روسيا وحرب الإبادة على غزة.. الموقف وتجلياته في سياق الصراع مع الغرب

منذ بدء الحرب الإسرائيلية المدعومة غربياً على قطاع غزة، برزت المواقف الروسية المناهضة للجرائم الإسرائيلية، والحاثّة على وقف حرب الإبادة والحصار، ما أدى إلى تردي علاقات موسكو بالاحتلال، في مقابل تناميها مع قوى محور المقاومة.

  • روسيا في سياق حرب الإبادة على غزة
    في مقابل الدعم الذي يبديه الغرب للاحتلال في المحافل الدولية، تتمسّك روسيا بإدانة "إسرائيل" والمطالبة بمنح الفلسطينيين حقوقهم

منذ بدء الحرب الإسرائيلية، المدعومة غربياً وأميركياً، على قطاع غزة، برزت المواقف الروسية المناهضة للجرائم الإسرائيلية، والحاثّة على وقف حرب الإبادة والحصار، الذي شبّهه الرئيس فلاديمير بوتين بحصار ألمانيا النازية مدينة لينينغراد، خلال الحرب العالمية الثانية، حين قضى أكثر من مليون شخص نتيجة القصف والمجاعة. 

وفي مقابل الدعم، الذي يبديه الغرب للاحتلال في المحافل الدولية، وإن حاول التملّص من مسؤولياته في تصريحات دعائية خجولة، تتمسّك روسيا بإدانة "إسرائيل"، ومن خلفها الولايات المتحدة والغرب الأطلسي، وبالمطالبة بمنح الفلسطينيين حقوقهم، ولاسيما في مجلس الأمن، الذي أصبح الساحة الأبرز للمواجهات بين الطرفين.

مجلس الأمن.. ساحة مواجهة بين روسيا و"إسرائيل"

حرصت موسكو منذ البداية على تأكيد عدم شرعية الحرب على القطاع، مع دعوتها إلى وقف إطلاق نار كامل، يترافق مع تقديم المساعدات إلى القطاع المحاصَر.

ولم تقتصر النظرة الروسية للحرب على ذلك، بل ذهب أيضاً مندوب موسكو في مجلس الأمن الدولي، فاسيلي نيبينزيا، إلى اتهام "إسرائيل" صراحةً بأنّها "دولة" احتلال، لا يحقّ لها الدفاع عن نفسها. 

وفي حين شدّدت موسكو على أن لا حق لـ"إسرائيل" في "الدفاع عن نفسها"، أكّدت، على لسان وزير خارجيتها، سيرغي لافروف، أنّ "طوفان الأقصى" لم تأتِ من فراغ، لتواجه بذلك الدعاية الغربية، التي تزعم أنّ ما قامت به المقاومة في الـ7 من أكتوبر هو "اعتداء دفع إسرائيل إلى الرد".

أمام هذا الواقع، أكّد "معهد كارنيغي للسلام الدولي" الأميركي أنّ روسيا تقود في الأمم المتحدة إدانة الأعمال العسكرية الإسرائيلية، بينما تتدهور العلاقات بين "إسرائيل" وروسيا، حتى بلغت أدنى مستوياتها منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.

علاقات متردّية بـ"إسرائيل"

التدهور في العلاقات الروسية - الإسرائيلية بلغ ذروته في أعقاب زيارة وفد من حركة حماس للعاصمة الروسية موسكو، بحيث بات الحديث عن روسيا بين المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين مطابقاً لحديثهم عن العدوين الوجوديين لـ"إسرائيل"، إيران وحزب الله، وفقاً للمعهد.

دفعت تلك الزيارة، التي قادها رئيس مكتب العلاقات الدولية في الحركة، موسى أبو مرزوق، بحيث التقى نائبَ وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في مقرّ وزارة الخارجية الروسية بموسكو، الاحتلالَ إلى استدعاء السفير الروسي لديه، بهدف إبلاغه احتجاج "إسرائيل".

وإذ اتّهمت "إسرائيل" روسيا بـ"دعم الإرهاب"، فإنّ الأخيرة أصرّت على أنّ "موقفها ثابت، ولم يتغيّر"، مبديةً رفضها المحاولات غير المقبولة على الإطلاق لتشويه عملها في المهمات الإنسانية.

وهاجم سفير "إسرائيل" في الأمم المتحدة، غلعاد إردان، روسيا بسبب تقرّبها إلى حماس، عادّاً موسكو أحد الأماكن الوحيدة التي "تُستقبل فيها حماس على بساطٍ أحمر". 

