؤخذ بالحسبان.
الضربة الإيرانية: "الطوفان الجويّ"
ويجيب العميد حول الضربة الإيرانية، معتبراً أنها رسالة واضحة تقول، "إن قواعد الاشتباك قد كُسرت، وإن الأمور ستختلف بعد اليوم على جميع المستويات – وخاصةً على المستويَين الاستراتيجي والعملياتي، لأن "إسرائيل" قامت بانتهاكها، ما يعني أن تهديد الأمن القومي الإيراني سيقابل بالمثل، ولن يتم تجاهل أي هجمة بعد اليوم، علماً أن الضربة التي نفّذتها إيران كانت بوسائل جوية عسكرية من الجيل الأول، نوعاً ما، لكون المسافة بعيدة، والطائرات المسيّرة بطيئة والـ "كروز" غير متطوّر، قياساً بما وصلت إليه الترسانة الصاروخية الإيرانية.
وعلى الرغم من ذلك، أصابت إيران الأهداف المحددة والتي انطلقت منها الطائرات التي هاجمت القنصلية الإيرانية في دمشق، ففي 14 نيسان/أبريل كان "الطوفان الجوي ضد العدو". كما يوصّف.
معركة رفح: "العاصفة الكاملة"
يعتقد العميد حلال أن ما ستقوم به "إسرائيل" استناداً لتهديداتها هو عمليات عسكرية "تدريجية" في مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، بدلاً من عملية شاملة، وذلك وبحسب زعمها للحد من سقوط ضحايا من المدنيين.
مع أني من أنصار الرأي الذي يقول ويؤكد أن التهديد بالهجوم على منطقة رفح هو من باب التهويل للضغط على المفاوضات وتحسين شروطها لإنجاز نصر ما بالتفاوض كون النصر العملاني الموعود على الأرض في غزة لم ولن يتحقّق.
يؤكد حلاّل أن أي تفكير بالهجوم على رفح سيكثّف جبهات الإسناد، معتبراً أن "ما سيحدث في حال اشتعال حرب إقليمية هو "خيالي"!
وما يمنعها هو استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية، كما أن مسرح العمليات الذي ينبغي أن يستهدفه أو يعمل عليه الأميركيون والإسرائيليون هو كبير جداً يتخطى أكثر من مليوني كلم2 أي ما يمثّل المساحة من إيران إلى العراق إلى اليمن، إلى سوريا، إلى لبنان، إلى فلسطين، أما مسرح عمليات المقاومة فهو مسرح متناسب مع قدرات محور المقاومة من حيفا إلى "تل أبيب" إلى غوشدان إلى "إيلات" أي مساحة 400 كلم2 بعرض 35 كلم2 أي مساحة أهداف تكاد تكون نقطية.
تفكّر "إسرائيل" بالمضي قدماً في العملية العسكرية في رفح على مراحل، على أن تشمل إخلاء الأحياء مسبّقاً قبل بدء العمليات".
ومن المرجّح أن تكون العمليات "أكثر استهدافاً" من العمليات السابقة في غزة، وستتضمن "التنسيق مع المسؤولين المصريين لتأمين الحدود بين مصر وغزة"، وفقاً لمسؤولين مصريين مطلعين على الخطط.
ومن ناحية تحليل الوضع العسكري للجبهتين، في حال شن نتنياهو اقتحاماً على رفح وأوقع مجازر بسبب كثافة السكان، فإن احتمالية اندلاع حرب واسعة سيتزايد، "وأعتقد أنها العاصفة الكاملة حيث سيتعرّض الكيان المؤقت إلى هجوم من عدة جبهات (لبنان وسوريا وغزة طبعاً والعراق واليمن ومن الممكن من إيران)، وسيكون الموضوع على مراحل".
وبعد شرحه لتفاصيل مراحل الهجوم، يقول "يجب ألّا ننسى أننا اليوم في زمن الرأي العام العالمي المؤيد للقضية الفلسطينية خاصة في الدول الغربية، وليس آخرها تظاهرات الطلاب في كل الجامعات الأميركية والغربية، تقريباً مع ما ينتظر نتنياهو من أحكام من محكمة العدل الدولية هو ووزراء معه في مجلس الحرب، وهذا يجعله لا يجرؤ على التوجّه نحو رفح".