"واشنطن بوست": هل يقوم بايدن بتطبيع سياسة ترامب الخارجية؟

إذا استمر جو بايدن في مساره الحالي، فقد ينظر إليه المؤرخون يوماً باعتباره الرئيس الذي قام بتطبيع السياسة الخارجية لدونالد ترامب.

  • بايدن حافظ على معظم سياسات ترامب الخارجية.

كتب المحلل والكاتب الأميركي المعروف فريد زكريا مقالة في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية انتقد فيها السياسات الخارجية للرئيس الأميركي جو بايدن، معتبراً أنه يقوم بإبقاء سياسات سلفه دونالد ترامب، التي وصفت بالأحادية والأنانية والتي أساءت لحلفاء وزادت العداوات مع الخصوم.

وقال زكريا إن بايدن سيلقي الأسبوع المقبل، في 21 أيلول / سبتمبر، خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. يأتي هذا الخطاب في لحظة حاسمة في رئاسة بايدن وسيكون له تأثير خاص على كيفية النظر إليه في الخارج. فبعد نحو ثمانية أشهر من متابعة السياسات والخطابات والأزمات في ظل رئاسة بايدن، فوجئ العديد من المراقبين الأجانب - بل صُدموا - باكتشاف أن سياسة بايدن الخارجية، في منطقة تلو الأخرى، هي استمرار مخلص لنهج دونالد ترامب ورفض لنهج الرئيس باراك أوباما.

وأضاف الكاتب أن جزءاً من هذا الشعور بالصدمة، ناتج عن الطريقة المفاجئة والأحادية الجانب التي سحب بها بايدن القوات الأميركية من أفغانستان. أخبرني دبلوماسي ألماني أنه، في رأيه، تمت استشارة برلين من قبل إدارة ترامب أكثر من هذه الإدارة. وقال إن بعض سلوك بايدن هو إجراءات محددة، مثل صفقة الغواصات، التي أغضبت الفرنسيين.

وتابع الكاتب أن المخاوف المتزايدة تتجاوز بكثير ملفاً واحداً. فقد أشار دبلوماسي أوروبي كبير إلى أنه في التعامل مع واشنطن بشأن كل شيء من اللقاحات إلى قيود السفر، كانت سياسات بايدن تقوم على مقاربة "أميركا أولاً" عملياً، بغض النظر عن الخطاب. وقال سياسي كندي إنه إذا تم اتباع خطط بايدن "اشتروا المنتجات الأميركية"، ف​​هي في الواقع أكثر حمائية من خطط ترامب. وعلى الرغم من انتقاده مراراً للتعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الدول الأخرى، فقد احتفظ بايدن بها جميعًا تقريباً. (بل، تم توسيع الكثير منذ أن تم السماح بانتهاء معظم الاستثناءات). ويواصل الحلفاء الآسيويون الرئيسيون الضغط على بايدن للعودة إلى الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي شراكة أشاد بها بايدن كثيراً عندما تفاوضت إدارة أوباما عليها(عندما كان نائباً للرئيس ترامب). بدلاً من ذلك، تم وضع هذه القضية على الرف.

وأشار زكريا إلى مثال صارخ آخر على سياسة بايدن الخارجية المفاجئة هو الاتفاق النووي مع إيران، وهو واحد من الإنجازات البارزة لإدارة أوباما. فخلال حملته الانتخابية، جادل بايدن بأن انسحاب ترامب من هذا الاتفاق كان خطأً أساسياً وأنه، عندما يصبح رئيساً، سوف ينضم إلى الاتفاق طالما أن إيران ستمتثل له أيضاً. ووصف مستشاره للأمن القومي، جيك سوليفان، إعادة ترامب لعقوبات ثانوية ضد طهران على الرغم من معارضة حلفاء الولايات المتحدة بأنها سياسة "أحادية مفترسة".

وأضاف: لكن منذ أن تولى منصبه، فشل بايدن في العودة إلى الاتفاق النوي بل قام بتمديد بعض العقوبات. فبعد أن جادلوا منذ فترة طويلة ضد محاولة إعادة التفاوض على الاتفاق، يريد المسؤولون في إدارة بايدن الآن "إطالتها وتقويتها". حتى الآن، لم تنجح استراتيجية ترامب وبايدن. ارتفع مخزون إيران من اليورانيوم المخصب من أقل من 300 كيلوغرام في عام 2018 إلى أكثر من 3000 كيلوغرام في أيار / مايو الماضي.

