"غولاني" الإسرائيلي وتكرار الفشل في لبنان.. ما أبعاد إحباط المقاومة للتسللَين؟
المقاومة الإسلامية في لبنان تتصدّى لمحاولات إسرائيلية للتسلل إلى الأراضي اللبنانية. حدث يحمل كثيراً من العناوين، التي تستحق الوقوف عندها، والبحث في أبعادها ودلالاتها.
-
المقاومة في لبنان تتصدى لمحاولتي تسلل لـ"الجيش" الإسرائيلي عند الحدود اللبنانية الفلسطينية منتصف ليل الأحد - الاثنين
في حادثة نوعية، ضمن إطار الاشتباك المستمر، بين المقاومة في لبنان و"جيش" الاحتلال الإسرائيلي، منذ بدء معركة طوفان الأقصى، وانطلاق العمليات المساندة للمقاومة الفلسطينية من جنوبي لبنان، تصدّت المقاومة الإسلامية، منتصف ليل الأحد – الاثنين، لمحاولتَي تسلل لجيش الاحتلال الإسرائيلي إلى الأراضي اللبنانية.
حاولت قوة إسرائيلية، عند الساعة الـ11:45 ليلاً، التسلل إلى داخل الأراضي اللبنانية في منطقة وادي قطمون في مقابل رميش، فتصدت لها المقاومة بالأسلحة الصاروخية. أما الثانية فجرت في حدود الساعة الـ 12:15 بعد منتصف الليل، حين حاولت قوة إسرائيلية من لواء غولاني التسلل إلى داخل الأراضي اللبنانية، من جهة خربة زرعيت، في مقابل بلدة راميا اللبنانية، فتفاجأت بانفجار عبوة ناسفة كبيرة، قبل أن تستهدفها المقاومة بعدد من قذائف المدفعية، وتحقق فيها إصابات مباشرة، كما جاء في بيانات الإعلام الحربي.
وفي الوقت الذي كانت قوات الاحتلال الإسرائيلي تسحب جنودها، متراجعة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، فتحت تلك الحادثة المجال أمام أكثر من ملاحظة على أكثر من محور، إذ يقع على "الجيش الإسرائيلي" أن يقدم إجابة بشأن السؤال الذي سيطرحه سكان مستوطنات الشمال.
عند نقطة التماس الأولى
شكلّت عملية "طوفان الأقصى" صدمة كبيرة للعقل الإسرائيلي، إذ زرعت في مخيلة المستوطنين حالة من الترقب الدائم لحدوث فعل مشابه في أي لحظة، الأمر الذي أفقدهم الإحساس بالأمن، والثقة بقدرة "الجيش" على حمايتهم، أو تمكّن أجهزة الأمن الإسرائيلية من القبام بذلك.
وكان لمستوطني شمالي فلسطين المحتلة النصيب الأكبر من ذلك القلق، إذ عاشوا، على مدى أعوام تلت الحرب الإسرائيلية على لبنان، في تموز/يوليو 2006، متخوفين من اليوم الذي ستطلب فيه قيادة المقاومة في لبنان إلى قواتها دخولَ الجليل، بحيث لم تكن "طوفان الأقصى"، بالنسبة إليهم، إلّا تمثُّلاً عينياً للتهديد الذي سكن خيالهم طويلاً.
وما إن بدأت الحرب، وأعلنت المقاومة الإسلامية في لبنان إسنادها مقاومة الشعب الفلسطيني، وأطلقت عملياتها عند الحدود اللبنانية الفلسطينية، حتى شهدت مستوطنات الشمال الفلسطيني المحتل حالة نزوح، ما زالت مستمرةً في اتساعها.
ومع اشتداد حركة نزوح المستوطنين، وما رافقها من تكثيف لعمليات المقاومة في لبنان، ارتفع الحديث، من جديد، عن ضرورة انسحاب مقاتلي المقاومة، وتحديداً قوات الرضوان، إلى شمالي نهر الليطاني. وهو الشريط الحدودي، الذي تَعُدّ "إسرائيل" أنه يضمن أمنها، والذي خرجت منه مُكرَهةً في أيار/مايو 2000، وسعت، فاشلةً، في حرب عام 2006، لإعادة تكريسه مساحةً عازلةً منزوعة السلاح. كما أصبح، في وقتٍ لاحق، في لائحة مطالب الوسيط الأميركي، عاموس هوكشتاين، الذي طالب بـ"جنوبيّ الليطاني منطقةً خالية من أيّ مسلّحين ومُعَدّات حربية وأسلحة، عدا تلك التابعة للجيش اللبناني واليونيفيل".
وبعد التهديدات في مختلف المستويات، والإغراءات في بعض الأحيان، والشائعات التي حاول الإعلام الإسرائيلي بثّها بشأن تراجع المقاومة الإسلامية في لبنان عن الحدود، أتى التصدي لمحاولتي التسلل، ليجيب بوضوح عن كل الأسئلة، ويردّ على التهديدات والشائعات، وليثبّت وقوف المقاومين في لبنان عند نقطة التماس الأولى دفاعاً عن أرضهم.
"#قوة_الرضوان هي قوة حاضرة، قادرة، متوثّبة، تنظر إلى التغيرات ومسار الأمور في غزة والميدان. وستبقى تنفّذ مهماتها كما تقول المقاومة، وستبقى كابوساً للعدو الإسرائيلي"
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) November 24, 2023
محلل #الميادين للشؤون اللبنانية والسياسية عباس فنيش #لبنان #حزب_الله #فلسطين_المحتلة@AbbassFneish… pic.twitter.com/WZBon3O7Or
يقظة ومرونة
لم يُظهر تصدي المقاومة الإسلامية لعمليتي التسلل، حضورَ عناصرها عند الحدود اللبنانية الفلسطينية فحسب، بل ألقى أيضاً الضوء على مجموعة من العناوين المهمة.
