ضربة روسية لـ "سويفت".. موسكو تدشن نظام دفع بديلاً للهيمنة المالية الأميركية
قيام روسيا بتطوير أنظمة مالية جديدة بديلة لنظام "سويفت"، يأتي في إطار استراتيجية وطنية شاملة تسعى إلى إتمام الاستقلال النقدي عن الغرب إضافة إلى تحقيق السيادة التكنولوجية.
يبدو أن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ومن وراءها الغرب، على روسيا بذريعة الحرب على أوكرانيا، أعطت الكرملين دافعاً كبيراً لكسر سيطرة الدولار، الأداة الرئيسية للهيمنة النقدية الأميركية على العالم، من خلال العمل الجاد لإيجاد بدائل تسهّل حركة التعاملات المالية في الداخل الروسي دونما عوائق، وأيضاً مع الدول التي ضاقت ذرعاً باستبداد واشنطن وأذرعها المالية.
ولأن روسيا ومعها الصين وإيران هي المتضررة الرئيسية من العقوبات الأميركية، تعمل هذه الدول (بشكل ثنائي وحتى ثلاثي)، على الفكاك من القبضة الأميركية المُحكمة على نظام التحويل المالي الدولي، والذي ما زال قائماً منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية حتى يومنا هذا، وكان أحد أسباب التسلط الأميركي على الدول والشعوب.
انطلاقاً من هذا الهدف، وجهت موسكو مؤخراً ضربة كبيرة للنظام المالي الأميركي، بعدما أعلنت أن جميع المعاملات المالية المحلية تقريباً تجري الآن من خلال نظام جديد للمعاملات المالية، تم إنشاؤه كبديل لنظام سويفت SWIFT (اختصار لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) الذي يغطي جميع المراسلات المتعلقة بالتعاملات المالية والبنكية التي تتم بين المصارف والمؤسسات المالية العالمية، وتسيطر عليه الولايات المتحدة.
إشارة إلى أن قيام موسكو بتطوير أنظمة مالية جديدة، يأتي في إطار استراتيجية وطنية شاملة تسعى إلى إتمام الاستقلال النقدي عن الغرب إضافة إلى تحقيق السيادة التكنولوجية، بما في ذلك تطوير شبكة معلوماتية بديلة للإنترنت الخارجي.
ما هو النظام المالي الروسي الجديد؟
في مطلع نيسان/أبريل الفائت، كشفت فيرا نابيولينا، مديرة البنك المركزي الروسي، أن ما يقرب من 100% من جميع العمليات المالية الروسية، تتم الآن باستخدام نظام جديد للتحويلات يدعى: Systema Peredachi Finansovykh Soobshchenii (SPFS).
وضع البنك الوطني الروسي هذا النظام المالي في الخدمة، كبديل لـنظام سويفت، بعدما تم تطوير SPFS لأول مرة في عام 2014، كرد فعل على الحصار والعقوبات الغربية على المؤسسات المالية الروسية، التي تم استبعادها كذلك، من نظام "سويفت"، للحد من قدرتها على المشاركة في المعاملات المالية الدولية، في أعقاب استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم.
يتضمن نظام الدفع البديل هذا، بطاقات للدفع، تُمنح للمستخدمين العاديين. ولهذا أصدر البنك المركزي الروسي في العام 2015، بطاقة حملت اسم "مير"، تستخدم الآن في 50% من معاملات بطاقات الدفع في روسيا. والأكثر أهمية، أنها حلّت مكان أنظمة الدفع الإلكترونية الغربية التي خرجت من السوق الروسية في عام 2022.
وبحسب فيرا نابيولينا، فإن المؤسسات المالية الروسية طبقت بنجاح لافت توجيهات آذار/مارس 2023 الصادرة عن البنك المركزي الذي طلب من تلك المؤسسات، الانتقال إلى استخدام الخدمات والتقنيات المحلية فقط، لإجراء المعاملات المالية. كما أعلن البنك المركزي الروسي في كانون الثاني/يناير 2024، أن نحو 557 مؤسسة وشركة مالية في 20 دولة ربُطت بنجاح بالبرنامج الخاص للأمن الغذائي الذي وضعته موسكو.
