"قسد" تصعد ضد تركيا شمالي حلب.. هل تنجح في إفشال التقارب بين أنقرة ودمشق؟
أمام مشهد التقارب التركي السوري، وعدم قدرتها اللعب خارج العباءة الأميركية، تجد "قسد" نفسها مرغمة على تأجيج الصراع بين سوريا وتركيا، إذ تحاول أن تضيف مزيداً من التحديات على أي بوادر اتفاق.
في اليوم الأخير من العام 2023، أصدرت الإدارة الذاتية التابعة لقوات سوريا الديمقراطية، المدعومة أميركياً، والمسيطرة على منطقة شمالي شرقي سوريا بياناً، هنأت فيه السوريين بالعام الجديد، وجدّدت دعوتها إلى الحوار السياسي لحل الأزمة السورية. ولم تغفل في بيانها التنديد بتركيا ودعوة المجتمع الدولي ومن أسمتهم بالدول الضامنة، بضرورة التحرك لوقف الاعتداءات التركية المتكررة، على أهداف ومواقع عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية.
جاء في مقتطف من البيان: "مطالبين المجتمع الدولي بالتحرك حيال ما يحدث في سوريا، والضغط على الدولة التركية لوقف عدوانها وإنهاء احتلالها للأرض السورية، داعين جميع الأطراف للقيام بمسؤولياتها وواجباتها الأخلاقية".
على مدار الأشهر السبعة الماضية، تكررت البيانات الصادرة عن الإدارة الذاتية، وتعددت مواضيعها، وإن اشتركت جميعها بخاتمة تدعو فيها المجتمع الدولي وحلفائها في التحالف الأميركي وروسيا، وأحياناً تلمح إلى دمشق، بضرورة التحرك للضغط على تركيا، لإيقاف هجماتها ضد "قسد" وإداراتها شمالي شرقي سوريا.
التحول في لهجة بيانات الإدارة الذاتية، تجلى بعد دعوة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لنظيره السوري بشار الأسد، للقاء يجمع الرجلين ويمهد لعودة العلاقات بين البلدين. ففي التاسع والعشرين من حزيران/يونيو الماضي، أعلنت الإدارة الذاتية رفضها لأي عودة للعلاقات بين دمشق وأنقرة، ورفعت من حدة بياناتها مطالبة بمحاكمة المسؤولين في تركيا.
وجاء في بيانها: "تركيا ارتكبت جرائم حرب ضد السوريين، ما يتوجب محاكمة مسؤوليها، هذه المصالحة وإن تمت فهي مؤامرة كبيرة ضد الشعب السوري بكل أطيافه. نؤكد، نحن في الإدارة الذاتية الديمقراطية لإقليم شمال وشرق سوريا، على أنّ أي اتفاق مع الدولة التركية هو ضد مصلحة السوريين عامةً، وتكريس للتقسيم وتآمر على وحدة سوريا وشعبها".
بيان الإدارة الذاتية هذا عكس بشكل أو بآخر، مخاوف قوات سوريا الديمقراطية من أي تقارب سوري تركي. تدرك "قسد" أنّ هذا التقارب، أو أي تطبيع للعلاقات سيفضي إلى تفاهمات أشمل تنهي الدور الوظيفي لقوات سوريا الديمقراطية شمالي شرقي سوريا، خاصةً وأنّ الأخيرة لم تتمكن عبر سنوات من الخروج من العباءة الأميركية، وأفشلت محاولات دمشق كافة لحل ملف شرقي الفرات عبر المفاوضات والتفاهمات. فانقلبت على دمشق بعد خسارة "قسد" لعفرين مطلع 2018، على الرغم من الموقف الإيجابي من القيادة السورية، والرافض لاحتلال عفرين آنذاك.
كما تكرر المشهد سنة 2019 عندما منع الجيش السوري وحلفائه أنقرة من التوسع في منطقة تل أبيض ورأس العين، وفرضوا على تركيا وقف اجتياحها البري لريف الرقة الشمالي، بناءً على ضوء أخضر أميركي منحه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتركيا لتنفيذ عملية برية شمالي سوريا.
أمام مشهد التقارب التركي السوري، وعدم قدرة "قسد" اللعب خارج العباءة الأميركية، تجد قوات سوريا الديمقراطية نفسها مرغمة على تأجيج الصراع بين سوريا وتركيا، فبالتزامن مع بيانها الرافض للتقارب بين الجارتين، ذهبت "قسد" للتصعيد عسكرياً ضد مسلحي الجيش الوطني، والقواعد العسكرية التركية شمالي وشرقي حلب، في تصعيد عسكري يستكمل البيان "قسد" الرافض للتقارب.
في الميدان، هي المرة الأولى منذ تأسيس "قسد" التي تذهب فيها الأخيرة لمهاجمة نقاط عسكرية تركية داخل الأراضي السورية دونما أن تهاجم تركيا نقاطاً لـ"قسد". كما أنّها ركزت في هجماتها على معابر أساسية يعتقد أنّها ستكون بوابة أي تفاهمات سورية تركية. فالمراقب لتحرك "قسد"، يلمس بوضوح أنّها تستهدف النقاط المقررة لفتح معابر تصل مناطق سيطرة مسلحي الجيش الوطني عند الباب وأعزاز، بمناطق الدولة السورية في حلب، فيما يبدو وكأنّه تحرك من قسد لعرقلة هذا البند الحيوي، ولدفع تركيا للرد على الاستهداف المتكرر لنقاطها.
كما أنّ تحرك مسلحي "قسد" ينطلق من جغرافيا تعرف بأنّها جغرافيا سيطرة مشتركة يتواجد فيها الجيش السوري، ومسلحو "قسد"، فيما يبدو وكأنّ قوات سوريا الديمقراطية تستجر الجيش التركي لتنفيذ عمليات عسكرية في مناطق يتواجد فيها الجيش السوري، في مسعى منها لخلق حالة اشتباك بين الجيشين، ما يعني إضافة عراقيل ومصاعب جديدة إلى ملف التطبيع.
تدرك "قسد" أنّ أي عودة للعلاقات بين أنقرة ودمشق دونه عراقيل ومصاعب، وهذا ما بدا جلياً في تصريح قائد مسلحي قسد، مظلوم عبدي، الذي قال إنّ "المشاكل والخلافات بين دمشق وأنقرة كثيرة، لذا من الصعب توصلهما إلى أي اتفاق الآن".
هذه هي الآمال الوحيدة لقوات سوريا الديمقراطية لمنع أي تفاهمات سورية تركية، العراقيل والخلافات، ولعل "قسد" اليوم، ومن خلال تصعيدها العسكري ضد تركيا، تحاول أن تضيف مزيداً من التحديات على أي بوادر اتفاق بين أنقرة ودمشق. وهنا لا بدّ من التأكيد أنّه وفي حال كانت أنقرة جادة فعلياً في بناء أي علاقات مع جارتها الجنوبية، فلا بدّ لها من تجنب الوقوع في فخ "قسد"، والعمل على ضبط النفس. وفي حال ذهاب تركيا لخيارات عسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية، لا بدّ أن تكون الجغرافيا المحددة لهكذا رد، بعيدة عن جبهة يتواجد فيها الجيش السوري منعاً لأي انزلاق للمعارك، وفقاً لما تتمناه قوات سوريا الديمقراطية.