"يديعوت أحرونوت": العودة إلى الاتفاق النووي محك اختبار أميركي
صحيفة "يديعوت أحرونوت" تقول إنّ إدارة بايدن تريد الاتفاق النووي بشدة، في حين أنّ الإيرانيين "يلعبونها صعبة"، وهو ما يؤشر على ضعف الولايات المتحدة وفقدان ردعها.
يتحدث الكاتب رونن بيرغمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الـ"إسرائيلية" عن تبعات العودة إلى مفاوضات الاتفاق النووي الإيراني في فيينا، ويقول إنّ حقائق كثيرة ستتضح هذا الأسبوع، لا سيما عن استمرار مكانة الولايات المتحدة كاللاعب الدولي المركزي وقدرتها على الحفاظ على قوة ردعها.
وفيما يلي النص المنقول إلى العربية:
على طاولة المفاوضات في فيينا يوجد ما هو أكثر من مستقبل المشروع النووي الإيراني. إذ إنّ غالبية المشاركين فيها يفهمون أصلًا أنه حتى لو وُقّع اتفاق فإنه سيكون ذو تأثيرٍ محدودٍ عليه. بين السطور وخلف الابتسامات الدبلوماسية في هذا الأسبوع ستتضح حقائق واسعة وأكثر جوهرية عن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة، بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، عن سُلّم أولويات إدارة بايدن والمستقبل الأميركي في الشرق الأوسط، وفي الأساس: عن استمرار مكانة الولايات المتحدة كاللاعب الدولي المركزي وقدرتها على الحفاظ على قوة ردعها.
العودة إلى المفاوضات هي جزء من الصراع بين مريدي المقاربة الصقورية [المتشددة] في إدارة ترامب ونتنياهو، الذين يؤمنون بأنه يمكن كبح لاعب جامع مثل إيران بواسطة القوة فقط، بما في ذلك عمليات سرية وعدوانية وعقوبات؛ وبين الذين يرفعون راية المقاربة الدبلوماسية في إدارتي أوباما وبايدن، الذين يعتقدون أنّ القوة ستقود فقط إلى المزيد من القوة ولن تُخضع إيران. بحسب هذه المقاربة الطريقة الفضلى، والوحيدة عملياً، هي الحوار والتسويات والاتفاقات – فقط هكذا يمكن وقف السباق الإيراني إلى قنبلة [نووية]، بل وحتى قيادتها، مثلما أمِل وزير الخارجية السابق جون كاري، للعودة إلى عائلة الشعوب.
من يقرأ مقدّمة الوثيقة التي عنوانها "الأهداف المركزية لـ سنتكوم"، القيادة المركزية الأميركية، قد يتساءل: لماذا أصلًا تذهب الولايات المتحدة إلى فيينا؟ حيث إنّ الوثيقة تعكس تصميماً وتصلّباً وتصف بشكلٍ واضح: الهدف الأساسي للجنود الأميركيين الـ 300 ألف في القيادة المركزية هو "ردع إيران" لأن النظام الإيراني "يقوّض الاستقرار ويسبب تصعيداً" في المنطقة. بعبارة أخرى: القيادة المركزية الأميركية تستعد لحربٍ مع إيران.
قبل عامين كان هذا قائد القيادة، الجنرال الكبير فرانك ماكنزي، من بين الذين أثّروا على الرئيس ترامب لاغتيال قاسم سليماني، رجل العمليات الكبير لإيران. ماكنزي نفسه أوصى بعدها فوراً بضم "إسرائيل" إلى القيادة المركزية – وهي خطوة أثمرت في كانون الثاني/ يناير الماضي. قبل حوالي شهر وصل إلى القيادة أيضاً الممثل الدائم للجيش الإسرائيلي.
من أجل كبح إيران، تعهدت إدارة أوباما لـ"إسرائيل" بأنه إذا استُنفذت كافة الخيارات – القيادة المركزية ستهاجم إيران. حتى إنّ وزير الدفاع [السابق]، بانيتا، عرض على نظيره حينها، إيهود باراك، توثيق فيديو مثير للانطباع لقنابل مرعبة خارقة للتحصينات طُوّرت بشكلٍ خاص ضد إيران، وهي تدمر أنفاقاً حُفرت في جبال صحراء نيفادا، كمحاكاة لمنشآت إيرانية. في سنة 2015 وقّعت الولايات المتحدة على الاتفاق النووي، والتي اعتقد قادتها أنه يمكن أن يوفّر عليهم هذا الهجوم.
كانت له مميزات: فكك كلياً مفاعل المياه الثقيلة في أراك، وأغلق عملياً الجهد الإيراني لصنع قنبلة بلوتونيوم، وأدى إلى تفكيك أجزاءٍ كبيرة من البنية التحتية النووية لإيران والمادة الانشطارية التي تملكها. بعبارة أخرى: جمّد المشروع النووي وألزم إيران برقابة دائمة. لكنه كان مليئاً بالثقوب أيضاً: فترة محدودة مُلزمة لإيران بالاتفاق، آلية الرقابة التي كان من الواضح من البداية انه يصعب فرضها، عدم تدمير الأعتدة بل تفكيك جزءٍ منها، وإيران لم تُلزَم بوقف التطوّر العلمي. عملياً، الدول الكبرى قبلت زعم إيران بأنها لم تحاول تطوير قنبلة نووية، ناهيك عن الحديث عن عدم وقف مشروع الصواريخ وولا كلمة عن دعمها للإرهاب.
