بزشكيان رئيساً لإيران.. كيف سيوجّه سياسته الداخلية والخارجية؟
انتخاب مسعود بزشكيان رئيساً لإيران، عدّه الإعلام الغربي تعبيراً عن استياء من التوجهات العامة للبلاد، فجاء كلام المرشح الفائز في تصريحه الأول، ليؤكد حقيقة أن الانتخابات كانت استفتاءً على رسوخ مبادئ الثورة، وأن مقاربة التنافس الانتخابي في إيران تحتاج إلى فهم للواقع السياسي الداخلي في البلاد لا إلى إسقاط أفكار مسبقة.. فماذا بعد انتخاب بزشكيان، وما هو مستقبل سياسة البلاد الخارجية في ولايته؟
انتخابات نزيهة وديمقراطية، وتنافس حقيقي في أجواء هادئة وحضارية، ومناظرات جدية أظهرت اختلافاً واضحاً بشأن مقاربة ملفات حيوية وهامة، ثم فوز بفارق محدود من الأصوات، للمرشح الذي افترض الإعلام الغربي والعالمي أن قائد الثورة والجمهورية في إيران يرغب بفوز منافسه.
هكذا يمكن اختصار الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الإيرانية الرابعة عشرة، التي نتج عنها فوز المرشح الإصلاحي مسعود بزشكيان، بلقب الرئيس التاسع للجمهورية الإسلامية في إيران، على حساب منافسه، المرشح المبدئي سعيد جليلي.
هي إيران الثورة، التي يجهد الإعلام الغربي ويختلق الأكاذيب في سبيل إظهارها بؤرة للتخلف ومقبرة للحريات وواحة للتسلط والديكتاتورية، تقدّم مرة جديدة درساً في أصول الديمقراطية، وفي حرية ممارسة العمل السياسي، ونزاهة الاختلاف حين يصل إلى أعلى مستوياته في مقاربة كثير من الملفات الحساسة من دون أن يصل إلى حد الانقلاب على الوطن والثوابت الوطنية.
وهو أيضاً درس في تداول السلطة بسلاسة رغم ذلك الخلاف في مقاربة ملفات حساسة، بين الإصلاحيين والمبدئيين، وبصورة حضارية راقية لا يشبهها في شيء ما شاهده العالم كله عند هزيمة المرشح الجمهوري أمام منافسه الديمقراطي، في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الولايات المتحدة الأميركية، التي تقدم نفسها كأمثولة في الديمقراطية والحريات والتحضّر.
المعركة الحقيقية والتنافس الحاد الذين عبّرت عنهما الحاجة إلى جولة ثانية، والفارق الطفيف في عدد الأصوات بين المرشحين الفائز والخاسر، وكذلك المناظرة الحماسية التي دافع فيها كل منهما عن خطته وبرنامجه وأفكاره بحرارة، قادت بعض المتابعين من خارج إيران ممن لا تتوفر لهم إحاطة كافية بالشأن الإيراني، وتحديداً المتعاطفين منهم مع جليلي، إلى افتراض وجود ما هو أبعد مجرد من تنافس انتخابي وخصومة شريفة واختلاف في الرؤى بين الرجلين والنهجين، وتالياً التعبير عن خشيتهم على مستقبل الجمهورية الإسلامية بعد فوز بزشكيان، أو الاعتقاد أنها أمام 4 سنوات صعبة على مستويات عدة.
وهناك من ذهب إلى حدّ الاعتبار أنّ إيران التي بكت رئيسها الاستثنائي بحرارة وصدق وودعته كما يليق برئيس مخلص مثله، انقلبت على نفسها وعلى ذكراه الطيبة، بانتخابها من سيسلك مساراً معاكساً لما مثّله "شهيد الخدمة" وآمن به طوال سنوات ولايته، وما قبلها.
مبدئيون وإصلاحيون.. هل يسري التمايز على السياسة الخارجية؟
البروفسور في جامعة طهران، ومستشار الوفد الإيراني المفاوض سابقاً، محمد مرندي، أكد في حديث للميادين نت وجود تشابه قوي بين رؤى الرئيس المنتخب مسعود بزشكيان والرئيس الشهيد السيد إبراهيم رئيسي.
وأوضح مرندي أن كلا الرئيسين وسطي في ما يتعلق بالسياسة الإيرانية، وأن بزشكيان وسطي إصلاحي، بينما كان السيد رئيسي وسطياً مبدئياً، مشيراً في هذا السياق إلى تعامل رئيسي مع الاتفاق النووي الذي أُبرِم في العام 2015 وتخللته شوائب كثيرة، حيث كلف مفاوضيه بإعادة إحياء الاتفاق والتعامل مع الشوائب في الوقت نفسه، أي أنه أراد منح الاتفاق حماية أفضل على نحو يمنع الولايات المتحدة من محاولة الاحتيال على إيران.
