"إسرائيل" توجّه رصاصاتها نحو "الأونروا" لإنهائها.. ما الأهداف؟
خلال سنوات عمل "الأونروا" في فلسطين المحتلة ودول اللجوء تعرّضت الوكالة إلى العديد من الضغوط والاتهامات لإنهاء عملها، وبالتالي تصفية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين. كيف تقوم "تل أبيب" وواشنطن بهذه المهمة؟
شكّلت قضية تعليق تمويل العمليات الإنسانية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، من جانب عدد من الدول المانحة عقبةً لجميع الأطراف ذات الصلة، ممثلةً بالشعب الفلسطيني المستفيد الأول من هذه المساعدات، إضافةً إلى الوكالة نفسها والعاملين فيها، فضلاً عن الأمم المتحدة بالنظر إلى التزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني.
تعليق عدد من الدول المانحة تمويل "الأونروا"جاء بعد يومٍ واحد فقط من قرار محكمة العدل الدولية بأنّ على "إسرائيل" اتخاذ إجراءات لمنع الإبادة في قطاع غزّة، مع العلم أنّ أكثر من مليونَي شخص في القطاع يعتمدون على تمويل الوكالة من أجل البقاء على قيد الحياة.
وبنت الدول التي علّقت تمويلها قرارها على مزاعم إسرائيلية تدّعي أنّ 12 موظفاً في الوكالة كانوا على صلةٍ بالمشاركة في عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها المقاومة الفلسطينية في 7 تشرين الأول/أكتوبر2023.
المزاعم الإسرائيلية التي جاءت من دون أدلةٍ واضحة، رافقها إنهاء "الأونروا" عقود عددٍ من الموظفين، وتعهّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش بمحاسبة أيّ موظف في المنظمة الدولية ضالع في أحداث 7 أكتوبر، لكنّه ناشد الحكومات الاستمرار في دعم الوكالة.
وفي ردٍ على المزاعم الإسرائيلية، قالت مديرة التواصل في "الأونروا"، جولييت توما إنّ "الأونروا مُنظمة إنسانية وليست حكومة"، مشيرةً إلى أنّ المنظمة تُرسل قوائم الموظفين إلى "إسرائيل"، والأخيرة لم تعترض على أيّ اسمٍ وارد فيها.
وفور إفصاح "إسرائيل" عن مزاعمها، أعلنت 12 دولة أولها الولايات المتحدة الأميركية، كندا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، سويسرا، هولندا، أستراليا، فنلندا، اليابان تعليق تمويلها موقتاً لوكالة "الأونروا"، فيما أعلنت النرويج، إسبانيا، وتركيا استمرار تمويلها في وقتٍ تُعاني غزّة كارثةً إنسانية كبرى، وفق الأمم المتحدة.
وتجاهلت الدول التي أوقفت تمويل "الأونروا" استشهاد أكثر من 150 من موظفي الوكالة على يد "الجيش" الإسرائيلي خلال العدوان على غزّة، وهو أكبر عدد من الشهداء يُسجل في صفوف موظفي الأمم المتحدة في حربٍ واحدة منذ تأسيسها.
لماذا تشكّلت "الأونروا"؟
نتيجة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية عام 1948 وتهجير الفلسطينيين من أرضهم، برزت قضية اللاجئين الفلسطينيين الذين نزح معظمهم تجاه الضفة الغربية وقطاع غزّة، فضلاً عن دول الجوار في الأردن ولبنان وسوريا.
لذلك، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 302 في كانون الأول/ديسمبر 1949، الخاص بتأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين في الشرق الأوسط "الأونروا"، للتخفيف من تداعيات مأساة اللاجئين الفلسطينيين، وبدأت الوكالة عملها في الأول من أيار/مايو 1950.
وتمتلك "الأونروا" تفويضاً إنسانياً وتنموياً بتقديم المساعدة والحماية للاجئي فلسطين ريثما يتم التوصل إلى حلٍ عادلٍ ودائم لمحنتهم. وتستمد الوكالة تفويضها من الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويتجدد تفويضها كل 3 سنوات.
وتقتصر مسؤولية "الأونروا" على توفير خدماتٍ لمجموعة واحدة من اللاجئين، وهم الفلسطينيون المقيمون داخل مناطق عملياتها، في حين أن المفوضية السامية مسؤولة عن اللاجئين في بقية أنحاء العالم.
ولخّص الأميركي جون ديفيس، مدير "الأونروا" في العام 1959، رؤيته لدور الوكالة بأنّه بمنزلة "تكلفة منخفضة الثمن يدفعها المجتمع الدولي مقابل عدم حل المشكلات السياسية للاجئين الفلسطينيين".