الدول التي تستخدم النظام المالي الروسي
مع حلول عام 2023، أصبحت بطاقات الدفع المالية الروسية (على اختلاف أنواعها ومسمياتها) مقبولة بالكامل في كل من: فنزويلا وكوبا وبيلاروسيا وجمهوريتي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليتين، وفي بعض البنوك في الجمهوريات السوفياتية السابقة الأخرى وفيتنام.
وبالإضافة إلى إيران، أبدت كل من الهند وإندونيسيا ومصر وميانمار وتايلاند، وعدد من الدول الشرق أوسطية وعلى رأسها السعودية وأيضاً الأفريقية مثل موريشيوس وإثيوبيا ونيجيريا وتنزانيا وجنوب أفريقيا، أبدت اهتماماً بإطلاق نظام الدفع الروسي على أراضيها، بالرغم من العقوبات الأميركية التي تستهدف سلطة الإصدار الروسية لنظام الدفع الجديد. كما تسعى تركيا إلى إبرام اتفاقيات مماثلة مع SPFS لإجراء عمليات مالية مع روسيا، في ضوء ضغوط من الولايات المتحدة وأوروبا للامتثال للعقوبات على موسكو.
وفي أوروبا نفسها كان هناك من هو مهتم بالنظام الروسي الجديد، حيث أوضح رئيس غرفة التجارة الإيطالية - الروسية، فرديناندو بيلازو، أن لوبي الأعمال الإيطالي في روسيا يضع اللمسات الأخيرة على آلية تسمح للمشترين المحليين بدفع ثمن البضائع الإيطالية بالروبل الروسي.
الشراكة المالية الإيرانية - الروسية
ساهم الحصار المالي الأميركي الغربي غير المسبوق على كل من طهران وموسكو، في تعزيز التواصل بين البلدين للبحث عن بدائل لتوسيع التجارة بينهما، من دون المرور بنظام سويفت.
ومع زيادة التبادل التجاري بين روسيا وإيران التي بدأت مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، عقدت اجتماعات بين البنوك المركزية في البلدين، أفضت في عام 2023، إلى وضع البلدين اللمسات الأخيرة على اتفاقيات ثنائية لدمج نظام "مير" للمدفوعات الروسي، مع "نظام شيتاب" المصرفي الإيراني، كما افتتح بنك "في تي بي" الروسي مكتباً له في طهران. علاوة على ذلك، ارتفعت نسبة استخدام الريال والروبل في التجارة الإيرانية الروسية حتى كانون الثاني/يناير 2024، بنسبة 60% بحسب وكالة "تسنيم" الإيرانية.
وتعليقاً على ذلك، قال نائب رئيس البنك المركزي الإيراني، محسن كريمي، في تصريح له في الأول من كانون الثاني/يناير الماضي: "لقد قمنا بربط شبكات المراسلات المالية بين البلدين".
وأضاف: "هذا يعني أن البنوك في بلدينا لم تعد بحاجة إلى سويسرا، للتواصل المالي مع بعضها البعض". وتابع كريمي: "يمكن للمصدّر [الإيراني] الآن تحصيل الأموال من الجانب الروسي بالريال، واستلام الأموال منه عبر البنوك الروسية في إيران"، مشيراً إلى أن النظام يسمح أيضاً بالدفع بالروبل الروسي.
في المحصّلة، بانتظار التسديدة الروسية - الإيرانية - الصينية القاتلة لنظام "سويفت"، فإن طلب موسكو أن تكون مدفوعات صادراتها من الطاقة بالروبل الروسي، سيؤدي إلى ظهور عملة بديلة لصناعة النفط، وهذا بدوره سينعكس سلباً على نظام التجارة العالمي، وسيؤسس في المستقبل المنظور لبداية نهاية عصر الدولار الأميركي.
علي دربج - أستاذ جامعي.