التصدي الحدث أشار أولاً إلى قدراتٍ متقدمة للمقاومة في لبنان على مستوى الرصد، الليلي تحديداً. ثمّ أظهر ثانياً مرونةً سريعةً في تحويل معطيات الرصد إلى غرفة العمليات، وتحليل الوضع الميداني، وإرسال الأوامر والتعامل مع الحادث بسرعةٍ شديدة جداً.
ثالثاً، إذ كان التصدي للتسلل الأول، من خلال القذائف الصاروخية، إلا أن التصدي الثاني كان من خلال تفجير عبوّةٍ ناسفة كبيرة في القوات المتسللة، بحسب بيان الإعلام الحربي للمقاومة. ويشير ذلك إلى قدرة المقاومة على التقدم والحضور عند نقاطٍ محاذية للحدود اللبنانية الفلسطينية، من أجل زرع عبوات ناسفة، وألغام، والانسحاب من دون أن يعلم الجيش الإسرائيلي بأصل العملية. وهذا يمثل فشلاً كبيراً في قدرات الرصد للاحتلال، (على رغم منظومة الرصد الإلكترونية فائقة التقدم التي يمتلكها). وهذا يعزز مخاوف سكان الشمال، من إمكان أن يشهدوا في مستوطناتهم طوفاناً شبيهاً بذاك الذي غمر مستوطنات غلاف غزة.
رابعاً، فشلُ مجموعة من لواء غولاني، وهو من ألوية النخبة، في "التسلل" ليلاً إلى الأراضي اللبنانية، على رغم تقدمهم المفترض في تقنيات الحرب الليلة، وحركة المسيّرات التجسسية المستمرة، وقدراتها التقنية التجسسية المتقدمة. كل هذا يُعيد السؤال بشأن قدرة هذا "الجيش" على القيام بهجوم بري علني واسع على الأراضي اللبنانية، وخصوصاً بعد استهداف المقاومة المستمر، منذ بداية الحرب، لمنظومات الرصد والتجسس، على طول الخط الحدودي مع لبنان. وقدرة المقاومة في لبنان على الرصد المبكر والتعامل السريع تعكس قوتها القادرة على حماية لبنان من أي عملية تسلل، ومن أي عملية توغل، بغضّ النظر عن مدى التسلل والتوغل هذين، والهدف منهما.
اقرأ أيضاً: رئيس بلدية "كريات شمونة": قوة الرضوان متمركزة على السياج وتصطادنا كالبطّ
المقاومة ترسم ملامح لبنان القوي
يطول الحديث عن الأطماع الإسرائيلية في لبنان، لكن ما يمكن تناوله باختصار، هو أن مطامع الاحتلال الإسرائيلي في لبنان قديمة، ومن عمر تأسيس كيان الاحتلال، كما تمتد الاعتداءات الإسرائيلية على المواطنين الآمنين في جنوبي لبنان إلى أربعينيات القرن الماضي.
وفي حين تتعالى الصيحات الإسرائيلية اليوم من أجل تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701، تجدر الإشارة إلى أن أول من خرق هذا القرار كان العدو الإسرائيلي في إنزاله العسكري على بلدة بوداي البقاعية، بعد عدة أيامٍ فقط على صدور القرار، ووقف العمليات العسكرية بموجبه. كما تبعته، فيما بعدُ، مجموعةٌ من الانتهاكات والخروقات، في البر والبحر والجو.
ما جرى منتصف الليلة الفائتة، يُضاف إلى بعض العمليات النوعية للمقاومة في الأشهر الأخيرة، كما يُعَدّ من أهم نقاط الاشتباك الحديثة، بعد انتزاع لبنان حقَّه النفطي في البحر المتوسط من العدو الإسرائيلي.
وشكلت عملية إسقاط الطائرة المُسيّرة، "هرمز 450"، وصدّ عمليتَي التسلل ومنعهما عند النقطتين الحدوديتين، حداً فاصلاً في الصراع بين المقاومة في لبنان والعدو الصهيوني، على صعيد الاعتداءات والخروقات.
فإذا كان تحرير عام 2000 انتزع الأمل بتحقيق النصر على الجيش الإسرائيلي وتحرير الأرض بالدم، وإذا كانت حرب تموز/يوليو 2006 أعلمت الإسرائيلي بأن زمن اجتياح لبنان ولّى ولا عودة إليه، وإذا كان تحصيل حقوق لبنان في حقول الغاز منع العدوّ من السيطرة على ثروات لبنان الاستراتيجية، فإن ما يحدث، خلال الأشهر الأخيرة، وخصوصاً إسقاط المسيرات، وإحباط التسللات، يرسل إلى قيادة "الجيش" الإسرائيلي رسالةً واضحة، مفادها أن المقاومة في لبنان حاضرة وجاهزة لصد الاعتداءات الإسرائيلية، سواء أكانت من الجو، أَم البر، أَم البحر.
تثبت المقاومة في لبنان، اليوم، أنها إلى جانب التزامها، أخلاقياً ودينياً، نُصرةَ الشعب المستضعَف والمظلوم في فلسطين، ترسم، من خلال مشاركتها الإسنادية في هذه الحرب، أمام العدو الإسرائيلي حدوداً جديدة، وقواعد اشتباك، ستجعل لبنان أكثر أمناً، لأعوام طويلة.
فبعد التحرير، والحماية، وتأمين الاستفادة من الثروات والخيرات، فإن المقاومة، اليوم، ترسم لبنان القوي في قوته أمام حكومة الاحتلال وجيشه.