وهناك نحو 5.9 ملايين فلسطيني مسجّلين لدى "الأونروا" يمكنهم الاستفادة من خدماتها التي تشمل التعليم والرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية والبنى التحتية للمخيّمات والتمويلات الصغيرة والمساعدات الطارئة، بما في ذلك خلال الفترات التي تشهد نزاعاً مسلّحاً.
وتعمل "الأونروا" في 58 مخيماً للاجئين الفلسطينيين، موزعة بواقع 19 مخيماً في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزّة، و10 مخيمات في الأردن، و12 مخيماً في لبنان، و9 مخيمات في سوريا.
ما هي مصادر تمويل "الأونروا"؟
تقول "الأونروا" في موقعها الإلكتروني إنّ التمويل بالكامل تقريباً يأتي من خلال التبرعات الطوعية، ومعظمها من الجهات المانحة الحكومية، وأبرزها: الولايات المتحدة، بريطانيا، ألمانيا، السعودية، السويد، قطر، والإمارات. كما يتمّ دعم الوكالة بشكل كبير من جانب الاتحاد الأوروبي والحكومات الإقليمية ووكالات الأمم المتحدة.
ووفق "الأونروا"، فإنّ المساعدات المالية الدولية تُمثّل ما نسبته 93% من مجمل النفقات، بينما تتوزع النسبة المتبقية على منظمات دولية إغاثية وإنسانية.
وتموّل الولايات المتحدة "الأونروا" بـ(343.9 مليون دولار)، وألمانيا (202 مليون دولار)، بينما يقدّم الاتحاد الأوروبي (نحو 157 مليون دولار)، أما بريطانيا فتقدّم (21.1 مليون دولار)، واليابان (30.1 مليون دولار) وغيرها من الدول.
وبحسب ميزانية "الأونروا" لعام 2023، فإنّ إجمالي النفقات بلغ 1.6 مليار دولار، من دون احتساب النفقات الإضافية التي تسببت بها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة، البالغة 481 مليون دولار في فترة الربع الأخير 2023، ما يعني أنّ المبلغ يتجاوز 2 مليار دولار.
وعلى الرغم من أنّ تمويل "الأونروا" شهد زيادةً ملحوظة من حيث الأموال إلا أنّ أعداد اللاجئين المسؤولة عنهم الوكالة ازداد بشكلٍ كبير وبالتالي، هذا الأمر أدّى إلى تراجع البنى التحتية والخدمات التربوية والطبية والسكنية والاجتماعية التي تقدّمها، فمثلاً في العام 1980 بلغت الموازنة العادية لسنة واحدة 184 مليون دولار، لـ 1،844،318 فلسطيني مسجّل في الوكالة، بينما بلغت الموازنة في العام 2014 لمدّة سنتين 589 مليون دولار لـ 5،030،049 فلسطيني مسجّل في الوكالة.
ويعود عجز "الأونروا" المالي بشكل أساسي إلى ظاهرة "تململ المانحين"، بسبب الزيادة المستمرة في أعداد اللاجئين والتكاليف ذات الصلة المترتّبة عن توسيع خدمات "الأونروا" وفريق عملها (من نحو 5900 موظف في العام 1951 إلى 31000 موظف حالياً).
ومنذ العام 2000، ساهم عاملان اثنان في تفاقم "تململ المانحين": أولاً، عدم وجود حلول للقضية الفلسطينية في ظلّ الاحتلال الإسرائيلي وهنا يواجه المانحون احتمال تمديد وجود "الأونروا" إلى أجلٍ غير مسمّى، وثانياً، ظهور العديد من أزمات اللاجئين الكبرى، غير اللجوء الفلسطيني، في الشرق الأوسط، تحديداً أزمتَي اللاجئين العراقيين والسوريين.
اتهامات متكررة لتشويه دور "الأونروا"
خلال سنوات عمل "الأونروا" في فلسطين المحتلة، وعدد من الدول الإقليمية تعرّضت الوكالة إلى العديد من الاستهدافات سواء من جانب "إسرائيل" أو الولايات المتحدة الأميركية.
ففي الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى والثانية، شجبت "إسرائيل" ما يُزعَم عن استخدام المقاومة الفلسطينية منشآت الوكالة وخدماتها، لتحقيق أغراضها العسكرية.
فمثلاً، عند اندلاع الانتفاضة الأولى في العام 1987، زعمت "إسرائيل" أنّ بعض موظفي "الأونروا" أعضاء أو مؤيدون لتنظيمات فلسطينية مقاومة، وادعت أنّ مركبات الوكالة تُستخدم لنقل المقاتلين والأسلحة كونها تتمتع بالحصانة الدبلوماسية، وهذه الاتهامات تكررت مع اندلاع الانتفاضة الثانية في العام 2000.
