السعودية ترفض التصعيد الأميركي - البريطاني في البحر الأحمر.. ما الأبعاد؟

مجريات "طوفان الأقصى" انعكست على العلاقات السعودية اليمنية بشكلٍ إيجابي، ولا سيما أنّ الرياض رفضت التصعيد الأميركي - البريطاني في البحر الأحمر.. فأي تمايز اعتمدته السعودية في هذا الملف؟

  • السعودية ترفض التصعيد الأميركي - البريطاني في البحر الأحمر.. ما الأبعاد؟
    السعودية ترفض التصعيد الأميركي - البريطاني في البحر الأحمر.. ما الأبعاد؟

أشادت وزارة الخارجية اليمنية في حكومة صنعاء، بالموقف السعودي بخصوص مسألة البحر الأحمر، ووصفته بـ"الشجاع"، مؤكدةً على لسان  نائب وزير الخارجية في الحكومة، حسين العزيّ بأنّ "صنعاء ستمضي إلى السلام مع كل محيطها".

إشادة صنعاء جاءت بعد أنّ أصدرت السعودية التي تمتلك مكانةً في العالمين العربي والإسلامي، بياناً بشأن العدوان الأميركي البريطاني الذي استهدف منطقة البحر الأحمر والغارات الجوية التي تعرّض لها عدد من المواقع في اليمن.

وقالت في بيانها إنّها "تتابع بقلق تطورات البحر الأحمر"، وتؤكد "أهمية المحافظة على أمن واستقرار تلك المنطقة التي تُعد حرية الملاحة فيها مطلباً دولياً لمساسها بمصالح العالم أجمع".

كما أنّ وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، ربط خلال مشاركته في دافوس العدوان الإسرائيلي بأزمة البحر الأحمر، مطالباً بأن تكون الأولوية لخفض التصعيد في الممر المائي والمنطقة بأكملها، مشدداً على أنّ أيدي المملكة ممدودة إلى إيران.

مواقف السعودية جاءت بعد أنّ دشّنت الولايات المتحدة، رفقة بريطانيا، في 11 كانون الثاني/يناير الماضي، باكورة ضرباتها ضد مواقع القوات اليمنية، في إطار عملية "حارس الازدهار" بدعوى حماية خطوط التجارة الدولية في البحر الأحمر، وذلك بعد أسابيع من استهداف القوات اليمنية سفناً تجارية إسرائيلية أو مُتوجهة إلى موانئ كيان الاحتلال نصرةً للمقاومة الفلسطينية في غزّة.

وعن ممانعة الرياض المشاركة في "حارس الازدهار"، كتبت وكالة "رويترز" في 21 كانون الأول/ديسمبر 2023، عن ذلك قائلةً إنّ غياب السعودية أمرٌ "لافت للانتباه، وربما مثيرٌ للدهشة"، مشيرةً إلى أنّ السبب الرئيس لذلك الغياب هو قلق الرياض من أن تنتقص المشاركة في تلك القوّة من هدف استراتيجي طويل الأمد، يتمثّل في نفض يديها من حربٍ عبثية في اليمن كما أنّها تريد الحفاظ على التقارب مع إيران. وبينما مانعت السعودية ضرب صنعاء طالبت الإمارات واشنطن بتنفيذ ضربة قوية ضد اليمن، وفق وسائل إعلام إسرائيلية.

وعن التقارب بين صنعاء والرياض، أوضح مدير مكتب الميادين في اليمن، عبد الله الفرح، أنّ اليمن يُشيد بأيّ موقفٍ يدعم القضية الفلسطينية، كما أنّ صنعاء تدعو إلى أن يتعاظم الموقف السعودي وألا يبقى موقفاً سياسياً.

وأيضاً، تطالب صنعاء بمنع الطريق البرية الذي تتحدث عنه وسائل الإعلام والذي يزوّد الكيان الإسرائيلي بمستلزماته الأساسية، في وقتٍ فرضت فيه القوات اليمنية حصاراً خانقاً على "إسرائيل"، وأفشلت الهيمنة الأميركية على البحار.

