السؤال الأكثر واقعية.. ماذا عن اليوم التالي لـ"إسرائيل" بعد طوفان الأقصى؟

إنّ عدم تحقّق الأهداف الإسرائيلية المُعلنة من العدوان المستمر على قطاع غزة، بعد أكثر من 4 أشهر على بدءه، يدفع للتساؤل بشأن اليوم التالي لـ "إسرائيل" بعد الحرب؟ 

  • السؤال الأكثر واقعية.. ماذا عن اليوم التالي لـ
    السؤال الأكثر واقعية.. ماذا عن اليوم التالي لـ"إسرائيل" بعد طوفان الأقصى؟

يُكثر  رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وغيره من المسؤولين الإسرائيليين، إضافةً إلى المعارضة الحالية،  طرح ما يُسمى بخطة "اليوم التالي في غزّة"، وتقديم أوراقٍ ووثائق يُدّعى تطرقها إلى طبيعة الحكم في القطاع والواقع المطلوب العمل للوصول إليه. 

الوثيقة الأخيرة التي عرضها نتنياهو أمام المجلس السياسي والأمني المصغّر "الكابينت"، تعرّضت للانتقاد، إذ أشارت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية إلى أن نتنياهو "خرج بعد أكثر من 140 يوماً من الحرب من دون خطّة"، مشيرةً إلى عدم قابلية ما ورد في الوثيقة للتطبيق. 

من دون الالتفات إلى أن أهل غزّة ومقاومتهم هم من يحدّد مصيرهم داخل حدود القطاع، وهم الذين يقدمون نموذجاً ملحمياً للصمود والتصدي، كما حددوه في السنوات الـ 16 الماضية إلى أن وصلت المقاومة إلى القدرات التي تؤهلها إطلاق "طوفان الأقصى"، فإنّ عدم تحقّق الأهداف المعلنة من العدوان بعد نحو 4 أشهر يدفع إلى التساؤل بشأن اليوم التالي لـ "إسرائيل" بعد الحرب؟ 

في هذا الإطار، قال محلّل الشؤون السياسية في "القناة 13" الإسرائيلية، رفيف دروكر، إنّ "مستقبل إسرائيل ليس وردياً"، مؤكّداً أنّ ما يحدث في غزة يُعدّ دليلاً على ذلك. ما يعانيه الاحتلال في غزّة وانعكاس ذلك على أكثر من صعيد: سياسياً، عسكرياً، وعلى مستوى "المجتمع".

اللواء الإسرائيلي المتقاعد في احتياط "الجيش"، إسحاق بريك، في حديثه مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قال إنّه مع إطالة أمد الحرب "ستتدحرج كرة ‏ثلج نحو الهاوية في مجال الاقتصاد والأمن والمجتمع والعلاقات الدولية، ولن تكون هناك طريق للعودة بعد ذلك". 

صدامات سياسية

قالت المحللة الإسرائيلية في الشؤون الداخلية لكيان الاحتلال و"العلاقات مع الفلسطينيين" ضمن مجموعة "الأزمات الدولية"، ميراف زونسزين، إن "إسرائيل" دخلت حالة شلل تام في هذه الحرب". يعاني كيان الاحتلال منذ ما قبل الحرب أزمة سياسية بين تياراته وأحزابه المتعارضة (اليمين واليسار). 

برزت في هذه الحرب الخلافات الداخلية بشكل أوضح في التباين في المواقف ووجهات النظر بين المسؤولين الإسرائيليين، ولا سيما أعضاء "كابينيت" الحرب بشأن استراتيجيات العمل في قطاع غزّة وقضية الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية.  

تتجدّد الدعوات في كيان الاحتلال إلى إجراء انتخابات جديدة تنبثق عنها قيادة سياسية جديدة، وهو ما يعيد "إسرائيل" إلى دوامة تكرار الانتخابات مرات عديدة في فترة زمنية قصيرة نسبياً، كما حصل قبل انتخاب "الكنيست" الحالي وتشكيل هذه الحكومة ذات الأغلبية اليمينية. 

لكن الانتخابات لن تحقق الاستقرار السياسي للكيان، لأن المشكلة أعمق من هوية أو توجهات الفئة السياسية التي ستشكل حكومة مدعومة بأغلبية في "الكنيست"، إذ كل جهة ستصطدم بمعارضة الجهة الأخرى، كما بخلافاتها الداخلية بين أعضاء الحزب الواحد بسبب التحديات الكبيرة التي خلقتها المقاومة في أكثر من جبهة.  