وقال زكريا: كذلك الأمر في السياسة تجاه كوبا. كانت إدارة أوباما جريئة بما يكفي لمعالجة واحدة من أكثر الإخفاقات الصارخة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة. بعد أن عُزلت كوبا وفُرضت عليها عقوبات منذ عام 1960 لإحداث تغيير في النظام في ذلك البلد، عززت الولايات المتحدة بدلاً من ذلك الحكومة الشيوعية في كوبا. أثار فيدل كاسترو الحماسة القومية من خلال إلقاء اللوم في جميع مشاكل كوبا على الحظر الأميركي، وبدلاً من الإطاحة به، انتهى به الأمر بالبقاء في السلطة لفترة أطول من أي زعيم غير ملكي على هذا الكوكب.

وتابع الكاتب: كما هو الحال مع إيران، دفع الناس العاديون في كوبا تكلفة هذه السياسات. إن أحد أقسى جوانب سياسة العقوبات الأميركية هو أنه يتم نشرها بسهولة لأنها ترضي مجموعات المصالح الخاصة في واشنطن وغير مؤلمة للأميركيين، ولكنها تلحق أضراراً مروّعة بالأفقر والأكثر ضعفاً، الملايين من الكوبيين والإيرانيين العاديين، ولا توجد طريقة لديهم للاحتجاج أو الرد.

بدأ أوباما في تخفيف هذه السياسات تجاه كوبا. لكن ترامب قام بعكس المسار. حافظ بايدن على سياسة ترامب وشدد العقوبات بالفعل. في تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخير الذي يدين الحظر الأميركي المفروض على كوبا منذ 60 عاماً، كان التصويت 184 مقابل 2 (كانت "إسرائيل" الوحيدة التي صوتت مع واشنطن).

وقال الكاتب: غالباً ما انتقد بايدن وفريقه ترامب بسبب اعتدائه على النظام الدولي القائم على القواعد. ولكن كيف يمكن لبايدن أن يعيد بناء مثل هذا النظام بينما يتبنى الحمائية العارية والعقوبات الأحادية والمشاورات المحدودة وسياسات "أميركا أولاً" بشأن اللقاحات وحتى السفر؟

وأضاف: عندما كنت عائداً من أوروبا الأسبوع الماضي، قالت لي موظفة الخطوط الجوية البريطانية بتوتر: "أتمنى أن يكون لديك جواز سفر أميركي". أجبتها بنعم ولكن سألته لماذا بدت مرتاحة للغاية. أجابت: "أوه، لقد جعل الأميركيون من دخول الأوروبيين إلى بلادهم كابوساً. ويبدو ذلك غير عادل لأن لدينا معدلات تطعيم أعلى بكثير ومستويات أقل بكثير من فيروس كورونا لديكم". واختتمت كلامها بسخط قائلة: "يبدو أن هذه الأيام أنتم الأميركيون تريدون فقط معايير مزدوجة تساعدكم بغض النظر عما يعتقده الآخرون".

وختم زكريا مقالته بالقول: لا يجب أن تكون الأمور على هذا النحو. يجب أن تكون أنانية ترامب هي الانحراف عن القاعدة. يمكن لبايدن استخدام منبر الأمم المتحدة للعودة إلى جذوره العميقة بصفته "أممياً" أو "عالماتياً" يفهم أن الدول لا تتحالف ببساطة مع أميركا بدافع الخوف أو الرشاوى أو المخاوف الأمنية الضيقة. إنها تفعل ذلك لأن أفضل رؤساء أميركا قد صاغوا واتبعوا سياسات، بينما كانوا دائماً منتبهين لمصالح الولايات المتحدة، فقد حاولوا كذلك بناء نظام دولي مفتوح قائم على القواعد يساعد الآخرين على الازدهار والنمو. إذا استمر جو بايدن في مساره الحالي، فقد ينظر إليه المؤرخون يوماً ما باعتباره الرئيس الذي قام بتطبيع السياسة الخارجية لدونالد ترامب.

نقله إلى العربية بتصرف: هيثم مزاحم