"يونجه فيلت": الزلازل ليست مسألة علاقات عامة

إعلام ألماني يتحدث عن مراجعة الغرب للعقوبات على سوريا، على أنّها ليست كافية لمراجعة وتغير مستقبل بلد بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب والعقوبات.

  • جانب من أثار الزلزال المدمر في سوريا
    جانب من أثار الزلزال المدمر في سوريا

يتحدث الكاتب أكثم سليمان، خلال تقرير في صحيفة "يونجه فيلت" الألمانية، عن الدور الغربي السلبي في معالجة العقوبات على سوريا في ظل كارثة الزلزال المدمّر، ويشير إلى أنّ الغرب لجئ إلى تدابير خاصة أو جزئية أو محدودة زمنياً،  بدلاً من إعادة تفكيرٍ شاملة في منظومة العقوبات الغربية.

فيما يلي النص المنقول إلى العربية:

يتردّد الصوت على طرف خط الهاتف الآخر وكأنّه قادم من عالم آخر: جسد الأب كان منحنياً فوق الفتاة مثل خيمة واقية، وجسد الأم فوق الصبي. تمّ إنقاذ التوأمين اللذين يبلغان من العمر عامين من تحت الأنقاض بعد ثلاثة أيام وهما في حالة جيدة، لكن بلا أب ولا أم. "هل تعرف ماذا يعني ذلك في بلد لا يكاد يكون لك فيه مستقبل حتى مع وجود الوالدين؟"، يضيف الصوت المرتعش مختنقاً.

هي قصة من مدينة اللاذقية السورية على البحر الأبيض المتوسط. واحدةٌ من قصص كثيرة تتكرّر من إدلب إلى حماة وحمص وحلب - وفي غالب الأحيان دون وجود أي ناجين. حتى على مواقع التواصل الاجتماعي لا يعرف السوريون في الأيام الأخيرة سوى الحزن واليأس. حيث كتب أحد الناجين من حلب يشير إلى الحياة البائسة لمعظم السوريين بعد أكثر من 10 سنوات من الحرب والعقوبات: "كل أفراد عائلتي ماتوا، كلهم بخير إلا أنا".

يبدو أنّ الزلزال وحّد معظم السوريين في حالة الحزن والألم، على الأقل في الوقت الحالي، على الأقل على المستوى العاطفي، وحّدهم بعيداً عن كل الخلافات السياسية، وبغض النظر عما إذا كانوا يعيشون في مناطق تسيطر عليها الحكومة أو تركيا أو الأكراد أو حتى تنظيم القاعدة.

إنّه رد فعل مفهوم على مرأى من الموت، لقد تغيّر شيء ما. لكن في الغرب لا شيء جديد. في بداية الأسبوع دعت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى فتح جميع المعابر الحدودية - يوجد حالياً معبر حدودي واحد مفتوح - بين سورية وتركيا حتى يتمكن سكان شمال غرب سوريا من تلقي المساعدات.

وطالبت الوزيرة روسيا بتفعيل علاقاتها مع الرئيس السوري بشار الأسد بهذا الصدد. اختارت بيربوك إذن وبعُرف العلاقات العامة توجيهَ ضربة دعائية تكتيكية إلى دمشق وموسكو، ضربة تستغل أجواء حرب أوكرانيا. ما تتناساه الوزيرة هو أنّ المساعدات الإنسانية مطلوبة في جميع أنحاء البلاد، وليس فقط في "مناطق المتمردين" في الشمال الغربي.

فموجات الزلزال، وعلى العكس من السيدة بيربوك، لم تتوقف عند الخطوط التماس بين "مناطق مناهضة للأسد" و"مناطق موالية" له. ولم تكتفِ بيربوك بذلك. فبعد يومين فحسب، وعندما سُئلت عن العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب التي يفرضها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية على سوريا، والتي تعيق إمدادات المساعدات والمعدات التقنية إلى البلاد بأكملها وفقاً للأمم المتحدة، قالت بيربوك لقناة WDR يوم الخميس، إنّ الوضع الصعب "ليس سببه عدم دخول الجرافات عبر الحدود بسبب العقوبات، بل سببه النظام السوري الذي لا يفتح هذه الحدود. هو تكتيك آخر يُستخدم في الدعاية والعلاقات العامة، وفحواه: أرغب في المساعدة، لكن الجانب الآخر هو الذي لا يرحم ولا يترك مجالاً لرحمة السماء.

أيضاً ممثلو الدول الغربية الأخرى، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية، يدلون حالياَ بتصريحات مماثلة، يمارسون عملهم الاعتيادي. وعندما تزداد ضغوط الرأي العام بشكل كبير جداً في ضوء الصور الدرامية القادمة من منطقة الزلزال، يتمّ اللجوء إلى بعض الإجراءات التخفيفية الفاترة.

فبحسب تقارير صحفية بدأت بالتواتر من صباح الجمعة، قامت وزارة الخزانة الأميركية بفتح الطريق أمام المساعدات الطارئة لمنطقة الزلزال في سوريا من خلال منح تصريح خاص لهذا الغرض لمدة ستة شهور.

رسالة العلاقات العامة الأميركية للرأي العام فحواها هو التالي: ها نحن نفعل شيئاً، ها نحن نصدر إذناً استثنائياً على خلفية أوضاع استثنائية، فلا تتهموننا بالتلكّؤ في العون. لكن الحقيقة أنّ زلزالاً بلغت قوته 7.8 درجة بمقياس ريختر وخلّف آلاف القتلى والجرحى ناهيك عن الدمار.

كان يجب أن يؤدي إلى إعادة تفكير شاملة في منظومة العقوبات الغربية، وليس إلى اتّخاذ تدابير خاصة أو جزئية أو محدودة زمنياً فحسب في إطار هذه المنظومة. إنّ إجراء مراجعة كاملة لمنظومة العقوبات الغربية الأحادية لن يعيد أبوي التوأمين إلى الحياة، لكنه سيمثّل بداية فرصة صغيرة لنجاة الطفلين، فرصةً لمستقبل لهما يُفترض أن يتجاوز الشهور الستة القادمة.