"الجيش" المأزوم بفعل 7 أكتوبر

القاعدة البديهية تقول إنّ الأزمات وعدم الانسجام السياسي يضرّ بـ"الجيش" والعمل العسكري. يريد العسكريون الإسرائيليون رؤية واستراتيجية واضحة بشأن التعامل مع العديد من الجبهات التي تشغلهم، ومن أهمها حالياً غزّة ولبنان، لكنّ ذلك يعتمد على قرار سياسي منسجم، بالتالي ستغيب عن "الجيش" الخطة وآلية التطبيق. 

في اليوم التالي للحرب، ستدخل "إسرائيل" في متاهة تقاذف المسؤوليات بين قيادة "الجيش" والأجهزة الأمنية بشأن الفشل في 7 أكتوبر، سواء من ناحية توقع الحدث والمعلومات الاستخبارية، قبل لحظة العملية التي نفذتها حماس واختراق مستوطنات الغلاف براً وجواً وبحراً، كما اقتحمت مواقع الاحتلال العسكرية وعادت بالأسرى وكبّدت الاحتلال الخسائر البشرية التي لم يشهدها سابقاً. وقد بدأ "جيش" الاحتلال تحقيقات عديدة تؤكد تورط الضباط الإسرائيليين في الفشل ذاك اليوم. 

إضافة إلى ذلك، فإنّ الخسائر الكبيرة التي لحقت بالوحدات الخاصة والنخبة في "جيش" الاحتلال من جراء المعارك البرية مع المقاومة الفلسطينية، إذ وقعت هذه الوحدات في الكمائن المحكمة للمقاومة وقتل ضباطها وجنودها، خلقت ثغرات في صفوف القوات الإسرائيلية، تحتاج إلى إعادة هيكلة ما بعد الحرب.  

إنّ استنزاف هذا "الجيش" الذي لم يخض في السابق حرباً امتدت 4 أشهر، وهي لا تزال مستمرة، يرفع كلفة تغطية الخسائر المادية واللوجستية ما بعد الحرب، ناهيك بأزمات عانى منها "جيش" الاحتلال ما قبل الحرب، وإن كانت هذه المشكلات تحتاج إلى فترة طويلة لمعالجتها في حالة الانسجام السياسي، فكم سيستغرق حلّها في ظل الأزمة السياسية؟ 

تفكك "مجتمعي"

"يخشى الإسرائيليون من مختلف ألوان الانتماءات السياسية أن قيادتهم الحالية واستراتيجيتهم الحربية لن تقودهم إلى النصر، ويطرحون سؤالاً: ما هو الطريق"، وفق محللة الشؤون الداخلية الإسرائيلية. 

وأضافت زونسزين أن المستوطنين يشعرون بأنهم "رهائن القيادة السياسية الفاشلة"، ويراقبون الخلاف بين كبار السياسيين وبين الرتب العسكرية وهو يخرج إلى العلن. وليست التظاهرات التي سبقت الحرب اعتراضاً على خطط نتنياهو السياسية مقابل تظاهرات خرجت تأييداً لها لدى الجمهور اليميني ما وضع الكيان على حافة صدام داخلي دموي، سوى دليل على التفكك "المجتمعي" الإسرائيلي. 

وما بعد الحرب، فإنّ المشهد في الكيان لن يتغير، ولا سيما بعد أن تنكشف المسؤوليات بشأن الفشل يوم 7 أكتوبر وفي إدارة الحرب، ستبقى الصورة "شارع يقابله شارع"، وهو ترجمة الخلافات السياسية والعسكرية العميقة. وفي إطار الصدامات الداخلية، دعا رئيس حكومة الاحتلال الأسبق إيهود براك،  في 25 شباط/فبراير 2024، إلى التظاهر ومحاصرة "الكنيست" إلى أن "يدرك نتنياهو أن وقته قد انتهى وأنه ما من ثقة به"، وفق قوله. 

خلقت الحرب أيضاً أزمة "أمان" لدى المستوطنين سواء عند الحدود مع غزّة أو مع لبنان، إذ إنه في ظل فشل المستويين السياسي والعسكري في تحقيق أهداف فإنّ الحياة في المستوطنات الحدودية بعد الحرب لن تكون كما ما قبلها. 

"إسرائيل" في اليوم التالي للحرب لن تكون إلا قنبلة من العُقد والأزمات على اختلاف المستويات، والتي ستتفجّر لتضع علامة استفهام بشأن مستقبلها وتعاملها مع التحديات التي فرضتها حركات المقاومة في المنطقة، من فلسطين إلى لبنان والساحات: العراق، اليمن، سوريا، إيران. 

اقرأ أيضاً: ثلاث رؤى لليوم التالي للحرب على غزة.. لماذا تتقدم رؤية المقاومة؟

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.