التطورات التاريخية منذ توقيع الاتفاق [النووي] أثبتت العكس: لغاية سنة 2018، إيران طبّقت الاتفاق، أقل أو أكثر، وفككت ما وعدت بتفكيكه وراكمت ما يصل إلى 300 كغ من اليورانيوم المخصّب بنسبة منخفضة. في سنة 2018 سرق الموساد الأرشيف النووي الذي أثبت أن إيران كذبت بصورة صارخة وحاولت ثم حاولت، لكن ليس طوال الوقت، تطوير قنبلة [نووية]. "علمنا أنهم يكذبون وكان لديهم مشروع عسكري في الماضي"، سيقول جون كاري لاحقاً، "لكننا علمنا أنهم لن يعترفوا بذلك أبداً، ولو تعنّتنا لما كان هناك اتفاق".
نتنياهو رد بصورة مختلفة واستخدم وثائق الأرشيف لإقناع ترامب بالانسحاب من الاتفاق. الانسحاب منه قاد إلى انسحابٍ جزئي لإيران وتحريك المشروع النووي بصورة متزايدة – المزيد من التخصيب، المزيد من أجهزة الطرد المركزي المتقدّمة، والمزيد من المادة الانشطارية.
بزعم سعاة الاتفاق الـ"جديد": الاتفاق القديم أثبت نفسه في وقف إيران في الطريق إلى قنبلة [نووية]، وما قام به ترامب بتشجيعٍ من "إسرائيل" حقق العكس تماماً – إيران اليوم في وضعٍ أكثر تقدّماً مما كانت عليه في يوم الانسحاب [الأميركي من الاتفاق]. معارضو الاتفاق يزعمون: حقيقة أن إيران نجحت في تحريك وتركيب أجهزة طرد مركزي حديثة تُثبت أن كل الاتفاق قائم على حسن نية نظام آيات الله، وليس على انتزاع قدرته على التقدم إلى سلاح يوم الدينونة. أي أن الاتفاق لا يساوي الورقة التي كُتب عليها.
حقيقة أن إدارة بايدن تريد اتفاقاً بشدة، والإيرانيون يلعبونها صعبة، هي دليل على ضعف الولايات المتحدة وفقدان ردعها. الحقيقة هي أن أميركا العظمى بحاجة لإنذار من الاستخبارات الإسرائيلية من أجل إخلاء جنودها على عجل من القاعدة في سوريا من رعب الطائرات المسيرة الإيرانية التي قصفتها في الشهر الماضي، أو أنها على الرغم من معرفتها بأن إيران تقف من وراء هذا الهجوم الخطير فإنها لم تفعل شيئاً، وهذا دليلٌ إضافي على أفول الولايات المتحدة.
لكن الاتفاق، بقدر ما يتصل على الأقل بالولايات المتحدة وأوروبا، هو موضوع منتهٍ: السؤال الحاسم المتبقي هو ما إذا سيُطلب من إيران العودة إلى النقطة التي كانت فيها عشية الاتفاق السابق، أم سيجري الحديث عن "تجميد الوضع القائم"، الذي تتجلى فيه إنجازات إيران التطويرية منذ الانسحاب [الأميركي من الاتفاق]. دول أوروبا، بصورة مثيرة للاستغراب، هي مرة أخرى التي تعتمد في هذا الشأن مقاربة أكثر تصلباً تجاه إيران.
أيضاً على جدول الأعمال مصير العقوبات: المعاقبات والقيود التي فُرضت على إيران على مدى عقدين ألحقت ضرراً كبيراً بالنظام والدولة. سؤال حاسم هو إذا رُفعت، فبأي مستوى، وإلى أي مدى ستصر الإدارة على فرضها. يثور انطباعٌ في "إسرائيل" بأن هناك توجيه غير مكتوب في وزارة الخارجية الأميركية بعدم إبداء حافزية زائدة في موضوع العقوبات. التقدير هو أن التاريخ يتكرر: تقريباً كل من عمل في موضوع الاتفاق النووي في "إسرائيل" وفي الولايات المتحدة في سنة 2015 عاد إلى التعامل معه الآن. وكلهم ارتقوا درجة: بايدن أصبح رئيساً، وبيرنس رئيس السي آي إيه، وبلينكن وزير الخارجية، وكوهِن أصبح رئيساً للموساد [هذا ما ورد حرفياً بالعبرية]. استبدال نتنياهو ببينيت عدّل هذه الصورة لكنه في الحقيقة لم يغيّر شيئاً في المسلكية الإسرائيلية.
فور تنصيبها أعلنت إدارة بايدن أنها تريد العودة إلى الاتفاق [النووي]. الأمر نبع، من بين جملة أمور، من الرغبة في محو تركة ترامب. بنظر كثيرين في الإدارة الحالية: كل ما فعلته "إسرائيل" في تلك الفترة بالتعاون مع الولايات المتحدة ممسوس بـ"سم" ترامبي، ولذلك يجب التخلص منه.
هذه الرؤية، وربما حتى أكثر من أي اتفاقٍ مع إيران، هي التي يجب أن تُقلق "إسرائيل".