الدفاع عن الجنوب والمحرومين.. جذور المقاومة في مدرسة السيد موسى الصدر وحركة "أمل"
جبهة لبنان لإسناد غزة التحاماً بـ"طوفان الأقصى" تعود جذورها إلى استلهام المقاومة اللبنانية والإسلامية دروسها ومبادئها من القائد الميداني الفعلي الأول لمواجهة الاحتلال في البلد السيد المغيّب موسى الصدر.
6 شهداء من أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" ارتقوا جنوبي لبنان التزاماً بالنهج المقاوم ضد الاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته المتكرّرة والمتوسّعة، بالتزامن مع عدوانٍ على قطاع غزّة. ارتقى علي داوود، ومصطفى ضاهر، وعلي محمد، وجعفر اسكندر، وحسين عزّام، وحسن سكيكي، بغارات إسرائيلية استهدفت أيضاً أكثر من 180 شهيداً، بينهم قادة في المقاومة الإسلامية.
ولكن ارتقاء شهداء لأفواج المقاومة اللبنانية "أمل" في خضم معركة "طوفان الأقصى" وفتح الجبهات في أكثر من بلد دعماً وإسناداً لمقاومة غزة ليس أمراً جديداً أو طارئاً في تاريخ الحركة التي انطلقت من "حركة المحرومين" عام 1974، والتي أسسها السيد موسى الصدر على منطلقات رفض الاحتلال ومقاومته، وكان لها تاريخ طويل في تأسيس وقيادة الحركة الوطنية التي عملت على تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي والوقوف مع حركة "فتح" والمقاومين الفلسطينيين لاستعادة أرضهم.
العمل الوطني.. إسناد القضية الأولى
في إثر ما تعرّض له جنوبي لبنان من اجتياحات إسرائيلية في مراحل عاصرها السيد الصدر، فإنّ هذه المناطق لم تشملها حماية الدولة، وهو الواقع نفسه الذي استمر في مرحلة ما بعد تغييب السيد الصدر في ليبيا. وفي ظل إدراك مخاطر النتائج المترتبة على إهمال الدولة لتحمل مسؤولياتها، سعى الصدر إلى رفع الحرمان من خلال العمل ضمن مسارين: بناء الإنسان الواعي، وتعزيز الأمن والتنمية.
منذ ما قبل تأسيس المقاومة، بدأ السيد الصدر بإطلاق حملات تعبوية إعلامية للدفاع عن الجنوب في وجه اعتداءات الاحتلال، مطالباً بتسليح المواطنين وتدريبهم للدفاع عن الوطن. ولمّا كوّن أرضية العمل المسلّح ووفّر إمكاناته، انطلقت الأفواج بالعمليات والمشاركة العسكرية، إلى جانب الحركات المقاومة والنضال والكفاح الأخرى، وحتّى المجموعات الفلسطينية لمواجهة الاحتلال.
وفي مسار بناء الإنسان عبر التعبئة وصناعة الوعي بالحقوق والمسؤوليات، ربط السيد الصدر هذا الإنسان بالأرض والمقدسات، وبسلسلة من القضايا: التحرير والتحرّر والعودة إلى القدس والدفاع عن كل محروم، فكان "علينا في كل يوم أن نقدم مجاهداً وشهيداً وقضيةً وسؤالاً ونضالاً وعملاً نضالياً جديداً في سبيل القضية الكبرى" (من كلمة للسيد الصدر)، ولا يمكن تفسير القضية الكبرى إلا بفلسطين.
ضبط السيد الصدر بوصلة العمل المقاوِم في لبنان نحو فلسطين، فكانت "قضية لبنان الأولى"، ولم يحصر هدف تأسيس أفواج "أمل" في دحر الاحتلال عن الجنوب، بل قدّم فكرة وطنية ملهِمة تطلّع فيها "إلى أن يكون المحرومون في أرضهم سنداً للمحرومين من أرضهم".
"أمل" والعلاقة مع الثورة الفلسطينية
لا تنفك غاية إسناد جبهة فلسطين عن غاية تحقيق الأمن والاستقرار والمصلحة الوطنية اللبنانية. وقد شرح السيد الصدر ذلك انطلاقاً من نظرته إلى "إسرائيل" ككيان توسعي، وأن ما يقاسيه الشعب اللبناني ليس بعيداً ممّا يقاسيه الشعب الفلسطيني، مشدداً على أن "إسرائيل خصمنا الأول، وأنها تشكل خطراً علينا؛ خطراً ثقافياً حضارياً اقتصادياً وسياسياً".