ولفت الفرح أنّ الموقف اليمني كلما كان قوياً في مواجهة الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل" كان ذلك قوّة للمنطقة، كما أنّ الموقف يُمهّد الطريق أمام السعودية لتفتح علاقاتٍ جديدة مع دول الجوار لتستخدم أوراقاً جديدة في المنطقة.

مفاوضات الرياض لا تُفسدها ضربات واشنطن

على ما يبدو إنّ الرياض قرأت الرسائل التي أطلقتها صنعاء في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بكثيرٍ من الدقة، إذ حذّرت القوات اليمنية دول الجوار من إتاحة مجالاتها الجوية لضرب اليمن في إشارةٍ شبه صريحة للجارتين السعودية والإمارات. وهنا كشفت وكالة "بلومبرغ" الأميركية أنّ الرياض لا تشجِّع اتباع الحلِّ العسكري مع القوات اليمنية، خشية التأثير في اتفاقات التهدئة.

وفي الوقت الذي يبدو فيه، أنّ ضربات واشنطن وبريطانيا ضد المواقع اليمنية هي مُجرّد عقاب لليمن، لكفّ يدها عن ضرب السفن الإسرائيلية أو المتوجهة إلى الكيان التي بالتالي تضرب مصالح واشنطن و"تل أبيب"، فإنّ هذا الملف يرتبط بشكلٍ عضوي بملفّ الحرب على اليمن المستمرة منذ العام 2014، وبشكلٍ أوضح يرتبط بالمفاوضات بين الرياض وصنعاء، التي وصلت إلى مراحل متقدّمة في العام 2023 إذ عزَّزت وقف إطلاق النار في البلاد، وأيضاً يرتبط ملف الضربات الأميركية بملف التقارب الإيراني السعودي، وهذه الأمور أدّت إلى دخول اليمن طوراً جديداً من الهدوء.

في أيلول/سبتمبر الماضي، انعكست النتائج الإيجابية لجولة المفاوضات المباشرة الثانية بين وفد صنعاء والجانب السعودي في الرياض، سريعاً، في خطاب رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط، بعدما تلقّى الأخير تأكيدات من رئيس الوفد، محمد عبد السلام، بأنّه لم يتبقَّ سوى القليل من التباينات التي تحتاج إلى التشاور الأمر الذي يُمهّد للحديث في الملفّات السياسية والعسكرية. بدورها، وصفت السعودية جولة المفاوضات بـ "الإيجابية" لاستكمال مسار التفاهمات التي بدأت منذ العام 2022.

لذلك، وعلى الرغم من العدوان الأميركي البريطاني اختارت كل من صنعاء والرياض مواصلة مناقشاتهم، مُفضّلين عدم السماح لأزمة البحر الأحمر بالتأثير في تقدّمها. هذا الأمر بدا واضحاً من تصريحات رئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبد السلام، الذي قال في 11 كانون الثاني/يناير الماضي، إنّ "الهجمات ضدّ قواتنا في البحر الأحمر لا تؤثر في عملية السلام الجارية مع السعودية بوساطة من سلطنة عمان والأمم المتحدة".

وفي تحليل أصدره معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى أنّ السعوديين "في حالة حرب مع القوات اليمنية منذ ثماني سنوات، وهم الآن منخرطون في مفاوضات سلام بطيئة، ومن الواضح أنهم لا يُريدون تعريضها للخطر لذلك تجنبوا الدخول مع واشنطن في تنفيذ هجماتٍ ضد اليمن". وهنا من الممكن أن نقرأ الموقف السعودي بأنّه يسعى إلى تعزيز أمن البلاد كما أنّه يمهّد لرؤية الرياض الاستثمارية لعام 2030.

ولتحقيق أمن السعودية ورؤيتها الاستثمارية، عملت الرياض على تثبيت تقاربها مع إيران بوساطةٍ صينية، إذ أسهمت الخطوة في تعزيز الاستقرار الإقليمي وتخفيف حدّة التوترات في المنطقة، وفتح الباب أمام التعاون في مجالات متعددة، بما في ذلك الاقتصاد والتجارة والأمن، الأمر الذي قال عنه رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، تركي الفيصل إنّ "التقارب السعودي الإيراني كان من الممكن أن ينهي الأزمة اليمنية، ولكن أحداث 7 أكتوبر قد عطّلتها".

مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي مُعطّل بسبب العدوان

وفي أعقاب التقارب السعودي الإيراني، اعترفت وسائل إعلام إسرائيلية بأنّ هذا التقارب يضرّ بالمصالح الإسرائيلية في الدرجة الأولى، ويأتي عكس ما كانت تسعى إليه "إسرائيل" لعزل إيران دبلوماسياً في الشرق الأوسط وفي العالم، كما من شأنه أن "يبعد التوصل إلى اتفاق سلام بين السعودية وإسرائيل".

ونتيجةً للعدوان الإسرائيلي على غزّة، أوقفت الرياض في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، الجهود الدبلوماسية التي قادتها الولايات المتحدة على مدى أشهر لإقناع السعودية بتطبيع العلاقات مع "إسرائيل" والاعتراف بها للمرّة الأولى، وذلك من جرّاء الغضب العربي المتزايد بشأن العدوان المدعوم أميركياً على قطاع غزّة.

ومع استمرار العدوان وغياب الحلول الإسرائيلية والأميركية، تصرّ واشنطن على الزجّ بالسعودية في صفقة أو فخ التطبيع تحت عنوان "التسوية" في المنطقة، فيما يرى رئيس كيان الاحتلال الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، بأنّ "تطبيع العلاقات مع السعودية، هو مفتاح الخروج من الحرب".

وأكّدت مصادر إقليمية لـ"رويترز" أنّ السعوديين حثّوا واشنطن في أحاديث خاصة على الضغط على "إسرائيل" لإنهاء حرب غزّة والالتزام بـ"أفق سياسي" لإقامة دولة فلسطينية، وقالوا إنّ "الرياض ستقوم بعد ذلك بتطبيع العلاقات والمساعدة في تمويل إعادة إعمار غزّة".

وتشترط السعودية على "إسرائيل" التزاماً حقيقياً لحلّ الدولتين إن لم يكن قانونياً فعلى الأقل سياسياً. وعن هذا الأمر صرّح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان خلال منتدى دافوس بأنّ "السعودية يمكن أن تعترف بإسرائيل في إطار اتفاق أوسع بعد حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي".

كما أنّ الموقف الأبرز ما أكّدته السفيرة السعودية لدى واشنطن، ريما بنت بندر آل سعود خلال دافوس وهو أنّ بلادها غير قادرة على مواصلة المباحثات بشأن اتفاق التطبيع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي قبل وقف إطلاق النار في قطاع غزّة.

ووفق صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، فإنّ لعبة الرئيس الأميركي جو بايدن تتمثل في الهدوء مقابل التطبيع، إذ سيقدّم بايدن عرضاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو الذي سيقع بين خيارين إمّا تفكّكه السياسي إذا وافق، وإمّا السقوط إذا رفض، وبهذا الاتجاه، تحشر واشنطن الرياض في مستنقع التطبيق مقابل مواقفها حيال العدوان على غزّة.

بدوره، علّق محلل الميادين لشؤون أميركا والأمم المتحدة، نزار عبود، على أمر التطبيع قائلاً إنّ هناك تطبيعاً حقيقياً قائماً بين السعودية و"إسرائيل" بشكل غير رسمي، ولكن واشنطن تريد نقل هذا التطبيع إلى الإطار الرسمي العلني، إلا أنّها تواجه عقبة كبيرة وهي مجازر الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل" في غزّة التي لا ترضى بها الرياض بأيّ شكلٍ من الأشكال، وكذلك تشترط الرياض على الولايات المتحدة و"إسرائيل" حل الدولتين.

ولفت عبود إلى أنّ الولايات المتحدة لا تبدو حتى الآن جاهزة لتلبية كل الشروط السعودية، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية، مؤكداً أنّ السعودية تخسر من استمرار الصراع في البحر الأحمر ولا سيما أنّ تجارتها تمرّ عبره، كما أنّ نقل النفط يتأثر في حال استمرار الصراع، وكذلك تتأثّر مشاريع الرياض السياحية التي تعوّل عليها ضمن رؤية الرياض الاستثمارية لعام 2030.

اقرأ أيضاً: "أكسيوس": مستشار نتنياهو في واشنطن غداً.. واليوم التالي للحرب يشمل التطبيع مع السعودية

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.