قراءة في قانونية قرار مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية توقيف 3 من قادة حماس
المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، وصل في نهاية المطاف مع استمرار الحرب على غزة إلى طريق مسدودة، وبات أمام خيارين أحلاهما مر، ما هما؟
يُحسب للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أنه أول مدعٍ عام في التاريخ تجرأ على طلب توقيف متهمين بارتكاب جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية لقادة من غير الأفارقة أو البيض المناوئين للسياسة الغربية، وأبعد من ذلك، قادة من "إسرائيل"؛ الكيان الذي يعتبر نفسه منذ إنشائه فوق كل القوانين، وأنه محمي بمظلة أميركية – أوروبية وبجدار التخويف من تهمة "معاداة السامية".
لكن الواضح، واستناداً إلى المعرفة الدقيقة بتاريخ هذا الرجل، أن هذه الخطوة، على أهميتها التاريخية، كانت محسوبة بدقة متناهية، وجاءت بعد مماطلة من قبله امتدت على مدار 7 أشهر كاملة، رفض خلالها التعليق على الجرائم الإسرائيلية وغض الطرف عن مشاهد القتل والدمار والحصار والمجاعة، لكنه وصل في نهاية المطاف الى طريق مسدودة، وبات أمام خيارين أحلاهما مر؛ أن يستسلم لضغوطات الأميركيين وبعض الأوروبيين و"إسرائيل"، وأن يواصل سياسة المماطلة في الملف الفلسطيني، كما فعل تماماً منذ تسلمه مهامه في حزيران/ يونيو 2021، بعدما كان هذا الملف مفتوحاً ومتابعاً بدقة وثبات من قبل المدعية العامة السابقة فاتو بن سوده، التي يعود لها الفضل بضم فلسطين إلى صلاحيات المحكمة الدولية في آذار/مارس 2021، وبالتالي كان عليه أن يتحمل مسؤولية سقوطه الأخلاقي، وخصوصاً بعدما أسرع، تلبية لرغبة الغرب، إلى إصدار مذكرات توقيف بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ما يتعلق بأوكرانيا.
وكان الخيار الثاني الأقل سوءاً عبر إصدار طلبات توقيف مسؤولين إسرائيليين ومواجهة عاصفة الانتقادات الأميركية والإسرائيلية وبعض الانتقادات الأوروربية، "لأنه تجرأ على المساس بقيادات غير أفريقية أو غير مناوئة للغرب"، كما أشار صراحة في مقابلته مع شبكة التلفزيون الأميركية "سي أن أن".
حاول كريم خان استباق عاصفة الغضب الأميركية بضم 3 من قادة حماس إلى لائحة المطلوب توقيفهم، لكن هذا الخيار لم يشفع له لدى الغرب، علماً أن علامات استفهام عديدة بشأن قانونية ضم قادة حماس إلى هذه اللائحة فضل القانونيون المدافعون عن الفلسطينيين عدم فتح النقاش بها حالياً، بانتظار ما ستؤول إليه قرارات الغرفة التمهيدية التي ينتظر أن تصدر قرارها النهائي بطلب المدعي العام في غضون 4 إلى 6 أسابيع.
مخالفة القانون الدولي
قانوناً، لا يحق لمدعي عام المحكمة الجنائية الدولية توجيه أي اتهام إلى قادة حماس الثلاثة، وبشكل خاص رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، لكونه يقيم خارج غزة أولاً، ولا تملك المحكمة أي دليل على أن قرار هجوم 7 أكتوبر "طوفان الأقصى" اتخذ من قبله، ولا يوجد أي تصريح مسجل له يدعو فيه إلى قتل الإسرائيليين أو يمكن تأكيد مسؤوليته المباشرة وغير المباشرة عن أي دعوة إلى ارتكاب ما يمكن اعتباره جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية استناداً إلى التهم الواردة في قرار المدعي العام "الإبادة والاغتصاب والعنف الجنسي واحتجاز رهائن".
لذلك، يتوقع الخبراء في قانون المحاكم الدولية أن ترفض الغرفة التمهيدية طلب المدعي العام المتعلق بمذكرة توقيف إسماعيل هنية.
غياب الدلائل
أما بالنسبة إلى التهم الموجهة إلى مسؤولي حماس في غزة يحيى السنوار والقائد العام لكتائب عز الدين القسام محمد ضيف، فالمحكمة، كما في حالة هنية، لا تملك أي دليل على ارتكابهما جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، وما ورد في قرار المدعي العام لم يتجاوز الدلائل المشكوك في أمرها، ولا يرتكز على أي مصداقية أو استقلالية، لأنه مأخوذ من شهود إسرائيليين ومن الصحافة الإسرائيلية، كراديو "الجيش" الإسرائيلي أو الصحافة الأميركية التي تبين لاحقاً أن عدداً من تقاريرها مفبرك، وخصوصاً في ما يتعلق بتهمة الاغتصاب.