وأبعد من الاتهام بـ"دعم الإرهاب"، هدّد عضو حزب "الليكود" الإسرائيلي (حزب بنيامين نتنياهو)، ويتمان، موسكو، متوعّداً إياها بـ"دفع الثمن غالياً" بسبب دعمها المقاومة الفلسطينية وحماس. 

روسيا وقوى محور المقاومة حلفاء طبيعيون

وفي مقابل التردي الذي تشهده العلاقات الإسرائيلية - الروسية، على خلفية الحرب المستمرة على غزة، شهدت علاقات موسكو بقوى المقاومة في المنطقة تنامياً ملحوظاً، فمحور المقاومة، نظراً إلى عدائه "إسرائيل"، هو حليف طبيعي لروسيا، التي تواجه الولايات المتحدة، داعمة "إسرائيل".

ولموسكو علاقات عميقة ووطيدة بطهران، التي تقود محور المقاومة، وهي اليوم تعمل على بناء علاقات لا تقلّ أهميةً مع سائر أطراف المحور، في لبنان والعراق واليمن، بحسب مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، التي وصفت قوى المقاومة بـ"الأصدقاء الخطرين الجدد لروسيا".

وأدّت العمليات، التي تشنّها قوى المقاومة، إلى منح روسيا فرصة إضعاف الولايات المتحدة وحلفائها، فما كان من موسكو إلا أن انتهزت هذه الفرصة، لتكثّف بعد الـ7 من أكتوبر دعمها الديبلوماسي لحماس وأنصار الله.

لم يقتصر الدعم الروسي لمحور المقاومة على الجانب الدبلوماسي، بل انسحب إلى المستوى العملي أيضاً، بحسب المجلة، إذ قدّمت مساعداتٍ تقنيةً ولوجيستيةً. وفي هذا الإطار، تحدّثت عن وجود علامات "مقلقة"، تشير إلى مساعدة روسيا حزب الله في أي مواجهة شاملة مع "إسرائيل".

وفيما خصّ اليمن، الذي تواصل قواته المسلّحة تنفيذ العمليات ضدّ السفن المرتبطة بالاحتلال في بحر العرب والبحر الأحمر (السيد عبد الملك الحوثي أعلن منع مرورها عبر المحيط الهندي ورأس الرجاء الصالح مؤخراً)، حرصت موسكو على التشديد على أنّ هذه العمليات مردّها إلى المذبحة الإسرائيلية المدعومة من واشنطن، لتدعم بذلك ما تؤكّده صنعاء بشأن تنفيذ العمليات إسناداً لغزة.

أما في سوريا، فكثّفت روسيا عمليات التشويش الإلكترونية من قاعدة حميميم، بينما استأنف طيّاروها دورياتهم الجوية على طول خط فضّ الاشتباك في الجولان، بحسب ما أوردته "فورين أفيرز"، على نحو يعرقل أي اعتداء إسرائيلي.

وفي العراق، تقوم روسيا بتهيئة الظروف لتحلّ محل الولايات المتحدة "كشريك أمني في العراق، تحسّباً لاحتمال قيام الولايات المتحدة بخفض وجودها العسكري هناك"، بحسب "مركز دراسات الحرب".

وفي هذا الإطار، التقى السفير الروسي لدى العراق، إلبروس كوتراشيف، مسؤولين سياسيين وعسكريين كباراً، بهدف مناقشة التعاون الأمني ​​منذ أواخر كانون الثاني/يناير الماضي. والتقى كوتراشيف، توالياً، عالمَ الدين والسياسي العراقي عمار الحكيم في 31 كانون الثاني/يناير، ورئيسَ هيئة الحشد الشعبي العراقي، فالح الفياض، في 1 شباط/فبراير، ورئيسَ الوزراء محمد شياع السوداني في 5 شباط/فبراير، والأمينَ العام لعصائب أهل الحق قيس الخزعلي في 20 شباط/فبراير.

في ضوء موقف "إسرائيل" بشأن الحرب في أوكرانيا، وأمام السلوك الإسرائيلي المتفاعل مع أحداث الحرب على أساس الموقف الغربي العام المضاد لروسيا، جاءت حرب الإبادة التي تواصلها "إسرائيل" في قطاع غزة، لتنطلق بإيذانٍ أميركي واضح ومشاركةٍ مباشرة في الخطط، بالإضافة إلى الدعم العسكري المساند. فهل تدفع كل هذه التطورات إلى تعاطي روسيا مع "إسرائيل" على أنها جزءٌ من المنظومة الغربية، وأداة لضمان هيمنتها في المنطقة؟

اقرأ أيضاً: بعد عامين من الحرب الأوكرانية.. كيف أخطأ الغرب في رهانه على إخضاع روسيا سياسياً واقتصادياً؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.