ورأى مرندي أنّ بزشكيان سيكمل طريق رئيسي في ما يتعلق بالسياسة الخارجية، وسيواصل توسيع العلاقات مع دول الجنوب العالمي، والمساهمة في بناء الهيئات المرتبطة بمنظمة "شنغهاي" ومجموعة "بريكس"، لكنه سيحاول أيضاً تحسين العلاقات مع الغرب، إذا كان الغرب على استعداد لاتخاذ الخطوات الصحيحة فقط.
وشدد مرندي على أنه إذا لم يكن الغرب مستعداً لاتخاذ القرارات الصحيحة، فستكون لدى بزشكيان خيارات أخرى، وهذا ما قاله بزشكيان بنفسه.
ورأى مرندي أن الموقف من المقاومة يقع في الإطار نفسه،وأن بزشكيان يمتلك الرؤى نفسها، كما رئيسي، بشأن محور المقاومة والمقاومة في فلسطين المحتلة، ولا دليل على عكس ذلك.
مرندي: بزشكيان قريب إلى القائد
وكان مرندي، في مقابلة سابقة مع الميادين قبل أيام، رأى أنه من الطبيعي أن تفتش إيران عن شركاء حول العالم. مؤكداً أنها كقوة ثورية رافضة للهيمنة والإمبريالية، لا تريد أن تكون للغرب سيطرةً كاملةً على اقتصادها، أو هيمنةً على قطاع التكنولوجيا فيها، أو قدرةً على ممارسة الضغط عليها.
ومن منطلق رؤية إيران للعالم المتغير حولها، رأى مرندي أنّها تنظر باهتمام كبير إلى القوى الصاعدة في آسيا: الصين، روسيا، الهند، دول آسيا الوسطى، والدول المجاورة، وكذلك دول الجنوب العالمي في أفريقيا وأميركا اللاتينية أيضاً، وهي دول يمكن أن تساهم في الاقتصاد الإيراني، كما يمكن لإيران أن تساهم في اقتصاداتها.
ولفت مرندي إلى أن هذا ما كانت إيران تسعى له، ولاسيما خلال فترة حكم رئيسي، الذي دفع جاهداً في اتجاه توسيع العلاقات بدول الجنوب، ودخول إيران في منظمات دولية لا تقع تحت السيطرة الغربية، مثل منظمة "شنغهاي" ومجموعة "بريكس".
واعتبر مرندي أنّ رئيسي، في الوقت نفسه، لم يغلق الأبواب في وجه الحكومات الغربية، موضحاً أنه أينما كانت إيران قادرةً على إحداث تغيير في سلوك الغرب والتعاون معه، فقد كانت تقدم على ذلك، وعندما رفض الغرب أن يكون عقلانياً، كانت إيران تتحدث إلى شركاء أقرب إليها، وهم كثر اليوم.
وأكد مرندي أنّ الرسائل بين طهران وواشنطن متواصلة بانتظام، بشأن مسائل مختلفة، سواء عبر أطراف ثالثة، أم من خلال المفاوضات غير المباشرة، أو من خلال الرسائل المباشرة، متوقعاً ألا يختلف الأمر بشكل كبير مع اختلاف إدارة البلاد، لأن القرارات المتعلقة بالمنطقة، البرنامج النووي، والسياسة الإيرانية العامة، يؤثر فيها مجلس الأمن القومي الأعلى وقائد الثورة والجمهورية، إلى جانب الدور الذي يؤديه الرئيس.
وتعليقاً على ما يقال بشأن وقوف فريق روحاني وراء بزشكيان، وأنه قد يؤثر في السياسات الاقتصادية والسياسة الخارجية التي سيتّبعها، نتيجة لإدارتهم حملته، أكد مرندي أن بزشكيان شخصية مختلفة جداً عن الرئيس الأسبق الشيخ حسن روحاني، وأنه أقرب إلى قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران.
#مسعود_بزشكيان رئيساً لـ #إيران.. ما هي خلفيته السياسية وكيف وصل إلى سدة الحكم؟
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) July 7, 2024
تقرير: سياوش فلاح بور #الانتخابات_الإيرانية #إيران_الجمهورية_تستمر @SFallahpour pic.twitter.com/AzRIlMKftN