القانون الدولي في تهمة الاغتصاب واضح جداً، حتى لو حصلت هذه الجريمة، فإنها لا تطال القادة إلا في حالة الارتكاب الممنهج للجريمة، ومن ضمن عقيدة الحركة، وليست عملاً فردياً، ما يعني أنه حتى في حالة قيام عناصر من حماس أو غيرها من الفصائل الفلسطينية بجريمة الاغتصاب (وهذه تهمة بلا دليل)، فهذا يبقى عملاً فردياً يطال منفذ الجريمة فقط، وليس حماس أو قادتها.
أما بالنسبة إلى التهم الأخرى، ولا سيما هجوم 7 أكتوبر وأسر إسرائيليين أو عسكريين، فهذا، بحسب قراءة قانونية، يبقى ضمن ما تنص عليه المادة 31 من نظام روما الأساسي، التي تقول "إن المسؤولية الجنائية تسقط في حال القيام بأعمال الدفاع عن النفس أو عن شخص آخر أو عن ممتلكات لا غنى عنها للبقاء..". واستناداً إلى هذه الفقرة من المادة 31، فإن الخبراء القانونيين يعتبرون ما حصل في 7 أكتوبر جزءاً من العمل المقاوم ضد الاحتلال، وخصوصاً أن المحاكم الدولية لم تحرك ساكناً على ما تقوم به "إسرائيل" منذ إنشائها من هجمات متكررة على قرى ومدن فلسطينية، ولديها آلاف الأسرى المدنيين الفلسطينيين من دون تهم ولا محاكمة، وهم يتعرضون للتعذيب، وأحياناً يستشهد بعضهم تحت التعذيب.
فخ "مبدأ التكامل"؟
في واحدة من الفقرات الأخيرة في قرار المدعي العام، يثير كريم خان مسألة "مبدأ التكامل" بين المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية، ما يعني وجود فرصة للمحاكم الوطنية (الإسرائيلية في هذه الحالة) حتى تعلن أهليتها لإجراء التحقيقات بديلاً من المحاكم الدولية.
والمستغرب في هذا القرار أن كريم خان أورد هذه الفقرة مع العلم أنه يعلم تماماً أن القانون لا يجيز للدول أن تطلب إجراء التحقيقات والمحاكمة أمام محاكمها الوطنية بعد صدور طلب توقيف المتهمين. من هنا يبرز التساؤل بشأن الهدف الحقيقي لكريم خان، وما إذا كان يريد من ذلك ترك نافذة مفتوحة لينفذ منها المجرمون الإسرائيليون.
من جهة ثانية، برهنت المحاكم الإسرائيلية على مر الزمن أنها، وخلافاً لما تنص عليه معاهدة روما، منحازة وغير مستقلة، وآخر الأمثلة على ذلك عندما أعلنت في جريمة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة أن مصدر الرصاص القاتل هو سلاح فلسطيني، لتبرهن التحقيقات الدولية لاحقاً أن مصدر الرصاص هو سلاح إسرائيلي.
انحياز كريم خان
خرج كريم خان في واحدة من فقرات قراره عن الحياد الذي يتطلبه موقعه كمدعٍ عام لمحكمة دولية عندما أظهر تعاطفه مع المستوطنين والأسرى الإسرائيليين، بقوله: "سمعتُ كيف أن الحب بين أفراد الأسرة وأعمق الأواصر التي تجمع بين الآباء والأبناء شوّهتِ بغية إلحاق الألم بالناس بقسوة. أود أن أعرب عن امتناني للناجين ولأسر المجني عليهم في هجمات السابع من تشرين الأوّل/أكتوبر، لأنهم تحلوا بالشجاعة وتقدموا للإدلاء بشاهداتهم لمكتبي. وما زلنا نركز على تعميق تحقيقاتنا بشأن جميع الجرائم التي ارتُكِبت في إطار هذه الهجمات، وأكرر مطالبتي بالإفراج الفوري عن كل الأسرى الذين أُخذوا من إسرائيل، وبرجوعهم سالمين إلى أُسرهم".
في المقابل، لم يأتِ خان في الحديث بأي كلمة أو أي تعاطف مع عشرات آلاف الضحايا الفلسطينيين الذين قتلتهم "إسرائيل"، كما لم يأتِ على ذكر آلاف الفلسطينيين المعتقلين في سجون "إسرائيل" قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول وبعده.