من ناحيتها، أيضاً الولايات المتحدة الأميركية عملت على توجيه أصابع الاتهام إلى "الأونروا"، ففي العام 2018، أوقف الرئيس دونالد ترامب، المساعدت المالية السنوية والبالغة نحو 300 مليون دولار عن الوكالة، متهماً الوكالة بـ "الفشل في أداء مهمتها".
بالطبع، رحّبت "إسرائيل" بالقرار الأميركي، مُتّهمة الوكالة الأممية بـ"إطالة أمد النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني" من خلال تكريسها مبدأ حق العودة ولا سيما للاجئين في غزّة وفي الدول الإقليمية المجاورة. استأنفت واشنطن تقديم التمويل ابتداءً من العام 2021، بعد انتخاب جو بايدن رئيساً.
وتسوّق الولايات المتحدة الأميركية، و"تل أبيب" لمجموعة من المبررات لتشويه "الأونروا"، في مقدّمتها أنّ الوكالة تدرّس المناهج الفلسطينية التي تضمن حق العودة إلى أرض فلسطين التاريخية وتُندد بـ"السلام" مع الكيان الإسرائيلي، وكذلك من الممكن للمقاومة الفلسطينية الاستفادة من موارد الوكالة ولا سيما في قطاع غزّة، وأخيراً، وجود 1% فقط من الأجانب بين موظفي "الأونروا"، الأمر الذي يُسهم في الحفاظ على الهوية الفلسطينية داخل الوكالة.
وبعد ملحمة "طوفان الأقصى"، أيضاً قامت "إسرائيل" بمحاولات عدّة لإخراج "الأونروا" من قطاع غزّة. وكذلك، لفّقت اتهامات إلى 12 موظفاً في الوكالة بدعوى أنّهم كانوا على صلةٍ بالمشاركة في عملية "طوفان الأقصى".
لماذا تُريد "إسرائيل" التخلّص من "الأونروا"؟
تتعرضّ وكالة "الأونروا" لحملةٍ إسرائيلية ودولية غير مسبوقة للتخلّص من دورها في دعم اللاجئين الفلسطينيين، وهذا الأمر يُمثّل تهديداً ديموغرافياً لـ"إسرائيل" ومستقبلها، لذلك تسعى بالتعاون مع واشنطن في اتجاه دمج اللاجئين في أماكن إقامتهم أو تسهيل سفرهم إلى دول أجنبية أخرى.
ولتحقيق أهدافها، رسمت "إسرائيل" والولايات المتحدة ضمن ما يعرف بـ"صفقة القرن" خطّة ضدّ "الأونروا" نشرها معهد "الأمن القومي الإسرائيلي" في العام 2020 تتضمن 4 بدائل في مقدّمتها تفكيك الوكالة، ونقل ميزانيتها إلى حكومات الدول المضيفة للاجئين، وأيضاً نقل صلاحيات الوكالة وميزانيتها إلى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهنا يأتي دور المفوضية التي ستنقل اللاجئين إلى دولة ثالثة بما يتيح لهم الحصول على حق الإقامة الدائمة وأخذ الجنسية، وهو ما سيقود إلى سحب صفة اللاجئ من الفلسطينيين.
وعادت هذه الخطّة إلى الواجهة بعد اندلاع "طوفان الأقصى" في غزّة مع وجود بعض الاختلافات التكتيكية، إذ نقلت القناة "12" الإسرائيلية، أنّ تقريراً لوزارة الخارجية الإسرائيلية "شديد السرية"، تحدث عن 3 مراحل تقود إلى تقويض "الأونروا" بما في ذلك إخراجها من قطاع غزة. المرحلة الأولى "تكمن في الكشف عن تعاونٍ مزعوم بين الأونروا وحركة حماس" المدرجة في "قوائم الإرهاب" الأميركية. والمرحلة الثانية فرض حصار مالي عليها، والتوقف عن تمويلها، بما يؤدي إلى تعطيل برامجها، وشل خدماتها، والعجز عن تسديد رواتب موظفيها، ما يؤدي إلى إحداث الفوضى في صفوفها، وإغلاق مراكزها، وطرح علامات استفهام حول مصيرها. أما المرحلة الثالثة فتتلخص في "عملية نقل كل مهمات الوكالة إلى الهيئة التي ستحكم غزّة بعد انتهاء الحرب".
لذلك، فإنّ التضييق على "الأونروا" يأتي في سياق جهود تفكيك قضية اللاجئين تمهيداً للدفع في اتجاه مفاوضات غير متوازنة تضغط على الفلسطينيين عبر وضعهم بين خيار القتل والتهجير والجوع أو التنازل عن حق العودة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وعلى الرغم من المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي والتي أدّت إلى ارتقاء نحو 27 ألف شهيد، فإنّ الدول المانحة لـ "الأونروا" سحبت دعمها المالي ووقفت مع "إسرائيل" متذرعةً بمشاركة 12 موظفاً فقط من "الأونروا" في "طوفان الأقصى".