ورأى السيد الصدر أن أحد أهم عوامل افتعال المشكلات في لبنان هو الاحتلال، وأن المصلحة الوطنية تقضي بالمواجهة، وبجعل "السعي لتحرير فلسطين ودعم المجاهدين ومساندتهم بكل ما نملك من القوة مبدأ لا يشك فيه أحد"، وبكون "جهاد الفلسطينيين في سبيل تحريرها جهادنا ومسؤوليتنا"، ليكون "لبنان المتلاحم مع الثورة الفلسطينية هو الحجر الأساس في بناء الحضارة الإنسانية الحقة المناضلة في هذه المنطقة".
كذلك، نسج السيد الصدر العلاقات مع الجهات الفلسطينية، ولا سيما حركة فتح ورئيسها الراحل ياسر عرفات، وذلك في فترة سياسية حسّاسة عاشها لبنان أدت إلى اندلاع الحرب الأهلية في السبعينيات، وأراد أن تبقى المقاومة الفلسطينية بعيدة عن "المتاهات" الداخلية الضيقة في البلد.
فلسطين.. رؤية شاملة
في الصورة الأوسع، طرح السيد الصدر رؤية شاملة للقضية الفلسطينية ومسألة التحرير، مؤكداً أن "القضية الفلسطينية ليست ملك أحد. إنها مسؤولية هذه الأمة"، وألحقها بمنظومة قيمية أخلاقية دينية تعني كل اللبنانيين من كل الأطياف، مسلمين كانوا أم مسيحيين.
وشدّد على أن القدس "ترمز إلى تلاقي الإسلام مع الأديان الأخرى وتفاعل الدين مع الثقافات والحضارات"، وعلى اعتبار أن فلسطين مهد الديانة المسيحية، فقد حثّ السيد الصدر المسيحيين أيضاً على القيام بدورهم والسعي لإنقاذ المقدسات المسيحية، لأن التنازل عنها هو تنازل المسلم أو المسيحي عن دينه.
طاف السيد الصدر أنحاء العالم، من الاتحاد السوفياتي حينها إلى القارة الأوروبية والدول العربية والإسلامية، حاملاً فلسطين وهمّ العمل لأجلها؛ ففي آب/أغسطس 1970، جال بين العواصم الأوروبية، وعقد مؤتمراً صحافياً في مدينة بون (ألمانيا الاتحادية) في المقر التمثيلي للجامعة العربية، أوضح فيه حقيقة القضية الفلسطينية، وندّد بمحاولات تهويد فلسطين.
وفي العام التالي، زار السويس، ودعا إلى وجوب التمسك بالدين وإعلان "الجهاد المقدس" في سبيل تحرير فلسطين، واقترح مشروع "سندات الجهاد" لتفعيل المشاركة على المستويات الشعبية كافة من أجل مشروع التحرير.
المقاومة الدبلوماسية والسياسية
من مدرسة السيد الصدر وفكره، استهلمت أحزاب وحركات المقاومة في لبنان مبادئها. أكد ذلك الأمين العام لحزب الله السيد، حسن نصر الله، بقوله إن "هذه المقاومة في لبنان التي ننتمي إليها، والتي تأسست حتى قبل العام 1982، وامتدت بعد الـ82، كان مؤسسها الميداني الفعلي الأول هو سماحة الإمام المغيب السيد موسى الصدر".
وحين شنّ الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم تتخلّف المقاومة في لبنان عن التزاماتها وعما نشأت عليه من أفكار الصدر، وأطلقت نحو 1000 عملية في 123 يوماً إسناداً للشعب الفلسطيني في غزّة ومقاومته، وانخرطت أفواج "أمل" في عدّة عمليات لتقديم صورة الصمود على المستوى الشعبي في القرى الحدودية. ولاحقاً، قدمت الشهداء "على طريق القدس".
رئيس حركة أمل نبيه بري علق على العمليات بالقول إنّ "حركة أمل هي أمام حزب الله في الدفاع عن كل حبة تراب من لبنان، ولكن في هذه المعركة حركة أمل تقاوم ضمن إمكانياتها العسكرية"، لافتاً إلى الدور المنوط بالحركة في المقاومة الدبلوماسية كجزء من المقاومة الشاملة. ومن هنا، نشهد دوماً دوراً فاعلاً للرئيس بري في التفاوض مع الأميركيين عن المقاومة ومحاولة مقاومة مخططاتهم في السياسة، بعدما وقفت المقاومة بوجههم ووجه الإسرائيليين في ميدان المعركة العسكرية وحققت الانتصارات عليهم.
لم يؤمن السيد الصدر إلا بالوحدة، ليس على الصعيد اللبناني الداخلي فحسب، بل على صعيد الإقليم والأمة أيضاً، لتكون سبيلاً في مواجهة التحديات التي يفرضها وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة، كي لا تتحرّر فلسطين إلا على أيدي "المؤمنين الشرفاء".